ثقافات

سرديات لتغذية عادات الأكاديميين الليلية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الفصل الخامس من كتاب "صوت سنبلة قمح لم تولد"
أسفل الشجرة التي تصاهر الجذامسنوات طويلة أمضيناها بصحبة {ايبيس} في أنهار فن التنجيم. لم نعثر على وجه الانسان المتقوّض في ضوء الشمس، ولم نعثر على سوسنة الرجاء المتفسخة. في الممرّ المنخفض الذي يوصلنا الى ليل وأبواب بحر الموت. اختفت أصواتنا وتلوّت الأشجار صائتة في الطريق. كل ما نراه الآن. صراصير تترنح في طيرانها عبر اللهب الأسود لجهات الأرض المهتزة دائماً. لماذا لحظة الرغبة مليئة بالاشارات التي تفصل الثمرة عن شجرتها؟ الحشائش
الجافة التي يجمعها الانسان في الليل ويركنها قرب قفير عسلحياته. تطيرها الريح المسوّدة والمثقلة بمعطفها عليل الأجفان.
الى أيّ حدّ نبقى نصيخ السمع الى شجرة الزوال المثقلة بالأعطيات؟
ينبغي لنا أن نتخلص من الظلال الداكنة والمشرئبة لموتنا، ونرمي شفرة الصلاة في الأسرار الطنّانة للطبيعة. يحتاج الانسان الى فجر جديد يتجادل فيه مع الملائكة حول الأدوية والأقراص التي تخفف الصدمة المسبقة لموته. الى متى نبقى نستعد ونرحب في العناصر الأكثر ترويعاً في موت الانسان؟ وحدها مصائرنا التي لم تستنطقها تماثيل الآلهة. معلقة من دون حصانة في أسفل الشجرة التي تصاهر الجذام.
الجذوع العتيقة لشجرة العالمحياة كلّ منّا تستمدُ بذرتها من الكلمة التي تنمو في فوضى الماوراء ودائماً نخفي صمتنا قبل انطلاق المراكب في قناديل الفجر الصافية ونؤجل رحلتنا الى الينبوع الضامر للحظة الانبعاث. حياة كلّ منّا ضفة شديدة الانحدار، لكن احساسنا تحت العوالم الخبيئة للقلق هو ما يمنحنا بداية جديدة لطقوسنا المتحفظة في عبور اللحظات. أحلام الانسان تمرّ كنسمة جافة في الجزر الطحلبية لليله ونهاره، ويتدفأ موته في التهيجات المرصعة لحصاد قمح أيامه، وفي الرنّة المتصلبة لصرخته تحت الجذوع العتيقة لشجرة العالم. يكتمل البرق وتنتصب في يقظتها أشرعة رغبته في الوصول الى النيران المفتوحة على الحافة المتلألئة لشواطىء الأمل.
المياه الآسنة لمرايا آمالناعابراً حمم بركان حياتي. أقيسُ الظلال المشنوقة للوردة في الضغائن الشائنة للحظة موتي، ومثل تفككات لا مرئية في الأعماق المتكتمة لجروح الجنس البشري في ينابيع القرون. تتقدم صرختي بين المرايا التي توّسع المتاهة. هل لي أن أشهد مآثر الصاعقة المجدولة فوق الصواري العظيمة لأحلام الانسان النائم ما بين الموت وما بين الميلاد؟ غاباتنا المتحجرة الآن بلا بروق ولا صلاة، وفي بخار تطوافاتنا يتناسل الضجر الطويل لقرابيننا المرفوعة.
كل شيء ينغلق علينا في المياه الآسنة لمرايا آمالنا.

رهاناتنا الصدئة في بئر النجمة الكبيرةخلاص الحجارة وتمائمها من الفناء، خلاصنا نحن وخلاص العشبة المستجيبة لنداءاتنا تحت القلاع الضخمة للخوف وأناشيده المحرمة. هل ينبغي لنا
أن نحضر التاريخ في الانفصالات التي نغريها بالقدوم لصعود الديمومة، من أجل أن لا تفلت منّا اللحظة الأخيرة المطبقة على الانسان الميت؟ كيف يتسنى
لنا أن نتسلل بهدوء من الأفق المعتم للعالم، صوب أفق آخر أكثر رحمة ورحابة؟ حيوات تنفست هواء الأرض بالمليارات وغابت. خطّافات مصوّتات.
ديناصورات وحيوانات ثعبانية مالت فيها الرياح العظمى للفناء صوب الهاوية. كل شيء ينتهي الى حجر وصاعقة. حيوات أخرى قادمة تنتظر عند الجدار
الصريح للصلب. هذه المنظومات التي يسير في فوضى شرائعها العالم. اهانة لوجود الانسان. ينبغي أن نسقط رهاناتنا الصدئة في بئر النجمة الكبيرة، ونحيا في فراديس الأحلام والسطوعات الأثيرية للفكر.
صيف قليل الحمولةندفعُ في كل آنٍ مجاذيفنا صوب التدميرات التراجيدية للشيخوخة، وتتحطم بين رمال تنفساتنا قناديل الزمان. هل لنا أن نصالح ما بين موتنا وما بين الصخرة التي تشعشع في مجدها وغبطتها السرمدية على الشواطىء المتكشفة للطبيعة؟طائر الطيطوى بشير الكارثة العظيمة وشاهد اللحظة المنحنية على الهاوية. يصرخ تحت ثقل الرياح الثلجية اللاتطاق فوق رماد مصائرنا وينذرنا: {لا ثمرة شهاب تباغت ليلنا في الماضي والحاضر والمستقبل،
ولا ميراث عيد ينوّر شفاهنا المتورمة في انفتاح الرماد على الأغنية المختنقة، ولا صلاة تترك ملحها على الرغيف المتعفف لصيفنا قليل الحمولة، ولا الأنهار تصبّ في التسليات المتغضنة للحظتنا الراهنة}. علامة بلا شكل تتلمس بانتظام كل ماهو حيّ في أصواتنا، وتغرقنا في العتمة اللامتناهية للفناء.

العطر اللازوردي للنذور والأشجاريخاطبُ النفرّي ويتضرع في نار محبته المريضة، الى فكرة اخترعتها الشعوب السامية، من أجل خلاصه المرتجى. هل نحتاج نحنُ الجراد المريض في السل الى ايمانات وشعائر وأساطير، أم نحتاج الى الاخوة والحب والجنس والطعام والموسيقى والأحلام والمعرفة؟ اخترعنا في حيرتنا وضعفنا ولعثمتنا الفادي، واخترعنا الهادي.لا الفادي نوّرت في ليل العالم أضاحيه، ولا أينعت وردة الرجاء ولا الهادي رست سفينة نجاته في مرافئنا التي زلزلتها الأعاصير. حقيقة. حقيقة واحدة يجب أن نتقرب من مصاهرتنا ونتقبلها بمحبة عظيمة. ما نحن إلاّ حشرات زاحفة تتماثل مع كل المخلوقات في الطبيعة، والأجمل والأكثر قداسة منّا، هي الرخويات، والطنّانات في خلاياها المستلقية على العطر اللازوردي للنذور والأشجار الصاعقية للحياة.
