ثقافات

باقادر: نحتاج من يستثمر بشكل مختلف ويجعل رأسماله تاريخنا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في حواره مع إيلاف ( 2-3) أكد أن العولمة جعلت العالم بازارا للسلع والخدمات
أبو بكر باقادر: أسعى لإعادة النظر في التاريخ الاجتماعي لسكان مكة المكرمة

عبدالله السمطي من الرياض: بدأت تتغير لغة المجتمع، أصبحت هناك لغة شابة تختلف عن لغة الكبار والقيم وهي ظاهرة موجودة في الحلقة الأولى أنحاء العالم، بهذا التعبير يواصل الدكتور أبو بكر باقادر قراءة الظاهرة الاجتماعية السوسيوثقافية في العالم العربي وعلاقتها بالمفاهيم العالمية وعلى رأسها مفهوم العولمة التي فرضت نوعا من هيمنة وهجمة التجانس المفروض دوليا في بازار السلع والخدمات، بمعنى أنك أينما ذهبت إلى هذه البازارات في العالم تصبح الصورة تكاد تكون واحدة، واختفاء الفجوات التي تجعلك تنتقل من عالم لآخر، وذلك بسبب هجمة الفضائيات ووسائل الإعلام بدءا من عقد التسعينات في القرن العشرين حيث أصبحت المسافات لا معنى لها، حتى المصالح تتجاذب المجتمعات الإنسانية حسب تعبير الدكتور باقادر الذي يرى أن مجتمعاتنا لم تعد تشكل بالنسبة لنا مختبرا، إلا - وللأسف الشديد كما يذكر - بعض أنواع الجرائم، وتجارة المخدرات، لكن لا توجد مشاريع قومية، وتصبح هذه الموضوعات مجرد موضوعات سائدة. ويشير باقادر إلى دراسات الظاهرة الدينية والتدين في المملكة العربية السعودية أصبحت من الأمور البارزة، إلا أن المجتمع السعودي ما يزال لا يتقبل مثل هذه النوعية من الدراسات.
ورأى باقادر أن معظم مقارباتنا تأتي بمفاهيم ونظريات جاهزة، ونسعى إلى تطبيقها، وليس العكس، وقد التفت إلى ذلك بعض الدارسين مثل إدوارد سعيد الذي كان يتحدث عما يسميه بـ:" امبريالية المفاهيم" وآلية التصورات النظرية التي تعيق البحث العلمي في هذا المجال.
وعن مشروعه البحثي القادم ألمح باقادر إلى أنه الآن يقوم بمشروع ، لم يكتمل بعد، وقد قطع فيه شوطا مدة ثلاث سنوات، ويتمثل هذا المشروع في إعادة النظر في التاريخ الاجتماعي لمن سكنوا مكة المكرمة، من خلال ما يسمى ب" تاريخ المدن" وهو في الحقيقة تاريخ من سكنوا المدن ، كما أنه يقوم بإصدار سلسلة من الترجمات عن الحج، وسوف يصدر منها كتاب عن التجربة الهندية في الحج. وتجربة الدولة العثمانية، وطرق الحج، والحج من غرب إفريقيا، والحج في منظومة المنطقة، وهذه ستصدر تباعا في هذا العام 2009م .، وهذا نص الجزء الثاني من الحوار:


قلق الإنسانية:

* ما هي أبرز الخيارات التي يمكن لها التعايش مع اللحظة الحاضرة؟ إننا خارج لعبة الفكرة النظرية؟ وخارج التصنيف الفكري العالمي الجاري اليوم؟
- ما طرحته في سؤالك الثاني عن ظهور نظريات العولمة والطريق الثالث، كلها تريد إعادة تشكيل المجتمعات الإنسانية، وبدأ ظهور اليمين المحافظ، وبدأ سؤال: أي الأنظمة ينبغي أن يكون لها الشأن؟
هنا بدأت تظهر في المقابل تجارب ترى أن قلق الإنسانية ينبغي أن يتخطى مسألة الحداثة، وبدأت تظهر ما بعد الحداثة، والتفكيكية أو ما بعد البنيوية، والتقويضية، وبدأت تطرح أسئلة تتعلق بالشخصية، ليس الشخصية الجماعية، وإنما الشخصية التي ترتبط بتحولات المجتمع، هل الناس سيكونون على غرار بعضهم البعض؟ خاصة في هيمنة وهجمة التجانس المفروض دوليا في بازار السلع والخدمات، مثل: العولمة، بمعنى أنك أينما ذهبت إلى هذه البازارات في العالم تصبح الصورة تكاد تكون واحدة، واختفاء الفجوات التي تجعلك تنتقل من عالم لآخر، وذلك بسبب هجمة الفضائيات ووسائل الإعلام بدءا من عقد التسعينات في القرن العشرين حيث أصبحت المسافات لا معنى لها، حتى المصالح تتجاذب المجتمعات الإنسانية، وأصبح ما يحدث ل x يؤثر في y. الفكرة بدأت في 1973م أثناء الحظر النفطي، وتتمثل في أن النفط في الشرق الأوسط، لكنه يؤثر في محطات البنزين في أقاصي العالم، لكن بعد نهاية الحظر النفطي بدأت الناس تفكر محليا. لكن مع التحولات ، وبالذات في نهاية الثمانينات وبعد الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية انحل عقد منظومة الدول الاشتراكية، وسقط جدار برلين، وأصبحت هناك تحولات كبيرة في الجغرافيا، في التحولات السياسية، في القانون الدولي، وهذه انعكست في العلوم الاجتماعية سواء بما يتعلق بالأسرة، أو ببنية المجتمع وحياته اليومية وأساليبه في النظر والفكر والاستهلاك وما إلى ذلك، بدأت تتغير لغة المجتمع، أصبحت هناك لغة شابة تختلف عن لغة الكبار والقيم وهي ظاهرة موجودة في أنحاء العالم، أصبحت الأسئلة مختلفة، بدأت تظهر مجتمعات جديدة، وأفكار لم يواكبها التنظير، لكن أصبح المشتغلون في العلوم الاجتماعية، عندهم نوع من الجدية، بحيث تصبح هذه الأسئلة مطروحة.

