جاك كيرواك: مستلزمات النثر التلقائي الثلاثون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة وتقديم عبدالقادر الجنابي: نشر جاك كيرواك هذا النص في مجلة Evergreen (ربيع 1959) تحت عنوان: "معتقد وتقنية من أجل النثر الحديث". وهو في الحقيقة تكثيف لنص نظري سبق ان نشره تحت عنوان "مبادئ النثر التلقائي"، في العدد السابع
لا يقصد كيرواك بكلمة Spontaneous Prose النثر الصادق أي العفوي وبالتالي الساذج، وإنما يقصد المتدفق تلقائيا دون أي "كبح أدبي، نحوي وتركيبي"، كاسرا الحواجز بين متكلم وكاتب، بين الكاتب واللغة، بين ما يستسيغه الكلام المباشر وبين ما تتطلبه اللغة من اعتبارات أسلوبية وتراكيب جُمليّة. في النثر التلقائي لا يعود هناك ما يسمى بجدار اللغة (المصطلح الذي اطلقه يوسف الخال، محقا، على الثقافة العربية كلها).ذلك أن الكاتب الذي يعطي فرصة للفيض - الدفق الواضح والسليم في ذهنه، سيجد أن ما يفكر به هو عين ما يتكلم به؛ هو عين ما يكتبه على الورقة، وهكذا تتحقق متعته بسمو يجعل من كونه شحاذا ينام، مُرغما،في أية زاوية تفرض عليه، الى شحاذ يختار فراشه؛ غرفته، وليل رؤاه، دون أن يأبه بأحد.
من بين النقاط التي يؤكد عليها كيرواك في كل ملاحظاته الشرحية والنظرية هي متعة الكاتب. فالكتابة بالنسبة اليه يجب ان يكون هدفها الأول والأخير امتاع مؤلفها. ومن هنا تخلو كتابات كيرواك من أي تلميح سياسيومضمر أيديولوجي. فكيرواك كان، مثلا،يتمتع بالرقن على الآلة الكاتبة. وتجدر الإشارة هنا الى أن مؤلف "الدم البارد" ترومان كابوته كانت له مآخذ على كتابات كيرواك، بأنها ليست "كتابة" وإنما "رقن على الآلة الكاتبة"! لقدرقن جاك كيرواكروايته On the Road "في مهب الطريق" (اقترح هذه الترجمة لأن كيرواك الرافض لكل خارطة،كانيعشق الخروج برحلة، دون أي مخطط مسبق،لأنهاتضمر لهمفاجاءات واكتشافات ومناظر موحية لا يجدها في اي مكان آخر)، خلال 3 اسابيع على لفـّة ورق طولها اكثر من ثلاثين مترا،ويقول لو نفرش اللفة على الأرض سيحصل لدينا انطباع وكأننا فعلا في مهب الطريق. لكن الناشر اخبره بأن هذا غير ممكن... إذ يجب انيقدم مخطوطةالرواية كرزمة أوراق 100 أو 200 الخ حتى تسهل عملية الطبع...وبدل ان يقص كيرواك اللفـّة الى اوراق أعاد رقنها من جديد على اوراق منفصلة.وقداجرى الناشر مع كيرواك تصحيحات وحذف ما يقاربربع الرواية.. وبمناسبة مرور 50 عاما عليها، صدرت الطبعة الكاملةمع شروح ومىحزات.والرواية هذه يصعب ترجمتها لأنها التعبير الأعلى لهذا الدفق التلقائي (يقال انعبارة واحدة تستمر امتارا من دون نقطة او فاصلة)،في نظرية كيرواك حيث يتلاطم فيه المحكي بالأسلوبي والمرجعي بالمضمر التلميحي. وكأن المقاطع تسيل بنبضات إيقاعية جازية. وقد سمعت ان احدهم ترجم الرواية الى العربية، تبدأ اخطاؤه في ترجمتها من العنوان:"على الطريق" فكيف يا ترى ترجم هذه الفقرة البسيطة:
ldquo;We drove on. Across the immense plain of night lay the first Texas town, Dalhart, which Irsquo;d crossed in 1947. It lay glimmering on the dark floor of the earth fifty miles away. The land by moonlight was all mesquite and wastes. On the horizon was the moon. She fattened, she grew huge and rusty, she mellowed and rolled, till the morning-star contended and dews began to blow in our windowsmdash;and still we rolled. After Dalhart -empty crackerbox town- we bowled for Amarillo, and reached it in the morning among windy panhandle grasses that only a few years ago, (1910) waved around a collection of buffalo tents. Now there were of course gas stations and new 1950 jukeboxes [hellip;]. At Childress in the hot sun we turned directly south on a lesser road and continued across abysmal wastes to Paducah, Guthrie and Abilene Texas. Now Neal had to sleep and Frank and I sat in the front seat and drove. The old car burned and bopped and struggled on. Great clouds of gritty wind blew at us from shimmering spaces. Frank rolled right along with stories about Monte Carlo and Cagnes-sur-Mer and the blue places near Menton where darkfaced people wandered among white wallshellip;rdquo;
وهناك نسختان للرواية: الطبعة الشائعة والمصححة،واللفة الورقية التي هي اطول ولغتها جد شائكة تركيبا ونحوا وذات لغة مكشوفة واسماء اصدقائه كما هي اي ليست مستعارة كما في الطبعة المصححة. كما انها تكشف عن ثورة كيرواك داخل الكلمات وفي السرد الذي يتخطى كل القواعد المرعية للسرد الروائي.
ويجب أيضا، ونحن نقرأ هذهالمستلزمات،أن لا ننسى ان المعنى الموسيقي خصوصا الجازي لكلمة Beat (واقترح وضع بـِـيتْ كمقابل عربيلها بباء مكسورة وتاء مسكنة وممنوع من الصرف، أي جيل البـِـيتْ، شعراء البـِـيتْ حركة البـِـيتْ * والخ) كان جزءا لا يتجزأ من مفهوم كيرواك لهذه الكلمة. فالنثر التلقائي هو نوع من الارتجال اللغوي المشابه للارتجالالموسيقى غير المحدد مسبقا، والذي كان يؤديه تشارلي باركر ومايلز ديفيزوعدد من موسيقيي الجاز. وقلما خلت قراءة شعرية لكيرواك من مرافق موسيقي، كزوت سمس،ينفخ في نفير "عميقا عمق ما يريد" أو عازف بيانو، كستيف الن،يلعب تقاسيم نابضة بالايقاع.
مستلزمات النثر التلقائي الثلاثون
1- دفاتر سرية مُشخبَطة، صفحات جنونية رقنت على الآلة الكاتبة، من أجل متعتك أنت
2- أن تكون راضخا لكل شيء؛ متفتّحا، مُصغيا
3- حاول ألا تكون سكرانا خارج بيتك
4- كن في غرام مع حياتك
5- إنّ ما تشعرُ به سيجدُ هو شكلَهُ الخاصَ به
6- كن مهووسا قديسَ الروح الأبله Be crazy dumbsaint of the mind
7- انفخْ عميقا عمقَ ما تريد أن تنفخَ
8- اكتبْ من قاعِ العقل ما تُريدُه بلا قاعٍ
9- رؤى الفرد التي يَعجز عنها القول
10- لا وقتَ للشعر وإنما (المطلوب) ما هو بالضبط
11- تشنّجات رؤَويّة ترتعد في الصدر
12- تخلّص من الكبح الأدبي، النحوي، والتركيبي
13- أن تكون مثل بروست مُدخّنَ ماريوانا الزمن
14- في غيبوبة ذهنية شاخصة أن تحلُمَ بالشيء الذي يتواجد أمامك
15- أن تروي قصة العالم الحقيقية في مونولوغ داخلي
16- الجوهرة، مركز الاهتمام، هي العين داخل العين
17- اكتبْ في التذكّر والاندهاش لنفسك
18- انطلق منصلب الباصرة الموجز خروجا، سابحا في بحر اللغة
19- تقبـّل الخسارة إلى الأبد
20- آمن بمدار الحياة المقدس
21- ابذلْ قُصارى جَهْدك في وضع مخطط إجماليّ لدفق ٍ موجود مسبقا على حالته الأصلية في الذهن
22- لا تفكر بالكلمات عندما تتوقف وإنما أن ترى الصورة على نحو أفضل
23- احتفظ بأثر كل يوم تأريخه، شعارا منقوشا في صباحك
24- لا خوفَ ولا خجلَ من جلال تجربتك، لغتك، ومعرفتك
25- اكتب لكي يقرأ العالم ويرى صُورَك الدقيقة عنه
26- كتاب سينمائي هو فيلم من كلمات، الشكل الأمريكي البصري
27- اطراء الشخصيّة (بطل الرواية أو الفيلم)في العزلة المريعة اللاإنسانية
28- تأليفُ شيء مُطلق العنان، غير منضبط، نقي، آت من تحت، وكلما كان أكثر جنونا كان أفضل
29- إنك دائما عبقري
30- كاتب- مخرج أفلام أرضية مموّلةٌ ومشبّهة بالملائكة في السماء
تنبيه: لست راضيا من ترجمتي للفقرة السادسة لذلك وضعتها باللون الأحمر الى جانبها النص الانجليزي. ذلك أن كلمة dumbsaint لا أحد يعرف ماذا كان يقصد كيرواك بها، وحار معظم اللغويين الذين تناولوها، فلم يقدموا أي تفسير لها. لكن استخدمها عدد من اتباع حركة البِيتْ كصفة لهم.اقترحت صيغة لها من افتراض لي بأن كيرواك (وهذا شيء معروف بأن ناشري كتبه كانوا يكلفون مصححا لغويا لتصحيح مخطوطاته قبل نشرها) نسي أن يفصل الكلمتين Dumb saint (أو فضل ربطهما) فقمت بترجمتها بـ"القديس الأعجم".
* انظرمقالنا المقبل:جذور وتطورات مفردةBeat وتعددها الدلالي لدى جاككيرواك والن غينزبرغ
التعليقات
عازف رباب
صولجان عبد الله -لقد أعتمد أداء الجاز تعريفاً على إيقاع حنجرة ذات مواصفات تقترب من هندسة آلة السكسفون، وهذا ما تتمتع به حناجر مطربوا الجاز السود وقد بدأته فرقة صغيرة ناشئة في "حي هالم" حيث تم الأداء من خلال السير في شوارع الحي وهم يؤدون موسيقى الجاز عبر آلات السكسفون، وقد كان لأداء الحناجر الزنجية تفردا في هذا المجال، أما عن كلمة Beat وهي مأخوذة من أداء "بياتي" في الغناء المتعارف عليه في تركيا والبلدان العربية وإيران أداء كوردوتلاه أداء حجازي الخ، ومن هنا تم تقسيم المقامات على سياق بياتي وحجازي .ولا زالت فرقة الجاز التي عاشت وترعرت وجاءت بالأحفاد ممن يحوزون على حناجر ذات مواصفات تشبه السكسفون في تكوينها، ولهذا تجد لدى غالبية المطربين الزنوج يمتلكون رقاب وحناجر طويلة، مثلهم مثل "آل توبه" وهم يقطنون في قرية في جنوب العراق حيث يتمتعون بأقدام كبيرة وكذلك السيقان حيث لا تحتوي على " الركبه" وتسمى صابونة الرجل. وهناك مثال يقال عنهم أنهم يسبقون القطار في الركض ورائه.
شكرا عبدالقادر الجنا
اعلامي وشاعر -لا يمكن ان ارى اسم الاستاذ الشاعر عبدالقادر الجنابي ولا اقف واتم ما كتبه كاملا واعيدة ثانية وثالثة/ الى حد هذه اللحظة لم اعثر على شاعر ومترجم كمثل الجنابي في الدقة والعمق والتفكير والحذر والمصارحة مع القارئ عندما يقف عند كلمة كمثل الفقرة السادسة / ولكن لم ار أي حوار لك يااستاذ عبدالقادر في العالم العربي نهائيا/ ياترى ما السبب !
شكرا
كسر في آية -فعلا الأستاذ عبد القادر الجنابي مثال يحتدى في الدقة و الإختيار المتميز لكل ما يترجم ، تحياتي الصادقة لمبدع استثنائي