منكَ لا شفيت من ألمي العضالأيها الموت يا خليلي
يا خليلي الذي يكّسر مصابيح وغُصينات حياتي
ويقرع للعدم ندى أجراسي
ويسهر بثقله الجبّار على الأريج الزعفراني لرغباتي وآمالي.
منكَ لا شفيت من ألمي العضال
ولا دوّيداتكَ الذئبية التي ستجيء
تحنوّ على فضة جثماني وخزامى أنفاسي.
فن زرع الفوضى{هناك تعهير هائل للكلمة. كم من الجمل عديمة الحياة تتقافز كل يوم في هذا العالم المبتذل؟ ما لا يحصى. صنبور الكلمات ما عاد بالامكان ايقاف تدفقه. مهرجو الكلمة، الصحفيون، كتّاب المقالات، كتّاب الروايات يقبضون اجورهم كلمة كلمة. الكلام يجهز على كل حادثة، كل موقف. أما زال اذن بوسع عمل أصيل أن يلفت النظر في عالم يسيّره الضجيج الفارغ، هذا الضجيج الذي يسلب الكائن البشري قدرته على الفعل من خلال التمظهرات الزائفة التي يقذفها في وجوهنا كل يوم؟ الجواب على الأرجح: كلا. كومته دي لوتريامون، اسمه الحقيقي ايسيدور دوكاس. تنبه قبل أكثر من مئة عام الى خطر هذا الضجيج. في أشعار 2 تشع هذه الجملة {أن عقل الانسان الأعظم ليس عديم الاستقلالية الى هذا الحدّ، بحيث تربكه أدنى نأمة من هذا الضجيج الذي حوله}. هذه الجملة تشكل البؤرة الأساسية في أشعار، حيث يشن هجومه ويطلق التعليقات على الحوادث اليومية. يسخر من البلاغة الجوفاء، ينتقد التفكير السائد، يدين الفضائح، ويقاوم الابتذال. على الشعر أن يتوقف عن كونه فنّاً للنظم ليتحول الى نقد. لهذا نراه يخلخل التقاليد الشعرية السائدة. كل شيء هنا جائز. اللعب الحرّ باللغة، التنقل العشوائي بين الشعر والنثر، التغيير المفاجىء في الاسلوب، تبديل مقاطع النص، الاستخدام المتكرر للمحاكاة الساخرة، الصور المسخية، الفظاظة والطرافة. على الشعر أن يخلخل قوانين الزمان والمكان. أن يحدث انشقاقات، أن يمجد الفوضى. هكذا راح لوتريامون يبحث عن طرق جديدة في الكتابة. يستدرج القارىء بمكر الى النص. يصدمه ويحرضه على التورط. (رينيه ساندرس. مجلة "غجر واحد" العدد الأول)
حرية العصيانتقدم لنا الكتب السماوية عصيان آدم وحواء وأكلهما من الثمار المحرمة لشجرة المعرفة. أمثولة غريبة وشبيهة لأخلاق أهل القرى. هل حقاً انهما كانا خجلين من ظهور أعضائهما الجنسية عارية وحاولا تغطيتها بأوراق التين؟ طبعاً نحن الآن نعرف أن حرية العصيان التي أقدما عليها. كانت من أجل الخروج من العزلة ومحاولة اكتشاف فن الحبّ، لكن مشكلة آدم في دفاعه عن نفسه وادعاءه أن حواء هي التي ورطته. تبدو غير مقنعة بسبب العقل الذكوري الذي صاغ هذه الحكاية. حرية العصيان كانت من أجل الخروج من قفص الحيوان الى عالم الانسان حيث الحبّ والعمل والتوالد والأحلام والموت.
بساط السكر مطويٌ بما فيهالمعروف عن المرحوم عبد الوهاب البياتي انه يسخر دائماً ويطلق الألقاب في صحوه وسكره على الكثير من الشعراء والكتّاب والساسة الذين لا يحبهم لأسباب عديدة. في حانة {الياسمين} في العاصمة الاردنية حين كنّا نرتادها كل يوم بعد الساعة الثامنة مساء. كان الشعار الذي أطلقه أبو علي {بساط السكر مطويٌ بما فيه} هو دستورنا في جلسات الشراب اليومية. يمنع منعاً باتّاً معاتبة صديق أساء أو عربد في جلسة الشراب في اليوم التالي لأي سبب كان. من الكلمات الأثيرة عنده حول الأشياء التي لا يرضى عنها كلمة {زبلعي}. هذه السيدة زبلعية وهذا السائق زبلعي وهذا شاعر زبلعي وتلك شاعرة زبلعية. المرحوم الشاعرالأردني أحمد المصلح أسماه البياتي {أبو الشمقمق}. الشاعرة العراقية آمال الزهاوي كان يسميها {الخندريس}. حين سألناه كيف وافق أحمد عبد المعطي حجازي على قبول جائزة سلطان العويس مناصفة مع الشاعر والكاتب ابراهيم نصر الله. أجاب بسخريته المعهودة {خطية أحمد عنده 5 بنات وبمصر اذا أرادت البنت الزواج فيجب أن يجهزها أبوها. عفش وملابس وذهب. أحمد وافق من شان بناته}. مرات كثيرة تتسلل قفشات أبو علي الى أولئك الذين يسخر منهم خارج الحانة. محمود درويش. سعدي يوسف الخ. هم يزعلون ويقولون أن مجلسه يعج بالنميمة. سعدي لا يلبي دعوات أبو علي الى الحانة بسبب النميمة وبسبب مجيء أولئك الذين يسميهم البياتي الأبقار، وهم مجموعة من الشعراء والصحفيين العراقيين الذين لا يتعاطون الشراب. يجلسون معنا على المائدة ويهجمون على صحون المزّة، وحين يقول لهم أبو علي {اطلبوا عشاء} يرفضون دائماً ويجهزون على المزة في كل مرة. مرة عاد أبو علي من زيارة سوريا وقال {أعتقد أن مجلة المدى ستصدر من العدد القادم من دون أخطاء املائية ومطبعية}. {كيف يا أبو علي}. سألناه. {خطية هذا هادي العلوي عيّنه فخري كريم مصحح براتب 100 دولار بالمدى} طبعاً نحن نعرف أن العلوي لا يحب البياتي ولا يزوره حين يذهب الى سوريا، وهنا أراد أن يقلل من شأنه عبر اعلانه هنا من انه تعيّن بوظيفة مصحح. كنتُ قد رافقته مدة 4 سنوات ليل نهار حين كنت في الأردن وأصدرت مجموعتي {أرض خضراء مثل أبواب السنة} عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1996 على نفقته. حين كان البعض يسأله {كيف حال أمين سرّك نصيف؟} يجيبهم هكذا {لم يبق لي أيّ سرّ. فضحني هذا الزبلعي نصيف}.
قابيل وهابيلهل حقاً أن المغزى الرمزي لاسطورة قابيل هابيل يكمن في تحولات البشرية من عصور الصيد الى عصر الزراعة؟
نصيف الناصري قوّاداً
أدباء الداخل / أدباء الخارج
{وكان من بين الذين أشهروا أقلامهم أحد الذين يضطجعون على ثلوج السويد. لا أدري وهو لا بالبعير ولا بالنفير. بين المناضلين الذين تركوا الوطن هرباً من السياط وضغوط الارهاب التي كانت تنال منهم أو الزنزانات التي كانت مشرعة الأبواب لاستقبالهم في ظلماتهم ومآسيهم المفجعة. هذا الشخص كان معروفاً في الأوساط الثقافية العائمة في زمن الدكتاتور ب {الكاولي} وهي صفة تطلق عادة على التافه المتسيب الذي يعيش على هامش الحياة ويتأقلم مع الأجواء حسب الظروف، فهو هائم بين المدن والأرياف ولا يشدّه أيّ التزام وجداني واخلاقي، وعلى استعداد لتقديم المتع لمن يشتهيها ويدفع من أجلها. هذا الشخص انتفض للدفاع عن أدباء الخارج، فقد اخذتهم المفاجأة واستنكروا بشغف وهلوسة صاخبة كيفية الايماء اليهم وانتهاك ديارهم وانكروا تنسمهم لهواء الحدائق والروائح الساخنة التي تتهادى في فضاء البارات واللقاءات بما فيها المشبوهة والمتناقضة مع الشهامة. (مقال نشره المدعو الفريد سمعان الأمين الحالي لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق في صحيفة "الصباح "البغدادية بتاريخ 1 / 9 / 2006)
اعدام أسرى وجرحىالمعركة التطبيقية. قاطع {حاج عمران} وقاطع {سيده كان} 9 / 9 / 1985. هذه أول معركة أشترك فيها وكنت ملتحقاً منذ 4 أيام الى آمرية مغاوير الفرقة23 المتمركزة في منطقة {قصري} القريبة من قاطع حاج عمران، قبل أن تصبح لواء مغاوير الفيلق الخامس الأول فيما بعد. كنت قبلها في مقر الفيلق الأول بكركوك لمدة 6 شهور. في ليلة 9 / 9 / 1985 شنّ الجيش الايراني هجوما كاسحاً على مواضع اللواء 98 مشاة في قاطع حاج عمران {جبل كوره دي} وعلى مواضع اللواء 604 مشاة في قاطع سيده كان {جبل زرار}. بدأنا هجومنا المقابل في الصباح على جبل {كوره دي} قبل أن تتمكن القوات الايرانية المهاجمة من بناء السواتر البديلة وحفر الخنادق وكنت كلما تمرّ القذائف أثناء تسلقنا الطويل للجبل. أموت من الرعب وأرمي نفسي منبطحاً كالمجنون والجنود الذين معي يسخرون مني ويقهقهون. أخيراً هدأوا من روعي وراحوا يشرحون لي باشفاق، أن هذه القذائف من الجانب العراقي وهذه القذائف من الجانب الايراني وعجبت كيف يعرفون ذلك؟ والله وحده يعلم كم أخاف حتى هذه اللحظة من صوت انفجار اطار سيارة. كانت مهمة وحدتي يساندها لواء مشاة آخر زائداً فوج جيش شعبي وبقية مراتب وضباط اللواء 98 الهجوم على جبل {كوره دي} وطرد القوات الايرانية التي اكتسحت الخطوط الدفاعية للواء 98. بعد أن دكّت مدفعية الفرقة 23 ومدفعية الفرق الأخرى مواضع القوات الايرانية. بدأنا شن الهجوم من عدة محاور وبما أن القوة الايرانية المهاجمة لم تكن بمستوى فرقة فقد تم طردها بسرعة، ومعلوم في السياقات العسكرية أن اللواء المكون من 3 أفواج يقوم بالهجوم على فوج واحد، والفرقة المكونة من 3 ألوية تقوم بالهجوم على لواء واحد، أي أن كل 3 جنود يقومون بالهجوم على جندي واحد. بعد طرد القوات المهاجمة اكتشفنا أن بعض الجنود والضباط القتلى في اللواء 98 متفحمين تماماً من شدّة القصف المدفعي الكثيف والبعض الآخر ممزقة بطونهم، ولأول مرة أشاهد مصارين الانسان الطويلة الخضر والصفر والحمر وبقية أعضاء الجسم البشري فشكرت الآلهة أن لنا جلوداً تخفي هذه الأشياء. كان بعض جنود اللواء 98 الجدد الذين اشتركوا في الهجوم معنا والذين لم تكن لهم خبرة كافية في الحرب، عندما شاهدوا هؤلاء الجنود الممزقين وهم أصدقاءهم ورفاقهم. أصيبوا بالهستيريا واعتقدوا ربما بفعل الحملات الاعلامية الضخمة لنظام صدام حسين التي كانت تصور الجندي الايراني على انه وحش ومجوسي كافر وما شابه، أن القوات الايرانية قد مزقت بطون رفاقهم بالحراب وأحرقت الآخرين بالنار ولم يعلموا أن تمزيق بطون هؤلاء الجنود والضباط كان بفعل شظايا قذائف المدفعية التي عادة ما تكون شبيهة بأمواس الحلاقة واحتراقهم كان بفعل شدّة النيران التي سبقت الهجوم على مواضعهم وملاجئهم، فقاموا باطلاق النار على مجموعة من الأسرى وأردوهم قتلى ومن ثم راحوا يطلقون النار على الجرحى الذين يئنون ألماً، ولقد شاهدت أحدهم يطلق 60 اطلاقة {مخزنين} من بندقيته الكلاشنكوف على جندي جريح في أحد الخنادق. طبعاً تم دفن الجنود الايرانيين خارج الخنادق وكأن شيئاً لم يحدث. بعد نهاية المعركة بدأت عمليات اخلاء الجرحى والقتلى من منتسبي وحدتي. كانت الأوامر العسكرية الصارمة تنص على عدم الاخلاء أثناء الصولة. قتل من سريتي أكثر من عشرين جندياً وجرح العشرات أما أنا فقد اختبأت في شكفتة {كهف} بعيداً عن المواقع المتقدمة وكانت القذائف التي تسقط بالقرب مني تجعلني أرتعش كالقصبة في الريح من شدّة الرعب وكانت أسناني تصطك وكنت بالكاد أستطيع التنفس. في الغروب جاءت الأوامر الينا من قيادة الفرقة 23 مشاة بضرورة الانسحاب فوراً الى المقرات المتقدمة. سلمنا المواضع التي استعدناها من القوات الايرانية الى لواء المشاة 98 وغادرنا الى حيث اعادة التنظيم والتدريب العنيف الذي سيستمر ليلاً ونهاراً عدة شهور.
مداعبات / من البداية حتى فض البكارة{وحين رأت التركي الجميل يلتاع لهفة
أخلت الدرب الموصلة الى شجرة السرو الفوّاحة بعطر الزنبق
وحط العندليب على عرش البرعم
فتفتح البرعم وانتشى العندليب،
ووقع بصر ببغاء على صحن مملوء بالسكر
فنثر، من غير أن يزعجه الذباب، السكر
وقذف بالسمكة الى حوض الماء
وألقى بالبلح الى قلب الحليب
فكان حلواً، أما قشطته الشهية
فأن اضافة ثمرة البلح اليها كانت قد زادتها حلاوة
وحين رفع الشاه الحرير عن الصورة الصينية
وتحررت علبة السكر من قفلها الذهبي
فانه رأى فيه كنزاً يساوي الذهب المصنوعة منه القبة
فعصفره بالزخارف الذهبية. (الشاعر الفارسي نظامي المتوفى عام 1209)

موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة1عادوا الى البيت مجتازين ممرّ أشجار طويلة، ترفرف فوق رؤوسهم طيور جائعة.
نباتات الفطر السام المنتصبة في سأمها الموحش. ذابلة وغريبة مثلهم. كيف السبيل
الى ايقاد شعلتهم التي تذوي وهذه الأشجار تطفىء قناديلها، حانية على الجذور؟
في ممرّ الأشجار ريش نسور تهزهزه الريح وسط الأوراق المتساقطة. ريش حيواتهم
التي تنزف بلا انقطاع. في قفزتهم الكبيرة الى العلو، كانوا يترنحون في ليل الهاوية الساكن.
ظلال قبورهم التي ترتعش في نيران الفجر. ترفع الفهود من وحشتها المعششة. من أجل
الزرقة المتحصنة في الهاوية. من أجل العليقة المشتعلة في الرغيف. تاريخ الطبيعة.
أين يذهب الموتى في الفجر؟ أين يتركون أشجارهم المحمّلة بالطرائد الكبيرة؟ كم من الأسرار
في أحلامهم العميقة؟ الموتى ينصتون لعري كلماتنا اللاهثة. لا تهمهم أعياد حصادنا ولا مجازر حروبنا ولا الطوفانات.
ثمة أشياء نجهلها وتعرفنا. غضب الصقر في عطشه. سهرات زيز الحصاد في الصيف الماضي.
ناي الراعي الذي يحدق في أبواب الكوكب. في كل يوم من أيامنا التي نقضيها على هذه الأرض المشئومة. ثمة ما يبعث على اليقين باننا سنتعرف على غريمنا - النسيان. أين نجد الآن باباً لموتنا
الذي يستجمع شجاعته {وحيداً وبلا معين؟} (ريتسوس). لن نرفع الرأس عالياً. سنكظم غيضنا ونتقدم بخطى متثاقلة صوب أرض النسيان.
قرب ضوء نجمة. في التماعة عشب يخزّن أسراره للصيف. ينهض حلم الانسان - صخرة صلدة -
ويتمطى في مروجه ليل لبرد البعيد. الانسان يجلس قرب الهاوية. حياته الفقيرة سجن يسند الشمس
في نهوضها الهادىء. لمن هذه الدمعة المحفورة على رخام القبر؟
{قفير} نحل في الغابة يعمل ليل نهار، من أجل الانسان الساهر في اللوعة. من أجل العالم وخلاصه الموعود. {قفير} نحل يخفي في أروقته الغريبة قناديل الأمل المضيئة كما الأعماق، لكن الرماد. رماد الانسان الصيّاد ومكائده في الغابة. أطفأت القناديل ورفعت القفير الى الهاوية. ليس للانسان سوى مخالب طويلة تنهش بين فخذي خطيئته.
ناموا على شاطىء البحر بانتظار سفينة ما تحملهم الى أرض الوطن الذي حلموا برؤيته دائماً وحدها البروق المتلظية تعرف سرّ غيابهم وتعرف أين علّقوا جدائلهم ودموعهم المقيدة. موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة كما يحرس الضوء بوّابات البكاء.
طائر النورس في الماء الذي يغلي. يتبع ظلي وظلك. أظفاره الحمر صاعقة بين حقول القمح. هل تحطمت أشرعتنا؟ لماذا لم يبق من أيامنا سوى صفصافها الذاوي؟
الصخور شاخصة والطبيعة أبدلت أثوابها. الملك يستعرض فيالقه بأبهة وكبرياء. يمدّ يده الى الشمس فيأسرها بكاملها. في كل صيحة من صيحاته، غابة من الندوب الغليظة. هذه الأرض، أرض الملك المترامية الأطراف. حين ستنشب حرب جديدة ستضيق عليه حدّ اللعنة وستنقلب عليه أرض أخرى مزروعة بآلاف الصلبان.
مضى زمن طويل وهم يتلذذون في جرائمهم. عيونهم محّمرة من كثرة الاعدامات. ظلالهم الكافرة حجبت عنّا الهواء والساقية، وصرخاتهم الثاقبة اقتحمت علينا حلبات الليل. دعهم، دعهم يتقدمون بوحشيتهم. سنجعلهم يرسفون في الأصفاد. سننزع جلودهم ونحشوها بالقش. وحوش تزحف صوب معابدنا ومنابع أنهارنا العظيمة.

يُمنعون من الأكل بكثرة
دبي: سلم وفد من وزارة الداخلية الإماراتية في العاصمة البنغالية دكا اليوم الثلاثاء، شيكات تعويضات لمئات من الأطفال البنغاليين الذين تم استغلالهم في السابق في ركوب الجمال، ضمن سباقات الهجن في البلاد. وكانت وكالات تتبع منظمة الأمم المتحدة، حددت الأطفال المستفيدين من التعويضات في عدد من الدول، وطلبت من الامارات العربية المتحدة تسليم مبالغ من المال، كتعويضات لهم. والثلاثاء، التقت لجنة اماراتية خاصة بمتابعة تعويضات وتأهيل الأطفال، الذين شاركوا سابقا في سباقات الهجن بدولة الامارات من رعايا بنغلاديش المحامية سهارا خاتون وزيرة الداخلية البنغالية. ووفقا لوكالة الأنباء الاماراتية الرسمية، فان رئيس الوفد {الاماراتي} ومندوب وزارة الداخلية سلم الشيكات لوزيرة الداخلية في بنغلاديش. ونقلت الوكالة عن سهارا خاتون قولها، ان برنامج التعويضات مساعدة مادية وانسانية تثلج صدور الأطفال وتساعدهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية. وكانت الحكومة الاماراتية قد حظرت عام 2005 من مشاركة من هم دون الثامنة عشر في سباقات الهجن، وذلك استجابة للمطالبات العالمية، ومنظمات حقوق الانسان الداعية لضرورة وقف استغلال الأطفال ومنحهم الفرصة الكاملة للتعلم والعمل في ظروف صحية جيدة. ويفضل ملاك الهجن تشغيل الأطفال لركوب الجمل لخفة وزنهم، لكن بعد الحظر في الامارات تم استبدال الأطفال برجل آلي يمكنه قيادة الجمل نحو الفوز، في سباقات تعد الأكثر شعبية في دول الخليج. وقد لعبت منظمة اليونيسيف دورا أساسيا في حل مأساة هؤلاء الأطفال، الذين حرموا من طفولتهم، إذ أظهرت في تقريرها أن معظم الذين شاركوا في سباقات الهجن تم جلبهم بطرق غالبيتها غير شرعية، من دول مثل بنغلادش والباكستان والسودان وموريتانيا. ووفقا لنفس التقرير، فقد كانت حال هؤلاء الأولاد في مزارع الجمال سيئة للغاية، إذ كانوا يمنعون من الأكل بكثرة، وذلك للحفاظ على معدل معين لوزنهم، ولتسهيل حركة الجمال في السباق. علاوة على امكانية سقوط هؤلاء الأطفال من على ظهر الجمل، مما قد يعرضهم لخطر الاصابة أو الموت. وقد تمكنت منظمة اليونيسف حتى الآن من اعادة أكثر من 1100 طفل الى ذويهم خلال عام واحد في دولة الامارات. ويذكر أن الامارات العربية أصدرت عام 2006 قانونا يجرم " الاتجار بالبشر "، واعتبرت أن جلب الأطفال للمشاركة في سباقات الهجن هو نوع من ذلك الاتجار، يستوجب عقوبات بالسجن تتراوح بين العام الواحد والسجن المؤبد، وغرامات مالية تصل الى مليون درهم.
(س ان ان. خبر نشر يوم 5 / 5: 2009) نريد النوم في خميرة ينابيعكِأسمعُ تنهداتكِ - أرض
تصعد منها أنهاري
أرض كثيرة العذوبة. يرقد فيها الحمل الى جانب الذئب.
في العروق الضخمة السود للأحلام التي سئمت عطشها الطويل
تعلو ذخيرة النار وتكشف الكنوز التي خلّفتها أمواجكِ المتنهدة.
أرضكِ الابنوس وأختام الشتاء
أرضكِ الأمطار والنجوم الخائنة
أرضكِ الناي والحجارة الكريمة
أرضكِ رايات الفاتحين والسروات التي تظلل المراثي
أرضكِ الينابيع ذات الأثداء الكبيرة والرؤوس المظفورة
أرضكِ القبلات والاخطبوطات
يا معادن مشتعلة رغم بردوتها
يا عروقاً مصعوقة في ليل الشجرة
يا أقفاصاً معادة الى السجن
يا جسد الكوكب النائم في ذاكرة الأنهار.
هل تصعد شراراتنا في المنفى الذي يستريح في صحراء الغابة؟
أيتها الشفيعة، نريد النوم في خميرة ينابيعكِ
في زمردات صرختكِ المكتومة
في سنبلتكِ المنذورة لامتحان النار.

دائرة الارصاد الجوية عندما أعلن صدام حسين الحملة الايمانية عام 1993 وأمر باغلاق الحانات والمراقص وأماكن اللهو. استجابت الناس لدعوته شيئاً فشيئاً باعتباره {أمير المؤمنين} وراحت ترتاد المساجد وتواظب على اداء الصلوات وأمور العبادات الأخرى وتتوسل الى الله أن يزيل عنها الغمّة العظيمة التي سببها الحصارالشامل المفروض على البلد والبلايا التي سببتها سياسات الطاغية وعدم تعاونه مع القرارات الدولية والأمم المتحدة. كل أساطير وطقوس وثقافات القرون الوسطى استعادت عافيتها المنقرضة في هذه الحملة الايمانية التي فرضها أمير المؤمنين على الناس المبتلاة ببطشه ووحشيته، ورافقتها عودة الى ثقافة الغيب وانتظار المعجزات من السماء والشعر العمودي الذي انتشر في الصحافة. في السنة الثانية من تلك الحملة، أمرّ طاغيتنا نائبه الجنرال المزعوم والدرويش المجرم عزت الدوري أن يصطحب معه جموع المصلين الكثيرة والمنتقاة الى مطار {صدام الدولي} لاداء صلاة الاستسقاء. {15 ألف شخص كما أعلن في حينها} ذهبوا وصلوا وبعد يومين تفجرت ينابيع السماء وأغرقت بغداد ومدن عراقية أخرى. هل كان أولئك الذين صلوا صلاة الاستسقاء يعلمون أن دائرة الارصاد الجوية المعنية بأحوال الطقس والمناخ قد الغيت في بداية الحملة الايمانية؟ ثقافة القرون الوسطى والغيب التي أسسها صدام حسين في أعقاب هزيمته عام 1991. ستنمو وتتكاثر طفيلياتها في السنوات اللاحقة بالعراق، وستجد فيها الأحزاب الدينية الطائفية التي جاءت بعد زوال نظامه. تربة خصبة لاشاعة منطلقاتها الفكرية العنصرية وثقافاتها المتخلفة ليبقى العراق طوال القرون القادمة يعيش في الظلال الداكنة لثقافة الغيب والأدعية وصناعة التعاويذ.
ختم وحدة عسكريةبعد هروبي من المعارك الطاحنة في قاطع حاج عمران وتركي الموضع الدفاعي ليلة 14 / 5 / 1986. سلكت طريق الموصل - التاجي حسب نصيحة العريف نعمة مسؤول حانوت الفوج، وكل أعضائي ترتعد خشية توقيفي باحدى سيطرات الطريق من قبل عناصر الاستخبارات أو الانضباط العسكري، وتوقيفي من قبل هؤلاء الضباع والذئاب متسرباً من الموضع الدفاعي أثناء معركة، يعني ارسالي مخفوراً على الفور الى سجن آمرية انضباط الموصل، لترسلني هذه بدورها الى سجن استخبارات الفيلق بأربيل. ومن ثم يتم سوقي الى محكمة عسكرية خاصة لا أستطيع الدفاع فيها عن نفسي، ذلك لأن هذه المحكمة ستأمر باعدامي وفق القوانين العسكرية الصارمة المعمول بها والتي كان يصدرها القائد العام للقوات المسلحة صدام حسين. عندما اقتربنا من بغداد ترجلت من السيارة قبل الوصول الى سيطرة التاجي بكيلوين متر واتخذت طريقاً ترابياً يبعد مسافة لا بأس بها عن عيون الضباع والذئاب التي تترصد الطريق بالسيطرة وعندما عبرت هذه الوحوش التي لا تعرف الرحمة أبداً. أوقفت سيارة تاكسي وطلبت من سائقها أن يوصلني الى مدينة {الثورة} حيث بيت أهلي، وكنت طوال الطريق أنظر الى الأمام بعينين مترقبتين خوفاً من سيطرة أخرى. وجدتُ أمي تلطم وتصرخ ولم تستطع أن تأكل لقمة طعام واحدة منذ ليلة البارحة، لأنها سمعت ورأت عبر جهاز التلفاز البيان العسكري اليومي يعلن عن قيام هذه المعارك بالقاطع الشمالي ويظهر البرنامج الدعائي المصور{صور من المعركة} الذي تعده دائرة التوجيه السياسي بوزارة الدفاع جثث القتلى من القوات الايرانية ويثني على شجاعة وبسالة قواتنا التي {لم تخسر خلال اليومين الماضين إلاّ بضعة جنود} والغريب في الأمر أن البيان شأنه شأن البيانات الأخرى التي كانت تذاع كل يوم طوال سنوات الحرب العراقية - الايرانية يقول بعد البسملة وذكر آيات من القرآن. أن رجال قواتنا المسلحة قد {قاتلوا قتال الصحابة في هذه المعارك التي تشيب لها رؤوس الولدان} ويبدو أن كاتب البيان اللواء عبد الجبار محسن الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة والاعلام سابقاً ومدير دائرة التوجيه السياسي في سنوات الحرب. يعتقد أن الصحابة كانوا لا يقتلون في المعارك التي تشيب لها رؤوس الولدان. أقسمت أمي بعد أن أخبرتها بأنني هارب من هذه المعارك انها سوف لن تدعني ألتحق مرة ثانية بوحدتي العسكرية مهما كلف الأمر، وقالت انها في حال القاء القبض علي واعدامي بمكان غير جبهة الحرب، فانها ستكون مستعدة لدفع مبلغ الاطلاقات ال 30 التي ستطلق عليّ الى الحكومة والبالغ 30 ديناراً ولا تريد أن تبقى جثتي قرب مواضع العدو وتموت من دون أن تدفنني بيدها. بقيت في البيت رهين مكتبتي. لا أقف في الباب ولا أصعد السطح إلاّ في الليل خشية من وشاية الجيران بي إن رأوني الى مسؤولي المنظمة الحزبية، وهذه الحالة كانت طبيعية جداً في سنوات الحرب بسبب المناخ الفاشستي الذي رسخته سلطة حزب البعث و الذي كان مهيمناً على عقول وتصرفات وأخلاق الناس. بعد أيام جاء لزيارة بيت أهلي ابن عمتي الأصغر كريم وهو جندي مشاة مثلي في احدى وحدات الفيلق الثاني وسألني ان كنت أتمتع باجازة دورية فأجبته بنعم. لم يصدق، وقال: {كيف يمنحوك اجازة والمعارك مستمرة في قاطعكم منذ أيام؟} قلت له: {اذهب الى الجحيم. انني هارب من هذه المعارك} فاقترح عليّ أن يساعدني في ايجاد وسيلة أستطيع من خلالها أن أخرج من البيت والذهاب الى حيث أريد. قلت له: {هل تستطيع أن تدبر لي نماذج اجازات دورية مختومة مقابل مبلغ من المال؟} وكان الكثير من ضباط الجيش العراقي المرتشين أثناء الحرب يقومون بختم هذه النماذج باختام الوحدات التي يخدمون فيها، ويبيعونها سراً للجنود الهاربين من الخدمة العسكرية عن طريق وسطاء، وعادة مايكون هؤلاء الوسطاء خدمهم {يخصص لكل آمر وحدة أو آمر سرية أو آمر فصيل في الجيش العراقي خادم يكلف بخدمته ليلاً ونهاراً ويسمى المراسل} ومن المعلوم انه كان يمنع منعاً باتاً في كافة أنحاء العراق صنع أيّ ختم لدائرة أو مصنع أو مدرسة أو وكالة عمومية أو ورشة حدادة أو بقالة أو ما شابه إلاّ بموافقة مديرية الأمن العامة مع شرح الغاية من صنعه وتقديم الكفالة الملزمة و الشروط والأدلة والبراهين المطلوبة حتى تتم الموافقة عليه. قال: {لدي ختم وحدة عسكرية واشتريت نماذج اجازات من سوق مريدي وأنا الآن هارب منذ ثلاثة أشهر}. سررت كثيرا وقلت له: {من أين سرقته؟ هل سرقته من وحدتك أم من وحدة أخرى؟}. قال:{لم أسرقه بل صنعته بنفسي}. قلت بدهشة كيف؟ قال {عملية معقدة. أشتريت من سوق مريدي جزء من ختم مدرسة مكسور يوجد فيه العدد والتاريخ فقط وأحضرت علبة أمواس ماركة ناسيت فارغة وهي بحجم ختم الوحدات العسكرية تماماً، وفي مرة أخرى اشتريت من نفس السوق أيضاً ختم مسروق من مصنع لخزانات الماء مكتوب فيه: رقم الوحدة لخزان الماء كذا وكذا ثم قمت بقص كلمة رقم الوحدة والرقم المرسوم في الختم، والآن عندما أختم أي نموذج اجازة أقوم أولاً بوضع علبة الأمواس على الحبر ثم العدد والتاريخ ثم كلمة رقم الوحدة وبعدها الرقم فيصبح لدي ختم وحدة عسكرية حقيقي}. قلت له:{هل أوقفتك مفرزة انضباط أو شرطة أو استخبارات أو دورية حزبية وطلبت نموذج اجازتك؟}. قال بفخر: {عدة مرات. في الثورة والباب الشرقي وعلاوي الحلة والباب المعظم وسلمان باك}. ذهبت معه الى بيت عمتي العليلة وشبه الميتة منذ سنة 1980 بسبب نواحها المستمر ليلاً ونهاراً على ابنها الأوسط كاظم الذي فقد في الشهورالأولى للحرب باحدى جبهات القتال بالقاطع الجنوبي ولم تعرف أي خبر عنه على الرغم من ذهابها المستمر لزيارة قبورالأولياء والنذور الكثيرة ولقاءاتها بالسحرة والمطوعات وقارئات الغيب لكن من دون جدوى. ختم لي كريم عدة نماذج من دون مقابل على الرغم من جهده الذي استمر فترة لا بأس بها. وقال: {الآن تستطيع أن تضع التواريخ متى ما شئت، ولكن يجب أن تحتاط من الجيران والناس الذين يعرفونك في منطقة سكناك. حذار من أن تظهر في فترة شهر أكثر من 7 أو 9 أيام أمامهم، لا تدع أحداً يشك بانك هارب من الخدمة العسكرية ولديك نماذج اجازات مزورة لأنهم من الممكن أن يبلغوا عنك مكتب المعلومات الأمني في المنطقة أو المنظمة الحزبية. بعد شهور ألقت أحدى مفارزالاستخبارات القبض على ابن عمتي كريم في أحدى مناطق {الثورة} بسبب شكّهم في حقيقة نموذج اجازته واقتادوه الى الشعبة الخامسة فوراً في دائرة الاستخبارات وبعد التحقيق معه ذهبوا الى بيت عمتي وفتشوا البيت وصادروا الختم المزور، وهنا قامت قيامتي حين جاءت عمتي الى بيت أهلي تولول. ماالعمل الآن؟ سوف يقوم جلاوزة الشعبة الخامسة المرعبة بتعذيب كريم واستنطاقه حول عدد وعناوين أولئك الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية الذين ساعدهم وسهّل لهم عملية ختم النماذج المزورة. التحقت الى وحدتي العسكرية نادماً خشية القاء القبض علي واعدامي، وهنا تضرعت الى الآلهة أن تجعل عقوبتي عندما يتم تقديمي الى محكمة عسكرية مخففة. في التحاقي الى الوحدة. هذه المرة حدث نفس الشيء الذي حدث في التحاقي السابق. عشرات الوحدات العسكرية من صنوف مختلفة كانت تقوم بالتدريبات العنيفة ومهمات الاستطلاع والاستمكان والرصد والطيران الحربي لا يكف عن طلعاته المستمرة ليلاً ونهاراً ضد مواضع وتجمعات القوات الايرانية. قدمني رأس عرفاء سريتي زين العابدين الى آمر سريتي الجديد الملازم أول جاسم الذي تم تنسيبه بدلاً من آمر السرية السابق الملازم أول محمود بعد مقتله في اليوم الرابع من معركة جبل كرده مند التي بدأت في ليلة 13 / 5. لم يوبخني هذا الضابط ولم يشتمني بسبب هروبي ووعدني انه سيمنحني اجازة لمدة 3 أيام بعد اسبوع لطمأنة أمي. في مكتب قلم السرية أخبروني أنهم سوف لا يرسلون محضر تحقيق حول هروبي الى المحكمة العسكرية الدائمية 23 بالموصل الآن. وقالوا أن ارسال المحاضر التحقيقية الخاصة بحالات الهروب من الخدمة العسكرية الى المحاكم متوقف الآن بموجب برقية من القيادة العامة للقوات المسلحة في هذا القاطع. بعد أن قضى كريم مدة شهر في الشعبة الخامسة. سلموا جثته الى عمتي وقالوا لها انه {مات بالسكتة القلبية}. قتلوه وعمره 19 عاماً.
قال كونفوشيوسقال كونفوشيوس: {الجنرال العظيم حقاً هو الذي يكره الغزو}
لكن افلاطون وارسطو أقرّا شرعية الحروب تماماً.
أين؟ وعلى أيّة جبال غريبة وكافرة سيضحى بنا؟
وعلى أيّة رمال؟ وفي أيّة صحراء ستتعفن أجسادنا؟
مرة بعد مرة نترقب أعياد الطبيعة وولادة الآلهة
لكن كلما يجن طاغية. تخفت حماساتنا.
قال كونفوشيوس: {الجنرال العظيم حقاً هو الذي يكره الغزو}
لكن افلاطون وارسطو أقرّا شرعية الحروب تماماً.
مع ابواق نسمات الفجر الباردة والصاخبة
سيجيء ماهو أعظم من حاجاتنا الشخصية
ستبقى المجازر مستمرة على هذا الكوكب النقي
وستعفن جيفنا الكريهة. الأصقاع المترامية البعيدة.
قال كونفوشيوس: {الجنرال العظيم حقاً هو الذي يكره الغزو}.
كمين في الأرض الحرمأرادت القيادات العسكرية الايرانية بعد طرد قواتها من قاطعي حاج عمران وسيده كان في المعارك السابقة أن تستعيد بعض الرواقم العالية في هذين القاطعين للتأثير على سير ومجريات المعارك التي قد تحدث في جبهات أخرى من جبهات الحرب، فبعد أن تكبدت قواتنا خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات طوال الشهور الماضية بفعل القصف المستمر من مختلف المدافع والراجمات والدبابات والطائرات. اعتقد القادة الايرانيون أن الوقت قد حان لشن هجومين كبيرين ومتزامنين على هذين القاطعين. وبعد أن باشروا استعداداتهم الحربية واللوجستية واقترب موعد هجومهم ضد مواضع وحداتنا. منعت قيادة الفيلق الاجازات والمأموريات في جميع الوحدات ووصلت قاطع عمليات فيلقنا ألوية وحدات خاصة ومغاوير وألوية مشاة من ألوية احتياط القيادة العامة للقوات المسلحة وباشرت على الفور بعمليات استطلاع واسعة في وديان وجبال حاج عمران و سيده كان استعداداً للمعارك القادمة، كما وصلت أيضاً كتائب دبابات و بطريات مدفعية ثقيلة نمساوية، وهذه المدافع التي تصوب نحو أهدافها على شكل قوس. كانت غير موجودة عند الجانب الايراني وكانت تكبد القوات الايرانية خسائر قاسية في الأرواح، وقبل الهجوم الوشيك أغارت على مواقعنا الخلفية والمتقدمة ومواقع أسلحتنا الثقيلة عشرات الطائرات الايرانية الحربية ملحقة بنا وبأسلحتنا ومقراتنا الدمار والخراب وقد استطاعت وحدات مقاومة الطائرات وبطريات صواريخ سام 7 وسام 9 اسقاط العديد من هذه الطائرات فوق العديد من المدن والقصبات والنواحي والجبال والوديان وأسر طياريها. وفي هذه المرة قررت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية أن تغير خططها الحربية السابقة التي كانت تقوم على دفع ألوية المغاوير بهجوم مقابل حين تحتل القوات الايرانية مواضع ألوية المشاة وتقوم بطردها من الهدف بعد ذلك، وقررت بدلاً من هذا السياق أن يكون مع كل لواء مشاة لواء مغاوير وسرية أو أكثر من السرايا المرتبة وأفواج من قوات الجيش الشعبي حتى تكون هذه القوات قادرة على صد الهجوم وتحطيم زخمه مهما كانت قوته، وضمن هذا السياق صدرت الينا الأوامر ليلة 29 / 8 بالتوجه الى جبل كرده كو لنكون ظهيراً للواء 39 مشاة. صعدنا الجبل ليلاً واتخذنا مواضعنا بعد أن قمنا بحفر الخنادق والشقوق والسواتر تحت القصف المدفعي الذي لا يتقطع من جانبنا ومن جانب القوات الايرانية، وفي اليوم التالي طلب من كل فوج أن يهيء 4 من الجنود الشجعان ليقوموا بواجب الكمين في الأرض الحرام التي تفصلنا عن القوات الايرانية. اختارني من سريتي الملازم أول جاسم آمر السرية وكدت أموت من الرعب ذلك لأنني لم أكلف من قبل بواجب الكمين، وقال لي بعد أن رآني أكاد أخرى على نفسي من شدة الفزع: {أنت أقدم جندي في سريتي واخترتك لشجاعتك وبسالتك. اذهب نفذ الواجب وكن بطلاً} يا إلهي. ماذا سأفعل بالأرض الحرام؟ وكم من الوقت سأبقى قرب مواضع القوات الايرانية؟ هل سأدوس على لغم أو أقع في مصائد المغفلين؟ كنت وأنا أسأل نفسي هذه الأسئلة أفكر في قصائدي التي دفعتها الى زاهر الجيزاني ووعدني بنشرها في مجلة{الطليعة الأدبية}. شرح لي بعض الجنود الذين كلفوا معي بالمهمة، أن هذه سياقات عادية ومن الممكن أن نطبخ الشاي اذا لم نصطدم بدورية قتالية معادية، وقالوا أن القوات الايرانية تقوم بنفس الواجب أيضا ونحن سنكون بعيداً عنهم. انحدرنا من أعلى ربيئة فوق جبل كرده كو واتخذنا طريقاً نيسمياً باتجاه الأرض الحرام. لاشيء سوى الصمت المطبق. لا اهتزاز غصن. لا هفهفة نسمة. وحده رفيقنا عبد الأمير حامل جهاز الارسال البالغ وزنه 13 كيلوغراماً والمسمى جهاز الراكال يتنحنح كلما مال جهازه يميناً أو يساراً فوق ظهره، وبالنسبة لي فقد كان أشدّ ما يفزعني وأنا أسير مع هؤلاء الجنود الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني. هو دويّ القذائف وصواريخ الراجمات الايرانية والعراقية التي بدت لي وكأنها شهب أو نيازك تسقط على الأرض. مكثنا في الأرض الحرام من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الى الساعة الرابعة صباحاً ثم انسحبنا باتجاه مواضعنا عبر شفرة من جهاز الراكال جاءت الينا من مقر اللواء. قبر في راوندوزحياتي حرّة. حرّة كطريق العوسج
أمامي الآن ذئاب جائعة. هذه الذئاب تمجد فرائسها حتى حوّلت القتل ركاماً متشظياً من الغدر الآن - في أيام العواء وصحراء من الخوف حيث الفاقة بأجنحتها السود تحجب الشمس
أنظر الى تلك المجازر التي تصنعها الذئاب، وظلال الموت التي تلّف دروبي
آهٍ، الخوف في جوفي كما في السماء. الخوف هو عواء الذئاب، والظلام يستقبلني كقبر ضخم
لماذا أحمل معي الألم مثل الكتب وتطاردني لعناتكم دائماً؟
لماذا يبتعد عن سمائي القمر مثل خطيئة؟ حياتي تمضي أينما حلّت في خريف من الفقر والاستعباد.
بعد الآن لا أسمي
الذهب قمحاً
ولا العواء انشاداً
ولا الحبّ سماء
ولا الضرع نبعاً
ولا النار طريقاً
ولا الثور إلهاً
ولا العشب قلادة
ولا انخيدوانا شفيعة.
العام الماضي ذهبت الى قبر صديق في {راوندوز}
ماذا وجدتُ فوق سفحه؟ وجدتُ الرماد يتشطى وجماعات جماعات يسير الدود متخماً
أواه، أيها العزيز. لأجلك أشعلت القمح وأيقظت الخنازير النائمة في مستنقعات ليلي
والآن - لا شاطىء لآلامي في انطفاء سطوعك القويّ.
أشجار الفضة
ورياضيات الشمس المعلقة فوق السطوح
ومرايا زند الصباح
كلها تنطفىء أمام عيني.
هل كان موتك دولاب حياتي؟
لا رفيق لي الآن سوى عواء متقطع يلتصق بي منذ ليلة 13 / 5 / 1986
ليلة الهجوم الايراني على جبل كرده مند.
ليكن للميت ريش أيام ظالمة. ليكن لقبره عطر من الأمواج والأبواق الشجية.
هذه الأرض الأسيرة والجريحة التي أكلت نهاراتنا. تترقبُ يأسكَ ونشيجكَ الذي يعري ليل العشب.
حياتي الثكلى تربي ثآليلها في ليل العدم.
الفتى الذي يبحث عن النساء
الشاب الذي يبحث عن الذهب
الشيخ الذي يبحث عن النقوى
كلهم حزاني من أجل قبر في راوندوز.
الدموع التي تنهمر الآن هي ذكريات سهادات عشناها معاً.
المنفى واللامنفى
شعلتان تستعران
والشاعر بستان مليء بأشجار محملة بالأصفاد.
هل يهتك الشاعرالأسرار؟
هل تروّض كلماته الجريمة؟
رماد على ندى الورد
عينا غراب
آلام أكثر رطوبة من النار
جنود يجرجرون مدافعهم على الطرق الصخرية في السماء
وأنتَ وحدك في {عظمة ترملكَ} تتقدم صوب نخلة بآلاف الأذرع
الشعر والناصرية
تنام بينهما الأمواج وطيور الدرّاج، ويزحف الموت على الموت.
عريانٌ، ربيعك مثمر بالحبّ
وشموس حواجب
ورعد وشموع عليلة.
هل الموت يعاش؟
هل يمنحني بريق المجد السلطان على الألم؟
لا سماء أصعد اليها
ولم استرح في ظهيرة تحت ظلال جنائن بابل
ولم أحلم أن أكون في يوم ما جنرالاً في جيش الملك سنحاريب
ولم أصعد حصاناً وأسير فوق جثث القتلى
ولم أرتكب حماقات
أشياء كهذه لا تبهرني
{حياتي محطمة ولا أمل لي بمستقبل أفضل}
طالما فكّرت في الماضي. في حروب طويلة وشعوب منكوبة تعبرالجبال في هجرات
كبرى. في ذبح الانسان لأخيه الانسان {لأن المجد ليس بدائم ولا التاج}.
حاملاً نعشي أعود من طروادة مدّمى. تطن في اذني جحيمات مدافع وراجمات
أبحث عن أصدقائي تحت أنقاض بيوت مهدمة. مستشفيات. شوارع مقص

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رائع
شاعر من هولندا -

رائع مايكتبه الشاعر الحقيق نصيف الناصري.. وبالنسبة لمن اصدر مجلتي واحد وغجر فقد تصارعوا على الاسبقية والاكثر شاعرية ثم انفرطت حبات المسبحة وذهب كل لبيت يبني اسرته وينتظم مع جموع العبيد في العمل اليومي.. شاتمين الشعر وجدواه في الحياة.. يمكن مراجعة ماكتبوه من تبريرات.

نصيف الكشكولي
عبادي الخلف -

فن كتابة الكشكول من الفنون التي دأب عليها أدباء كبار، أراحوا فيها أنفسهم وقراءهم من عناء الإتجاه الواحد مهما كان ممتعا وخلاقا... أنا أشجع هذا الكاتب وغيره أيضا أن يواظب على ممارسة هذا النوع من الكتابة حيث تتوافر مجالات واسعة للتعبير ...والله من وراء القصد

خسارة
عناد كريم -

من بقايا زمن اسمه الحرب مع أيران..خسارة أخرى لم تكن في المنظورة من الخسائر.