ثقافات

عبد الغني شنتوف: المستقبل لمسرح الصورة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


كامل الشيرازي من الجزائر: يجزم المخرج المسرحي الجزائري "عبد الغني شنتوف" (32 عاما) أنّ المستقبل هو لمسرح الصورة، ويذهب إلى أنّ المسرح القائم على الحشو في الخطاب والاستعراض، محكوم عليه بالزوال، ويبدي شنتوف اهتماما بتجربة مسرح "البيو ميكانيكا" وينبّه إلى توخي الاختصاص إذا ما أراد المسرحيون العرب تحقيق نقلة حاسمة.

bull;كيف جئت إلى عالم المسرح، وماذا عن مختلف الأشواط التي قطعتها بين عالمي الهواية والاحتراف؟
-منذ نعومة أظافري - من مواليد 3 فبراير/شباط 1997 بضاحية يسر التابعة لمحافظة بومرداس - (50 كلم شرق الجزائر)، وأنا مولع بالمسرح وقد مارست النشاط المسرحي بكثرة في مختلف مراحل التعليم، حيث كنت أقدّم أعمالا مسرحية في سائر الأعياد الوطنية والمناسبات الدينية، وحينما أوشكت على إنهاء دراستي الثانوية، أحسست بشيئ في داخلي يدفعني بقوة إلى الخشبة، وأعتبر بدايتي الحقيقية في مهرجان المسرح المدرسي، أين تمّ اكتشافي من طرف أحد المخرجين البارزين وجرى استدعائي للانضمام إلى فرقة "يسر" للمسرح الهاوي.
حرصت منذ خطواتي الأولى على المزاوجة بين التمثيل وتصميم الديكور، على خلفية عشقي الدفين للرسم، واشتركت في مسرحيات "الصرخة"، "الزردة"، "إذا جاك الزمان تقرو"، لكني أعترف أني لم أعثر على ضالتي في المسرح الهاوي، ما دفعني لاحقا إلى الالتحاق بالمعهد العالي للفنون الدرامية لكي أدرس أسس وقواعد الفن المسرحي، ودرست هناك فن السينوغرافيا، وبفضل واكتسبت معارف كثيرة في مجال الديكور والإضاءة والإكسسوارات، كما اغتنمت الفرصة لأحتك بالمختصين وأستزيد من الطرائق الأكاديمية في مجال التمثيل والإخراج والكوريغرافيا وكذا النقد المسرحي.
وتمكنت لاحقا من المشاركة في عدة أعمال مسرحية كـ"هاملت"، "بدون تعليق"، أنتيغون"، "السفير"، كما كانت لي تواقيع في مسرح الطفل من خلال مسرحية "محفظة نجيب" وكذا "الصبيان والألوان".
الآن وبعد سنوات من العطاء، أردت الاندراج في تجربة جديدة هي الإخراج، كما أسعى لإحياء الركح بمسقط رأسي، من خلال المسرح الجديد بمدينة "يسر" الجزائرية، من خلال اعتماد أسس وقواعد احترافية، وأشتغل حاليا على "المسرح المخبري" بغرض تكوين وصقل المواهب والطاقات الشابة، حتى وإن كانت مسرحية "السفير" الدراماتورج البولوني الشهير "ميروسلاف مروزك" قد تحولت من "عمل مخبري" هدفنا من ورائه إلى تقديم رؤية جديدة للمسرح لاقى استحسانا من لدن المختصين في الجزائر والمغرب، والآن انتهيت من إخراج مسرحية جديدة "لحظة من رحيل" للكاتب الجزائري "سفيان بن عطية" مع الثنائي "علي تامرت" و"رضوان مرابط"، وعملت كمدير للممثلين في فيلم سينمائي قصير "تحويل مكالمة".

bull;مارستم السينوغرافيا، وتحولتم منذ سنتين إلى الإخراج، أين وجدتم نفسكم أكثر؟
-أميل إلى العمل سينوغرافيا وإخراجيا، ونظرتي للمسرح لا تفصل الأشياء عن بعضها، فالإخراج مُكمّل للسينوغرافيا والتمثيل والموسيقى والنقد، وفي تطبيقاتي الركحية أميل كثيرا إلى الصورة المعبّرة، من خلال الاشتغال الجمالي على الأفكار، وأفضل تكثيف الصور عوض الإغراق في الثرثرة فوق الخشبة.

bull;هل تؤيدون الطرح القائل بوجود أزمة سينوغرافيا في المسرح الجزائري؟
-الأزمة بٍرأيي أزمة مركّبة، أزمة نص، أزمة إخراج، أزمة تكوين، أزمة تأطير، وهذا الأمر واقع ولا يجوز التعمية عنه، والمسألة مردودة إلى ما حصل بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي لم يبق مشتلة للكوادر كما كان، خصوصا بعدما تمّ تحويله بقرار إداري غير مفهوم إلى وجهة أخرى، ما أدى إلى تراجع كبير على صعيد الخامات الموجودة حاليا، والحل يكمن في إعادة بعث التكوين الصحيح لإيجاد جيل جديد من المخرجين والممثلين والسينوغرافيين بعد سنوات من الآن.

bull;أي فروق تكمن بين عالم الهواة والمحترفين في الجزائر، وماذا بشأن محدودية إنتاج ونوعية ما يقدمه المسرح القومي الجزائري، قياسا بما يمتلكه من إمكانات مادية وفضاءات؟
-لا أجد أي فرق بين عالمي الهواة والمحترفين، سوى في استفادة المحترفين من رواتب وحماية اجتماعية خلافا للهواة، وأنا شخصيا لست أتعاطى مع الأمور بهذه الطريقة، فهناك عمل جيّد وآخر رديئ، والعمل الجيّد هو المحترف حتى وإن كان مبدعه هاويا.

bull;إذن كيف تقيّم ما يقدمه المسرح القومي وفروعه، بمقابل ما يقدمه الهواة هنا وهناك؟
-كانت هناك انتعاشة طفيفة قبل سنتين مع احتضان الجزائر لاحتفالية الثقافة العربية، وهذا الانتعاش الذي أتحدث عنه يخص جانب الكمّ لا النوعية، وللأسف لم يعقب ذاك الموعد تحولا حاسما على مستوى الإنتاج المسرحي ومعايير تفعيله، إذ لا تزال عموم المسارح الحكومية عاجزة عن إنتاج في مستوى الأغلفة المالية المرصودة لها، والأمر ينسحب أيضا على الدراما التليفزيونية في الجزائر، أين لا يزال المستوى متدهور خلافا لما يحدث من تسارعات مبهرة في المشرق.

bull;ما الحلّ بنظركم للنهوض بالفن في الجزائر؟
- الحل يكمن في إسناد الأمر إلى أهله، والمراهنة على أصحاب الاختصاص والكفاءات، حيث أنّ الشرخ الواقع حاليا يتمثل في استبعاد كثير من اختصاصيي الفن الرابع، ولعلّ عودة الأمور إلى وضعها السليم وتمكين الأكفاء من التسيير والممارسة سيحدث نقلة نوعية من شأنها استرجاع أمجاد المسرح الجزائري.

bull;بحكم اشتغالك في السنوات الأخيرة مع وجوه شابة، هل هناك ما يبشّر بالخير في الأفق؟
-بالتأكيد، هناك طلائع جديدة قادمة، وأشدد هنا على أننا وجدنا في النهر ما لم نجده في البحر، حيث سنحت لي الفرصة كي أقف على قدرات عديد المسرحيين الشباب من الجنسين، لكنّ هذه القدرات يجب أن تُصقل بمهارة، ولا أستبعد أن نحصل في السنوات القليلة القادمة على وجوه بارزة قد تقلب راهن المسرح الجزائري رأسا على عقب.

bull;كان لكم احتكاك كبير بعدة فنانين هنا وهناك، ما هي الدروس التي تعلمتها منهم، وما المقارنة التي تجريها بين المسرح الأوروبي والمسرح العربي حاليا؟
-في الحقيقة من الإجحاف أن نقارن بين المسرحين، لأنّ لكل مسرح واقعه وحيثياته وتمظهراته، ولعلّ المكانة الرفيعة التي يُحظى بها المسرحيون في أوروبا، واتكاء الغرب على عاملي التخصص والحرفية بمعانيهما الصحيحة هي التي جعلت من مستوى المسرح الأوروبي أكثر قيمة مقارنة بنظيره العربي الذي لا يزال يتخبط في كثير من البلدان بمشكلات تنظيمية وتموقعه كنوع من الترف والاستهلاك، وأضرب مثلا بما يحدث في الجزائر، فالسينوغرافي يقوم بتصميم الديكور، وانتقاء الملابس واختيار الإضاءة وو.. بينما في أوروبا لكل من الأشياء التي ذكرتها مختصون، والمشكلة لا تتلخص في الإمكانيات بل في العقليات وروح الفعل الإبداعي.

bull;تعتمد فرق مسرحية كثيرة في الجزائر على اقتباس نصوص من الريبرتوار العالمي، بدل الاشتغال على نصوص متوفرة لعديد الكتاب الجزائريين الجيدين، إلى ماذا يرجع ذلك برأيكم، وهل هناك شرخ واقع بين الكتاب والمسرحيين في الجزائر؟
-لا المسألة تتعلق بافتقادنا إلى نصوص مسرحية مكتوبة على أسس درامية، وبنظري ليس كل من يكتب نصا، يزعم أنّه أبدع مسرحية، وهو ما يفسر جنوح المسرحين الجزائريين للاعتماد على مسرحيات من الريبرتوار العالمي، خصوصا تلك التي تتضمن أفكارا إنسانية.
أنا لست ضدّ النصوص الجزائرية واستنهاض التراث المحلي، المشكلة لا تتلخص في ماذا نشتغل، وإنما كيف نشتغل؟ بشكل يكون فيه الإبداع الحقيقي حاضرا ويتمخض عنه عرضا ممتعا وفي أبهى الحلل.

bull;انتقادات كثيرة توجه كل سنة إلى المهرجانات المسرحية والسينمائية التي تحتضنها الجزائر، ويتهّم متخصصون لجان تنظيم هذه المهرجانات بتكريس ثقافة المجانية والاستعراض على حساب فتح نقاشات كبرى حول رهانات الفنين الرابع والسابع، هل هناك فعلا مشكلة تقاليد في المهرجانات الجزائرية، وما رأيكم بما قدمه مهرجان المسرح المحترف خلال دوراته الثلاث المنقضية؟
-أنا أنظر لما أشرتم إليه، من زاوية رغبة البعض في "البزنسة" و"المتاجرة"، خصوصا خلال العامين الأخيرين والمبالغ الطائلة التي أنفقتها الخزانة العامة على عديد المهرجانات، هذه الأخيرة بات همّ كثير من المشرفين عليها هو (التكسّب) ولا يهمهم إن عُرضت مسرحيات رديئة، أو جرى إلغاء ورش وما إلى ذلك، وهذا هو الفرق القائم بين مهرجانات سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي كانت تُقام بكمشة من النقود وبتضحيات جسام لأجل مناقشة القضية المسرحية الأمّ، وبين مهرجانات الزمن الحالي.

bull;اشتهرت محليا بتصاميمك السينوغرافية ورؤاك الإخراجية، لكنك عكس كثيرين، لم تخض تجارب خارج الحدود، إلى ماذا يعود ذلك؟
-بصراحة لديّ عديد العروض لا سيما من تونس، لكن هدفي الأساس وشغلي الشاغل يبقى التركيز على الإسهام في بعث المسرح بالجزائر،

bull;ظهرت خلال السنوات الأخيرة، العديد من تطبيقات مسرح الشارع في الجزائر، كيف تقاربون هذا النموذج وما فرص نجاحه جزائريا وعربيا؟
-صحيح، صدى مسرح الشارع في الجزائر جد طيب، وأتى كتوليفة مبتكرة ليعوّض هجرة الجماهير للقاعات، وأنا أؤيد عدم بقاء المسرحيين حبيسي الخشبات، والانصراف إلى استحداث أشكال مسرحية جديدة على منوال مسرح الشارع الذي يستطيع استيعاب رواد المقاهي والميادين والمستشفيات والمجالس العامة لإيصال أصواتهم واستقطاب عدد كبير من المتلقين، خصوصا في ظلّ استمرار معضلة غياب فضاءات، والجمهور الجزائري متعطش لمواكبة العروض خلافا لما يُشاع، المشكلة ليست في الجمهور، وإنما ماذا يُقدّم لهذا الجمهور، فعهد مسرح الخطابات المستهلكة ولّى، ولا بدّ من الإتيان بأشياء جديدة نستقطب بها عشاق الركح، والمسرح متعة بمنظور أرسطو.

bull;هل هناك تجارب فنية شابة في الجزائر والعالم العربي أثارت انتباهك؟ وهل ثمة قوالب مستحدثة يمكن إنضاجها مستقبلا؟
-أعجبت كثيرا بالتجارب التي رأيتها في تونس ودول مغاربية أخرى، إضافة إلى الذي انتهجته فرق في الضفة المتوسطية، وأعود لأشيد بما يحدث من حراك مسرحي في الشقيقة تونس، أين تتقدم الأمور هناك بخطى عملاقة خصوصا في مسرح "البيو ميكانيك" واهتمام المسرحيين التونسيين بالصورة الركحية تماما مثل اعتنائهم بالشكل، وهي تنميطات سيمكّن من إخراج المسرح من ياقته الكلاسيكية، أتصور أنّ المسرح الذي سيفرض نفسه في السنوات القادمة هو مسرح الصورة، علما أنّ كل الأشكال المسرحية جميلة من مسرح العلبة إلى مسرح اللا معقول وغيرهما، الجوهر يكمن في كيفية استغلالها وإسقاطها جماليا.

bull;بالنسبة للسينما في الجزائر، يجري الحديث عن أفلام ثورية بالجملة، هل ذاك مؤشر على ميلاد سينما ثورية؟
-هو بٍرأيي محض تقليد للفانتازيا السورية.

bull;هل لكم أن تحدثوا قراء "إيلاف" عن مشاريعكم المقبلة؟
-أخطط للاشتغال على مزيد من النصوص المسرحية الجزائرية والعربية، بينها نص "ورود حمراء تليق بالجنرال" للكاتب السوري "حمدي موصللي" وعمل للأطفال بعنوان "حكت لي أمي"، بيد أني أنوي إعادة كتابة النصوص التي أعتزم تجسيدها على الخشبة، لرغبتي في التطوير الدائم، وتكييف النص المعني مع متغيرات المرحلة التي سيتم مسرحته فيها.
وختاما أتطلع إلى تسيير متميّز لـ"المسرح الجديد" في مدينة يسر بما سيسمح ببعث الثقافة المسرحية في المنطقة والجزائر ككل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكر
اليسري -

شكرا لك استاذ على هذ الجهد المهم هو ان يكون هناك انتاج مسرحي راق في الجزائر و في مدينة يسر بالخصوص شكرا ايلاف