داليا رابيكوفيتش: مختصر تاريخ ميخال
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من دواوينها "الحب تفاحة ذهبية" 1959، "شتاء قاس" 1964، "الكتاب الثالث" 1969، "هاوية قارئة" 1976، "أم وطفل" 1992، "مياه كثيرة: أشعار 1995-2005" 2006. ومن مجموعاتها القصصية، "الموت في العائلة" 1976، "جاءت وذهبت" 2005، وقامت بتحرير الكتاب الأخير الأديبة أورلي كاستل بلوم. والقصة المنشورة هنا من المجموعة الأخيرة. ****مختصر تاريخ ميخال
في الكيبوتس (1)، عندما فككوا العفش ورتّبوه في الغرفة، اتضح أن لوح الطاولة انكسر. ومنذ ذلك الحين، لم يتم إصلاح تلك الطاولة.
السريران، واحد منهما سفلي ويصدر صريراً عندما يتحرك كل ليلة، والآخر علوي مغطى بسجادة وردية، كانا منتصبين بالقرب من الجدار الشمالي، بجانب الطاولة.
بقيت ابنة الست سنوات مقيمة في حجرة ميخال ولم تذهب إلى الحضانة. لم تحرص ميخال على ترتيب السريرين وأحيانا ما كانتا تنامان بملابسهما على السجادة الوردية، مغطاتان بالبطانية. ابنة الست سنوات لم تحب التسيب والإهمال. كل ليلة كانت تطبق ملابسها بشكل منظم على الكرسي.
تراكم الغبار على أرفف الكتب. قرر أحد التوأمين، عندما كبر، ألا يدخل كتباً لبيته بسبب ذكرى هذا الغبار، لم تفعل ابنة الست سنوات شيئاً، كرهت الغبار بدون أن تحاربه بشكل فعلي. انتظرت شخصا ما لكي يحارب من أجلها.
ماتت ميخال في بداية الربيع، في كيبوتس آخر، بعد ثماني سنوات من شلل نصفي وخرس التزمت به، لأنه لم يكن لديها من تتحدث معه. بعد ثماني سنوات توقفت عن الأكل وخفضت رأسها. عندما طلبوا منها، ميخال افتحي عينيك، أغلقتهما بالقوة. لم يطعموها أي شيء رغماً عنها. فقط كانوا يدهنون شفتيها بعصارة العسل المخفف ويقلبون جسدها كل ساعتين منعا للقروح.
ماتت ميخال بعد أسبوع من عدم الأكل، ودفنت في نفس الكيبوتس، ولم يقيموا سبعة أيام الحداد عليها، لسبب ليس هذا هو المكان لتفصيله.
لم يتم إصلاح الطاولة أبداً. كانت ميخال قد استبدلت منذ ذلك الصباح في الطريق إلى عفولة الكثير والكثير من العفش، ولكن كل شيء كان بلا طعم وذوقه ردي. عاشت حياتها دائما في تقشف وفقر. وذات مرة كذلك أثير الشك في أنها ماتت بسبب الجوع.
بعد أن ترملت ميخال بعشر سنوات تزوجت من مدير مدرسة في احتفال بحاخامية حيفا. ارتدت ملابس غير ملائمة من أجل الزفاف. جاكت تركواز، قميص منقط وجيبة رمادية. ابنة الست سنوات والتي كانت وقتها ابنة ست عشرة سنة لم تحضر الزفاف برغم سعادها بأنه سيكون لميخال زوج.
قال مدير المدرسة لميخال: "أنا أعرف أنني في المكان الأخير لديك". لم يقل هذا محتجاً، وإنما قالها بلهجة من يعترف أن الكوب قذر أو أن الطبق مكسور. ليس هناك كوب وطبق آخران، وبالتالي فسوف يشرب ويأكل فيما هو متاح.
لم تحتمل ميخال الكيبوتس ولم يكن لها هناك أصدقاء. كانت ملاحظات بسيطة تشعرها بالإهانة. وكانت هناك أيضا ملاحظات خبيثة من نوعية: "هذا القماش يبدو أصغر من سنك كثيراً"، وذلك عندما تذهب، وهي ابنة الأربع وثلاثين، لمحل الخياطة لاختيار ملابس.
كل ما كان لديها ضد الكيبوتس حفظته في قلبها ولم تعبر عنه إلا بعد عشرين عاماً. عندئذ انفجر كل شيء مثل السيل. ابنة الست سنوات تركت الكيبوتس وهي في سن الثلاث عشر وأقامت عند خمس عائلات تقوم بالتربية، الواحدة تلو الأخرى. يمكننا القول أن طفولتها انتهت ويمكننا القول أنها بدأت للتو، لأن الأطفال في حيفا، والتي كانت تعيش فيها، لم يضايقوها، بل كانوا رمزا للصداقة.***لنترك الآن ابنة الست سنوات والتي سوف تقتحم القصة وتحطمها من حين لآخر، على النقيض حتى من رغبتنا أو على النقيض من رغبتها. كانت ميخال دائما مخلصة بقلبها وروحها لعملها كمدرسة. كانت مدرسة للحياة. كانت تشجع وتدعم وتجسد مواد الدراسة. وكانت تعيد الاختبارات التي حصلت على علامة الامتياز (100%!). وكانت تحب تشجيع التلاميذ غير المرغوبين بالتحديد، هؤلاء الذين كانوا عبئاً على الكيبوتس. ولكننا لن نتحدث عن الكيبوتس أيضا هذه المرة، على الأقل لن نتكلم عنه أكثر مما يجب.
السنوات الثمانية الأخيرة في حياة ميخال تشبه فصلاً في الجحيم، ارتدت فيها الأقمطة، وكانت لديها امرأة تعتني بها من كريات شمونه. نامت يومياً لأحد عشر ساعة في السرير بلا قدرة على القيام أو قياس الزمن.
قالت لابنها: "من الأفضل أن تقتلني، لقد عشت بما يكفي." ولكن الابن التوأم لم يفكر في هذا بجدية. اعتقد هو أن لديها نظام يرضيها، وصار يأخذها أيضاً إلى طبيبة الأسنان لأجل تنظيف أسنانها نصف سنوياً. كانت محكومة جيداً مثل هيكل سيارة قديمة خربة، وتقريبا لم تكن تتحدث. ابنها التوأم قال أن ماما أصبحت تخرف، ولكنني أعتقد أنها مكتئبة. لم يكن من الممكن إدخالها إلى غرفة الأكل، لأنها لم تكن تأكل بشكل جميل.
ما الذي يعنيه غير جميل؟ كانت تأكل بالضبط مثل حيوان. كل شيء بيديها، والأكل يقع من فمها. ليس هناك شك في أن مخها كان مصاباً بشكل خطير. قبل هذا اعتادت على القول أنها تتمنى ألا يحدث لها هذا وأن تموت فجأة. ولكن ما يحدث لنا ليس هو ما نريده.***بين الرحلة في التاكسي واليوم الذي ماتت ميخال فيه، 19 فبراير، مرت خمسة وخمسون عاماً أو أقل. حدثت في هذه الأثناء أشياء كثيرة سوف أحاول ترتيبها. ولكنني واثقة أن الأمور ستختلط علي بين ما حدث في الأول وما حدث في الآخر، لأن القصة تؤلمني.
عندما وصلت ميخال لسن التسع وخمسين قررت ترك الكيبوتس. كانت هناك اجتماع للأصدقاء، وسمعت ميخال هناك كلمات انتقاد قاسية. لا أعرف ما قيل بالضبط في هذا التجمع، ولكن ميخال ذكرت بصراحة أموراً قاسية ومهينة. زوجها، مدير المدرسة السابق، والذي أصبح مفتشاً إقليمياً للتعليم الزراعي من قبل وزارة الزراعة، لم يكن مؤهلاً نفسيا لترك الكيبوتس والانفطام من عادة منح أمين الصندوق كل مرتبه شهرياً.
أضمر الزوج الكراهية ضد ابنة الست سنوات السابقة لأنها، كما بدا له، تجذب أمها للخروج من الكيبوتس. لم تكد تمر أيام أو أسابيع حتى مات بسبب أزمة قلبية مفاجئة، في غرفته المؤجرة بتل أبيب. كانت ميخال معه، تقبض على التليفون وتحاول عبثا الاتصال بطبيب مشهور قريب للعائلة
ترملت ميخال مرة ثانية وعادت لتكون امرأة وحيدة. ابنة الست سنوات السابقة حافظت على بغضها لمدير المدرسة السابق الذي جعل أمها أرملة. اعتقدت أنها - هي أيضاً - ستدفع ثمن هذا، فأمها، والتي أصبحت فجأة بلا بيت، سوف تلتصق بها، وهذا ما حدث.
العلاقة بين ميخال وأولادها كانت مختلفة ومعقدة. ترك التوأم الكيبوتس، واحد منهما إلى كيبوتس آخر، والثاني هاجر إلى أمريكا. وكلاهما، عندما كانا يزوران أمهما، كانا يجلسان ويقرءان صحيفة الصباح، أو صحيفة المساء، وبعد ساعة أو ساعتين يفترقان ويذهب كل إلى بيته. ابنة الست سنوات السابقة لم تستطع تحمل الوجود المتواصل لميخال بجانبها، والذي يعني الكثير جداً، في وقت متأخر جدا.ً عندما كانت ميخال تدق الباب، كانت البنت - لعصبيتها الشديدة - تصاب بالمغص، حتى ولو لم تستطع إخبار ميخال إلى أي درجة تريد الابتعاد عنها. كانت ميخال تواصل تغطية نفقات ابنة الست سنوات السابقة، والتي لم تستطع أبداً التكفل بنفقات حياتها، كما أنه لم يكن لها عمل ثابت.
عندما بلغت المياه الحلقوم، انتقلت ابنة الست سنوات السابقة إلى شقة أخرى، وانتقلت ميخال، وهي تقارب الثمانين، إلى كيبوتس أحد ولديها التوأم، بصفة غامضة، "أم عضو في الكيبوتس".***بعد سنتين حكت فيهما للجميع كم أنه تم استيعابها بشكل رائع في الكيبوتس، هاجمتها سكتة دماغية في عيد هاسوكوت وتم علاجها وهي في حالة حرجة بمستشفى "زيو" بصفد. من صفد تم نقلها للنقاهة في تل-هاشومير، ولكن النقاهة لم تنجح، وعادت للكيبوتس، بادئة في رحلة الثماني سنوات التي خاضتها، والتي كانت تجلس فيها على كرسي وتقرأ جريدة "لمتحيل"، من النهاية للبداية، ثم من البداية للنهاية، لأنها لم تكن تتذكر أصلا ما تقرأه. انتقلت بشكل سريع جدا إلى الصمت التام. من كان يصر فحسب هو من كان ينجح في الثرثرة معها. كانت تقول مراراً وتكراراً: "هذا ليس بيتي."
ابنة الست سنوات السابقة أتت لزيارتها وسألتها: "ماما. كيف هو بيتك؟". فكرت كثيراً وردت: "خلف أشجار السرو"، وعندما ماتت ميخال، فرحت ابنة الست سنوات السابقة أنه تم إنقاذ أمها من المهانة وآلام الروح. كل العائلة الموسعة، والتي لم يكن أبناؤها قليلين، تجمعت لمرافقة ميخال إلى راحتها الأبدية. كان هذا يوماً ربيعياً رائعاً. كان جيداً بالنسبة لميخال أن لا تقلق أقربائها وإنما تمنحهم الفرصة للتنزه في الطبيعة. تم دفنها في مدافن تظللها أشجار الكاليبتوس. وكان شاهد قبرها يشبه جميع شواهد القبور المجاورة، كأنها في مدافن عسكرية، لأن هذه هي عادة الكيبوتس. وكانت هناك أيضا امرأة مختصة وظيفتها الاهتمام بجمال المدافن.
لم تتم إقامة حداد السبعة أيام عليها، وابنة الست سنوات السابقة لم تزر قبرها لأسباب يصعب عليّ إيرادها هنا. هي تتمنى أن يكون القبر فعلا محكم بحسب الشريعة، وفي نفس الوقت لم تكن لها علاقة عميقة بالقبور.
هذا هو مختصر تاريخ ميخال. أستطيع أيضا أن أحكي عن بداية حياتها حتى زواجها بحبيبها والذي كان هو أبا التوأم وابنة الست سنوات، ولكنني لن أكتب هذا إلا إذا استطعت، لأنه ليس سهلا عليّ الحديث عن هذا، كما أن الكتابة نفسها لا تواتيني بسهولة.***وُلد تسعة إخوة وأخوات لعائلة هامر، ولكن لم يصل لسن الشباب منهم سوى ستة. كانت ميخال هي الرابعة من بين من تبقوا على قيد الحياة. كان للأبوين عينان داكنتان وكانت لميخال عينان زرقاوتان. تم توجيه الأولاد إلى العمل اليدوي والبنات أصبحن مدرسات، باستثناء كبراهن التي ظلت سيدة منزل. لقد جئن من عائلة فقيرة وعاملة ولم يدرسوا إلا الحد الأدنى الضروري، باستثناء مريم التي تلقت منحة للدراسة في لندن وهناك أدخلت رأسها في فرن غاز. سافرت الأخت الكبرى لإحضار تابوتها.
وُلدت ميخال في مدينة رحوفوت التي كان يحكمها الأتراك، قبل الحرب العالمية الأولى بخمس سنوات. كان أبوها مزارعاً، وأمها، شوشانا-تسيبورا، كانت تخفق الزبد عبر خض برطمان الزيت الذي كانت تخبط به فخذها.
عندما عرفتُ الجدة، شوشاناه-تسيبوراه، كانت قد تميزت بشكل خاص في تقطيع لحم البقر.. لم تكن ثرثارة. حكت ميخال أن أمها تيتمت في سن العاشرة وكانت تفتقد الثقة بنفسها. الجد دافيد كان جريئاً ومبادراً بشكل خاص. وساد الانسجام بينه وبين الجدة شوشاناه-تسيبورا.
كل الأبناء والبنات تزوجوا باستثناء مريم، والتي اختارت الرحيل عن العالم. أقام الجميع حياة عائلية مناسبة، ولكن الانسجام لم يسد في عائلتين بالتحديد، ولن أقوم بالتفصيل احتراماً للخصوصية الفردية. كما قال تولستوي، كان هناك اختلاف بينهم.
تزوجت ميخال في سن الست أو السبع وعشرين، هي نفسها لم تكن تعرف سنها بوضوح، حتى عادت للنظر في شهادة الميلاد. ولكن قبل زواجها، والذي سوف أتحدث عنه بشكل منفرد، مرت بطفولة معقدة للغاية. داهمها النضج فجأة، عندما طلبوا منها أن تزرع حقلاً، وكان ينبغي عليها أن تخفي البذور، في مكان غير عميق جداً ولا قريب من السطح جداً. إذا تم دفنها عميقاً فلن تصل إليها الشمس، وإذا تم دفنها في مكان قريب من السطح فسوف تأكلها العصافير. هذا القلق ميز طفولتها التي لم تعد إليها منذ ذلك الحين.
الجميع كانوا يعملون بشكل قاس في المزرعة، ويعيشون بتقشف. مرض الجد دافيد بالطاعون ونجا بفضل أخت له اسمها شبيرا اعتنت به بإخلاص وافر. الكوخ الذي كانوا يسكنون به تم تدميره بأوامر السلطان التركي أو البريطاني، لا أتذكر مَن مِنهما، وتم سكب الجير عليه لتطهيره.
على مدار الحرب العالمية الأولى طردهم الأتراك من الشارع إلى كفر سابا، وفي الطريق هجم عليهم لصوص عرب، على الأقل لم يصيبوهم في أرواحهم. تعلم الأطفال عندئذ ما يمكن تعلمه: القليل في المدرسة والكثير في الحياة. ولكن البنات وهبن فضولاً إضافياً، ولهذا فلقد درست ثلاثتهن في سمينار "شرقي" للبنات. وإذا كانت هناك وقتها امتحانات للتخرج، فإن ميخال لم تمر بها.
كان لميخال وجه مشرق وجميل، وكانت لها ضفيرتان داكنتان وكانت عنزة برية تجب الحياة، حتى في ظل الفقر. ومثل الجد دافيد فقد كانت واثقة بنفسها، ولم تستجب للمغازلين الذين لم يوائموا أحلامها. هاجمها مرض غامض في أمعائها واستمر طول حياتها، وفيما يخيل لي، فقد كان تعبيراً عن التوتر الداخلي، ولكن لا يمكن التيقن، لأنه بعد موت ميخال لم يعد هناك من يتفرغ لمحاولة فهم حياتها.
كانت لدى الجد دافيد مزرعة حيوانات وحديقة خضروات، وكانت ميخال تقوم بتوزيع الحليب صباحا على البيوت في قدر طويل يسع لتراً. عندما وصلت الهجرة الرابعة إلى البلاد، كان المهاجرون يعتقدون أن الجميع يخدعونهم واتهموا ميخال وقتها أنها تخلط اللبن بالماء. لم تتغلب على هذه الإهانة، سواء في شبابها أو شيخوختها. كانت تذكر بشكل خاص امرأة تمنت لها، عشية رأس السنة، ألا تضطر في العام القادم لأن تكون بائعة لبن.
بعد سنتين أو ثلاث سنوات من الدراسة في سمينار "شرقي" للبنات، أصبحت ميخال مدرسة للاستيطان العمالي. بعد سنتين عادت إلى تل أبيب وسكنت مع الأخوة والأخوات غير المتزوجين في كوخ بحي هاركيفيت بجانب يهودا عميحاي.
ظلت ميخال لسبع سنوات متزوجة من ليفي "ليو"، وهو مهندس يحب الشعر جاء البلاد من الصين، وكان صهيونياً بقلبه وروحه. ولم يقلّ حبه لها مع الزمن، حتى صدمته سيارة في شارع جابوتنسكي برامات جن، بجانب المعبد، ومات في نفس المكان. عندما سمع الجد دافيد بهذا فقد وعيه. وصلت ابنة الست سنوات إلى البيت واعتقدت أن الجد أصابته السيارة. لم تعرف شيئا عن أبيها لسنتين. قيل لها أنه سافر إلى الخارج للعلاج. ومنذ موت ليفي انهارت العائلة.
قال لي أحد الأخوين التوأم ذات مرة أن ميخال كانت متدينة يوماً ما، وأنها اعتقدت بقلبها أن لكل فعل جزائه، وأنها رفضت السكنى عند ابنها بأمريكا لأنها خافت من الانتقال إلى بيئة غريبة، وبشكل عام، فهي لم تعتقد أنه بإمكانها الابتعاد عن كل المخاوف السابقة، هي قد كبرت لتكون امرأة إشكالية قليلاً. هكذا أو هكذا لم تحتر طويلاُ، انتقلت إلى الكيبوتس وعلى الفور قامت بمديح استيعابها الناجح في الكيبوتس. ليس لديّ فكرة عن سبب مداهمة السكتة لها في عيد السوكوت بالتحديد. كانت ميخال دائما ما تؤمن بالأعياد وبمناسبات اليهود بل وكتبت كتابا بعنوان "ولتخبر ابنك". لو كان الكتاب قد تم تحريره كما ينبغي، لأمكن له أن يصبح أعلى مبيعاً. ربما تكون الوحدة في العيد هي ما أصابتها بالسكتة.
هذا هو تاريخ ميخال باختصار شديد، أو كما كانت ميخال تقول، بشكل مختزل.
عندما أتذكر أموراً أخرى سوف أواصل الحكي، وربما لن أحكي المزيد.***قالت ميخال أنه لم يقع أبدا شجار بينها وبين ليفي، ولكنني أتذكر الأمور بشكل مختلف. أذكر أنها عاقبت ليفي عقوبة كانت معتادة منها: ألا تتحدث إليه. اشترت كاكاو مستورداً وألقى هو العلبة من النافذة لإيمانه أنه لا ينبغي شراء إلا النتاج المحلي فحسب. عندئذ أخبرته أنها لن تتحدث معه. شكا ليفي: ميخال (والتشديد على المقطع الأول)، تعالي نوقف هذه اللعبة. ولكن ميخال كانت مصرة على أن تعلمه درساً.
حتى المساء كانت تواصل "عدم التحدث إليه"، وعندما كانت تحتاج لأن تقول شيئاً كانت تطلب من ابنة الست سنوات التي كانت وقتها ابنة أربعة "قولي لبابا أن.."، ومن وقتها قبل ليفي بالحكم: الطفلة أكثر أهمية من الإنتاج المحلي. وهكذا، ففي صباح كل يوم كانت الطفلة تشرب كوب كاكاو (بدون وجه).
عندما أصبحت ابنة الست سنوات ابنة أربعة كانت تعود كل يوم من الحديقة وتطلب: "ماما ارسمي لي طفلة"، وكانت ميخال ترسم كل يوم طفلة بضفيرتين. كانت بنت الأربعة تحب رسومات الأطفال بما لا يقل عن حبها للعروسة التي تفتح وتغلق عينيها. كانت بنت الأربعة مرتبطة جداً بميخال وكان من الصعب عليها فراقها كل ثلاثاء بعد الظهيرة، عندما كانت تذهب لاجتماع المعلمين.
البيت الذي سكنوا به كان قريباً من مصنع "كيشيت"، والذي كانت مدخنته تلفظ سخاماً بلا انقطاع. كان السخام يبقّع أقمطة التوأم عندما يتم تعليقها على السطح، وميخال كانت تجمع الأقمطة المنقطة بالسخام وتقول لليفي: "ليفينكا تعال بنا نهرب من هنا"، وهو يقول: "نهرب إلى أين؟"، وفي نفس اليوم، أو بعده بعدة أيام عبر الطريق، وصدمته السيارة التي كانت تتحرك بسرعة مجنونة. كل أعضاؤه الخارجية ظلت سليمة، خسارة أنهم لم يسمحوا لابنة السادسة أن تنظر إليه بعدما مات.
وفي نفس اليوم انهارت العائلة.
عندما كانت ميخال مريضة تحتاج المعونة ولا تتحدث تقريباً، قمت بتعليق صورة ليفي في غرفتها. أصبحت هي امرأة عجوزاً بينما ظل هو شاباً للأبد. كأنما قتل على تل الرصاص (2) وليس على الطريق الرئيسي. بعد موت ميخال لم أجد الصورة، وأشك في شخص ما قد أخذها لنفسه، ولكنني أستطيع دائما العثور على صورة أخرى.
لا أعرف ما المكتوب على شاهد قبر ميخال، وأتمنى أن يكون على الأقل مكتوباً عليه بشكل واضح: "لتكن روحها مربوطة بالحياة الأزلية".
تستحق ميخال أن يكتب عاموس عوز أو ميئير شاليف عنها رواية كاملة ويقومان بتطوير الأمور التي حكيتها عنها بتقشف واختزال، ولكن هذا هو حظها البائس: ألا يكتب عنها أحد غيري، ومن أكون أنا؟ لا أؤمن بأوصاف الطبيعة وتحليل الشخصيات ولا أكتب إلا ما هو أقل من القليل بدون نظام أو تفسير.هوامش:
(1) الكيبوتس هو صورة من الحياة المشتركة رافقت الصهيونية منذ بداية الاستيطان في فلسطين، تقوم على التعاون وفق أسس اشتراكية في قرية عمالية واحدة. (2) اسم نصب أردني في شمال القدس، وقعت فيه معركة أثناء حرب 67، اليوم يوجد عليه موقع لتخليد ذكرى الجنود الإسرائليين في الحروب.نقلا عن "هكذا تحدث كوهين... مدونة عن الأدب الإسرائيلي"
http://hkzathdthcohen.blogspot.com/2009/04/blog-post_24.html
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف