جميل بشير رائد الموسيقى العراقية الحديثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جميل بشير انك سوف تغدو بشير الانس بالفن الجميل
قليل في البلاد اذا عددنا عباقرة الفنون بكل جيل
وبغض النظر عن بساطة هذا الشعر، فان ما توقعه البارودي حصل بالفعل. فبعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة عمل جميل بشير مراقباً للأناشيد المدرسية في وزارة المعارف. وبصفته هذه قام بوضع عشرات الالحان المخصصة للاطفال والتلاميذ ما لبثت ان عممت على مدارس البلاد وانتشرت بسرعة لما تتميز به من اصالة موسيقية وروحية جديدة. وقد جمعها مع النوته فيما بعد ونشرها في كتاب بعنوان "مجموعة اناشيد المدرسة الحديثة"، صدر في 1949 عن مطبعة التفيض ببغداد. بموازاة ذلك واصل جميل بشير التألق في العزف على العود والكمان (وعلى البيانو فيما بعد). وحينما جرى تأسيس الفرقة الموسيقية العراقية الجديدة في العام 1948 اختير ليكون أهم عناصر هذه الفرقة التي ضمت ايضاً خضر الياس، عازف الناي الكبير، وعددا من العازفين الآخرين. وقد سمحت له تجربته الطويلة في الفرقة بتطوير مهارة الارتجال الموسيقي لديه واهلته للقيادة الموسيقية حيث كان يضطلع بنفسه بوضع نوتات الالحان التي تؤديها الفرقة ويحرص على تدريب زملائه على تنفيذها بدقة بعد ان كان يقوم بتحفيظها لمن لا يجيدون قراءة النوتة منهم، كما سمحت له بتعميق معرفته بالتراث الموسيقي العراقي ليصبح احد ابرز الذين ساهموا في حمايته من الضياع وتطويره، اذ قام بتدوين اصعب الالحان القديمة لاسيما في مجال المقامات، من بينها مقام الراست الذي دونه من اول الى آخره وقدمه لأول مرة انطلاقاً من النوتة المدونة في احدى حفلات معهد الفنون في اواخر الخمسينات. ومن جانب آخر عمل جميل بشير على اضافة مقدمات موسيقية من تأليفه لعدد كبير من الاغاني الشعبية لتغدو اليوم جزءاً لا يتجزأ منها. كما رفد الموسيقى العراقية بعدد من الالحان الجديدة والمبتكرة والمحافظة في نفس الوقت على الطابع العراقي. والى جانب دوره في الفرقة وفي مجال الانتاج الموسيقي، عمل جميل بشير استاذاً للموسيقى، ولتدريس العود خاصة، في معهد الفنون الجميلة طوال فترة تجاوزت العشرين عاماً ساهم خلالها في تدريب وتكوين نخبة من الموسيقين الذين لمعوا فيما بعد. وكتب عدداً من البحوث والدراسات الموسيقية التطبيقية اشهرها كتاب بجزئين عنوانه "العود وطريقة تدريسه" نشره في عام 1961 وضمنه العديد من نوتات المقامات العراقية ولازال لحد الان من بين اهم المراجع في هذا الصدد. ولقد تفرغ جميل بشير في العقد الاخير من حياته الى الكتابة الموسيقية في بيته الذي حوله الى "ورشة عمل" لتسجيل الاغاني العراقية.من كل ما تقدم نستطيع ربما تكوين فكرة وافية حول المكانة الرفيعة التي يستحقها جميل بشير في تاريخ تطور الموسيقى في العراق. ودون الادعاء باننا نعرف كل شيء عن هذا الموضوع سنحاول هنا الاشارة الى الميادين الرئيسية التي توزعت عليها هذه المساهمة حسب معرفتنا الخاصة. 1- تأليف موسيقى الاغاني التراثية:
لولا جميل بشير لما كان ناظم الغزالي ليستطيع تحقيق الشهرة الكبيرة التي نالها. هذا الرأي الذي يقول به البعض لم يقم دون اساس. فالمطرب الكبير ناظم الغزالي الذي ولد في بغداد عام 1924 وتوفي فيها في 12-10-1963، برز فعلاً بفضل تلك الالحان التراثية التي التقطها جميل بشير من افواه الناس وثابر على عزفها وتسجيلها بعد ان اعاد توزيعها توزيعاً موسيقياً جديداً ومتطوراً، اصبحت بفضله خالدة في العراق وخارجه. ولا يقتصر الامر على الالحان التي غناها ناظم الغزالي انما ايضا على الكثير من الالحان التي غناها غيره ايضاً وخصوصاً فرقة الانشاد العراقية في فترتها الخصبة التي عرفتها سنوات الخمسينات ومطلع الستينات. أما الألحان العراقية التراثية التي ساهم جميل بشير في إحيائها فمن بينها الأغاني التالية: اغنية "فوك النخل فوك"، اغنية "جواد جواد مسيبي"، اغنية "خابيف عليها تلفان بيها"، اغنية "يابنت عينج عليّه والله المحبة جلبيه"، اغنية "واشبان مني الذنب ياعيوني"، اغنية "مروا بنا من تمشون"، اغنية "كلي يا حلو منين الله جابك"، اغنية "يا ابن الحمولة عليّه اشبدلك"، اغنية "طالعة من بيت ابوها"، اغنية "ماريده الغلوبي وعيونه سود محبوبي"، اغنية "بالحاجب ادعي عليك"، اغنية "يابنية ويابنية"، اغنية "ياحنينة وياحنينة".2- تدوين وتسجيل موسيقى المقامات العراقية:
احتل تدوين وتسجيل موسيقى المقامات القديمة القسم الأهم من النشاط الذي كرسه جميل بشير للموسيقى العراقية. فقد اهتم من جهة، بصفته عازفاً، بمرافقة ابرز مطربي المقام العراقي اثناء التسجيل لهم كمحمد القبانجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن خضر وعبد الهادي البياتي.. وكان هؤلاء يحرصون على وجوده معهم اثناء ذلك لمهارة ادائه وللرشاقة والسهولة التي يتميز بها اثناء التنقلات بما منها الاكثر صعوبة ودقة الى درجة كان المطرب يشعر بثقة عالية، ويغامر بتفجير طاقته الصوتية، عندما يكون جميل بشير الى جانبه. ومن جهة ثانية سجل هذا الفنان العديد من موسيقى المقامات العراقية على آلتي العود والكمان كمعزوفات منفردة وهي طريقة تميز بها في تجديد الموسيقى العراقية وحفظ تراثها في ذات الوقت. لكن عطاءه الاكبر والاكثر خلوداً هو تدوينه موسيقى المقامات بشكل مفصل وكامل احياناً ونشر مجموعة منها في الكتب التي اصدرها بينما ترك القسم الاخر على شكل مخطوطات. وابرز الأثار التي تركها في هذا المجال ما يلي: مقدمة موسيقية من نغم الحجاز، موسيقى مقام الحكيمي، موسيقى مقام البهيرزاوي، مقدمة موسيقية من نغم الخنبات، موسيقى مقام الخنبات، موسيقى مقام الاورفه (ديوان- حسيني)، مقدمة موسيقية من نغم الاوج، موسيقى مقام شرقي راست، مقدمة موسيقية من نغم الجهاركاه، موسيقى مقام المخالف، موسيقى مقام الحديدي، معزوفة موسيقية تتوسط مقام الصبا تبدأ بالصبا وتنتهي بالبيات، موسيقى مقام الطاهر، موسيقى مقام الجهاركاه، مقدمة موسيقية من نغم الاوشار، مقدمة موسيقية من نغم السيكاه، موسيقى مقام شرقي راست، مقدمة موسيقية من نغم الجهاركاه، موسيقى مقام المخالف، موسيقى مقام الحديدي، معزوفة موسيقية تتوسط مقام الصبا تبدأ بالصبا وتنتهي بالبيات، موسيقى مقام الطاهر، موسيقى مقام الجهاركاه، مقدمة موسيقية من نغم الاوشار، مقدمة موسيقية من نغم السيكاه، موسيقى مقام شرقي عشاق، موسيقى مقام الراست (مع مقدمة وفواصل كاملة). 3- المؤلفات الموسيقية الكلاسيكية:
يقوم هذا الصنف من الانتاج الموسيقي على التأليف المحض دون الخروج من مقومات وقيم المقامات والانغام العراقية الكلاسيكية وتسمى هذه المؤلفات "سماعيّات" (مفردها سماعي) ويرجع تأسيسها الى الموسيقار الفيلسوف أبي نصر الفارابي. وهي من اصعب انواع التأليف الموسيقي وعصية جداً في الاداء لذلك فهي لم تزدهر شعبياً انما انحصر وجودها على كبار الموسيقين في الفترتين العباسية والعثمانية حافظوا عليها لتصلنا حتى الان. فعن الموسيقيين العثمانيين انتقلت من جديد الى سوريا والعراق. ويعتبر الموسيقار الحلبي السوري الكمنجاتي سامي افندي الشوا الذي عاش في اوائل القرن التاسع عشر اول من سجلها على اسطوانة في العصر الحديث وهي تعرف باسم اسطوانة "السماعي الثقيل العربي". وعلى اية حال لم تعرف الموسيقى العراقية الحديثة قبل جميل بشير سوى محي الدين حيدر ممن اتجه للتأليف في هذا النوع من الموسيقى. اما اهم تأليفات جميل بشير فيه فهي: سماعي راست، سماعي نهاوند، سماعي ديوان (حسيني)، سماعي صبا، سماعي جهاركاه، سماعي يكاه..ويضاف اليها نّصان آخران يعرفان بـ "بشرف سيكاه" و "لونكا فراق". ومن الجدير هنا ان نشير الى ان هذه التأليفات تتميز بالتقنية العالية وصعوبة الاداء جداً وخصوصاً بالنسبة لـ "سماعي ديوان" حيث وضعه جميل بشير بكل اقسامه من مقام واحد احكمت سيطرته بكل اتقان (وهو مقام الحسيني) وهي مهمة صعبة ذلك لأن التأليف الموسيقي بمقام واحد وبصيغة السماعي تتطلب قدرة عالية على استيعاب المقام بكل ابعاده النغمية الدقيقة. وكذلك الامر بالنسبة لسماعي النهاوند الذي تتدخل فيه عدة مقامات إلا ان الطابع التقني الذي وضع فيه صعب الاداء الى درجة تقتضي مهارة هائلة لدى العازف.واضافة لها، ألف جميل بشير مجموعة قطع موسيقية اعتيادية ذات طابع راقص من بينها ثلاثة تحمل اسماء ابناء الفنان وهي: "جنيد وشروق" (من مقام الراست)، و"رقصة جمانة" (من مقام النهاوند) و"هيرمان" (من مقام الراست). 4- المؤلفات الموسيقية الاكاديمية:
هذا الصنف من المؤلفات يختلف عن سابقيه بالانطلاق من الخصائص الاكاديمية اساساً والالحان الاعتيادية ذات التقنية العالية المتحررة من مقومات موسيقى المقام. ولجميل بشير مجموعة مسجلة منها هي: "كابريس"، و"ملاعب النغم"، و"تأمل"، و"ذات الخال" (وتعزف بأصابع اليد اليمنى وبدون مضراب)، و"اندلس" (وتعرف ايضاً بأصابع اليد اليمنى وبدون مضراب)، و"فردوس"، و"سامبا حائر"، و"قطرات"، و"قيثارتي"، و"في الغروب"، و"همسات"، و"حيرة"...
5- تدوين نوتات عدد من الأغاني الكردية:دوّن جميل بشير ايضاً نوتات عدد من الاغاني الكردية لاسيما تلك التي قدمها المطرب الكردي الكبير علي مردان، إلا اننا في الوقت الحاضر لا نمتلك تفاصيل وافية حول هذا الجانب.واخيراً فان هذه المقالة تظل بعيدة جداً من استيفاء جميل بشير حقّه. فهو يحتاج في الواقع الى دراسة اوسع بكثير وينبغي ان تركز على الجانب التقني في ابداعه وهو أمر لسنا في قدرة على تحقيقه في هذا المقال الذي هو مجرد تحية للفنان الكبير جميل بشير الذي حالفني الحظ السعيد مرة فقادني الى لقاء عابر معه عندما اصطحبنا لرؤيته الفنان العراقي الراحل مهند الانصاري وكان ذلك خلال زيارة قصيرة ووحيدة لنا الى الكويت في الايام الاخيرة من عام 1970.
.
التعليقات
سؤال
عراقي -عندي سؤال الى الدكتور حسين اذا كان كل مصائب اهل الفن في السابق بسبب نظام الحكم السابق . مالذي فعله النظام الحاكم الحالي الى اهل الفن .اذا كان في السابق نسبة كبيره من اهل الفن قد هربواالى الخارج فان النسبة في الوقت الحالي قد تضاعفة اكثر. وكم فنان ومبدع قد قتلوا في الشوارع وليس من حامي لهم . واشياء كثيره تحدث في الوقت الحاضر ليس هناك مجال الان الى ذكرها. انا فقط اريد ان اقول نريد اشخاص عراقيين ليس فقط بالهوية وهي تمنح الان لمن هبه ودب نريد عراقيين مخلصين للعراق واهل العراق فقط!!!!
سلام من كوردستان
بشیر صبري بوتاني -شكرا للاخ الكاتب حسین الهنداوي علی هذا المقال العظیم، بالحقیقة فرحت بە جدا كما ولي بعض الملاحظات. بودي ان اذكر بعض اصدقاء الموسیقار الخالد جمیل بشیر الذین خدموا الموسیقی العربیة والكوردیە في العراق مثل الموسیقار الیهودي صالح كویتي، الذي توفی عام 1986 في اسرائیل. باالاظافة الی ذلك الموسیقار الكوردي احمد الخلیل وعازف الناي الكبیر البیرت الیاس (من موالید 1927)، والذي مازال علی قید الحیاة في اسرائیل، كما وساعد المطربین العراقیین الكبار مثل ناظم الغزالي وعلي مردان وحسن جزراوي ولخ. وشكرا لایلاف لنشر ملاحظاتي.
كاولية
sami alaa -بصراحة الموضوع جميل وغني جدا بالمعلومات الصحيحة حتى اذا زعل صاحب التعليق الاول منه. نشكر ايلاف والسيد الكاتب على هذا المقال الذي ادهشني بمصادره وكثرة اسماءالفنانين العراقيين التي لا اعرفها من قبل وربما لاننا من جيل جاء بعد وفاة هذا الفنان جميل بشير بسنوات عديدة. كما نكتشف دور الكويت في احترام الموسيقى العراقية واحتضان الموسيقيين المهاجرين من العراق. ونعتقد ان الكاتب على حق في الكشف عن الاضطهاد البعثي ضد الفنانين الموسيقيين الذين يمرون حاليا ايضا في ظروف قاسية وعصيبة واضطهاد على يد الاحزاب الدينية المتسلطة على الثقافة والفن في العراق اليوم سواء جماعات المالكي او الحكيم او الهاشمي او الصدر. ولا فرق بين البعثيين والاسلاميين في معاداة الموسيقى والفنون كافة. فلا تزعل اخي صاحب التعليق الاول لكن يجب الاعتراف ان البعث المقبور دمر الموسيقى العراقية الاصيلة ونشر موسيقى الكاولية والبزخ وهزة البرتقالة بدلا منها فكان الممهد لاجواء انتشار موسيقى اللطم والدرباشة حاليا.
عصارة العبقرية
د. عمار أحمد -ليس غريباأن يقترن الفن العراقي وأسماء الذين يموضعوه إبداعا فذا مضافا لإبداع البشرية، بالعبقريةفهذاالاقتران طبيعي وتلقائي لشعب يمتح إبداعا من جدودأعمارهم تجاوزت الثمانية آلاف عام. وأعتقد جازما أن الأرض والجبال والسهول والأهوار تخفي أسرارا مذهلة، لاتمد بها إلا أهلها المخلصين لها والمتفانين بتقديم الجمال للعالم..
تكريم الفنان كولونيا
هيثم الطعان -سبق وان قدم الفنان رائد خوشابا امسية عن الفنان جميل بشير في الديوان الشرقي الغربي في كولونيا الالمانية وكانت سهرة جميلة قدمت فيها نماذج من اعمال الفنان جميل بشير ومغلومات قيمةعن حياته واعماله وتاريخه الفني www.irakischerkv.deهيثم الطعان مدير الديوان كولونيا
طير شلوه
شكو ماكو -الموسيقى تحتاج هي الأخرى إلى مساحة ديموقراطية وديموغرافية لوزن أو توزين الأوتار، وقد يكون الكاتب من المجتهدين في ديمقراطية اللحن السريع في داخل العراق وخارجه موسيقياً تضاف إليه بعد الموشحات الإندلسية التجويدية الديمقراطية كونها والله العليم قد تم ترسيخها إيقاعيا وإنتخابيا، ولم تكتفى جهود أصحاب الهمم الموسيقية من الدخول في عالم الموسيقى الداخلي بل خرجوا من جديد ليلحنوا بنفس النغم الذي عرفته الناس، فدعوا جميل بشير لأنه لم يلعب على أوتار عوده إلا حباً بالموسيقى لا غير.
الريادة
ماهر علوان -اريد ان اشكر الدكتور الهنداوي على هذا المقال الممتع الا انني اختلف معه على قضية ان الفنان جميل بشير هو رائد الموسيقى العراقية الحديثة. وحقيقة سؤالي هل هناك فعلا موسيقى عراقية حديثة بالمعنى العالمي؟ انا لا اعتقد بوجودها لحد الآن في العراق الحديث برغم اني ليس من زبانية العهد السابق الذين صعد الجرب الى قلوبهم حتى صاروا يخلطون بين الموسيقى والانتخابات وفاء لنفس الشجرة الخبيثة التي الحاقدة على الموسيقى والانتخابات. الموضوع الثاني ما هو موقع الفنان المبدع منير بشير في الموسيقى العربية والعراقية الحالية. وبارك الله لكم وشكرا لايلاف.
سنوات الضياع
فاطمة علي حللي -الشكر علي التقدم