ثقافات

كلمة في مشروع مركز رأس الخيمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
د. خالد السلطاني: يعد مشروع "مركز رأس الخيمة للاجتماعات والمعارض" في رأس الخيمة/ الامارات، 2006، من المشاريع المتفرّدة، عالية التميّز في الممارسة المعمارية العالمية، إن لجهة لغته التصميمية، أم لناحية مفرداته التكوينية. صمم المبنى "ريم كولهاس" Rem Koolhaas مع فريق مكتب lt;اوماgt;. ومعلوم ان المعمار الحداثي المولود في عام 1944 بـ "روتردام" / هولندا، بدأ حياته المهنية المعمارية بصورة غير عادية. فهو عمل اولاً كصحفي في جريدة Haagse Post، ثم ولع في مهنة كتابة السيناريو للسينما والتلفزيون، قبل ان يدرس العمارة في سنة 1968 بمدرسة الجمعية المعمارية AA في لندن، ليضحى لاحقاً احد أهم اعلام اساتذة هذه المدرسة التعليمية العريقة، وأحد نجوم معماري مابعد الحداثة. اسس مع مجموعة معماريين " مكتب العمارة المدينية" lt;اوماgt; Office for Metropolitan Architecture OMA، الذي اشتهر بتصاميمه المتفردة في هولندا ولاسيما في خارجها. وبالاضافة الى انجازه المهني المرموق، اشتغل ريم كولهاس على الجانب النظرى للعمارة، وقد أمّن له كتابه " نيويورك المُهتاجة: بيان استعادي الى مانهاتن" Delirious New York, a Retroactive Manifesto for Manhattan الصادر 1978 حضورا مؤثرا في الاوساط النقدية المهنية، كما ان كتابه الآخر "الصغير، الوسط، الكبير، الكبير جدا" S.M.L.XL.، الصادر في 1995 بعدد صفحاته التى تجاوزت 1376 صفحة، عزّز من مكانته التنظيرية في الخطاب النظري المعماري العالمي. في مشروع "مركز رأس الخيمة للاجتماعات والمعارض"، الذي اعترف باني مفتون بعمارته؛ يلجأ المصمم الى استثمار تأثيرات خاصية lt; التناقضgt; التكوينية الى ابعد مداها، مقترحاً لنا تصميماً يعج بالوضوح المشوب بالغموض، والبساطة الحافلة بالتعقيد، والاشكال البسيطة الاولية القادرة على توليد قدر كثير من الالتباس والابهام. ثمة كرة عملاقة تقف بانفراد لوحدها بجانب كتلة هندسية منتظمة وواطئة. والكتلتان اللتان تخدمهما شوارع عريضة بمناسيب مختلفة موقعتان على تخوم منطقة حضرية مكتظة بهيئة هندسية عالية الانتظام تحتوي على عشرات من المباني ذات الارتفاعات المختلفة والاستخدام الوظيفي المتنوع، القادرة، وفقا لفكرة التصميم، إن تستوعب مدينة معاصرة يصل عدد سكانها الى ما يقارب من 000 150 نسمة. جدير بالذكر، إن نفوس مدينة رأس الخيمة، وفقا لبعض المصادر، في الوقت الحاضر، لا يتجاوز 000 105 نسمة. ويومئ مكان توقيع المركز بالصورة المقترحة من قبل المصممين على جعل هيئته تعمل وكأنها "بوابة" لمدينة مستقبلية، كناية عن مدينة "رأس الخيمة" الجديدة.