ثقافات

أيدز.. لمَ لا؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كانت لحظة صدمة لكنها حافظت على أعصابها تماما ولم تتهور بأي شكل من الأشكال. هي تعتبر نفسها امرأة "عاقلة" لا تطلب أكثر من الحفاظ على بيتها الزوجي رغم كل شيء. ذلك البيت الذي شهد مرحلة أخرى من حياتها لامست كل الحدود من أحلام وأمنيات وأمومة كذلك، ولم تدخلها أبدا. لم تستطع منع المشهد أمامها من استدعاء مئات الأحداث وملايين الكلمات والأفكار على مدار سنوات زواج سبع كانت لهما.كل ذلك تجلى في شعور واحد كان يجول في خاطرها؛ شعور لطالما حاولت تخيله وهي تستبعد كل مرة حدوثه وتستحضر فورا استحالته كليا باستحالة الحدث المسبب له.. لكن الحدث ها هو الآن أمامها يطلق فيها بكاء صامتا لم تهطل دموعه رغم أنّ شفتها السفلى قد أصبحت جزءا داخليا من فمها. تراخت الذكريات فجأة وفتحت كل أوراقها مع الأجواء المشحونة تمتزج في بالها بأحداث تبدو الآن بعيدة جدا وهي أمام زوجها و"شغالتها" الشرق آسيوية، تتقمص معه دورا كانت تظنه قبل رؤيتهما لها وحدها، فوق سرير الزوجية.وقفت أنفاسها طويلا ومعها احتقان دمائها يغلي بها رأسها. لكنها لم تقف مطولا هناك، ولم تترك العنان لمعادلة المكانة والعنصرية داخلها، بل أعطت زوجها الفرصة كاملة ليفعل ما يحلو له بكل أمان وانسجام.. فهي تعرفه وتعرف عنه أكثر مما يعرف عن نفسه. لكنها اكتشفت للمرة الاولى كم أنها غبية. انسلت خارج المنزل ومضت ومشت. لم تنتبه لحالها لكنها كانت أبعد ما يكون عن الإهتمام بحالها. مشت طويلا حتى بدا لها أنّ كلّ العيون تنظرها وترصد خطواتها واحدة واحدة كأنّ "الشيطان الأخرس" قد تلبّسها. لم تكمل المسير أكثر فقد تلقفها أحد المقاهي الصغيرة لمحته بطرف نظرها، رغم مرورها بأكثر من واحد قبله، فألقت بنفسها، وهي تتنهد مرات عديدة، فوق أحد مقاعده الجلدية.طلبت فنجان قهوة بعد فترة قصيرة. ارتشفت القليل.. أشعلت سيجارة ثم تلتها بأخرى وهي تعاود وضع رأسها بين كفيها ويغيب عنها كل ما يدور حولها من وجوه ومقاعد وطاولات وكلام وأبواق سيارات بعيدة وصفارات إنذار قريبة وتظاهرة صغيرة تتجمهر إيذانا بالذهاب إلى مركز احتجاج ما لا يعنيها الآن بشيء. رفعت رأسها فجأة ونظرت من حولها وإذ بسيجارتها الثانية تكاد تنتهي والرماد يتجمع بخط طولي فيها كأنها تعيد حكاية خلقها ما قبل ورقة التوت. نفضت الرماد بحركة اعتيادية وأطفأت السيجارة وزفرت بطريقة مزعجة جعلت الرماد يتطاير من المنفضة وينشر غباره النتن فوق الطاولة. كانت تنوي الإنتقام وتهمس بالفكرة مرات عديدة لنفسها وهي تهز برأسها، تقلبها داخله ومعها الخطة المنشودة. عدّلت من جلستها ومن تنفسها كذلك وعادت إلى طبيعتها ولو ظاهريا. أمسكت بهاتفها الخلوي وطلبت رقم زوجها وجعلت كلامها يتماهى بين الحزن والإنزعاج واللامبالاة. قالت باختصار: "حبيبي.. اتصلوا بي من المكتب وقالوا إنهم يريدون أن يستبدلوا شغالتنا بواحدة أخرى لأنهم اكتشفوا في فحصها الطبي الأخير أنها تحمل فيروس الأيدز".أقفلت الخط وشوهدت بعد يوم واحد ترتدي الأسود وتنوح حدادا على الروح الطاهرة لزوجها الشاب وقد فارقها واختاره القدر القاسي للموت بسكتة قلبية مفاجئة لم تدرَ أسبابها.
essamsahmarani@hotmail.com
http://essam.maktoobblog.com/
http://essamsahmarani.maktoobblog.com/

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف