ثقافات

العلاقة المصرية الأمريكية تقارب وتباعد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في كتاب يؤرخ لها بين 52 و1958
العلاقة المصرية الأمريكية تقارب وتباعد
محمد الحمامصي من القاهرة: في الوقت الذي تنتظر فيه القاهرة الرئيس الأمريكي أوباما، وينتظر فيه العالم العربي والإسلامي خطابه في جامعة القاهرة، وبعد سنوات طويلة تأرجحت فيها العلاقة المصرية الأمريكية ما بين التقارب والتباعد، بل العلاقات العربية الأمريكية كافة في ظل تغيرات في الأدوار الإقليمية، وانقسامات عربية عربية، ودخول إيران لاعبا رئيسا في مواجهة السيطرة الأمريكية لحساب إسرائيل، فإسرائيل منذ قيامها وحتى الآن تتحكم في درجة التقارب والتباعد بين العلاقة الأمريكية المصرية والعربية، يأتي هذا الكتاب (العلاقة المصرية الأمريكية من التقارب إلي التباعد 1952 ـ 1958) للدكتور محمد عبد الوهاب ليكشف أن العلاقة ومنذ ثورة يوليو 1952 تمضي على نفس الوتيرة متأرجحة بين التقارب والتباعد، وذلك لاعتبارات تتعلق بالمصالح بالدرجة الأولى خاصة من جانب أمريكا، بل ويخلص إلي تأكيد أن علاقة الدول لا تسير على وتيرة واحدة، خاصة إذا كانت دولاً ذات مكانة عالمية أو صاحبة دورٍ إقليمي؛ فقد يحدث تقارب أو تباعد والعكس بالعكس. وأن القوى الصغرى ذات المكانة المتميزة قد تملى على القوى الكبرى ذات المكانة الدولية إتباع نوع من السياسات التي قد لا تتفق مع المعلن من سياستها، وأن المصالح قد تحكم العلاقة، وأن المبادئ المعلنة قد تستخدم كشعارات للاستهلاك المحلى في بعض الأحيان، وأن هذا النوع من العلاقات قد أخذ شكلا من الزجزاج صعودا وهبوطا، لقد قولبت المصالح شكل هذه العلاقة فأصبح التقارب والتباعد والعكس بالعكس هما المسيطران عليها.
لقد نجح الكاتب د. محمد عبد الوهاب من خلال اطلاعه على الوثائق الأمريكية في أن يكشف عن العلاقة الحساسة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية من قيام ثورة 1952 حتى 1958. فلقد سيطر على الفكر العام هاجس؛ هو أن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة قد شابها نوع من التوتر والفتور منذ بداية الثورة حتى نهاية حكم عبد الناصر. ولكن هذا الكتاب يوضح بجلاء علاقة التقارب التي كانت تربط بين النظامين في البداية وكيف تباعدا والأسباب التي أدت إلى هذا التباعد.فقد عضدت أمريكا جماعة الضباط الأحرار وحالت دون تدخل بريطانيا لإعادة الملك فاروق للحكم، وكانت عاملا أساسيا في مساعدتها في السيطرة على زمام السلطة بشتى الوسائل الممكنة، سواء بصورة علنية أو سرية، بالقلم أو البندقية، وقد أيدتها في خطوة إلغاء دستور 1923 كما أنها باركت إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 23 يونيو 1953، وهذه المساندة الأمريكية من أجل السيطرة على مقاليد أملا في أن تجد منها صدرا مرحبا بمشاريع الدفاع الغربية التي كانت جل آمال الولايات المتحدة آنذاك، من أجل إحتواء الخطر السوفيتي، لكن الرياح قد لا تأتي بما تشتهي السفن، حيث د.محمد عبد الوهاب أن عوامل كثيرة دفعت بالقوى الإقليمية أن تتباعد حفاظا على مكانتها وموضعها، لقد كانت القوى الجديدة الحاكمة في مصر أسيرة ميراث طويل في دور مصر القيادي الرافض للارتباط بالقرب، مما دفع بالقوى العالمية ممثلة في الولايات المتحدة بالسعي إلي شكل جديد لاحتواء الموقف، وكانت مشاريع السلام بين مصر وإسرائيل هي الحل بالنسبة لصانع السياسة الأمريكية، الذي رأى فيها حلا نموذجيا قد يدفع بالقوى الإقليمية لإيقاف الاقتراب من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وأن صفقة السلاح التي مكنت الاتحاد السوفيتي من القفز فوق أسوار الأحلاف الغربية سوف تكون أول وآخر صفقة.
ويضيف د.عبد الوهاب: هكذا لم يكن السلام هو المقصود في حد ذاته، بل كان احتواء المد الشيوعي، وبالتالي ليزداد التباعد لعدم فهم الطرفين لحقيقية أوضاع كل منهما، فكل طرف بدأ يقيم المواقف تبعا لمصالحه، فقد كان من الاستحالة بمكان أن يقبل عبد الناصر في ذلك الوقت فرص السلام تبعا للشروط الإسرائيلية. لقد رفض السلام المفروض وأصبحت مصر في نظر صانعي القرار في واشنطن من الدول المارقة إذا جاز التعبير، وزاد التباعد واندفعت الولايات المتحدة ـ حفاظا على هيبة الغرب ـ في عقاب مصر، وقد وضح هذا في سحب تمويل مشروع السد العالي، وردت مصر بإعلان تأميم قناة السويس، وتوقع الجميع القطيعة إلا أنه حدث عكس ما كان متوقعا، فقد بدأ التقارب منذ بدايات الأزمة، ك لتحقيق هدفه: فمصر من أجل الخروج من الأزمة، وتفويت الفرصة على المتربصين بها، والولايات المتحدة من أجل إنقاذ مكانة الغرب ومصالحه في المنطقة، ضاربة الصفح عن علاقتها التقليدية مع حلفاء الناتو، متناسية إلي حد ما صداقة إسرائيل، المهم هو عدم إهدار المصالح الغربية، وعدم إعطاء الاتحاد السوفيتي الفرصة في الصيد في الماء العكر، وهذا ما نجحت فيه مصر والولايات المتحدة مرحليا.
ويقول د.محمد عبد الوهاب: إلا أنه بانقضاء العدوان أصبح لابد من إعادة رسم الخريطة من جديد، فلقد حدث فراغ في المنطقة من المنظور الأمريكي، وكان لابد أن يملأ هذا الفراغ، فصدر مبدأ أيزنهاور مع بدايات 1957، لقد انقضى شهر العسل، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من التباعد بين القوى العظمى والقوى الإقليمية التي اتهمت صراحة بأنها تهدد مصالح الغرب ومن يلوذون بفلكه في المنطقة، ولم يكن صاحب القرار في الأغلب قادرا على فهم الفرق بين التيار القومي والمد الشيوعي، وتقع العديد من الأزمات في المنطقة التي كان من أشهرها الأزمة الأردنية والأزمة السورية، لقد حاولت الولايات المتحدة أن تنحو منحا بعيدا عن الاقتراب من مصر، باحثة عن حلول قد تتعارض وتتناقض مع سابق سياستها في أثناء أزمة السويس، وكأنها في النهاية لم تجد إلا سبيلا واحدا ألا وهو أن مصر هي القادرة على حل الأزمة بالنسبة للغرب ولنفسها، لقد أثبت مبدأ أيزنهاور واستراتيجيات القوى العظمى عجزهما عن إدارة بعض الأزمات، ووضح أن عبد الناصر بما لديه من مقومات الزعامة وتاريخ مصر الطويل قادر على احتواء هذه الأزمات، وفي النهاية سلمت الولايات المتحدة بضرورة التقارب ولو مرحليا، مؤمنة بأن التباعد في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه حمى القومية العربية لا يخدم المصالح الأمريكية بقدر ما يهددها، وكان عبد الناصر من خلال ما أحرزه من انتصارات ولو على المستوى السياسي مدركا لأبعاد اللعبة فهو لم يتباعد كلية ولم يتقارب بصورة فجة، فلقد ترك الباب مواربا في التعامل مع الغرب في هذه المرحلة، لقد أدرك الجميع واعترف صانعو السياسة الأمريكية من إيزنهاور إلي دالاس بأن مصر عبد الناصر هي القادرة على أن تضع الأمور في نصابها، طالما اعترفت لها بالريادة والقيادة.
الكتاب: العلاقات المصرية الأمريكية: من التقارب إلى التباعد (1952-1958)
تأليف: محمد عبد الوهاب سيد أحمد
الناشر: دار الشروق
سنة النشر: 2008
الطبعة: 1
عدد الصفحات: 172

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Correction
Sabry Fawzy Gohara -

The change from a constitutional monarchy to a repluic occured on June 18 (not 23)1953.

Correction
Sabry Fawzy Gohara -

The change from a constitutional monarchy to a repluic occured on June 18 (not 23)1953.