هتاف الصامتين:
* وما رأيك في الدراسات الاجتماعية العربية اليوم؟ كيف تقرأ الواقع العربي؟
- في العالم العربي بدأت تظهر بعض الأسماء التي تتناول الظواهر الاجتماعية، وهناك ثلاثة أنواع منهم، فهناك من ينظّرون ويكتبون عن العالم العربي من داخله، ويستخدمون مفاهيم واضحة، ومنهم عرب وغير عرب، وهم يعيدون ويستعملون المفاهيم نفسها: مفهوم البركة، مفهوم:" بنت العم" مفهوم الصلاة ، التدين، العصبية والبداوة، والتحضر والشرف.. مفاهيم يتبعونها بحيث تفسر كينونة هذه المجتمعات، هؤلاء حاولوا وبعضهم بشكل عاطفي من داخل المجتمع.
وهناك من رأوا أن مجتمعاتنا مجتمعات تقليدية، ومضوا على طريقة ماركس: أن المجتمعات التقليدية يجب أن تحطمها حتى تستطيع إعادة تأسيسها من أنقاضها لتدخل دورة المسيرة التاريخية الجديدة، وهناك مثلا: هشام شرابي، الذي رأى أن مجتمعاتنا مجتمعات بيطراركية، وأنها لن تتحسن إلا إذا تم تحطيم نظام السلطة الأبوية، وأنه لا يكون هناك زبونية وأن تبقى الحريات على الطريقة الغربية. هذا هو اهتمامه النظري، وهو يقدم تصورات في غاية الأهمية لكنها تقوم على أساس إزالة البنية القائمة، وإحلالها ببنية أخرى. وهناك من كانوا ناقلين للمدارس الأخرى، وتقديم كتب مدرسية بالمعنى الضيق للكلمة.
أنا أقول: من سوء حظ العلوم الاجتماعية في العالم العربي أنها لم تتشكل فيها مدارس، المدارس التي تستثمر في النظرة الميدانية التي تدرس واقع وحال المجتمعات العربية، بمعطياتها، بمعنى أن تأخذ المجتمع العربي وفق ما يتولد عنه من مفاهيم ومصطلحات، والبنى الشارحة التي تقبل أن نختبرها.
معظم مقارباتنا نأتي بمفاهيم ونظريات جاهزة، ونسعى لتطبيقها، وليس العكس، وقد التفت إلى ذلك بعض الدارسين مثل إدوارد سعيد الذي كان يتحدث عما يسميه ب:" امبريالية المفاهيم" وآلية التصورات النظرية التي تعيق البحث العلمي في هذا المجال. لأنه في النهاية التصورات النظرية والمفاهيم المستخدمة هو الذي يبلور لك الإشكالية، وهو الذي يجعلك ترى بشمولية، وحين تكون الأسئلة محددة سلفا قد لا ننظر إلى مراحل قد يتميز فيها العالم العربي. وهناك طرح يقول إنه على الرغم من عالمية العلوم الاجتماعية، إلا أنه بالضرورة لها نكهة إقليمية، العلوم الاجتماعية في الولايات المتحدة بالضرورة تكون مختلفة عنها في فرنسا بسبب مرجعياتها، بسبب تجلياتها التاريخية، أو الكيفية التي يتفاعل ويعيش بها المجتمع، وهذا لا نجده في البلدان العربية.
وللأسف الشديد أيضا لا يوجد عندنا الأسماء اللامعة، وإذا لمعت أسماء ما تذهب للغرب وتكون نظرتها لنا من الخارج.
أيضا مجتمعاتنا لم تعد تشكل بالنسبة لنا مختبرا، إلا - وللأسف الشديد- بعض أنواع الجرائم، وتجارة المخدرات، لكن لا توجد مشاريع قومية، وتصبح هذه الموضوعات مجرد موضوعات سائدة.
تمكنت العلوم الاجتماعية خاصة في الولايات المتحدة أن تكون مفرداتها من لغة الشارع، وكثير من الأدباء والروائيين وأيضا بعض الصحافيين بسرعة بديهتهم تمكنوا من صك مصطلحات أقرب للعلوم الاجتماعية من أن تنتجه لنا المدارس الاجتماعية التي ما تزال في حاجة إلى فنيين، نحن لا نحتاج فنيين يعرفون المفاهيم السائدة في الغرب في مجال العلوم الاجتماعية. لكن نحتاج من يستثمر ويجعل رأسماله تاريخنا وواقعنا من ناحية، وتكون لديه القدرة على النظر إلى واقع حياتنا، المعاصرة بشكل مختلف.
أنا ادعي أن هذا نجده قليلا، وأحيانا نجد إضاءات لكنها لا تتوسع، مثلا: سيد عويس في مصر، يهتم بدراسة الخطابات الموجهة لضريح الإمام الشافعي، أو الإعلانات التي سماها:" هتاف الصامتين" ويسعى بدون أدوات نظرية متقدمة، تقديم تفسير لهذه الظواهر، وتصبح هذه عبارة عن تكرار وحشو للمادة العلمية حتى تكبر، لأن لدينا اعتقادا في العالم العربي أنه كلما تضخمت الدراسة كلما كانت رائعة.
ومع ذلك له الريادة في أنه تحدث عن ظواهر في مجتمعاتنا. المشكلة أن الأنثروبولوجين الغربيين يعملون دراسات عن مجتمعاتنا وتصبح مثيرة على المستوى العالمي.

