جديد جوخة الحارثي: في مديح الحب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ويشعر القارىء بان لدى جوخة الحارثي ما تقوله دون ان يضيع صوتها بين اصوت اخرى او يقع التباس بين كلامها وكلام اخرين.
كتابها الاخير "في مديح الحب" هو اذن نصوص او المصطلح المعتمد في هذه الايام ليعني انماطا وانواعا كتابية ادبية مختلفة. في الكتاب تبرز سمة ملازمة لكثير من نتاج جوخة الحارثي فضلا عن قدرتها السردية.. والسمة هي ان كتابتها في مجملها تفيض شعرا مهما اطلقت عليه من الاسماء.
جاء كتابها الاخير في 79 صفحة متوسطة القطع وصدر عن "دار ميريت" في القاهرة. وجوخة الحارثي كاتبة من سلطنة عمان. كتابها الاخير هو الخامس بعد اصدارات في القصة القصيرة والرواية ودراسة في ادب عمان والخليج.
نتاج الكاتبة الاخير جاء -كما الكتاب الذي سبقه- حافلا بما في النفس دون زخرفة بلاغية ظهرت في بعض اعمالها السابقة. انها تركز بتأثير وقدرة ايحائية على ما يخالج النفس من افكار ومشاعر سواء عندما تقص قصا تريده صافيا او ما يأتي اقرب الى دفق شعري بل يأتي شعرا.
إلا انها ممتلئة بمرارة كأنها تنصب غالبا على تصوير الخيبات ووجوه من الجحود والنفاق البشريين. وفي كثير من نصوصها ما يرسم مباشرة او مداورة فنيتين طعنات ووجوها من التخلي والنفاق تتعرض لها الطيبة الانسانية وكأنها احيانا طريد ابدي الى حد ما.. والتهمة هي الطيبة والبراءة والنبل.
ونصوص جوخة الحارثي هذه لا تقع في البكائيات والنواح التقليديين فالكاتبة تجعل من الاحزان والخيبات والقسوة البشرية الرهيبة نتاجا فنيا ممتعا وان جارحا كنصل حاد احيانا يصاغ بقدرة واضحة وتمكن مضطردين.
بعض نصوصها تقدم التحليل الفكري او النفسي وما يمكن استخلاص "حكمة" منه في شكل فني دافىء لا يجره الفكري الى برودته المفترضة بل يرفع الفكري اليه.
في "الحب يصادق اولاد الشوارع" نجد عناوين فرعية منها مثلا "الحب واليأس" وفيه رومانسية تبلغ اقصى الحزن والتشاؤم لكن دون بكاء. تقول " تقرب الحب الى اليأس بقربانات شتى بلا جدوى. مرة لاحقه في سكة خلفية وكاد يربت على كتفه.. لكن اليأس لم يتوقف. مرة صرخ في وجهه بشتائم قبيحة لكن اليأس لم يلتفت. مؤخرا تمرغ الحب بين قدمي اليأس يستجديه الراحة الاخيرة التي ستنقذه من الاحلام لكن اليأس غير طريقه ايضا."
وتحت عنوان فرعي اخر هو "الحب والجنس" تحليل يدخل الى اعماق النفس البشرية بلغة هذه الايام عبر كاميرا خفية ويتناول ظلامية الجنس واشراق الحب ويأتي بنتائج تقدم الى القارىء بصور فنية. قالت جوخة الحارثي "على الرغم من انهما كانا يتنزهان في الحديقة متعانقين الا ان الكاميرا الخفية استطاعت التقاط خط المسافة الرهيف الفاصل بين جسديهما المتعانقين. وافق الحب على عرض الصورة في برنامج الكاميرا الخفية لكن الجنس اصر على الرفض."
وفي "قضمة" تصوير سوداوي لما يمكن ان نسميه زئبقية السعادة وهربها الدائم فكأنها وهم وخداع لا يكتفي بالبعد عنا بل يسرق بعض ما لدينا. تقول مستعملة "ادوات" الواقع اليومي "كنت جالسة في المقهى الواسع... امامي زجاجة الماء وساندوتش الجبن والفاتورة.
"جاءت السعادة ترتدي نظارة شمسية وتحمل شمسية مشجرة وتجر قدميها في شبشب على الموضة. لطمت وجهي وذهبت. تبعتها لعلها تأخذ وجهي الملطوم للذكرى. او لعلها كانت جائعة واحتاجت قضمة من ساندويتشي المهمل."
وفي "قطط" وصول الى اقصى حالات اليأس والخيبة والتشاؤم والظلم الذكوري. تقول "كان الرجل يسير في الشارع متأبطا جريدة الصباح. وقفت البنت امامه. شقت صدرها بسكين ورمت قلبها اليه. التقط الرجل القلب الرطب ولفه في جريدته الصباحية ومضى. حين اتسخ قميص الرجل بالدم رمى بالقلب لقطط الشارع."
ولعل في القسم الاول من "نافذة الماسنجر وزر القميص" نموذجا شعريا واضحا وجميلا. فبعد مقدمة قصيرة قالت شعرا "اه ايها العمر الخاطف/ لا تكن قاسيا هكذا/ ما زال الحليب في صدري/ والاشجار تتفرع من رئتي/ وأنت تمر../ خاطفا هكذا/ قاسيا هكذا../ توقف قليلا لاحكي لك الحكاية."
كتابها السابق للاخير اي مجموعة القصص التي حملت عنوان "صبي على السطح" الذي صدرفي 91 صفحة متوسطة عن دار "ازمنة" في العاصمة الاردنية عمان فيه قصص قصيرة جيدة وقصص قصيرة جدا مميزة في ما تقوله وكيفية قوله. وفي احداها تصور اجواء من الحزن والخيبة وشعور الانسان -بل الانثى- بأنه مظلوم ومستخف به من اجل خدمة نرجسية ذكورية قاسية وصبيانية.
تقول في الختام "...رجته ان يرمي اشياءها. فوافق. ألحت عليه فوعدها وأقسم على ذلك.. بحياتها. ثم انتهت المكالمة. كانت سيجارته قد انطفأت وقهوته الحالكة قد بردت. فلم يجد ما يفعله سوى تقليب اشيائها بين يديه. شمها ثم اعادها الى مكانها. وخرج من المنزل مصفرا بمرح."
(رويترز)
جورج جحامنبيروت - تطل جوخة الحارثي في كتابها الاخير "في مديح الحب" وفي الكتاب الذي سبقه ايضا وعنوانه "صبي على السطح" بنسيج ذي شخصية خاصة دون شك وقد حاكته بتميز وجمالية ففي عملها الاخير الذي وصف بانه "نصوص" تجعل الكاتبة القارىء يعيش اجواء شديدة الايحاء من الشعر والقص ومن سخرية مرة في احيان كثيرة.