الشيخوخة بعبع الذين لم يكتبوا في شبابهم عملا يخلدهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اعداد عبدالاله مجيد: الأدب والشيخوخة رفيقان لا ينسجمان بسهولة، كما يرى بعض النقاد. ويذهب هؤلاء الى ان سمعة الغالبية من الكتاب تتكون أو على أقل تقدير تبدأ قبل سن الأربعين في حين ان قلة من الروائيين ينجزون اعمالا كثيرة بعد سن السبعين. ويمكن القول إنهم يبدأون الإضرار بسمعتهم ذاتها عندما يعترف القراء بأن كتِّابهم المفضلين صارت لهم أقدام من طين.
ويلاحظ روبرت ماكرام في صحيفة "الاوبزرفر" ان فيليب روث كثيرا ما يُذكر بوصفه اديبا معاصرا كبيرا عاش فترة ازدهار في مرحلة متأخرة من حياته، امتدت من "حكاية رعوية اميركية" في عام 1997 الى "خروج الشبح" في عام 2007. بيد ان نتاجه الروائي الضعيف في السادسة والسبعين ـ مثل عمله الأخير The Humbling الذي مزقه النقاد بلا رحمة ـ يشير الى ان من الأفضل له ان يعلن اعتزاله الكتابة. ولكن الأمل ضئيل في اقدامه على خطوة كهذه. وعدا ظمأ الناشرين والوكلاء الذي لا يرتوي، يدفع ضمور الطاقة الابداعية غالبية الكتاب الى الاصرار على المحاولة حتى الرمق الأخير. ويوحي مثل هذا العناد بأن الفن الهابط سيبقى له معنى حيث تبدو الحياة نفسها عبثا بلا معنى.
الكتاب الكبار لا يعترفون بالنهاية الأدبية المحتومة في شيخوختهم مثلهم مثل الذين يبدأون متأخرين بتفاؤل مفرط. ويعيد ماكرام الى الاذهان ان ليو تولستوي كتب عمله الموسوم "لن أسكت" في عمر التاسعة والسبعين. وصدرت آخر رواية مهمة كتبها ـ "البعث" ـ في عام 1900 عندما كان في الثانية والسبعين. ويصح الشيء نفسه على الفن باستمرار بيكاسو وماتيس في الرسم بعد الثمانين.
ولكن بعدما اصبحت سن الثمانين سبعين جديدة في عالم اليوم بفضل انجازات الطب الحديث قد يظن البعض ان الابداع الأدبي سيزدهر بين ابناء الثمانينات. ولكن الدلائل لا تشجع على الخروج بهذا الاستنتاج. وإذا كان غوتة كتب فاوست في الحادية والثمانين فان غراهام غرين ووليام غولدنغ في بريطانيا نشرا كتبا جديدة وهابطة في الثمانينات من العمر.
فازت دوريس ليسنغ بجائزة نوبل للآداب عام 2007 وهي في السابعة والثمانين، ونشرت روايتها "الصدع" في عام 2008. ولكن حتى أشد المعجبين بها حماسة يتفقون، بحسب ماكرام، على أن ذكراها سترتبط بروايتي "العشب يغني" و"الدفتر الذهبي" اللتين نُشرتا عام 1962 حين كانت في الثالثة والأربعين.
من مظاهر الحال التي آلت اليها تجارة الكتاب في بريطانيا ان لا أحد من الناشرين سيجرؤ على ان يقول لكاتب مشهور ان يحتفظ بمخطوطته الأخيرة في آخر درج من مكتبه. ولكن أن يُقال لأحد يعيش من أجل الأدب ان ما تبقى له هو الصمت فان هذا شكل غريب من أشكال القسوة. فتلكم قضية وجودية: كم منا، كتابا أو غير كتاب، لدينا معرفة كافية بذواتنا للاعتراف بحدودنا؟
في هذا السياق يبدي روبرت ماكرام اعجابه بوليام شيكسبير الذي قال كاتب سيرته ستيفن غريبلات انه كان يكتب "وكأن لا شيء أكثر متعة في الحياة من كتابة المسرحيات"، وحين اعتزل فانه اعتزل بروح رياضية متحررة من كل اشكال المبالاة.
ولعل "العاصفة" التي يُرجح ان شيكسبير كتبها في عام 1611 ليست مسرحيته الأخيرة. ولكنها تبقى وداعا مدهشا لسحر ابداعه "الخشن" ومثالا ساطعا على الاعتزال بإرادة ذاتية. وحيث يستطلع "الملك لير" استحالة الاعتزال وكارثة الاستسلام يبدو شيكسبير وكأنه يحتفي بهما في "العاصفة". ويقول بروسبيرو الذي يقوم بدور المنقذ في مسرحية "العاصفة" ان "كل فكرة ثالثة ستكون قبري"، ويتابع انه في ذروة سلطانه سيُغرق كتابه في الأعماق ويحطم صولجان السحر ويعتكف في ميلانو، في اشارة ضمنية الى ستراتفورد في انكلترا. ويقول غرينبلات ان هذا لا يُصوَّر على انه دليل ضعف بل انتصار اخلاقي. ولكن هذا الذي نتحدث عنه كان شيكسبير.