* هل ثمة من أمثلة على ذلك؟
- هناك مثالان على ذلك، الدراسات التي تصدر عن مفهوم العدل والقضاء في مخيالنا وفي مجتمعاتنا، وهناك دراستان عن مدينة سلا في المغرب، وكيف أن الباحث الغربي ينظر إلى أن المؤسسة الشرعية التي تصدر هذه المفاهيم تفتح آفاقا كبيرة.
وهناك دراسات عن المذهب الزيدي والمحاكم الشرعية في منطقة اليمن على يد " مينسك" وكيف أن هذه المؤسسات فيها من العمق والقضايا والأسئلة ما يمكن أن يثيرنا.
نحن مجتمعات فيها قبلية، لكن لا أريدها أن تثار بالدراسات التقليدية، لكن أن يتم تناول ما له تأثير على حياتنا الاجتماعية، فالدراسة التي أجريت حول: الاثنية والاتباع القبلي في الأردن، كانت تدرس قبيلة العدوان وقبيلة العبابيد وهي تسعى إلى تقديم تحليل معمق لهذه المسألة بحيث تجعلنا نعيد النظر في مثل هذه القضايا.
هذا واحد من مظاهر العلوم الاجتماعية التي جردتها من أن تكون أحد تصوراتها الانخراط في نقد اجتماعي وثقافي يتفاعل مع المجتمع، وإشكالياته، يعيد تشكيل قضايا الواقع وبلورتها، ويتساءل: لماذا نعيش بهذه الطريقة؟ لماذا نفكر بهذه الطريقة؟ لماذا نتصرف بهذه الطريقة؟ لماذا هذه المشكلات أو تلك موجودة في مجتمعاتنا؟ ما هي الخصوصيات التي تتميز بها؟ ما هو التأثير الداخلي وما هو التأثير الخارجي؟ لا توجد بشكل عام هذه النماذج. وأنا بنظري أن جزءا من هذه المشكلة أننا فصلنا العلوم الاجتماعية عن فلسفة المجتمع، وفلسفة التاريخ، رغم أننا نجد في بعض كتب التراث بعض الدراسات التي تتعلق مثلا: بالحياة الأسرية، سواء ما نجده في كتب فقه أو نوازل أو كتب علوم الباه مثلا، كيف يصبح الإنسان سوبرمان، أو مسائل الشطار والكدية. هذا أدب كبير، ولدينا بعض التفاصيل، فهناك مخطوطات بدأت تنشر مثل: الأكلة في المجتمع، أو الشحاذون، أو البخلاء للجاحظ، أي أن حياة المجتمع كتبت بأسلوب ذلك العصر ، أما اليوم فلا تجد لمثل هذه الدراسات صدى في عصرنا الحديث.

جماعات دينية ولغوية:
* وما الموقف من دراسات علم الاجتماع في السعودية؟
- بدأت تصدر دراسات يشتم منها الجدية، مثل: الظاهرة الدينية والتدين، في المملكة العربية السعودية مثلا، هناك بعض الدراسات ولكن ليست عديدة. المجتمع لا يزال لا يتقبل مثل هذه النوعية من الدراسات. أنت ذكرت سعد الدين إبراهيم ودراسته للأقليات، والمجتمعات، والدراسات الإثنية، صحيح هي دراسات حساسة، لكنها تدرس في المجتمعات الأخرى. الدراسة لا تعني إلغاء ظاهرة، لكنها تشعر بما يدور في المجتمع. يعني مثلا لو كتب واحد عن اللون، أو عن الجماعات الدينية المختلفة، أو الجماعات اللغوية المخالفة، أو الاثنية، وكيف يتكيفون داخل مجتمعاتها، يمكن هذا العالم الاجتماعي أن يتهم كما اتهم سعد الدين إبراهيم، أنه يحرض على المجتمع.
عبدالله حمودي باحث مغربي وأنثروبولوجي كبير، كان يقول إن النخب وكثيرا منها في المغرب لا تعرف حتى اللهجات، مثل الأمازيغية وغيرها، هذه المسائل قد تشكل واحدا من الأسئلة الكبيرة التي قد تذهب إلى ما هو سياسي أحيانا، ويتحرش ويتدخل فيها الأجنبي. هذا الوعي بأنه من الضروري أن تكون لنا تصورات منهجية . فريق منا يتخصص فيها، سواء علوم اجتماعية، أو سياسة، أو اقتصاد، أو أنثربولوجي، أن ينتجوا لنا معرفة تسعى إلى تفسير هذه الظواهر، لكن للأسف الشديد هذه الدراسات محدودة وقليلة.
أريد أن أعطيك مثالا من أهم الدراسات التي خرجت عنا: الانقسامية، أو المجتمع القبلي الانقسامي الذي وحداته لا تشكل مجتمعا، ولكنها وحدات صغيرة، كتب عنها أحد المستشرقين، وكتب عنها أيضا نزيرتشارد عن قبيلة النوير في السودان، لكن انظر للمسألة وخطورتها: اشتغل عميلا للمخابرات البريطانية وطبقها على الحركة السنوسية، لتصبح بعد ذلك إحدى النظريات المفسرة للمجتمع العربي برمته، فلماذا لا يكون عندنا دارسون يكون عندهم القدرة على التوليد النظري؟

* السؤال موجه لك أيضا يا دكتور بوصفك عالما للاجتماع؟
- لقد حاولت بذل جهد متواضع، ببعض الدراسات البسيطة التي حاولت فيها أن أتأمل جزءا من حياة الأسرة، أو جزءا من حياة الشباب في المملكة العربية السعودية، أو موقع وحياة المسن بحس تداخل القوانين والأعراف والتقاليد والظروف الاقتصادية في المجتمعات الخليجية، ولكن أعترف سلفا أنني لم أقدم ما يمكن أن أركن إليه من تصور نظري، لكن سعيت إلى أن أفكك هذه المنظومة، وأتيت ببعض المصطلحات التي تسمح لي أن تكون مداخل للدراسة. وبالاستعانة بالأدبيات الاجتماعية الموجودة.

مجتمع مكة
* على ذكر المجهود الشخصي .. لدينا مكان أو مجتمع مثير لكل أسئلة علم الاجتماع وهو المجتمع المكي بما يحتضنه من أساس ديني وأساس ثقافي، وأنه مجتمع مفتوح لكل الحضارات: سواء بالإقامة أو السفر أو الهجرة، فما هو إسهامك في هذا المجال؟ وأتصور لو أن هناك مستشرقا في علم الاجتماع سوف يكتب عن مكة مجلدات؟

- طبعا هناك العديد من المستشرقين قدموا دراسات كثيرة عن مجتمع مكة المكرمة. نحن الآن ننظر إليها بنوع من الاحترام والشغف، والفضول العلمي والمعرفي، أيضا هناك أحد العابرين مثل " شنوك هورخروينة" الذي كانت له كثير من التعليقات على الحياة الاجتماعية.

- اسمح لي يا دكتور أنا أتحدث عن اليوم عن الوقت الراهن، بحيث يصبح الكتاب بعد خمسين سنة مثلا مرجعا للحياة الاجتماعية في مكة المكرمة؟

