وهم الكتابة... وشيطنة التأويل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"سيكتشف البشر بعد فوات الاوان
الخطأ الفاحش الذي اشاعوه
بايمانهم باللغة" فريديك نيتشه
وهم الكتابة*... وشيطنة التأويل
يبدأ التاريخ مع التدوين. مع اول نقش كتابي حفرَه اباؤنا السومريون على الواح الطين. كانت الوثيقة المدونة، قبل اكتشاف الكاميرا، الوسيلة الوحيدة المتاحة لمعرفة ما حدث في الماضي. لكن هل حقا بوسع الكلمات ان تصّور الواقعة كما هي، كما حدثت بالفعل. هل بوسعها ان تنقل لنا حياة الآخرين، افكارهم وخاصة"تصوراتهم" العقائدية عن الوجود والخالق. واذا امكن لها ذلك وهو مطلب بعيد، فهل يمكن للقارئ تصور التصور اي ادراك تلك التصورات التي لا نملك منها سوى الحروف، مطيتنا الوحيدة لفك رموزها وبلوغ مداليلها. وهل يمكن الوقوف على تصور واحد رغم تعدد القراءة.
لكي نقترب من الاجابة، ندعنا نسرد بعضا من الآليات والشرائط التي يخضع لها فعل الكتابة والقراءة.
تمر الكتابة، وهي سلوك لغوي صرف، بمرشحات ( فلاتر) كثيرة نورد بعض ما تيسر منها في الخاطر:
ذاتية الكاتب، مكوناته المعرفية والنفسية. وهي ذات متبدلة ومتحولة. فالكاتب ليس هو هو في كل لحظة. ومن يبقى على حال الثبات فهو في قيد الموت. يكون هو والحجر الهامد سواء. بل ان الحجر ذاته ليتغير ويتحول ويعشب، واحيانا يتصدع ويخشع ويقشعر.انظر الى الاحجار في حديقة ما اوعلى ساحل بحر. كثيرا ما تتجلى اشكالا بشرية وحيوانية واحيانا تنبت لها اجنحة وتصبح عصافير.
قصدية الكتابة. الغرضية التي تملي على الكاتب ان ينحّني عناصر ويقرب اخرى وفقا لجهة القارئ الذي يتوجه اليه. يتراوح هذا الامر بين كاتب وآخر لكنه يظل في النهاية، حتى للكاتب الذاتي منقادا رغما عنه الى قارئ ولو مفترض يهيمن على مكتوبه.
الراهنية. اللحظة التي يتم فيها فعل الكتابة. وهي مقيدة بسايكولوجيا الكاتب الراهنة والظرف الذي يسكن فيه وحالته النفسية والجسدية ، مزاجه، خفقات قلبه وحركات امعائه.
محدودية المعلومات. لا يتهيؤ للكاتب الالمام التام بالوقائع وهو قصور تقني وصفة بشرية عامة. ورغم ان الانترنيت قرب كثيرا من هذا الافق وجعله متاحا بيسر مقارنة بعصر ما قبل الانترنيت الا ان عوامل الوقت وتصاريف الحياة والانشغال بامور قسرية اخرى تحول دون القدرة على امتلاك المعرفة الكلية التي هي من صفات الخالق وحده. يضاف الى ذلك ( في مجال التغطية الصحفية) استحالة الوصول الى ارض الواقعة. يرد كثيرا في الادبيات الصحفية مفهوم " النقاط السوداء" التي لا يمكن للصحفي، خوفا من الهلاك، او خضوعا لسياسات المسيطرين على ارض الحدث الوصول الى المناطق الساخنة من العالم. مما يجعل الحديث عن حقيقية حدث ما ضربا من المستحيل. ما يحدث في دارفور وافريقيا والشرق الاوسط وغيرها من النقاط السوداء في العالم مثال جلي على ذلك.
نظام اللغة: لكل لغة انساقها وتراكيبها ومناخها وروحيتها المميزة لها عن غيرها من اللغات. كل لغة تخضع لآليات اشتغالها، وما يمكن قوله في لغة لا يمكن قوله او نقله كما هو من لغة الى اخرى. كل ترجمة هي نص آخر واصل جديد. الترجمة ليست النص الاول اطلاقا. فاللغة اشبه بكائن حي وهي مزودة بغريزة البقاء وتفادي الزوال وحفظ الصفات.
