مؤتمر أدباء مصر: مستقبل الشعر أكبر من حاضره
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وعقب الافتتاح أجرى الوزير لقاء مفتوحا مع الأدباء والشعراء أعلن خلاله تخصيص 250 ألف جنيه للفروع الثقافية بواقع 50 كل فرع ثقافي كميزانية خاصة ينظم بموجبها مسابقة أدبية سنوية كبرى في كل الأنواع الأدبية، كما وافق على فكرة اختيار إحدى محافظات مصر في كل عام كعاصمة ثقافية يتم تكثيف الأنشطة الثقافية والفنية لكل المؤسسات الثقافية التابعة للوزارة في هذه المحافظة، وقال أنه سيصدر هذه التعليمات لكل المؤسسات الثقافية لدراسة المشروع.
وأكد د.أحمد مجاهد في كلمته أن المؤتمر أثبت دورة بعد دورة أنه يتناول موضوعات غاية في الأهمية والحيوية على المستوي الثقافي والفكري في مصر، وأن الأمانات المتعاقبة على تنظيمه، كانت من الوعي والعلم بحيث أنها استطاعت أن تقدم دورات أدبية، يمكن بشكل علمي أن نطلق عليها "دورات أدبية أشبه بالمحكّمة"، ولا يمكن أن ننسى قاضيا مثل مفهوم الثقافة الوطنية عام 1987، أو مستقبل الثقافة في مصر عام 1988، أو الهوية الثقافية والإعلام عام 1995، أو الأدب وتحديات العصر عام 2001، أو الثقافة السائدة والاختلاف عام 2005، وغيرها، وهذه العناوين تؤكد أن مؤتمر أدباء مصر أحد أبرز وأهم المؤتمرات العربية على المستوى الأدبي والثقافي والعلمي في آن واحد.
أما الناقد د.عبد المنعم تليمة رئيس المؤتمر فقد جاءت كلمته رؤية عميقة لواقع الثقافة العربية حيث قال: ذلك أن هذه الكلمة، النهضة، تساوى وتطابق فى العربية العصرية كلمة (التجديد). لقد كانت النهضة الأوروبية إحياءً لموروث توارى خمسة عشر قرناً وكاد يموت ويندثر، أما نهضتنا الحديثة فإنها تأسيس على موروث صعد ثم خمد ثم جدت عوامل تاريخية فاعلة فنهض. انتقالات موروثنا فى التاريخ البشرى: صعود وخمود ونهوض. وفى أدنى لحظات الخمود، تراجعت الطاقة الغنائية الخالقة فى هذا الموروث، بيد أنه، هذا الموروث، لم يندثر ولم يمت. لهذا كانت النهضة الأوروبية إحياء، وكانت نهضتنا استئنافاً، كانت، ولا تزال تجديداً لقديم يتجدد بعوامل تاريخية جديدة.
وأضاف تليمة: إن النهضة وقوف بعد قعود، وتقدم بعد وقوف، فهى حركة تاريخية شاملة، ولذا فإن نهضتنا فى التاريخ الحديث، من مستدار القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، قد صاغت لنفسها غايات مدارها الانتقال من العلاقات الكلاسيكية التقليدية إلى العلاقات الجديدة العصرية. وحسبنا فى مقامنا هذا أن نقف عند البنية الثقافية فى نهضتنا الحديثة والمعاصرة، ونخص ما يتصل بما نحن بصدده اتصالاً حميماً، وهو الإبداع الأدبى.
وكشف عن أن طلب العرب المحدثون إلى عمود الشعر المتجدد أن يحمل غايات النهوض، فكانت خوالد شاعر النهضة أحمد شوقى ـ ولم يكن فرداً إنما كان إماماً لجيل رائد ـ تؤسس على أئمة الازدهارة العباسية، أبى تمام والبحترى والمتنبى والمعرى، بشوق رفيع وموهبة عالية إلى التعادل حتى تقف النهضة جارة للازدهارة وجارية إلى الأفق الأرحب.
وجدت لدى جيل تال حاجات روحية وجمالية، إذ كان من ثمرات النهوض والمجتمع العصرى أن تفتحت الفردية السوية والذاتية البانية، فطلبت الذائقة العامة الناشئة إلى الشعر أن يلبى نداء القلب فكانت الحركة الرومانسية الوجدانية التى أكملت جدلية الفرد والمجتمع فى غنائيات باقية تحققت فى نماذجها الرفيعة.
ومضى تجديد الشعر العربى إلى غاياته الجمالية وغايات النهوض الاجتماعية التاريخية، فاستقرت التفعيلة وحدة بناء وتستقر فى المشهد الراهن قصيدة النثر ظاهرة أساسية من ظواهر هذه التجديد الذى يؤسس على موروثات باقية دون قطع ولا قطيعة.
الشاعر فتحي عبد السميع أمين عام المؤتمر أكد على أن هذا وقت الشعر، وقال: لقد تركنا كلَّ شيئ وجئنا نحتفى بالشعر، تركنا أزمات وقضايا كبيرة جعلت أحد المهمومين يفزع:هل هذا وقت الشعر؟.. ما هذا التعالى عن الواقع ومشكلاته الضاغطة؟ نعم هذا وقت الشعر، فالشعر ليس رفاهية، وليس استرخاء وليس تسلية، الشعر ضرورة، ويقظة، وبناء داخلى متين ومهيب، ليس غيابا عن الواقع بل هو الحضور الأعمق فى قلب العالم. وفى طرح الشعر على بساط البحث طرح عميق لكل قضايانا ومشكلاتنا.. نحتفى بالشعر، لأننا نريد أن نحتفى بكينونتا الحقيقية، بالمعجزة التى يحملها كل منا، نريد أن نغرف من مائه و نغسل أعيننا حتى تري، وأنوفنا حتى تشم، وأرواحنا حتى ترقص رقصتها الخلاقة.
لقد جئنا نحتفى بالشعر، بالقمر المظلوم فى حياتنا، القمر المخنوق بحبالنا، وأهمها على الإطلاق- حبل الجهل بطبيعته وقيمته، وحبل التصورات الخاطئة والمغلوطة عنه، وحبل العجز عن تذوقه، وإشعال باروده الخلاق فى عروقنا.
لقد صار الشعر كائنا هامشيا فى حياتنا، بل كائنا منبوذا يطارده الجميع، كما يطارد الصبية والحمقى وغلاظ القلوب نبيا فى بداية دعوته.
نحن بحاجة لكلام كثير عن جدوى الشعر وأهميته، نحن بحاجة لكلام كثير كى ننقذه من التصورات الخاطئة أو الجامدة عنه، نحن بحاجة لجهود كبيرة كى نعيده إلى حياتنا حيا وفعالا.
وأضاف عبد السميع: العلم الحديث بمنجزاته المبهرة، كان واحدا من تلك الحبال التى التفت حول عنق الشعر، لقد قالوا أن الشعر ينتمى إلى أزمان غابرة، وهذا وقت العلم، العلم هو السبيل هو المنقذ هو الخلاص، لقد ضيعتنا الأشعار وعلينا بالعلم.
وهكذا بدأنا المرور على الشعر بأقدامنا المفلطحة، لكننا أيضا لم نحتضن العلم كما ينبغي.
ثمة من يدعو مثلا لمراجعة الطب الذى راحت ممارساته تكشف بوضوح عن البعد المعجزللإنسان، ثمة من يذهب إلى إعادة النظر فى كل مصطلحاته لأنها تحمل ثقافة المختبرات العسكرية التى نشأت فيها، لقد قامت علوم الطب على مواجهة الميكروبات كما يواجه الجندى عدوا، واستخدمت نفس الخطاب العسكرى، وتلك الإستراتيجيات التى لا تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل لتحقق هدفا.
إن مستقبل الشعر أكبر من حاضره، لأن البشرية لم تعد تفكر فى العلم بقدرما تفكر فى الحكمة، والعلم جزء جوهرى من الحكمة لكنه ليس كل شيئ، وفى توجه البشرية نحو الحكمة سوف يستعيد الشعر دورا ومكانة أكبر مما نتخيل.
إن المشهد الشعرى من أكثر المشاهد الحيوية فى حياتنا، ومن ينظر إلى الشعراء يتعجب من نشاطهم وهمتهم العجيبة فى ظل مناخ لا يلتفت ولا يبالى بتجاربهم المتنوعه والمتداخلة والمختلفة، بمغامراتهم وسهرهم وجدلهم واشتباكهم الدائم مع الحياة والوجود. إن الشعراء يرسمون مشهدا حيا يبعث على التفاؤل والإعجاب. ويمنحنا أملا.بهذا الحيوى فى حياتنا وبهذا الأمل جئنا نحتفي.