.. في الحقيقة جاءتني فرص مازلت أحلم بكتابتها، وبعضها مختصر، فمرة كتبت مقالا تأمليا حول: كيف تؤثر بنية البيئةفي تصورات الباحث وأسئلته؟ فالسياق والمحضن الرئيس حتى انتهائي من الجامعة هو كان مكة، صحيح درست في الظهران، لكنني أعود إلى عالمي ومركزي الثقافي في مكة المكرمة ، وجزء كبير في المقال هو عن مكة، وكيف تؤثر مكة في تكوين الباحث. أيضا شرفت بتكليف كريم من وزير الحج آنذاك السيد إياد أمين مدني أن أشرف على ندوة الحج الكبرى، وكانت فرصة كبيرة لعدد من الباحثين والدارسين الذين تناولوا جوانب التاريخ الثقافي لمكة.
وكانت هناك فرصة جميلة أن ألتقي عددا من الباحثين والدارسين الذين تناولوا موضوعات مختلفة عن مكة المكرمة.
الآن أقوم بمشروع ، لم يكتمل بعد، وقد قطعت فيه شوطا مدة ثلاث سنوات، ويتمثل هذا المشروع في إعادة النظر في التاريخ الاجتماعي لمن سكنوا مكة المكرمة، من خلال ما يسمى بـ"تاريخ المدن" وهو في الحقيقة تاريخ من سكنوا المدن، واشتغلت مع زملاء من تونس على كتاب من تواريخ مكة المشهورة اسمه:" العقد الثمين" يسجل لسكان مكة في القرن الثامن الهجري، ودرست كتابا لا نعرف إلا مختصرا له، وهو كتاب:" نشر النور والزهر في كتاب أخبار الحرم" هذه فتحت لي بعض المسائل.
وقد قامت زوجتي بدراسة حول إسهام المكيات في العالم الإسلامي، حيث درست حوالى 15 عجوزا مكية أتين من أماكن ودول مختلفة، وأنا كنت معها في كل مراحل البحث، وما توصلنا إليه أتصور أنه ممتع ومفاجىء. أملي وطموحي بطبيعة الحال كما ذكرت أن أسجل الحقب والتطورات، وقد شاركت في معهد أبحاث الحج وقمت ببعض الدراسات الحضارية، ولكن لم أكن متواصلا بشكل نشط، صحيح أنني كنت أحد العناصر الرئيسة في هذه المسألة وكنا نقوم برصد للتاريخ الاجتماعي، ونسجل عن الحرفيين، وقدامى الحجاج، ولمن داروا بمكة في فترات مختلفة، وفي هذا المجال عملنا بعض الدراسات التاريخية وأشرفت على بعضها ولكن لا أدري ما مصيرها؟
الآن أنا بصدد إصدار سلسلة من الترجمات عن الحج، وسوف يصدر منها كتاب عن التجربة الهندية في الحج. وتجربة الدولة العثمانية، وطرق الحج، والحج من غرب إفريقيا، والحج في منظومة المنطقة، وهذه ستصدر تباعا في هذا العام 2009م .
مكة أثيرة، ومكة مهمة جدا، وأقوم الآن في مسعاي للتعريف بالثقافة، وأنا أعمل منذ عشر سنوات في تقديم الثقافة في السعودية من خلال الأدب. وترجمت مجموعة من الكتب التي حظيت باهتمام مدرسي في الجامعات الأميركية بالذات لدى أصحاب دراسات الشرق الأوسط، فنشرت في البداية مجموعات لرواد القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، وأردفتها بمجموعة تتناول أصوات النساء، سميتها:" أصوات"
ونشرت مجموعة قصصية تتناول القضايا المطروحة في المملكة في الوقت الراهن، وسميناها:" همسات من القلب" وفي 2008 أصدرنا كتابا:" مختارات في القصة القصيرة في الجزيرة العربية" والحمد لله حظي هذا كله باهتمام واضح.
بالإضافة إلى تقدمتي لروائي يمني عالج مسألة الهجرة والاغتراب، والشعور بالبعد عن الوطن، اسمه: محمد عبدالولي، والكتاب أصدرته جامعة تكساس بعنوان: "يموتون غرباء". وإن شاء الله أنا بصدد إصدار بعض الأعمال السردية، مع علماء غربيين سنصدر أربعة مجلدات عن الحكايات الشعبية، وكانت فرصة حقيقية أن أقارن بين الحكاية الشعبية في الحجاز والحكاية الشعبية في نجد، ومضامينهم وأساليبهم وطريقة طرحهم ومدى توافقها أو اختلافها.

(يتبع)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف