ثقافات

جمال محمد ابراهيم: المشهد الثقافي العربي ينقصه الإسهام السّوداني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ماجدة داغر من بيروت: ربما هو فنّ التّرحال ما يجمع بينهما، فالفضاء المدمِن ارتياد الشّعراء يتّسع أيضاً لمن يحمل حقيبةً وقصيدةً. هذا السّفَر المتواطئ على اجتذاب القوافي، يلازم مَن ينتابه حنين ملحّ إلى الفضاء، ليغدو منزله الأبدي ذا القرميد الأزرق والجدران الشّفيفة. هكذا وبـ "ياءٍ" مضافة إلى سفرٍ محتّم يصير الـ "سّفير" سعادة الـ "شاعر" فيتلازم السّفَران في مسارٍ واحد، وتذكرةٍ ذات اتّجاه واحد، إلى ضفَة منتظِرة وصول صاحبة السّعادة: القصيدة.
لم يكن سفير القصيدة السّمراء، جمال محمد ابراهيم، أول السفراء الشعراء، القائمة تطول. وربما فنّ القصيدة المرتحلة مسّ كثيرين قبله فكان لنزار قبّاني قصيدة دبلوماسيّة مسافرة، وكذلك لعمر أبو ريشة وتوفيق عوّاد وجبران تويني، كما كان لِسان جون بيرس وبابلو نيرودا ولا مارتين وشاتوبريان وت إس إليوت، وغيرهم ممّن صارت معهم الدبلوماسيّة شطراً أول لبيتٍ وضّبوه مع أمتعتهم وانتظاراتهم، فللقصيدة أيضاً مطاراتها ومدارجها وحبيبٌ ينتظر الوصول. أما مع السّفير السّوداني الذي كتب خاتمة أسفاره الدبلوماسيّة في بيروت، بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من المهامّ بين بكين ولندن وطهران وقرطاجة، ففصلٌ آخر للحكاية يُمسي سرده متعة، لأن السّفير الشّاعر يتقن أيضاً هذه الغواية: الرواية.
"شعروائي" هو كما يستطيب تسمية نفسه، فبعد روايته الأولى "نقطة التلاشي" الصادرة عن "دار الساقي" في العام 2008، أصدر في العام الماضي "دفاتر كمبالا" عن "دار نلسن" ، وقبلهما ديوانه "إمرأة البحر أنتِ" عن "دار رياض الريّس"، أما جديده الشّعري "سكّين في خاصرة الأفق" الصادر أخيراً عن الدار نفسها فاحتفى بتوقيعه أخيراً في معرض الكتاب العربي في بيروت. عن هذا الديوان الذي يشي برهبة ويستدعي قلقاً دفيناً يقول ابراهيم: "كتبت معظم قصائد هذه المجموعة بين عامَي الأزمة السياسية في لبنان 2007 و2008، وقد بلغ بي القلق مبلغاً كبيراً وأنا سفير أتفاعل مع ما يجري من حولي كما أتفاعل كشاعر. كنت أقف قبالة "الروشة" وبيروت موزّعة بين بحرها وجبلها، لا نوم لمن يخضّه انشطار الجسد بالموت. لكن على رغم الخناجر المشرّعة يظلّ الخصر على جماله، جذّاباً وآسراً، بين دفّتَي مجموعتي أناشيد تحضّ على الحياة، وقصائد تبحث عن عافية لأمّة تنكر ذاتها". الكتابة الإبداعيّة لا تأتي من "أودية الشياطين أو تنزل من أرباب لا نراهم"، فالكتابة عند ابراهيم هي إبنة الحياة والتجربة الشخصية من دون أن تتطابق معهما، وقلمه "مأمور" بالفكرة الكامنة وراء الكتابة. يستحضرها، يناديها، يغازلها، يسبر مكنوناتها بحنينٍ وخيالٍ وألق فيعيش ما خطّه قلمه بكلّ إغرائه وتفاصيله. ولكن كيف يستحضر سعادة الشاعر تلك الفكرة وهل من طقوس خاصّة في كتابة القصيدة؟ يجيب: "نحن أمام عصر جديد للكتابة يمنحنا فضاء لم يكن في البال. الزمن القديم ولّى: تجلس بعد منتصف الليل وتشعل لفافة تبغ وتنظر إلى السماء لتكتب قصيدة. شاشة حاسوبي توفّر لي أكثر من ذلك بكثير. ليست هي صناعة بالمعنى الحرفي، وليس الذي أكتبه شعراً مصطنعاً ملفقاً. أكتب، أمحو، أغلق كمبيوتري ثم أعود إليه، أتعامل معه بحميميّة. خرجت قصائد كثيرة من حاسوبي ولا أملك لها مسودات ورقية. نعم الخيال هو سِمة الكتابة الإبداعيّة، ولكن ما ضرّنا لو استعرنا من الواقع ما يغذّي الخيال"؟
المسافة ملغاة بين الشّعر والنثر عند الروائي والشاعر جمال محمد ابراهيم، فـ" الظواهر الإبداعيّة ليست جامدة في "استاتيكيّتها"، بل هي في حال من التغيّر والتحوّل، لاسيّما لو نظرنا في أساليب الكتابة وأدواتها قبل أن ننظر في المضامين والمدلولات ومن ثم في الاختلاف بين المدارس الأدبية التي عرفها الناس". ولكن بين الشاعر والروائي أيّهما أكثر إلحاحاً وتحريضاً على الكتابة؟ يستذكر إبراهيم الشاعر الراحل محمود درويش وجنوحه إلى التجريب في الشعر بحيث أحدث تغييراً لا يلاحَظ بسهولة في شعره المنثور. "إتّجه إلى اختلاق قافية ورويّ مدسوسين في نظمه، ليست هناك قافية في آخر البيت بل في ثناياه. ألغى الشاعر ذلك الجدار الوهمي بين البيت وعجزه، تجاوز درويش هذا الجانب إلى استلاف تقنية القصّ ورسم الصور الشّعرية، بحيث يمنح المتلقّي "لحظة الإدهاش" والذهول الخلاّق اللذين يتيحان للقارئ أن يكون داخل النصوص الشعرية. إقترب درويش من إلغاء الفوارق بين القصيدة والقصة القصيرة، وهو يركن بذلك إلى أبي حيّان التوحيدي فيحاول أن يجد طريقاً يقترب الشّعر فيه من الكتابة الإبداعيّة النثرية، وكأنه يبحث عن زواج بين ما يأتي بالفطرة وما نكتسبه من الصّنعة. أكتب الرواية بنفَس شعري فأشعر أحياناً أنها قصيدة منثورة تسلّلت إلى الرواية. لا تختلف طقوس الكتابة عندي حين أكتب قصة او أنظم قصيدة، فقلمي متصالح مع نفسي من دون تناقض".
"ليس بسفر الخيال وحده يستوي الإبداع"، يقول ابراهيم عن السفر والترحال الدائم وتجربة الدبلوماسية التي أضافت الكثير إلى المناخ الشعري والروائي لديه، بل "بالسّفر الجغرافي الذي يتيح مجالاً للاحتكاك بثقافات مغايرة يُصقَل فيها الإبداع. أعطاني السفر بعداً "رأسيّاً" أثرى كتابتي، أنا اليوم الشاعر في "خريف البطريرك" أدخل الستين وعلى كتفي حقيبة ملأى بالقصائد والروايات". لِبيروت، التي كانت الحضن وناشرة أعماله، حبّ لا ينتهي: "الدبلوماسية جاءت بي إلى بيروت، ولكن الشاعر القابع في داخلي وصلها قبلي، لبيروت بصمة جليّة في كتاباتي". وفي وصفه المشهد الأدبي العربي والسوداني خصوصاً، يجد ابراهيم أن الخرطوم في غربة النزاعات يكاد لا يُرى لها نصيب أو إسهام في الساحة العربية، "إذ يرى البعض أن إسهامنا في الثقافة العربية- وهو استحقاق وليس منّة- هو تطلّع مزوّر يطمح للخروج إلى دائرة عربية مصطنعة. وكأن إبداعنا في اللغة العربية تزييف لانتماء متوهَّم، ونحن نعلم أن الثقافة لم تكن يوماً عِرقاً أو لوناً أو إثنيّة. أو كأن انتماءنا الأفريقي يناقض انتماءنا العربي، إن لم نحسن إدارة أمورنا السياسية فنحن إلى شلل ثقافي مؤسف في السودان".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
jmal mhd. abraheem
babikir ali -

who is he? we dont know about him befor we would be greatfull if you give more idear about him.

jmal mhd. abraheem
babikir ali -

who is he? we dont know about him befor we would be greatfull if you give more idear about him.

السلام
منيرو -

فلسطين يمكن اليوناني العربيه:انا منيرو عربي فلسطيني احب دولة مصر الفرعوني العربيه واحب دولة اسرائيل العربي العربيه

السلام
منيرو -

فلسطين يمكن اليوناني العربيه:انا منيرو عربي فلسطيني احب دولة مصر الفرعوني العربيه واحب دولة اسرائيل العربي العربيه