ولجهة لغتنا العربية فهي تنفرد بمُشكل اخر لا تشاركه فيه اية لغة اخرى على الارض على حد علمنا. فان النصوص الاولى، ما قبل ابي الاسود الدؤلي ومن بعدُ الفراهيدي، كانت نصوصا عمياء، اي دون نقاط ولا حركات. الامر الذي انولدت منه القراءات المتعددة للقرآن ومنها القراءة الزيتية الشهيرة. وبذلك يمكن لنا ان نضيف الى شرائط المقروئية شرطا اخر فادحا هذه المرة استاثرت به العربية دون سائر لغات البشر.(**)
تمر عملية الكتابة وفقا لجيل دولوز/ "ماهي الفلسفة" بثلاث مراحل: الارضنة، انتشال الارضنة واعادة الارضنة. ويفسرها كالتالي عبر مثال النجار. فالنجار يحتاج الى الخشب ( الارضنة) مادته للعمل، وهي هنا المعلومات التي يستند اليها الكاتب. انتشال الارضة، وهي آلية استخدام النجار/ توظيف الكاتب للمعلومات. اعادة الارضة، المنتوج النهائي، بضاعة النجار/ النص الذي ينتجه الكاتب. وهذا العوامل الثلاث اذا كانت متيسرة للنجار رغم مرورها بشرائط ومقتضيات المهنة والسوق الا انها في حال الكاتب ليست على نحو يبعث على الارتياح او يبشر بخير.
واذا فرغنا من الشق الاول، حدوثية الكتابة، نعبر الى الجهة الاخرى التي لا تصبح الكتابة فعلا نافذا الا بها، القراءة. وهي محكومة بالشرائط التالية.
راهنية القراءة: اللحظة التي يتم فيها فعل القراءة. فالنص في زمن ما ليس هو هو في كل وقت بل يختلف من زمن الى آخر تبعا لزمن القراءة والظروف المحيطة، فمداليل الكلمات تتغير وتتبدل عبر الدهر.
هوية القارئ: "منهويته" ( من هو ) وتخضع ايضا، لامكاناته القرائية، محدودية معلوماته، يقينياته، ووفقا لتباريحه وغرضيته المسبقة. تختلف مداليل النص من قارئ الى آخر. والقارئ ذاته ليس هو هو في كل الاوقات حاله حال الكاتب.
كان سقراط يرفض التدوين ذلك لعلمه ان الكتابة لا تقود الى مدلول واحد وحيد. لعل مواطن اثينا كان تربويا يسعى الى اشاعة حقيقة واحدة، اكثر منه فيلسوفا يسعى لفتح افاق المعرفة والعقل. فيكون بهذا المعنى ايديولوجيا. يفند اراء الفلاسفة الاخرين ويقصيهم من دائرة الفكر في عملية جدلية صرف اشبه باعدام فكري. المفارقة في الامر انه دفع حياته ثمنا لتلك الايديولجيا التي كان شيد اساسها وادخل الفلسفة بسببها في كهف معتم وحكم عليها بالجمود والانحسار دهرا طويلا.
ذلك ان محاججة الآخر وتخطئته وتهديم قناعاته وافكاره لا تتيسر الا بالمواجهة الشفاهية الآنية وبوجود حشد من الجماهير المتفرجة. وهو امر يتعذر تحقيقه عبر النص المكتوب كونه افقا متعددا ومفتوحا على التاويلات والاختلافات اللانهائية / جاك دريدا. ربما لهذا استحب العرب ان يظلوا شفاهيين. كانت قولتهم الشهيرة: " حفظ الصدور لا حفظ السطور" الشعار الذي وسم ثقافتهم وطرائق تفكيرهم في العقائد وفي الحياة.
في الانظمة الايديولجية، ارضية كانت ام سماوية، ثمة اعلاء للنص وتقديس يعبر الارض ويتجاوز السماء. تسعى المؤسسة الدينية والاحزاب العقائدية الى سلوكيات دوغمائية، فرضُ تفسير للنص على انه الواقعة ذاتها. يرتقي ذلك التفسير وسادة المنبر او وسائل الاعلام وهي حكر للمهيمنين في كلا النظامين ويصبح اغلالا وسياطا لحظرنة الجماهير( من الحظيرة) وتحويلها موارد رزق او وقودا لافران العقائد.
من المعروف ان النبي محمد نهى عن تدوين الحديث. ربما لظنه ان التدوين مدعاة للجدال والنزاع والاختلاف. ولعله اراد للقوم ان يكتفوا بالقرآن وبالعقل كمصدرين للتشريع. وان تكون سنـّته ( اقواله وافعاله اضافة الى الاقوال والافعال التي وافق عليها) مجرد نصفه البشري دون نصفه الآخر، الوحي الذي تجسد في القرآن.
يرد في الادبيات العربية ان الكتابة تأليف. والتأليف من الألفة " وألـّف بين قلوبهم" فهي توصل الخواطر بعضها ببعض. لكن العاطفية والتآلفية والتواشجية مجرد كمشات خواطر تتنافي مع حيادية المعرفة التي لا تملك عدوا شرسا مبيدا كهذه الاخلاط الثلاث. التأليف،ايضا، في بعض مداليه يشير الى الاختلاق سواء بقصدية او بحسب مقتضيات اللغة واحكامها. نقول في حديثنا اليومي " الّف فلان امرا ما" اي اختلقه. والاختلاق والكذب صنوان وتوأمان متماثلان.
في الفضاء الديني، ينمحي النص في جهة واحدة. وان ما قيل في كتب الاولين متجاوز للزمان والمكان. يحاول اللاهوتي ان لا يرى معقولية بما يرد من تعدد للتفاسير. يجاهد بسعي مستميت للبرهنة على ان النص او بالاحرى تفسيره للنص هو الواقعة ذاتها او المعنى ذاته الذي في قلب الله. ويرى ان التأويل او المقروئية فعل رجيم من لدن الشيطان وهرطقة وضلال. لكنه ينسى حقيقة انه ليس لأحد من البشر دون آخر الحق في حيازة النص وادعاء ملكية فهمه وتفسيره، وان هنالك لاهوتيا آخر يملك تأويلا اخر للنص الديني. انه بكلمة اخرى يجعل التأويل بعضا من مكارمه وميزاته التي اختصه الله بها دون سائر الخليقة ويرفض بيقين العجائز وفي غمرة البخور التي تغلق بصيرته ومسامات جلده اي تأويل مغاير لما تنتجه قريحته ومداركه. فتلك التاويلات ما هي في عرفه الا انحراف عن جادة السراط المستقيم الذي مهده الرحمن لشياهه الضالة، متجاهلا بذلك قصدا او عن قلة دراية وقلة تواضع ان نص الوحي فضاء مفتوح وحمّال وجوه كما في قولة للامام علي، مثله مثل اي نص وخاصة اذا كان على درجة عالية من البلاغة كالقرآن. لهذا قال التلسماني" القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك, ومن اتبع القرآن لم يصل الى التوحيد". تردُ في الارث العربي مقولة "البلاغة هي الايجاز". والايجاز يفترض حتما امكانات هائلة مفتوحة على التأويل لانه يهمل التفاصيل التي هي فراغات يتوجب ملؤها بالمقروئية التي هي النشاط العقلي للقارئ وكل نشاط عقلي هو هبة الهية وضعها الباري في جمجمة الانسان الذي خلقه على صورته.
لكن المشلكة اللاهوتية المستعصية التي تواجهنا هاهنا والتي سالت دماء كثيرا قربانا لها هي: هل يبقى النص هو هو في حال تأويله. الا يمثل التأويل او التفسير خروجا على النص، خلق نص اخر بشري مغاير للاصل. الا نرتدم هنا بمعضله الخروج على ما يسمى بالاسلام النقي او الاسلام في صورته الاولى في زمن النبوة؟. الا يقودنا هذا الى وجود اسلامات عديدة يصبح معها مفهوم الاسلام النقي امرا متعذرا الامساك به او تحديد معالمه. في المسيحية مثالا، هل تمثل كل من الكاثوليكية او البروتستانية او النسطورية وغيرها من المذاهب المسيحية المسيحية َ في نسختها الالهية الاصل، وماذا عن الفروقات التي تمثل فعليا مسيحيات متباينة. الامر نفسه يصدق على الاسلام. هل تتطابق الشيعية او السنية اوالصوفية اوالثلاث والسبعون فرقة الباقية الاسلامَ في نسخته الالهية الاصل المودعة في اللوح المحفوظ، علما ان صاحب كل دراية او حتى بدون دراية يدرك على نحو لا لبس فيه ان بين تلك المذاهب من الفروقات ما بين اي اديان مختلفة. هل المذهب هو دين آخر ؟ فتكون المذاهب الاسلامية اديانا مستقلة لايجمعها في الاسلام سوى الاسم.؟ اسئلة لجوجة ومربكة تحتاج، ليس الى بحوث مستفيضة فحسب، بل الى امر آخر يفوق قدرة البشر ويتجاوز فطرتهم، روح التسامح ومحبة الآخر والتجرد عن النفعية والغرضية. الامر الذي لا يمكن بلوغه دون الاعتراف بالاديان الاخرى غير " السماوية" على انها اديان "سماوية" ايضا وانها سبل اخرى الى الله الذي لا تحده الجهات ولا النصوص. فما من دين الا من السماء.
كانت اديان البشرية فيما قبل اليهودية متعددة بتعدد الاقوام والشعوب فلكل قوم دينهم وشرعتهم، حتى ظهرت اليهودية فشرعت لنفسها سنة جديدة تمثلت في حيازة السماء والامساك بصولجان الله والتحدث باسمه واباحت لنفسها حق الاستيلاء على املاك الاخرين المادية والفكرية وارواحهم. وظهرت معها المفاهيم الدموية " الاختيار والاصطفاء والتفضيل بين البشر"، ومهدت بذلك الطريق للديانتين المسيحية والاسلام فيما بعد لان يسيرا في الطريق المعبدة ذاتها دون رادع او واخز من ضمير. نتحدث هنا بالطبع عن الاديان في نسختها الرسمية كمؤسسة وليس على الايمان الفردي الخالص.
نص الوحي، وهذا يحتاج الى مبحث اخر، حين يتجسد في لغة البشر، الا يخرج عن كونه نصا الهيا؟ بمعنى انه يصير بعض نتاج اللغة البشرية عبر خضوعه لقوانين اللغة. يقول ابن عربي عن الله " لا لسان له اذ لا مخاطـَب". يقودنا هذا الامر الى المسألة العباسية الشهيرة في خلق القرآن. هل هو مخلوق؟ اي كلام مُحدَث؟ ام انه موجود قبل ظهور الخليقة؟. هل يتحدث الله لغة البشر؟. واذا تحدث لغتهم فهل يبقى الها مطلقا ام انه يصير بشرا مثلهم طلما اتصف ببعض صفاتهم، الكلام.
يمكن القول ان الخلافات بين الاديان والمذاهب ليست لاهوتية ولا عقائدية بل انها خلافات مجتمعية تقوم على عناصر اقتصادية. الاحرى بها ان تكون مجرد اختلافات في طرائق المعيشة اذا امكن لاهل العقول النفعية ان تتماشى معها وان يكون مسعاها هو وجه الله الذي لا يرضى الا ان تحب عدوك مثلما تحب صديقك. فبدون ذلك الحب لا يمكن للايمان ان يستقر في القلوب. حيث ان الايمان توحّد وفناء في الله الذي هو حب مطلق. ومن توحّد مع او فنيَ في شيء ما صار هو والمتوحَّد فيه او المَفنيَ فيه سواء.
مع عصر التجديد الديني، في القرن الماضي، شاعت لدى ارباب الشريعة الاسلامية نظرية العودة الى الاصل، عصر النبوة والخلفاء الراشدين كوسيلة "لاصلاح الامة" ومن ثم صلاح البشرية كلها، حيث لا يصلح آخر هذه الامة الا بما صلح اولها. على افتراض ان عصر الاسلاف كان صالحا بالفعل، لكنه في الواقع مجرد تصور آخر، يمكن لنا ان نقرّ بصدقيته ولكن بشرط اساس هو ان نغض البصر والعقل عن الدماء الكثيرة التي سالت انهارا فيه على مسائل عقائدية ومادية. وان لا نرى منه سوى ما تمليه علينا تخيلات اهل الاسلام السياسي وتصوراهم.
كان من ابرز من نادوا بتلك النظرية الانقاذية سيد قطب حيث يقول: " لا خلاص لهذه الامة الا بالعودة الى التصور الاول الذي حمله الصحابة عن الشريعة وعن الله". لكن رفيق الاخوان ومؤسس الكثير من طروحاتهم، والرافض للـ " التصور الإسلامي عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم ـ في رأيه ـ ظلال للفلسفة الإغريقية"، لم يبين لنا، للاسف الشديد، ماهو شكل ذلك التصور. اهو مربع ام دائري ام مفلطح؟. وما هو لونه احمر، اصفر ام ازرق؟ بل فضّل تركنا هائمين في الازقة والعتمات نفتش عن طبيعة ذلك التصور العظيم وماهيته. ومع ذلك نظن ان الرجل يحمل في سريرته تصورا للتصور الاول للصحابة، آثر كتمانه وحفظه في حرز قلبه المكين. لكن ذلك التصور، اذا وُجد لدى السيد، فليس بالتاكيد سوى تصوره الشخصي هو للشريعة ولله لا غير، ولكلّ واحد من البشر، ومن المخلوقات الاخرى، ذلك التصور الذي لا يمكن لاحد سواه او سواها ان يتصوره.
الكتابة نشاط ابدي للوجود الذي هو "مصحف كبير" ونص "لا تزال الكتابة فيه دائمة أبدا لا تنتهي ولا تحدها حدود"./ ابن عربي. انها منطقة اشتغال العقل وسر ديمومته. يمكن للكلمات ان تدحض يقينا ما، لكن بالتاكيد لا يمكن لها التاسيس ليقين جديد. او كما يقول ابن عربي" ان ترفع الستر بستر اخر هو العبارة". يظل البحث عن الحقيقة والسعي في الكتابة مستمرين طالما بقيت الجوارح يقظة والعقل ناشطا. وحين يبلغ احدهم اليقين فهذا علامة على ان جوارحه قد هجعت الى نوم عميق، وان عقله قد آوى الى السكون، الاسم الاخر للموت.
به نستعين واليه نستكين. ونترك للقلب ان يقول ما لا يقدر على قوله اليراع.
هوامش:
* اردنا استخدام لفظ "التدوين" بدلا عن " الكتابة، ذلك ان الكتابة نشاط اعم واشمل، يندرج تحتها الجمالي والتسجيلي. بينما يحيلنا "التدوين" الى التسجيل الموضوعي للوقائع على نحو مجرد وهو مقصد الحديث في المقال. ورغم اننا استخدمنا لفظ الكتابة والـ " كاتب" ـ تساهلا وتماشيا مع الشائع ـ " الا ان القصد يمضي جهة التدوين.
** تورد منى باقر في كتابها ldquo;In Other Wordsrdquo; ( ص:260) وهو كتاب في الترجمة التطبيقية الحكاية اللطيفة التالية: " ان دقة حروف الهجاء العربية وتداخل بعضها في بعض فضلا عن سقوط الحركات والضوابط في اللغة العادية ساعد على استنباط ما لا يحصى من النكات والدعابات التي تختص طبعا بالقارئ العربي. فانت بازالة نقطة من حرفٍ مُعجم او اضافة نقطة الى حرف خالٍ او ابدال حركة من اخرى تستطيع ان تتلاعب بالمعاني كما تشاء وتولد منها ما يحلو لك من الدعابات والمكايد، نمثل على ذلك بابيات نظمها الشيخ ناصيف اليازجي وبنى عليها عقدة حكاية اوردها في المقامة الثالثة عشر من كتابه" مجمع البحرين" وهي ابيات مدح تتحول بالتصحيف والتحريف الى ابيات هجاء نظمها الشاعر في الرواية مدحا فنقلها ظريف خبيث الى الممدوح هجاء بعد تصحيفها وتحريفها واليك القصيدة بنصيها:
من رام ان يُلقي تباريح الكرب من نفسه فليأت احلاف العرب
يرى الجَمال والجلال والحسب والشِعر والاوتار كيفما انقلب
اشرف اهل الارض عن امّ واب واسمح الناس واجرى من يهب
لا تعرف الاقذار فيهم والريب ولا يبالون باحراز النشب
لكن يغارون على حفظ النسب
فقال الظريف هاجيا:
من رام ان يَلقى تباريح الكرب من نفسه فليأت اجلاف العرب
يرى الجـِمال والجـِلال والخشب والشـَعر والاوبار كيفما انقلب
اسرق اهل الارض عن ام واب واسمج الناس واخزى من نهب
لا تـُعرف الاقدار فيهم والرتب ولا يبالون باحراز النســب
لكن يغارون على حفظ النشب
مع الاعتذار الشخصي مني والاحترام لاخواننا العرب. فليس في نيتنا الطعن او السخرية من احد ـ معاذ الله ـ انما اوردنا الحكاية من باب التحصيل والغرض العلميين لا غير. نسأله المغفرة.
fadelkhay@hotmail.com
www.atyaf.20m.com
التعليقات
لا عتب عل المجنون
احمد علي -لا عتب عليك يافاضل ان تتكلم على امة العرب التي انت تكتب بلغتها وتذكر مقهى الشابندر حيث كان مأوى لك وكانوا يصفوك جميعهم بفاضل المجنون
maroc
احمدالمغربي -بعد ان مارسوا علينا جميع أشكال الهجاء التشكيلي ..ها أنت أستاز فاضل تمارس علينا الهجاء الفلسفي .. و كأن الانسان العربي وُلٍد فقط ليُهجى ... اما أن يُمدح او يُتأمل او يساند في محنة هجوم الاستغراب و الاستشراق عليه ... فليست لكم النية في فعل ذلك . انت تعتقد انك بدات الهجاء من الهامش و الحقيقة ان الاشارة الى الطابع الحكواتي للثقافة الشعبية العربية و التراث الشفهي و التاويل المتحرف أو المتتحيز لأديولوجية شعبوية مغرقة في التقليدانية كلها تهم تصب في اتجاه تخوين العقل العربي و دفعه الى إنكار حقه في التنور الحاصل في شتى الميادين على الصعيد المحلي و الدولي و عبر التاريخ ,,,, اذن لا بد من ان تراجع حساباتك الفلسفية المغلوطة عن قبيلة بين يعرب ... و تجنب التجني عليهم فم بنو صحراء و بيد و جمال و رعي و نجوم و شعر و مقامات ... و بنو حرب و غزوات ... و جهل اذا تجاهل القوم عليهم .
تصحيح
ن ف -إن اسم صاحبة كتاب In Other Words هي Mona Baker منى بيكر وليس منى باقر كما ورد في الهوامش، إذ هي متزوجة من شخص بريطاني.. لذا اقتضى التنويه مع الشكر.
تصحيح
ن ف -إن اسم صاحبة كتاب In Other Words هي Mona Baker منى بيكر وليس منى باقر كما ورد في الهوامش، إذ هي متزوجة من شخص بريطاني.. لذا اقتضى التنويه مع الشكر.
مقال رائع
حسن صالح -إستمتعت كثيراً بقراءة المقال. حتى لو كان الكاتب مجنونا، ًفهو جنون رائع! شكراً لك يا فاضل و شكراً لإيلاف.
شيق و عميق الدلالة
حسن صالح -مقال أقل ما يقال عنه أنه رائع، و إذا كان كاتبه يوصف بالمجنون، فنعم الجنون ذلك. أتمنى من الأخ الكاتب، فاضل المزيد من مثل هذه الكتابات. و شكراً لإيلاف.
شيق و عميق الدلالة
حسن صالح -مقال أقل ما يقال عنه أنه رائع، و إذا كان كاتبه يوصف بالمجنون، فنعم الجنون ذلك. أتمنى من الأخ الكاتب، فاضل المزيد من مثل هذه الكتابات. و شكراً لإيلاف.
إلى من يهمه الأمر
ن ف -لو كنت صاحب مقهى الشابندر لعلّقت هذه المقالة الرائعة فوق الكرسي ((التخت)) الذي كان يجلس عليه فاضل الخياط ليطلع عليها أصحاب ((العقل السليم)) أمثال أحمد علي. ولو كان كل من يرتاد مقهاي، من المجانين، يكتب بهذا الشكل لغيرت اسم مقهاي من مقهى الشابندر إلى مقهى المجانين. ولوضعت يافطة وكتبت عليها: لا يدخل مقهاي إلا المجانين.. الكتاب منهم والشعراء والروائيون والتشكيليون والنحاتون والموسيقيون.
اين المصادر؟
سامان محمد -تحية، المقال لا يخلو من الشعريةو قد يكون هذا جيدا ولكن المقال قد اعاد الكثير الكثير من اراء الآخرين من غير الأشارة الى اية مصدر مكتوب او الكتروني، اتصور ان الوقت قد حان بان نكف عن الأيماء بأن كل ما نكتب و نقول هو من صنع خيالنا الصرف?علينا ان نرجع المصداقة لما نكتب حتى وان كان الخيال مصدر الكتابة الرئيسي.
شكرا
فاضل الخياط -شكرا سامان على هذا التنبيه نعم، لقد نسيت ذكر مصدر مقولة العفيف التلسماني وهي واردة في " جامع الرسائل لابن تيمية ص 251" .اما بقية المراجع فقد ذكرتها في المتن.وشكرا.
اين المصادر؟
سامان محمد -تحية، المقال لا يخلو من الشعريةو قد يكون هذا جيدا ولكن المقال قد اعاد الكثير الكثير من اراء الآخرين من غير الأشارة الى اية مصدر مكتوب او الكتروني، اتصور ان الوقت قد حان بان نكف عن الأيماء بأن كل ما نكتب و نقول هو من صنع خيالنا الصرف?علينا ان نرجع المصداقة لما نكتب حتى وان كان الخيال مصدر الكتابة الرئيسي.