ثقافات

قصة حب: مريم الكردية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أذكرشارل .
كان رفيقي في الصف مدى خمس سنين وكنا بعمر العاشرة تقريباً عندما التقينا، لكننا لم نتحول صديقين لاختلافات كثيرة بيننا في الطبع والسلوك والتفكير. وحين اندلعت الحرب كان من الأُول الذين حملوا السلاح ونزلوا الى الشارع والمتاريس وسيرة الموت. أنا بقيت بعيداًَ لكنني كنت أشارك في جنازات رفاق صفي الذين مات نصفهم خلال المعارك المتنوعة، وحتى اليوم أذكرهم فرداً فرداً ويخطر ببالي أن أكتب قصصهم جميعاً، الأحياء والأموات، لأنها تستحق ألا تضيع .
شارل واحد منهم . الا أنه ما كان ليطفو بالحاح على سطح ذاكرتي لولا مصادفة غريبة استوقفت تفكيري وجعلتني أراه في أحلامي مرارا منذ أيام وأعيش قصته كما حدثت، من الأول.
كنت ماشياً، بعد ظهر، في شارع الحمرا في بيروت على الرصيف الممتد من أمام مقهى الويمبي باتجاه وزارة الاعلام، متطلعاً معظم الوقت الى الأرض، لأن هناك ورشة حفرت الطريق وبعض الرصيف منذ أشهر ولم تنته واذا لم يتنبه الماشي تماماً فيمكن أن يقع في حفرة أو يرتطم بحجر ضخم . لذلك لم أر امرأة تتوسط فتاتين يقتربن مني ماشيات في الاتجاه المعاكس الا عندما أصبحن بمحاذاتي تماماً.
بطرف عيني لمحت عينَي المرأة ، خضراوين تملآن وجهها الأبيض وتصلان حتى شعرها الأشقر الطويل.
في لحظة قفز أمامي شارل .
كنّ قد أصبحن خلفي بخطوتين أو ثلاث فجمدت في مكاني مستديرا ًنحوهن ، وسمعت نفسي كما لم أفعل طوال حياتي مع امرأة غريبة في الشارع أناديها باسمها بصوت عالٍ : " مريم؟!". فالتفتت نحوي باستغراب وتوقفت، وقبل أن أسلم عليها سألتني : " من أين تعرفني؟". فأجبتها أنها وأهلها كانوا يسكنون حتى أول مرحلة من الحرب في حيّنا في الأشرفية.
هزت رأسها متعجبة جدا" وقالت :"صحيح ، ولكن كيف تذكر اسمي؟". شعرت بأحراج وأنا أقول لها أنني كنت رفيق شارل و"هل تذكرين شارل؟". فأجابت وهي تحدق في وجهي كأنها تنقب في الذاكرة :" من زمان...زمان". وتطلعت خلفها حيث الفتاتان تنتظرانها على بعد أمتار وأمارات الدهشة والريبة على وجهيهما ، وبدا واضحا أنها هي أيضاً شكت في أمري فرمت كلمة "العفو" خلفها بتعجّل ومشت نحوهما كأنها تهرب. وسمعتهن يبربرن في شأني بينما أكملت طريقي مفكرا بشارل.

كنا في الحي نسميها مريم الكردية وكانت أجمل فتيات الحي تبهرنا جميعا بعينيها الساحرتين ولاشيء في مظهرها وثيابها يوحي أنها كردية ، وحدها لهجتها كانت غريبة الى حدٍ ما . لكنها اختفت فجأة وعرفنا لاحقاً أن أهلها خافوا الحوادث والانتقامات الطائفية وغادرت معهم في ليلة ليس فيها ضوء قمر.
بعد ذلك كلما التقيت شارل كان يحكيني عن مريم وألاحظ أنه فقد مرحه وروح السخرية اللذين كانا يميزانه وبات مجرّد شاب كئيب.
ومع أنه كان يعدّ من المقاتلين الشرسين والمسيّسين بدا يوماً بعد يوم أنه لم تعد تهمه المعارك ولا السياسة ولا شيء ولا أحد في الحياة الاها. وكلما فتح سيرتها أمام رفاقه كانوا يسخرون من الكردية وأهلها وتعلقه الشديد بها. وأذكر أنه أطلعني مرة على خطة ، خيالية طبعاً، وضعها للتسلل الى "بيروت الغربية" بسلاحه وتخليصها من أهلها الذين كانوا يرفضون أن تتزوجه، لكنه لم يكن قد تمكن من اقامة اتصال بها ولا تحديد مكان سكنها .
وآخر مرة التقينا جلسنا على كرسيين في المقهى الصغير الوحيد الذي ظل يفتح في الحي خلال الساعات الصباحية فحسب تلك الأيام، وأخذ يحكيني عن مريم الكردية ومعاناته المستمرة منذ شهور. وأضاف أنه يفكربالانتحار ولم يعد يتحمل الحياة من دونها.
ظننته يمزح ، فأجبته وأنا أقوم عن الكرسي أن هذه أفضل فكرة في رأيي ولا أرى حلاً أحسن. وكنت أضحك في سري ولا جلد لي على سماع الخبرية نفسها، فودعته بسرعة.
ولم أدرك معنى هزة رأسه مراراً والأسى يغمر وجهه.
في المساء أخبروني أن شارل أطلق النار على رأسه في المتراس حيث كان في نوبته وحيداً.
وقد شاركت في جنازته في اليوم التالي. وأذكر أنني بكيت وأن رفاقه أطلقوا رشقات نارية كثيفة في الهواء، وصوره كانت على كل جدران الحيّ...
لكنني أرجح أن مريم الكردية لم تعرف .
كان عليّ أن أخبرها عندما التقيتها قبل أيام في شارع الحمرا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
متشاءل
المذهول ابو الهول -

ولا شيئ في مظهرها وثيابها يوحي انها كردية رجاء حدا يفهمني لاني بصراحة ما فهمت وصرت خاف انو هدول الاكراد يكون جايين من شي كوكب تاني او حتى من غير مجرة

القلب ومايعشق
عدنان احسان- امريكا -

كرديه كانت ام عربيه , مسلمه ام مسيحيه , يهوديه ام هندوسيه .... الحب لايعرف الحدود وتكتمل انسانية الإنسان ونبله , وقمة اخلاقه الرفيعه عندماتتمحور حول القيم الإنسانيه الساميهالنبيله وينظر للإنسان كأنسان وقيمه مكمله للصوره الجميله التي يحملها مهما تعددت .... وكل انسان في هذه الحياة عاش تجربه شبيهه بهذه القصه , و تعيش بداخلنا ام صوره لشارل , او او ذكريات مريم , قصه اشبهه بصوره مريم في مخيلة شارل او حب شارل الساكن في قلب مريم الى الآبد .. ومن منا لايمثل حاله شارل بشكل او باخر , ولكن كلنا ينتحر بطريقه تخلف عن الاخرى , دون ان نشعر ,.....ويبقى الحب الدين الوحيد الذي لايمكن تشويه قيمه واياته واحادتثه , وسننه , ومرجعياته , وتراتيله , وقداسهوطقوسه , وطائفته ... كنت كشارل وكانت لي مريم وانا انتحر باليوم مئه مره ... واعرف اين هيمريم وتعرف اين انا ولازلنا كغريبين نعيش على الذكريات ....وسؤالي من منا يستحق العطف اكثر ... انا ام شارل .

منك لله
علي -

روح الله يسامحك فتحت جروحاتي الكل عندو قصص مشابهة في شبابي تعلقت بواحدة غجرية وانا الكردي كمريم وكان ان غادرت الغجرية لا بسبب الحرب بل بكل بساطة لان اهلها رحل وبقيت سنوات انتظر على امل ان يحطوا رحالهم عندنا ولكن بدون جدوى ربما عادوا بس انا تركت البلد مشان ما يصير فيني متل ما صار بشارل..سلاما يالروحك يا شارل ولتسقط كل الحواجز امام تواصل البشر

نص جميل
bilal elbakkali -

جميل ما قرأته اليوم شكرا لك إيلي، و في غنتضار قصصا اخرى .

Love is blind
Kurdo -

“Love is blind” chemical bond is secret magician when some body fall in love with other human been despite their nationality

عدنان احسان امريكا
الساحرة -

لست ادري هل من حقي ان اعطيك رايي,او بالاحرى هل ترغب برايي,ان وجدت سبيلا,لا تترك الحب والسعادة يتسللان من حياتك ,ليس هنالك شيء يستحق ان نضحي بحبك من اجله وبعبارة اخرى ليس هنالك اهم من الحب في الحياة .طالما تعرف اين حبيبتك,ما يمنعك من الاتصال بها فالعمر يمر والحب هو الشيء الوحيد الدي يعطينا السعادة الحقيقية

بوركت
دلشاد نجم -

أعجبني الأسلوب الشفاف والسلاسة في الطرح والجمل التي تكمل بعضها البعض مثل جداول صغيرة تتجمع لتشكل في نهاية المطاف بحيرة لاتنسى أنها تشكلت من تلك الجداول! شكرا لأنك جعلتني أستمتع بقراءة قصة ممتازة.كاتب وقاص من كردستان العراقdilshadnajim@yahoo.com

لماذا الانتحار
ميسون -

رعم انني لا اؤمن ان هناك من يحب لهذه الدرجة و ان هناك من يقتل نفسه من اجل فتاة قد رحلت الا انني اجد ان هذ القصة في غاية الروعة و اشكرك جزيل الشكر انك جعلتني استمتع و اتاثر في نفس الوقت بقراءتي لهذه القصة.فقط اريد ان اقول للموهمين بالح لحد الموت : اجعوا الموت و الانتحار اخر تفكيركم لان مهما اشتدت بنا الالام و مهما ضاقت بنا السبل فان هناك فسحة صغيرة في هذه الدنيا اسمها الامل و تبقى الحياة مستمرة

هو الحب يقوده الجنون
شامخة -

أسلوب جميل في كتابة القصة ..وبراعة لغوية أكثر جمالا .. ارجوك أن لاتخبر مريم بالقصة لأنها حتما ستتألم كثيرا لموته ..كما تألمنا نحن .. ننتظر بقية القصص ؟؟ ..

قصه في قمه الروعه
مريم -

قصه في قمه الروعه بس شنو فائده الانتحار يمكن لو دور عليها كان لقاها بس بالنهايه المكتوب هو الي رح يصير

و ما أدراك
سوسو -

و ما أدراك أنه انتحر من أجلها؟!

شکرا لإيلي صديق شارل
مـيديـا -

أسلوب جميل جدا في سرد قصة حب صديقك شارل مع مريم الکردية، وهذه القصة فيها لمسة فريدة من نوعها،الشکل المأساوي للقصة وعدم إکتمال الحکاية أعطت صبغة جميلة ولحنا لم نسمعه من قبل، وهذا ليس بأهانة للفتاة الکوردية أبدا ولکن حالة العشق بدون لقاء کحنين الکورد لبيته، هناك شوق للتلاقي ولکن لا سعادة فالبيت قد سکنه الغرباء والعشق صار في مهب الريح. نتمنی لك کل التوفيق من أجل المزيد من الإبداع مع التقدير.

فلم هندي
asd -

انا شايف ان الكاتب قفز فينا من الحب مباشرة الى الانتحار حتى ينهي القصة علما ان حب شارل مع مريم لا يستحق درجة الانتحار ولا يمر شارل بمراحل الحب التي توصله للتخلص من نفسة

vlm dnpe
cbvfbf -

انا شايف ان الكاتب قفز فينا من الحب مباشرة الى الانتحار حتى ينهي القصة علما ان حب شارل مع مريم لا يستحق درجة الانتحار ولا يمر شارل بمراحل الحب التي توصله للتخلص من نفسة