يستحضر الشكل العام "لمركز رأس الخيمة" احد اشهر تصاميم عمارة حركة "الكونستروكتفيزم" Constructivizm الروسية في عشرينات القرن الماضي؛ (الحركة التى طالما افصح "كولهاس" عن اعجابه بها وبطروحاتها)؛ واعنى به مشروع "ايفان ليانيدوف" الشهير "معهد لينين للمكتبات" في موسكو (1927)؛ الذي يقرأ كولهاس عمارته قراءة "تناصية" باجتهاد، تجد تأثيراتها واضحة في اسلوب صياغة تكوينات "مركز رأس الخيمة" المقترحة. اذ تغدو الكتلة الكروية الزجاجية الموقعة بانفراد بجانب شكل هندسي متوازي الاضلاع،المؤلفة لمفردات التكوين الاساسي لمشروع "ليانيدوف"، جوهر الحل التكويني لمشروع "المركز". لكن "كولهاس" وزملائه يذهبون بعيدا في "انشاء" مقترحهم التصميمي. فالشكل الكروي البسيط الذي نراه امامنا، استطاع المعمار ان يحعل منه حدثا بصريا مؤثراً، حافلاً بحلول تنضح تعقيدا وتشابكاً. فالكرة هنا ليست كروية تماما. انها "مقطوعة" في امكنة من جوانب عديدة في محيطها، مشكلة فجوات متداخلة متجه باتجاه المركز، وهذه الفجوات تصل الخارج بالداخل، الداخل المجوف الملئ والمشوش بصرياً باضلاع تركيبية متقاطعة ملتصقة بمحيط الكرة، تسند مستويات عديدة بمناسيب متباينة. يتيح المنظر الداخلي " الانترير" للمشاهد رؤية حركة الناس الزائرين لهذه الاحياز الضخمة بصورة بانورامية، ويعينه في الاستدلال على خدمات وظيفية مختلفة تقدمها تلك الاحياز. بالاضافة الى تمكينه من رؤية مساحات خضراء لمزروعات مبثوثة في مناطق محددة في ذلك الفضاء الفسيح. ثمة تداخل مركب يعمل عمله في ازالة الحدود بين الرائي والمرئي، بين الداخل والخارج، بين مفردات البيئة الطبيعية وتلك المشكلة للبيئة الاصطناعية، ليخلق كل ذلك مشهدا بانورامياً فريداً،قلما نجد مثيلا له في الاحياز التصميمة المعاصرة. وعلى العموم فان "السيناريو" البصري لهذا المشهد المفعم بالمفاجآت، يرتقي باحداثه و"بانوراميته" مصاف مشاهد افلام "الخيال العلمي"، التى بهرت بها السينما مشاهديها بلقطات غريبة تقترب من "فنطازيا" الخيال. في انترير المركز نشعر بان المصمم مسكون بخلق مشاهد لعوالم غير مسبوقة، وبالتأكيد غير ارضية، تماثل تلك الى تنتمي الى عوالم فضائية آخرى في كواكب بعيدة، وذلك لفرادة المنظر المرئي المتحقق، المنظر المركب والمعقد والمشتبك بالتفاصيل، وطبعا غير القابل للتصديق!.
بهذه اللغة المعمارية المميزة والاستثنائية في فرادتها، قدم "كولهاس" وزملاؤه فكرتهم التصميمية لمشروع lt;مركز رأس الخيمة للمؤتمرات والمعارضgt;. وما يزيد من قوة تأثير احياز الكتلة الكروية المختارة وفرادتها البصرية، انها وقعّت بجوار شكل هندسي متوازي المستطيلات غاية في البساطة، يطمح المصممون ان يزيد حضوره من تأثير " الصدمة" البصرية التى يفاجأ بها زوار احياز الكتلة المجاورة. بيد إن الامر المأسف في كل هذة "الرواية" المعمارية الممّيزة، ان فكرتها التصميمة لم تلق قبول او استجابة من قبل رب العمل الذي رفضها، ولم يشأ ان يورط نفسه في مشروع راه خياليا بالمطلق!. وفي رأينا، فان رأس الخيمة وعمارة الامارات ككل، ربما فقدت فرصة مواتية، لاظهار امكانيات ما يمكن ان يقدمه على ارض الواقع، الفعل المعماري ما بعد الحداثي. □□
مدرسة العمارة الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف