ثقافات

كمـا يجلـس أبـو الهـول

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


أنسي الحاج

* لَغو، بالطبع
ـ ماذا تكتب؟
ـ ما أحاول أن أفهم.
ـ متى تفهم؟
ـ غالباً عندما أكتب.
ـ وماذا تفهم عندما تفهم؟
ـ أن الكتابة هي أكرم أشكال العناق.
ـ اعترفْ بأنّ ما يحتاج فعله إلى دقائق عند سواك يحتاج عندك إلى سنين. اعترفْ وقل لي السبب.
ـ الخوف من أن تذهب الروح مع الفعل. الحياة هي مجموع ما نؤجّل.
ـ ما هذه النظريّة السخيفة. الحياة أفعالنا وليست العكس. العكس هو النوم عن الحياة.
ـ هذا ما تظنّه، وبعد أن يمضي الوقت تجد أن الحياة ليست ما فَعَلْنا بل ما لم نفعل، وآثارنا الممحوَّة هي التي تنفخ الروح في آثارنا الظاهرة.
ـ ماذا يقول لك ابن السنين السبع الناظر إليك بعينيه اللتين تأكلان وجهه؟
ـ يقول لي بأبلغ ما يكون ما سوف يجتهد لقوله كبيراً لسائر الكبار ولن يستطيع.
ـ مثلاً؟
ـ أَنّه وَجَد الأشياء قبل أن يستيقظ ويبدأ في البحث عنها.

* * *
ـ لم أتوصل بعد إلى إيجاد الرابط بينك كشخص يوميّ وبين كتاباتك.
ـ الشخصان اختراع مَنْ يراهما.
ـ أَمَا من حقيقة في هذين الشخصين؟
ـ عبوديّة التظاهر عند الأوّل وحريّة التخفّي وراء زعم التعرّي، عند الثاني.

* * *
ـ هؤلاء الناس الذين يَعْبرون الطريق...
ـ هؤلاء الناس الذين يستثيرون غيرتنا لأنّنا نظنّهم أفضل منّا حالاً.
ـ أليسوا فعلاً كذلك؟
ـ هم كذلك ما دمنا نشاهدهم لحظتين، قبل دخولهم وراء الجدار، هناك حيث الأشياء مرعبة، وحيث الأسوأ في هذه المرعبات أنَّ رأسها فراغ وذيلها وَجَع.
ـ أما من مُفْرحات؟
ـ كثيرة، أوّلها الهواء وآخرها الهواء وبينهما استعداد الآخرين لتقديرك أكثر ممّا تستحقّ.
ـ والطعام والشراب والصحبة...
ـ ... واللهو والحلم والأيّام المتثائبة في رتابة الأمان.
ـ رتابة!؟
ـ تصبح منتهى الطموح.

* * *
ـ نتابع حياتنا إكراماً لصور البداية. تكاوين المَطالع هي الأساس، وما يليها يحاول أن يكون أو أن لا يكون خيانة لها.
ـ شيءٌ من هذا، ولكنْ ليس حتماً ولا دائماً، فأحياناً نتابع حياتنا إدماناً أو تطلّعاً إلى مجاهل.
ـ ونصادف مجاهل؟
ـ نصادف ما نحسبه مجاهل.
ـ أليس كل هذا لَغْواً؟
ـ بالطبع.
ـ وماذا عن الصمت؟
ـ صمتُ الرجل مخيف.
ـ والمرأة؟
ـ يجلس صَمْتُها أمام جسدها كما يجلس أبو الهول أمام أبواب الآلهة.

* * *
ـ سنكتب ما حكيناه؟ وماذا نكتب بعده؟
ـ نكتم سرّاً آخر.

* افتراضات
لو التقى جبران ومي،
لو لم يتراجع طه حسين عن كتابه "في الشعر الجاهلي"،
لو لم تنفصل فيروز عن الأخوين رحباني،
لو لم يغادر نزار قباني وأدونيس سوريا،
لو غادر الماغوط سوريا،
لو اتّسع العراق لصخب عبد القادر الجنابي وتمرّده،
لو كان مسيحيّو النهضات العربيّة مسلمين،
لو أكمل الفتح الإسلامي غزوه لأوروبا ولم يتوقّف في بواتييه،
لو ثبت مارلون براندو على تصريحه "لم يعد هناك سينما أميركيّة في هيوليوود بل سينما يهوديّة"،
لو مات غوته في صباه،
لو غنّت أم كلثوم بالإنكليزيّة،
لو قال محمد عبد الوهاب دائماً حقيقة رأيه في سائر الفنّانين،
لو كتب شكسبير بالعربيّة...

* ذلك الانتزاع
إذا لم يَقْدر المرء أن يستوعب، حتّى لو عاش مئة سنة، واقعة انتزاع كيانه لحظة ولادته من كيان أمّه، فكيف له أن يستوعب وحشته وحريّته وفشل محاولاته للفناء في الآخرين؟

* ... وفي تلك الأثناء
كثيراً ما شغلتني المفارقة المفزعة بين موت شخص في مكانٍ ما وانهماك الأقربين إليه في مكان آخر في اللحظة نفسها لموته بأمور الحياة اليوميّة العاديّة.
صورة امرأةٍ تُخْنَق في غرفة وزوجها وأولادها يتغدّون في مطعم أو يشاهدون السينما...
قلوبنا يعتصرها الفزع باستمرار: فزع المواكبة، فزع أن نعرف ما يحصل لحظة بلحظة، الفزع من دفع ضريبة لحظات الفرح... ولولا استراحات الضوضاء والأضواء ومدافن النوم لما استطعنا متابعة السير، ولانفجرتْ رؤوسنا.

* الأرض المخطوفة
بعد وثبة التطوّر التكنولوجي لم تعد تحصل إلاّ ثورات بؤساء على بؤساء أو ثورات على الثورات "القديمة".
هل زالت الثورة بمفهومها "التقليدي"، ومثالها لا يزال الثورة الفرنسية وبعدها البولشفيّة؟
بات الثائر أسرع من الثورة. أصبح كلُّ شيءٍ أسرع من أيّة أشكال قديمة للعمل.
حتّى التاريخ القريب ـ لنقل تاريخ الحرب العالميّة الثانية 1939، 1945 ـ جعله العصر التكنولوجي، والأميركي طبعاً بنحو خاص، يبدو من مخلّفات القرون الوسطى.
عهدٌ من الصبا الناهب المدى يخطف كوكب الأرض. الصخب، الارتجال، الإسفاف، الروبوتيّة، التسليع، قَتْل التأمّل، تنميط الجنس، سَحْق الرغبة لحساب التعليب، وغيرها من وجوه الهمجيّة الجديدة، بعض من آفات السرعة. طبعاً لها حسنات، أولاها خلق الحاجة إلى استنباط مقاييس جديدة للصبر ونفاده. لكنَّ أسوأ آفات السرعة أن زوبعتها غير موصدة في وجوه المزوّرين، وهؤلاء كانوا دوماً أبطال السرعة على مرّ العصور.


عابرات
مستعدّ، بكلّ امتنان، لوضع قناعٍ وتغيير اسمي.(ستاندال)

بما أن الشعب يصوّت ضدّ الحكومة، يجب حَلّ الشعب.(برتولد برشت)

ارسلْ دزينتي ورد إلى الغرفة 424، وضعْ عبارة "إميلي، أحبّكِ" على ظهر الفاتورة. (غروشو ماركس)

الحجر الذي يعطيكَ إيّاه صديق، تفّاحة. (مثل عربي)

يا مَرْكبي الجميل آه يا ذاكرتي. (آبوللينير)

الشوق غيمة في قميص النوم. (نوال الحوار) "القطا في مهبّ العطش"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رائع يا انسي الانيس
شاعرة -

كم احبك يا انسي..كم احبك ..اقرا جملة واغرف من التي تليها كانني انهل من كوثر ولا اسكر واحزن حين اكمل قراءتك

لو من عمل الشيطان
ماهر -

لو اتسع العراق لجنون الجنابي.. لكنا ما رأينا هذه الحثالات التي تحكم الثقافة العراقية اليوم