تأملات الفيلسوف كيركجارد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله كرمون من باريس: "العظمة، المعرفة، الشهرة، الصداقة، اللذة والمال، كل هذا ليس إلا ريحا ودخانا، أو لنقل: الكل ليس شيئا!" تلك هي العبارة التي وضعها سورين كيركجارد _الذي لا يحتاج إلى تعريف_ في مفتتح تأملاته الفلسفية "ديابسالماتا" التي نشرها منذ سنة 1843 بكوبنهاكن
تساءل كيركجارد في بدايتها عن: "من يكن الشاعر؟" ثم أجاب بنفسه سريعا: بأنه رجل شقي يخبئ في قلبه هموم عميقة، إذ قُدَّت شفتيه بحيث لا تصدران تنهدا وأنينا، إلا على شكل أصوات متناغمة. إنه في ذلك لشبيه بالتعساء الذين يعذبهم السفاح فالاريس؛ واضعا إياهم داخل ثور ضخم من نحاس وموقدا تحتهم نارا خفيفة، وقد زود فتحتي أنف الثور بمزامير، تجعل استغاثات وصراخ الضحايا تصعد منها وتصل الجلاد، ليس على شكل نواح مهول، وإنما كنوع من الموسيقى الهادئة.
ولأن الناس يتخذون من آلام الشاعر موضوعا لتسليتهم، فإن كيركجارد يفضل أن يرعى الخنازير في ضاحية أماجيربرو بكوبنهاكن، ضامنا لنفسه أن تفهمه تلك البهائم، على أن يكون شاعرا لا يفهمه أبناء جلدته إلا بالمقلوب!
"فالناس عبثيون حقا. فهم لا يستغلون أبدا الحريات التي يتمتعون بها وإنما يطالبون بتلك التي لا يتوفرون عليها. يمتلكون حرية التفكير، فتراهم يطالبون بحرية الكلام"! أما هو فلا يتطلع إلى أي شي!
يقول: "ندرك أن هناك حشرات تموت لحظة الإخصاب. فالموت، كذلك، يرافق،بكل فرح، سورة اللذة".
ثم يتوجه إلى الذين لم يطبعوا أفكارهم المخطوطة بعد في كتب بأن عليهم أن يأتوا ذلك بلا تردد.
"إضافة إلى ارتباطاتي الأخرى والمتعددة، فمازال لدي شخص حميمي أسرّ له هو: كآبتي. فهي العاشقة الأكثر وفاء من كل اللائي عرفتهن. فكيف لي، بالمقابل، ألا أحبها؟"
كذلك ففي أوان الشيخوخة فقط تتحقق أحلام الشباب. ويُعتبر سويفت شاهدا على ذلك: فقد عمد في شبابه إلى إنشاء مارستان للمجانين، وعندما صار مسنا أُدخل إليه!
أما هو فيقول عن حزنه مثل ما يقوله الإنجليز عن منازلهم: "حزني is my castle أي أنه قلعتي أو قصري. فأناس كثيرون يرون في الحزن نوعا من رفاهية الحياة".
في الحقيقة، لا بد أن يكون لي مزاج قطعة شطرنج عندما يعلن الخصم بأنها قد خسرت اللعبة!
مع الأسف، فباب السعادة، كما يقول، لا ينفتح جهة الداخل، كي نتمكن من دفعه بضربة كتف قوية. وبما أنه ينفتح جهة الخارج فلسنا نستطيع للأمر، بالتالي، شيئا.
"أعتقد أنني أمتلك الجرأة اللازمة كي أشك في كل شيء، وأن أقاتل ضد كل شيء، لكنني لا أملك الشجاعة كي لا أقبل أي شيء، ولا أن أملك أي شيء ولا أن أحصل على أي شيء. فأغلب الناس يتأففون من عالم جد تافه، لأن مجريات الحياة تختلف فيه عما يحدث في الرواية، حيث الظروف في هذه الأخيرة جد مواتية على الدوام. أتأسى من كل ما لا يمكن إتيانه في الحياة اليومية مثلما يحدث في الرواية. إذ نتعاند مع أبوين يبديان الجفاء، ومع الشياطين والمنومين، كما نحرر أميرات مربوطة. فما موقع هؤلاء الخصوم كلهم قدام السحنات الذابلة، المفتقرة إلى الدم، والعنيدة والمنتمية كلها إلى الليل، والتي أتصارع ضدها والتي أمنحها بنفسي الحياة والكينونة!"
"فقد صارت الحياة، بالنسبة لي، مثل شراب مر وعليّ أن أحتسيه ببطء مثل قطرات، واحدة تلو أخرى وأنا أعدّدها".
"لا أحد يؤوب من عالم الموتى. لا أحد يجيء إلى العالم دون أن يبكي. لا أحد يطلب منكم متى ترغبون أن تدخلوا ولا متى ترغبون أن تمضوا".
"يقال بأن الزمن يمر، وأن الحياة سيل الخ. لا أنتبه إلى ذلك. فالزمن يظل جامدا وأنا كذلك. فكل المشاريع المستقبلية التي أهمّ بها تفشل (وكأنها ترتد علي) وعندما أريد أن أبصق فإنني أبصق على وجهي!"
"أتدارس أمر ذاتي: عندما أتعب من هموم الحياة أدخن سيجارا كي أجزي الوقت وأقول في نفسي: يدرك الرب ما الذي كانت نيته بإزائي أو ماذا أراد أن يجعله مني".
"وهكذا أنفق وقتي، إذ أنام خلال نصفه وأحلم خلال النصف الآخر. فعندما أنام، مع الأسف، لا أحلم أبدا، لأن وقت النوم هو ذروة العبقرية".
"خلاصة حياتي هي لاشيء. فذلك إحساس مبهم. أو نوع من الغم. فهذا يشبه لوحة ذلك الفنان الذي شاء أن يبرز اجتياز العبرانيين للبحر الأحمر، إذ لطخ الحائط كله باللون الأحمر ليعلل بذلك بأن العبرانيين قد عبروا سالمين وأن المصريين قد غرقوا"
"يمكن التعرف أيضا على كرامة الإنسان في الطبيعة. إذ عندما نريد أن نطرد العصافير عن الأشجار، فإننا نعلق عليها شيئا يشبه الإنسان تماما. وإن كان هذا الشبه البعيد يكفي لأن يحرض على التبجيل".
أغلب الناس يركضون سريعا ويتركون المتعة خلفهم مثلما حدث للقزم الذي كان يحرس في قصره الأميرة التي سباها. ولما غفا لحظة قيلولة ثقيلة، فرت الأميرة، وما إن انتبه واكتشف الأمر حتى انطلق مسرعا لاستردادها، ولكنه حينما خطا خطوة واحدة تقدمها، بعيدا، في سبيلها!
"الفتيات الشابات لا يرقن لي. فجمالهن يزول مثل حلم أو كأنه مثل نهار البارحة الذي لم يعد هنا. أما وفاؤهن؟ نعم وفاؤهن. فإما يكنّ غير وَفِيَّات، ولم يعد يهمني هذا الأمر، أو يكنّ وفيات. فإذا صادفت واحدة من هذه الأخيرات سوف تروق لي نظرا لندرتهن، لكنها سوف تسوؤني بطول الزمن، أو أنها سوف تظل بالتالي وفية، وأكون إذن ضحية عشقي للتجربة وأكون محكوما بتحملها، أو أنها سوف تتخل يوما عن وفائها ونرجع إلى نقطة البدء"!
فالمتعة الصرفة، كما يقول كيركغارد، لا تكمن في الشيء المتمتع به في ذاته ولكنها في الفكرة التي نكوّن عنها. كتب: "ما يعني أنني لست إذن سيد حياتي، أنا مجرد خيط إضافي يلزم غزله في يافطة الحياة الفظة". وبما أنه لا يحسن النسج فبإمكانه، على الأقل، كما وضحه، أن يقطع الخيط!
لكن أقوال الفلاسفة حول الحقيقة مخيبة مثل قراءتنا لهذه اللافتة لدى بائع العاديات: "هنا نحدد الثياب". وحينما نأتي بملابسنا نكتشف انخداعنا. فاللافتة هي أيضا معروضة للبيع!
"لا أملك إلا صديقا واحدا هو الصدى. فلماذا أعتبره صديقي؟ لأنني أحب كآبتي ولم يأخذها مني. ولا أملك إلا نجيا أسر له: هو سكون الليل. ولماذا أعتبره نجيي؟ لأنه يصمت".
لكن أقصى اليأس يكمن في استشعار كيركجارد للفراغ المهول وبرغبته في التلاشي. ألا نستشف استفحال أمره بجلاء عندما كتب: "لم يعد الخمر يمتّع فؤادي. اليسير منه يجعلني حزينا، والكثير كئيبا"؟
kermounfr@yahoo.fr
التعليقات
auction
Titt -nice