ثقافات

السوريالـيّة بين مكنسة الساحرة وسمّ الأفعى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كثيرا ما تصلني رسائل من أصدقاء وغير أصدقاء يسألونني فيها عما حل بعلاقتي بالسوريالية، هل تخليت عنها، ما رأيي فيها... الى آخر الأسئلة المشروعة. وجدت أن أفضل جواب عن أسئلتهم، هو نشر نص النداء الذي كتبته بالانجليزية ونشرته في العدد الرابع (خريف 1986) من المجلة الانجليزية التي كنت أصدرها من باريس GRID في منتصف الثمانينات. والنداء كان موجها إلى فروع الأممية السوريالية آنذاك التي كنت أعمل معها وكانت هذه المجلة منبرا لها. وقد أحدث وقتها انشقاقاً مع الفرع الأميركي المعروف بسلفيته الايديولوجية المنقودة في النداء.
كُتِب هذا النداء بالانجليزية مباشرة، إلى قوم مطّلع على نصوص السوريالية وعلى خبايا تاريخها وبياناتها الداخلية ففي كل جملة ثمة دلالة ذات مرجعية حركية، لذا سيجد القارئ العربي صعوبةً في فهم مرجعيات بعض الطروحات التي أثيرها... مما جعلني أتدخل في الترجمة التقريبية التي قام بها صديقي محمود شريح مشكوراً، لتبسيط وشرح بعض الفقرات الغامضة، مع إضافة توضيح، تجده في اطار عن حركة "أممية مبدعي الأوضاع"، ومفهوم الاختطاف. كما اني وضعت في نهاية المقال كله، النص الانجليزي إذ ينطوي على هوامش إيضاحية لم أضعها في المتن العربي. العنوان العربي من وضعي، أما العنوان الأصلي للنداء فهو: "القطيعة ارتباط حقيقي".


خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت فقاقيع جديدة تعكِّر ركود المياه الآسنة لما يسمّى عودة السوريالية. معارض تبدو فيها هذه الحركة وكأنها بطّة تحتضر في أجواء قرقعة وفوضى، وحشدٌ فضولي من جامعيين يعيدون إحياء المُبتذَل القديم نفسه، وجمهرةُ متأدّبين يحجّون دوريّاً إلى باريس المحروسة آملين بأن تحلّ عليهم بركةٌ سورياليّة تسبغها عليهم جيفة هذا الحارس المهترئة أو ذلك الطاعن السن في حراسة المعبد؟ وأخيراً وليس آخراً هذا البعث النشط لتجمّعات لا تسهم بجديد، ولكن تؤكِّد دوماً وبأتفه السبل على مبادئ نزعت من سياقها التاريخي حد تحنيط ديناميّة المبادئ بالذات؟ إذ كلّما اختزلوا السوريالية إلى مجرد عمل سياسي، حرموها من فحواها السياسي الفعلي الذي يقوم ضمنياً على نقد الخطاب الحزبوي الكامن في المشروع الثوري نفسه؟ إن التفكير عقائدياً معناه ترسيخ الندم على الولادة بخطيئة.

عندما اتهم السوريالية اعداؤها بأنها ليست سوى ذنب للحركة الرومانتيكية، كان ردّ بروتون: "نعم لكنه ذنب ذو قدرة على القبض.." معظم هذه الجماعات تكشف عن نفسها ومنذ تكوينها على أنها أذنابٌ عاجزة القبض على أي شيء، فهي مفعمة بتفاؤل ولّى زمنه، وليس كما يتوجّب عليها أن تكون. امثلة سوريالية ينتشطها الابداع كشاهد يفصح عن أفراد واعين من شأنهم، غريزياً، التضحية بهذا التعويد الذي غالبا ما يحرّم على المرء ارتباطه بالقضية. أن يكون حرّاً بلا هوادة. على الأشياء أن تنحلّ عن بعضها بعضاً إذا ما كان لها أن تولد من جديد وتنطلق بنقاء وأصالة، كما قال آرتو. فلا يمكن للمرء، في هذا الحال، إلاّ أن يتّفق مع ألان جوبير حين يقول "إنّ عادة التفكير عقائدياً قد حجبت روحنا إلى درجة أنّ عريَنا وما هو طبيعي فينا يبعثان فينا الذعر"
إن الثورة البروليتارية في الثلاثينات، التي وجد اندريه بروتون أنّ هناك ضرورة لها لانجاز الحرية السورياليّْة، لم تكن سوى مفهوم ديني لتحقيق السعادة البشرية فحسب، وإنما أيضاً مجرد قناع تاريخي يحجب عن العيان ذلك النزاع الحقيقي والمُستعِر أبداً بين المثقفين اللاهثين للوصول إلى الحكم وبين أقرانهم الذين أمسكوا بزمام السلطة. والبروليتاريا تدرك في قرارتها هذه الحقيقة كاملةً، ولهذا فهي تسعى أبداً إلى تعزيز وضعها كبروليتاريا فحسب shy; أي صورة الاغتراب بالذات بدل تدميرها.
ولسوء الحظ فقد توفي بروتون في وقتٍ مبكّر جدّاً، وإلاّ لكان بالطبع قال وفي ذهنه ماركس أن الأمر الوحيد الذي يعرفه هو أنه ليس سوريالياً. ولو كان جهر بذلك لشقّ قناة جديدة لأتباعه كي ينقذوا على الأقل السورياليّة بمفهومها الأوسع، أي .وظيفة الفكر الحقيقية.، بالتعبير عنها بعمق أكثر حتى يكتب لها أن ترقى إلى مصاف أسمى عوض أن تبقى هالة تقديس لدى متأدبين لا حول ولا قوّة بهم إلاّ التفتيش في درج الاختراعات التي هجرتها السوريالية منذ زمان. كالكولاج، الكتابة الآلية، الخ. لا يُساء فهمي بأني أدعو إلى التخلّي تماماً عن تلك التقنيات. مقولتي shy; وكما نعرف جميعاً shy; أن كلّ اختراع يمهِّد لاختراع آخر، أي أنه دعوةٌ إلى الانفصال عن التقليد الشائع، وبكلمة أخرى فأنّه سبيل إلى تخطّي ما عشّش في الذاكرة، اضافة إلى أنه بعثٌ لما بقي من الابتكار وصمد. ويحق لي أن أقول بأن هذه الاختراعات جعل الاعلام منها، بطرق أكثر ابداعاً من هؤلاء، مادة صالحة لفائدته.
ما إن يُصبح الابتكار نهجاً تقليدياً، حتى يتحوّل ليس فحسب إلى مادة مومسة يُحسن ويُساء استعمالها، بل أنه أيضاً يعمي بصيرة المرء عن رؤية العنصر الحيّ الكامن في الابتكار، وهكذا يبترُ استمرارية الطبيعة الابداعية والتأويلية المتأصلة في التناول السوريالي للمواد المعطاة. هذا لا يعني تم طمره تحت الأرض منذ زمن بعيد، حتى وهو ما زال فعالاً في السوريالية. ذلك أن الرغبة في احيائه تحتاج إلى شباب متجدد ومتحرّر من التمسّك الديني بالمبادىء ومستعدّ للشكّ حتى في المُثل العليا التي ناضلَ أسلافنا من أجلها، أي شباب قادر على قتل الأب، له عين لا تزال خام وأكثر افتراساً من آكلي لحوم البشر، إلى حدّ أنها تقوى وبلمحة خاطفة على رؤية مسار تاريخ السوريالية بأكمله، لتقف عند محطة جوهريّة لم ينتبه إليها أحد في ذلك التاريخ نفسه. عينٌ بلا ذاكرة تقوى على تحريرنا من أية هالة تحيطُ بالتراث والأمكنة القديمة. وإلاّ فاننا أسرى جمال الماضي المزيّف الذي يتّخذ شكل بيت عنكبوت ننظر منه في غالب الأحيان إلى غدٍ جوّال، ومع ذلك فان الغد يبقى الأمس الأسوأ. وبالطبع فان الأمر يتطلّب انقطاعاً عن لغة التخريب التي كانت لزمن مضى لغة الأحرار، وهي اليوم، وكما قال جورج حنين صائباً، "ذات مصداقية توازي التأكيد على أظلم الممارسات المجحفة بحق البشرية".
لستُ ضدّ شخص ما موغل في السياسة، كما اني لستُ ضدّ شخص آخر متبحّر في الفنّ. بل على النقيض من ذلك تماماً، فهناك حاجة إلى كليهما، ولكن بشرط أن يعمدَ كلُّ منهما وبطريقته الخاصّة إلى "دفع العقل لينغمس بموضوعية باطنه في لجّة السوريالية بغرض احياء أبهى لحظات طفولتها بدهشة متّقدة، والامساك بذلك الشعاع الخفي" لطاقتها التحررية، على حد قول بروتون. أعترف بأن هناك أفراداً مزيّفين كثيرين يزعمون أنهم مبتدعون ومتحرّرون من العامية الحزبوية، في حين أن أقدامهم تسعى عبثاً نحو المؤسسة الثقافية، بقدر ما هناك أفراد غيرهم يتوهّمون بانهم قد توصّلوا إلى صياغة معادلة تجمع فيما بين فعلي العقل المنفصلين هذين "السياسي والابداعي"، عبر المشاركة في تظاهرة أو توقيع بيان عام، بينما هم يسهرون الليل بطوله يلطّخون لوحة الكانفاس بأشكال سوريالية. لا شفاء من هذه المعمعة، فالحركات مثل البشر، مصيرها واحد: كلّما كانت أصدق خرج منها محتالون أكثر!

في فترة كهذه حيث تحوّل الحماس السوريالي إلى تظاهرات مزيّفة ووعود كاذبة، يجد المرء نفسه مضطرّاً إلى اعادة النظر بمنطلقات السورياليّة نفسها وحلّ المقولات التي أسّستها بحكم الضرورة المرحلية لتعرية العقل من أوهامه، مقولات جعل منها تلاميذ السورياليّة عقبات في وجه تطوّرها، ولا سيّما منها ما اختصّ بسرد الاحلام وتكرار الصورية واللجوء إلى الكتابة الآليّة.
ولتقصّي مسيرة فهم السورياليّة هذا، علينا أوّلاً العودة إلى نهاية الستّينات حين صدر بيان 23 آذار 1969 الذي لفت انتباه الناس إلى أنه "اثر القرار الذي تمّ التوصّل إليه من قبل عدد من السورياليين، اتّفق بعض هؤلاء ولأسباب غير متماثلة بالضرورة على تعليق نشاطهم بدءاً من 8 شباط 1969" طالما "أن هذا النشاط لا ينبعث عن مطالب واضحة، وأن المغامرة الفردية لن تكون قادرة على تمجيد مخاطر النشاط الاجتماعي، يجب أن يُفهم أنّ العرض العام الذي يتقدّم به هذا الفرد أو ذاك لا يمكن الأخذ به على أنه ممثِّل لنشاط الحركة السورياليّة". وبعد أشهر قليلة قام جان شوستر باشعال فتيل هذا الحلّ الذاتي حين نشر في صحيفة اللوموند بتاريخ 4/10/1969 فميّز بين السورياليّة التاريخيّة التي أكملت مهمّتها والسورياليّة الأبدية التي "سوف تساعد على فهم كلّ ملكات الحلم والتمتّع بها، وتفسح المجال لقيام الحلم حقيقة تنظِّم مصائر البشر في سياق حياتهم". على أن الجهود العديدة هذه من اجل ايجاد مخرج، باءت جميعها بالفشل في خلق نشاط سوريالي ممكن، هذا فيما إذا لم تكن سوى مجموعة من تصفية حسابات فرديّة. لكن حتى لو عمد فردٌ ما صادقاً إلى تنظيم مجموعة صلدة، متماسكة في قراراتها، وآخذة بعين الاعتبار كلّ أشكال المواجهة الجديدة، على أمل أن تتحوّل إلى مرجع نقدي موثوق به، فان ذلك لن ينفع، وذلك لسبب بسيط هو وكما عبّر عنه بدقة السوريالي آلان جوبير: "لم يعد ثمة حركة سورياليّة، بل جمهرة سورياليين في حركة دائبة".

في رسالة مؤرخة 16 آب 1949 من جورج حنين إلى نيكولا كالاس، قال حنين أنه حين اقترح على أندريه بروتون لدى عودته من أميركا أن الحاجة إلى الوقوف على آراء السورياليين في العالم أجمع أكثر الحاحاً من اقامة معرض للوجاهة، لم يعر بروتون الموضوع اهتماماً ذا شأن، زاعماً أن ذلك لن يؤدي إلا إلى بلبلة وتفسّخ؟ وعلى الرغم من هذا المنحى الخاصّ اليائس من مستقبل الحركة السوريالية، فالبلبلة والتفسّخ اللذان سعى بروتون إلى تجنّبهما كانا وشيكي الحدوث، إذ برز السورياليّون المحيطون بالحركة على شكل تجمعات فنيّة (عرفت فيما بعد بمجموعة كوبرا، السوريالية الثورية، التجريدية الغنائية، التصوّريون المعماريون، الحَرْفيون أي المنطلقون من الحرف) ليبرهنوا على ضرورة مواجهة الواقع مواجهة جديدة. فكانت تجاربهم أشبه بالصرخة الأخيرة للحسّيّة التشكيلية في مرحلة الحرب الباردة، ونجحت إلى حد ما في الانعتاق والانفلات من الصورية السورياليّة التقليدية، فرسّخت وجودَها، وما سورياليّة دو شامب في الخمسينات إلاّ نموذج ساطع عنها؟
على هذا النحو قامت اشكال التعبير الجديدة، كالاختطاف، بالتسلّل إلى مسرح الابداع في الخمسينات، فطغت على بعض الممارسات السوريالية ونسختها. فمثلاً كان لوتريامون أول من انتهج الاختطاف فرسّخها ثم شاعت في الستّينات مع حركة "اممية مبدعي الاوضاع" على أنّها نقيض القيمة السابقة لتنظيم التعبير في فترة ما بعد الحرب، وهكذا نهج كتابة لوتريامون الآلية الذي تبنّاه


الاختطاف وأممية مبدعي الأوضاع
الاختطاف Detournement كتابة تخريبية عممتها أممية مبدعي الأوضاع وخرجت منها بأستنتاجات نظرية وعملية لصالح "فكرة طالما أكدها الفن الحديث، تقول بعصيان الكلمات واستحالة احتواء السلطة الكلي للمعاني المبتدعة، استحالة تحديد نهائي للمعنى السائد". وأول من أستعمل الاختطاف تطبيقياً هو لوتريامون وكان يدعوه سرقة أدبية وخاصة في أشعاره حيث أخذ عدداً من الجمل والحكم المشهورة وغير المشهورة، فأجرى عليها تغييرات إما في مواقع بعض الكلمات أو في استبدال كلمة بكلمة أخرى.
يقول لوتريامون بصدد السرقة أو الاختطاف حسب أممية مبدعي الأوضاع L'internationale Situationniste : "(إنه من خلالها تتحسن الأفكار، ومعنى الكلمات يسهم في ذلك) السرقة ضرورية. يحتمها التطور، لأنها تطوّق جملة المؤلف وتستعمل تعابيره، تمحو فكرة خاطئة وتستبدلها بفكرة صائبة". أفضل تطبيق للاختطاف، تم في العربية، هو نص الجاحظ الذي وزعته على شكل كراس صغير في منتصف سبعينات القرن الماضي في باريس، جاء فيه مثلا هذه العبارات المخطوفة: "قيل لبعض المخربين الرغبويين: اي الأمور أمتع؟ فقال: مجالسة الاضراب عن العمل ومذاكرة الحلم لاسترداد المستقبل. وقيل لبعضهم: ما المرؤة؟ قال: تحرر البدن والنيك الحسن".
إن التراث العربي في حاجة إلى أن يُختطف؛ shy; أن يُغيّر وجهته shy;أولئك الذين يتابعون shy; أو يرفضون مسيرته التاريخية، لا أن يُستشهد به مئات الحمقى من المحتوين سلفاً في خطاب السلطة. الخطورة في اختطاف نص قّدسيّ، اي تغيير وجهته مثلا، هي ان يقع في شَرك تركيبته الدينية المراد نقدها. على أن الاختطاف نقيض للانتحال فهو ليس محاولة للتخلص من الآخر - الغاء المرجع (كما هو سائد في الثقافة العربية)، وانما هو التعرّف فعلا على جوّانية هذا الآخر بغية تجاوزه، تطويره.
أسست أممية مبدعي الأوضاع في فرنسا، تموز1957أسسها عدد من الذين كانوا ينتمون، من قبل، إلى "حركة من أجل باوهاوس خيالي" وإلى أممية الليتريست"وهي حركة ترجع كل شيء إلى الحرف. ولا ننسى أن نذكر أن معظم الذين لعبوا دوراً أساسياً في تطوير النظرية المبدعة الأوضاع، قد تشربوا أفكار الدادائية والسوريالية، وقد أستخلصوا من تجارب هذين الحركتين، مفهوماً بقول بضرورة "تحقيق الفن في الثورة وليست ثورة في الفن". كما اعتمدوا، طوال نضالهم، على أفكار الشيوعية المجالسية وبالأخص بانيكوك، وكتاب جورج لوكاتش "التاريخ والوعي الطبقي".
ومن قمة الأعمال التخريبية الذي هزت فرنسا هي فضيحة ستراسبورغ عندما نهب الطلاب بمساعدة الأممية موارد نقابة الطلاب وأصدروا بها كراساً هجائياً عنوانه "البؤس في الوسط الطلابي".

وما إن اندلعت أحداث أيار 1968، شكل أفراد الأممية مع العمال والطلاب الموالين لأفكارها، ومع حركة المسعورين، الجزء الأكثر تطرفاً، أي الأكثر تاريخية في هذه الأحداث، إذ أعادوا الاعتبار لسلاح ثوريي كمونة باريس. المتاريس التي أمتلأت بها شوارع باريس.ويعتبر كتاب غي ديبور المجتمع المشهدي La Societ du Spectacle الخلاصة النظرية لهذه الحركة، وله أهمية وتأثير كبيران في الحركة الفكرية التي شهدتها فرنسا في السبعينات.

السورياليون قد نقضه اسلوب لوتريامون الأصلي. الاختطاف، هذا المعطى تاريخيّاً على أنه طاقة تخفيض قيمةٍ يتوجّب في ضوئها اعادة النظر في كل عناصر التراث، إما أن تُستثمر من جديد أو أن تختفي نهائياً، على حد قول الفنان السويدي آسغر يورن.
ومع ذلك، فان كلّ ومضات التخريب هذه المنبعثة من ماضي السورياليّة الذي لم تُحَل مشكلته، والذي، كما يرى ديبور، عاش حياة من الشك والبلبلة، لم تتوقع سوى توجيه نظري من السوريالية للقيام بنشاط ثوري، بغرض احياء البديل السوريالي و"ترسيخ رؤاه ونواياه الاصلية". لكن السورياليّة لم تمنحهم سوى خلاص مؤقّت، فهي لم تُطوّر نظرية مثلما انتجت مجموعة كاملة من الشعر. فالنظرية بمعناها الموروث وتحديدها المعاصر لم تكن سوى حلم ثر لم تقوَ السورياليّة على ايصاله، ومع أنّ شتات تلك النظرية كان موزّعاً هنا وهناك؟ وإضافة إلى ذلك فانّ السورياليّة في إهمالها ما كانت تومىء إليه تلك الومضات قد أفسحت المجالَ أمام ظهور جدلية نجاح زائفة تكمنُ في صلب الممارسة الفنيّة، أي في انتهازها الفرصة "بتذويب" هذه الممارسة في "تجارة الفن العادية"، مُسبِّبة بذلك "ثنائية جديدة" ولكن هذه المرّة مُستترة، ما بين الفنّ والسياسة؛ ويحبّذ تجار هذه الجدلية الزائفة أن يعتقد الناس بأن السورياليّة "كانت أكثر حركة جذرية وازعاجاً ممكنة"، وذلك فقط للحؤول دون نشوء ثورية جديدة عنها، مما ينمّي الحنين إلى سورياليّة قديمة وفي الوقت ذاته التشكيك بأي مغامرة جديدة باختزالها آلياً إلى نوع من سوريالية سبق وان رأيناها. ومهما كان الأمر، فاذا كانت الخمسينات كما رأى بنجاما بيريه مجرّد مياه عكرة من السخافات، فاضت بتأثير من أولئك المؤمنين، بايجادهم اللبس والبلبلة، بأنهم جاؤوا بشيء جديد، ليس إلاّ لاخماد شعلة السورياليّة الحقّة، والتي قامت حفنةٌ من الشبان على الابقاء عليها متوهّجة، يمكننا عندئذ أن نعتبر أن السورياليّة shy; بافسحاها المجال أمام أُممية مبدعي الأوضاع "بؤرة كلّ ومضات التخريب تلك" للتصيّد في الماء العكر عن وضع ما shy; قد عملت بالتأكيد على خلق نواة تؤدّي لاحقاً إلى تهديد "علم السياسة" السوريالي برمّته. وبكلمة أُخرى فان تنامي التحدّي الذي تضطلع به امميّة مبدعي الأوضاع (انظر نهاية المقال حول هذه الأممية وحول الاختطاف) لمواكبة اقتضاء تاريخيّ يرمي إلى تبديل أساليب التصدي البالية، قد جرّد السورياليّة من صمّام أمانها. ذلك أن مبدعي الأوضاع لم يكشفوا فحسب عن السياسات المتناقضة للحلم السوريالي وقصور عمقه النظري بنبرتهم التهكمية، بل أنهم أيضاً احتووا على كلّ ما يمكن أن يميزها عن الحركات الفنية. الشتم، غزو الاجتماعات المؤسسية، فضح المثقفين، توزيع بيانات هجومية والخ. وتشذيبه إلى حدّ أن الاستخدام السوريالي للغة الذي أصبح عنصراً أساسياً من الطرح النظري الذي ازدهر بعد أحداث 1968، صار يحمل طابع مبدعي الاوضاع وليس طابع السورياليين. فأحد الأسباب هو أنه لم يعد هناك، في نظر مبدعي الأوضاع، "اللُبس"، الذي كان السورياليّون مغتبطين لاكتشافه عند كتابة قصيدة،، بين لغة "الحقيقة" ولغة "الخلق"، وانما هنالك غاية مشتركة يجب "انجازها" كفعل جماعي مستحدث كليّاً يقوم بتنفيذ الحكم الذي اصدره الفراغ المعاصر على نفسه. وحجّة مبدعي الأوضاع في ذلك أن مرحلتنا لم تعد تحتمل كتابة طرائق شعرية، بل عليها أن تمارسها؟

لم يكن تدمير سوق "الليهال" سوى إشارة يُمكن بمقتضاها التنبُّوء بتطوُّرات الأُمور؟ منتدى ذاكرة جديدة انتصب فوق انقاضه shy; مركز جورج بومبيدو shy; يومىء إلى حقيقة مفادُها أن عهد المواجهة النوستالجية طفق ينحسر. ومع هذا فإن طوفاناً من البرامج الثورية بدأ يغرق المكتبات ويتّهم السابقين بالضلوع في الخديعة، فأصبحت مكتبة ماسبيرو تروّج ذلك الادعاء. وبرزت واضحة رغبات دفينة كانت مقموعة في ظلّ الثقافة السوريالية؟ مثل "اللعبة الكبيرة" وجورج باتاي وآرتو والدادائيين، الخ.، فأصبح اعادة نشر مداخلات هذا الاتجاه شعار المرحلة. ولربّما كان في بعث الاساليب الثوريّة القديمة منفعة وحكمة، لكن استمرار النزاعات القديمة وتلقّي الناس أفكاراً ولدت في زمن مغاير حجبا عن الجيل الناشىء كلّ مسعى نقدي في ذلك الحين. اذكر حين وصلت إلى باريس في منتصف أيار 1972 أن جميع من التقيت بهم في الحيّ اللاتيني كانوا واقعين تحت سطوة حلم، فكأن الانتقال المرتقب من مملكة الضرورة والحتمية إلى مملكة الانعتاق والحريّة على قاب قوسين أو أدنى، وأن انجازه مسألة أيام قليلة. كانت الحقيقة تتربّص بأدنى شكّ. لم يصدّق أحد أن تلك الثورة قد تبخّرت، فلم يبكِ عليها آنذاك سوى حفنة من شجيرات كانت تواكب الجادّات لقرون خلت، ذلك أنّ جرثومة صفرة النبات كانت قد فتكت بجذور مرحلة بأسرها، والحكومة أقرت قطع الأشجار. إنّ مزبلة التاريخ مترعة بمتعهّدي التغيير، والسورياليّة ليست بمنأى عنها.
قمت بلمّ شتات هذه البديهيات الأساسية، لا لاعلان مناصرتي نقد الانفصال بين الصورة السوريالية ونتائجها الذي شنّه مبدعو الأوضاع (مع اني لا أقرّ بحساباتهم المسيّسة للتقنيات الشعريّة)، ولا لالقاء شكّي على طيب نيّة السورياليّة في التصدّي لكل تجارب الانفصال التاريخية، أو على أصالة مبادئها، ولكن لاؤكدّ على الحقيقة القائلة بانه كان هناك أسباب أرى إنها أثّرت كثيراً في عدم استعمال الايتكيت السوريالي، هنا في فرنسا، وإلى حدّ ما في العالم. فمثلاً تمّت مصادرة تاريخية بعد 1968 لدعوى السوريالية إلى التدخل في الشأن الاجتماعي. ألقِ باللوم على أممية مبدعي الأوضاع إن شئتَ. ولإعادة رونقها دون الوقوع في لغط دعاتها المعاصرين فهذا معناه الوعي الحادّ ليس فقط لمشهدها المتكرّر أبداً ولكن أيضاً للمصيدة الناشئة عن المواجهة الجذرية مع الواقع السائد. وإذا ما كان لهذا التمايز "أن يتجلّى من جديد" فعليه إذن "أن يتمظهر في ظلّ زاوية الحركيّة الخاصة بالسوريالية" (بروتون)، وليس وفق تفاؤل ينشقّ عن الحقل الاجتماعي الذي يستوعب كل قوّة دفع خفيّة تعجز عن التعبير عن نفسها، إذ يتحوّل ذلك التفاؤل إلى نقيضه. وعليه، فقد بدا أن منطقة الحياد هي ما بقي فقط أمام الثورة السورياليّة لتعبّر عن نفسها فيها، أي أنه كان عليها أن تعبّر عن نفسها في أشكال ليست نفياً ولا توكيداً؟ وهكذا فان الضالعين فيها كان محتوماً عليهم أن يسموا على الرفض وعلى الاجماع معاً، كما اعتقد أندريه بروتون صوب نهاية حياته. وتلك المنطقة المحايدة ما هي إلآّ ما كان يؤمل بقدومه على شكل التنحي المطلق، أي عنوان معرض سنة 1959، ومنذ ذلك الحين لم ينهض أحد من الذين يدعون أنفسهم سورياليين بمهمّة ممارسة طرحه أو تطويره. بل على النقيض من ذلك، فان جماعة منهم، وخاصة أولئك الذين أعمى التحنن الى الماضي بصائرهم، أصرّوا على المضي قدماً وكأنّ تغيّراً ما في المسار لم يطرأ، متخلّين عن الجوهر ليمسكوا بالعَرَض. فقاموا بتحبير آلاف الأوراق بما رثّ من بقايا السورياليّة، فلم يتركوا لخلفهم ما يستحقّ القراءة، وذلك مرّده إلى أنهم كانوا في الحقيقة كما الآن يتصارعون فيما بينهم على من يتزعّم حركة لم يحجّرها الزمان فحسب بل أضحت في أعين الجيل الجديد جثّة هامدة. كان كلٌّ منهم يحاول انتزاع حصّة الأسد من تلك الحركة وفي باله أن بطاقة عضويّته القديمة تخوّله سلفاً جني المحصول العام، آملاً في تبيان أنه وحده قادر على خلع لقب السورياليّة على ابداعه هذا أو ذاك؟ ومع ذلك فلم يقنع هؤلاء بتقاسم ما جنوه من غنائم، ولم تكن هذه سوى علامة حزينة على عودة سلطويّتهم الدفينة.
أعلمُ يا لا ئمي أن الكلمات أصدقُ إنباءً من الأحداث، لكن مصير السورياليّة الفعلي، مثله مثل مصير أيّة حركة راديكالية في تاريخ الأفكار، ملكٌ للجميع، سواء كان نسخة مقلِّدة أم سلعة تجارية أم صفقة عمليّة، ذلك أنه "ما من فكرة تهرب من سطوة المتجر"، كما قال ادورنو؟ أن التشبّث بالسورياليّة، ميتة كانت أم حيّة، ليس السبيل الأمثل ولا السلعة الأفضل، ليس الآن على الأقل حيث المتجر نفسه بدأ يتفلّت من قيد الفكرة. واضافة إلى ذلك فان تراث السورياليّة أصبح "مثل مالٍ توزّع على عدّة ورثة بحيث عمد كلّ منهم إلى استخدام حصتّه تبعاً لهواه shy; أي أن حصّة كل منهم منقطعة الصلة عن الموروث الأصلي"، على حدّ تعبير جورج زيمل. أجد أنه من الضروري طرح السؤال التالي: "ماذا بقي من أندريه بروتون؟" وبالطبع، فبالنسبة إلى الشيوخ الضاغثين باحلام السعادة الأرضية، ومنافسيهم المؤسّسين الخائبين، فانه من السابق لأوانه طرح هذا السؤال، على الرغم مما يعتريهم من قلق عند نهاية كل يوم حين تؤكد لهم الوقائع عجزهم عن رأب الصدع اللاحق بالمشروع السوريالي بأكمله. لكن محق من يؤمن بأن تكون مرتّداً في عالم غنيّ بمتحذلقين متلّونين معناه أنك معافى.
هذه هي صورة ما بعد السورياليّة اليوم. نصيرٌ قديم لها، منعزل في محترفه يحبّر رسالة إثر رسالة ولا يجرؤ على القيام بتغيير حقيقة أنه منذ وفاة أندريه بروتون لا يزال وعيه الباطن مثقلاً بالنمل. أليس من الممكن أن تحلّ مكنسة الساحرة مكان آكل النمل؟ إنّ سمّ الأفعى كامنٌ في جسمها وليس في نابها، كما يروي المثل العربي.
خريف 1986
ترجمها عن الانجليزية: محمود شريح


Rupture is true link

Towards a shift from surrealism
so surrealism may shift fo itself


I

For a few years now, new bubbles have been breaking the stagnant waters of the so-called return of surrealism; exhibitions in which surrealism looks like a dying duck in a thunder-storm of confusion, an excess of chroniclers who continue rehashing the same old vulgarization, a flock of proselytes who make periodic visits to holy Paris in the hope of receiving a surrealist benediction from this or that unexquisite corpse of the temple's old guard, and last but not least,this perpetual resurgence of groups who add no_thing,but keep on affirming, in the most trivial way, principles shorn of historical context, there by historeifying the dynamism of these principles. The more they reduce surrealism to sheer politics, the more they deprive it of the political substance that furnishes, immanently, a critique of the political discourse rooted in the revolutionary project.To think ideologically is to deepen the remorse of being born with sin.
In fact, most of these groups reveal themselves, from birth, as unprehensible tails of optimism from once-upon-a-time, and not, as they should be, inventive instances of surrealism, that is traces left by the individuals instinctively aware of the need for a continuos, visceral immolation of the habituation which prohibits man's association with the Cause: that of being free without remission .Things must break apart, Artaud said, if they are to start anew and begin fresh .One can't help being in agreement with what Alain Joubert once said: The habit of thinking ideologically has warped our spirit to the point that our nakedness and what is natural in us scare us. In other words, half the surrealist project , i. e. the millenarian aspect of it, is to be superseded. For the proletarian revolution, which, during the thirties, Andreacute; Breton thought necessary in order to achieve the surrealist emancipation, was, is, and will be nothing but a mask for that real, everlasting conflict between intellectuals craving to rule and those already ruling. Deep inside, the proletariat itself knows this full well, and this is why it looks forward to improving its being as proletariat - the very image of alienation - rather than destroying it.

II
Unfortunately, Breton died a bit too soon, otherwise he would certainly have paraphrased Marx, that the only thing he knew was that he was not a surrealist ! And had he done so, he would have opened a new possibility for his followers to rescue, at least, the other half, which is " the actual function of thought" to be expressed more profoundly , so that it may attain a higher stage than remaining a reified object worshipped by neophytes who are only fit for poking about in the linen drawers of surrealism's obsolete inventions : collages, automatic writing, etc. I do not want to be misunderstood as saying that these should be completely abandoned. My argument is that, as we all know, every invention calls for a new one; that is, an appeal for outdistancing the repetitive. In other words, a means of surpassing what is lodged in the memory as well as a retrieval of what is retained in any invention. I believe that in recuperating them, the mass-media make more imaginative use of these goddam surrealist inventions.

III
The moment an invention becomes a matter of procedure, not only will it be prostituted by all sorts of uses and abuses, but will also blind one to the living element latent in the invention, thus breaking the continuity of the inventive, interpretive nature of the surrealist approach to given materials. Not to say that the living element itself, if still existant in surrealism, has long since burrowed underground. To bring it back out, it needs fresh youth freed from religious clinging to principles and ready to doubt even the ideals that our founding fathers have struggled for, i. e. a parricidal youth, whose eye is still in a raw state, more devouring than the cannibal's, to the point of being capable, in one glance, of recasting the whole history of surrealism in order to SEE what of noteworthy has been missed in that self-same history. A memoriless eye, able to liberate us from any Aura that surrounds old places and established texts: otherwise we are laced to the illusory beauty of the past, which is woven like a web from which we frequently throw an eye on a wandering tomorrow.Yet, tomorrow will continue to be the worst yesterday.This, however, will invariably demand a break with the language of subversion which, from having once been the language of free men, is nowadays valid as surety on the darkest branding-operations taking place on humankind , as Georges Henein so correctly put it.

IV
I am not against someone being too political nor against another being simply an artist. On the contrary, both of them are needed, but on the condition that each , in his own way, should push the mind to plunge, subobjectively, into surrealism in order to relive with glowing excitement the best part of its childhood , grasping the invisible ray (1) of its emancipatory power. I admit that there are as many pseudo-individuals who play at being inventive and "freed" from collective vulgarisation, while their feet run in vain to cultural institution, as there are those who think they have found the combination of these two separate acts of mind by participating in a demonstration, or signing a collective tract in the day time and, all night long, smearing canvases with surrealist shapes.There is nothing to do about it. Movements, like human beings , have the same destiny : the truer they are, the more crooks they generate.

V
At such a moment, when the surrealist fervour has turned into deluded manifestations and false promises, one is obliged to call surrealism itself into question and dessolve the categories which, out of necessity , it has created through its demystification of Reason, but which have been turned into obstacles, especially the ones ( such as recounting of dreams, imagery , automatic writings, ect.) reified at the hands of its epigones .
However, to retrace the itinerary of this abuse, we must first look back in the late sixties, sparked off by the tract of March 23rd1969 entitled as SAS which brought the attention of the public to the fact that " following the decision reached, by a certain number of them, not to participate in the surrealist activities of the Movement, the surrealists - for reasons that weren't necessarily identical - agreed to suspend their activities starting 8 February 1969." .. emphasizing that " in so far as these activities would not emanate from specific demands; in so far as the individual adventure would not be able to exalt the hazards of the collective activity, it should be understood that the public manifestation of this or that person could not be taken as representative of the Surrealist Movement's activity". A few months later this autodissolution was ignited by Jean Schuster's Le Quatriem Chant , published in Le Monde, on October 4th 1969, in which Schuster made a distinction between historical surrealism, which had reached its end, and an eternal one, which "will assist understanding and the enjoyment of all oneiric faculties and allow for the setting up of the dream as true organiser of human destinies in the practise of living". Still, many efforts were made to reflect upon doing something. But these efforts to produce a possible surrealist action were , in fact, futile , if not a veritable bundle of personal accounts to be settled. For, even if someone, sincerly , tried to organise a solid group coherent in its decisions and taking all the new forms of confrontation into account, thus hoping to become a reliable , critical reference-point for newcomers, IT COULD NOT WORK , for the simple reason that the given situation was such , as accurately phrased by Alain Joubert, that there was no more surrealist movement but many surrealists in movement .(2)

VI
In
a letter of August 16th 1949 to Nicolas Calas, Georges Henein noticed that when he tried to suggest to Andrژ Breton , on his return from America, that a general consultation of surrealists throughout the world was more urgent than a show-off's exhibition, Breton evaded the issue , arguing that only confusion would arise from it .Yet in spite of this peculiar way of despairing about the future of the surrealist movement (3), the confusion which Breton wanted to avoid was not very far from prevailing. Peripheral surrealists ( Cobra, Revolututionary Surrealism, Lyrical Abstractionism, Bauhaus Imaginiste, letterism, etc.) had surfaced to show evidence of new necessities for intervention. Their experiments, which were the dernier cri of the Cold war's aesthetic sensibility, did, to an extent , succeed in breaking through the traditional imagery of surrealism , putting it at stake. The Duchampian water-mark of surrealism was called to account throughout the fifties.
New forms of expression ( such as psychogeography, deacute;rive, deacute;tournement, etc.) had infiltrated the fifties' creative scene, outmoding certain surrealist procedures. For example , deacute;tournement , which Lautreacute;amont was the first to practise and which was reinvested and popularized in the sixties by the situatuionists, was introduced as postwar negation of the value of the previous organisation of expression.. Which is to say , the Lautreacute;amont of automatic writing adopted by the surrealists was contradicted by Lautreacute;amont's original method : deacute;tournement the historically given capacity of devaluation according to which all the elements of cultural past must be reinvested or disappear (Asger Jorn).

Still , all these new flashes of subversion which emerged from under surrealism's unresolved past and which previously lived in confusion and doubt (Debord) had expected nothing but theoretical guidance from surrealism for radical action, in order to effect the vitality of the surrealist alternative and the deepening of its initial insights and intention (Breton). Surrealism, however , gave them short shrift. It has never elaborated a theory as it did a corpus of poetry. Theory, in the classical and modern sense of the word, was a vigorous dream that surrealism was unable to communicate, although it was intuitively scattered here and there. In addition , surrealism, by taking no notice of the alarm that these flashes were producing , had given ground to a deceptive dialectic of success inherent within the praxis of art, i. e. to gain an advantage by "dissolving" this praxis " into ordinary aesthetic commerce", thus bringing about a new dichotomy , this time in disguise, between art and politics; and the dealers of this deceptive dialectic " would like people to believe that surrealism was the most radical and disturbing movement possible" , only to prevent a new revolutionary growth of it , and thus cultivating a nostalgical surrealism,at the same time while discredit any new venture by automatically reducing it to a sort of a surrealist deacute;jagrave; vu.
At all events, if the fifties were, as Benjamin Peacute;ret beleived, considered simply as troubled waters of banalities brought to an overflow by those who, in creating the equivocal and confused, thought that they had brought something new(4), only to extinguish the true flame of surrealism which a small band of youthful souls were traditionally resolved to keep alive (5), then we may consider the fact that surrealism, in opening the door to the Situationist International ( the locus of all these subversive flashes) to fish a situation in these troubled waters , had certainly created a mole that thereafter would justifiably undermine the whole politics of surrealism.In other words, the growth of the Situationist Internationall's challenge to fulfill a historical need to change the archaic forms of constestation had pulled the carpet from under the surrealists' feet .For the situationists did not only expose,with a sneering tone, the contradictory politics of the surrealist dream and its lack of theoretical depth, but they also integrated and streamlined all that can distingush surrealism from art movements (its insults, interventions, insolent tracts, threatening behaviour, etc.) to the point that the surrealist use of language , which became an elemental part of the theoretical whole that surfaced after '68, bore the stamp of the situationists, and not that of the surrealists. One of the reasons was that, for the situationists, there was no longer " an ambiguity" which the surrealists were happy to discover in writing a poem,"between the language of 'truth' and the language of 'creation' , but a common purpose to be " carried out" as a " totally innovative collective action" on its way " to execute the judgment that contemporary leisure was pronouncing against itself" . For " our era no longer has to write out poetic orders; it has to carry them out", so believed the situationists (6).

VII
The destruction of the Halles was a straw in the wind : a new memory forum was erected on its ruins, marking the fact that a phase of nostalgic confrontation was declining. Yet a flood of revolutionary programmes, accusing the old ones of betrayal, had invaded the bookshops; La Joie de Lire bookshop was in vogue. Blacked-out desires, repressed within surrealist culture (such as Le Grand Jeu, Bataille, Artaud, Dadaists, etc.) , started to glitter. Reprints of their approaches to the surrealist narrative of change became the verbiosity of the day. There might have been useful, penetrating remarks in this retrieval of old revolutionary styles, but the way the old quarrels were exhumed and people received ideas born in a different epoch had blinded the young generation to any critical observation of what was really going on. I remember that when I arrived in Paris in mid-May 1972, I noticed that upon everyone I met in the Latin Quarter there prevailed a charm of fairies, as if the heartwaited leap from the kingdom of necessity to that of liberty would be achieved in a few days. Truth was lying in ambush for the slightest doubt ! That revolution, no one could believe that it had melted into thin air, forever throatling revolutionaries. Only a few plants which had skirted the boulevards for a century or more WEPT at that time. For Dutch elm disease had gnawed at the root of an era, and the government's decision to sell trees had already been taken.The dustbin of History is so loaded with the carriers of change, that surrealism yields to sublation.

VIII
I have brought back all these basic banalities, sporadically I know, neither to flaunt my concord with the situationists' critique of separation between the surrealist image and its results ( although I disagree with their political-minded calculations on poetic matters), nor to cast doubt on surrealism's good faith in beating all the historical separations or on the genuineness of its principles , but simply to underline the fact that there were other bloody reasons which played a great deal too in delegitimatizing the surrealist label here in France and, to a degree , throughout the world.For instance, the prerogative of surrealism to intervene in the social sphere was historically confiscated after '68. Go blame the situationists, if you like. But to retrieve it, without falling into mere phraseology so widely prevalent in the writings of all its contemporary epigones , means being sharply conscious not only of the everchanging kaleidoscope of its recurrence, but also of the trap brought about by radical confrontation with the status quo. If this prerogative has " to be manifested anew", it must be then " manifested under the angle of dynamism proper to surrealism" (Breton) itself , and not to an optimism which the social sphere invariably diffuses in order to integrate any hidden drive that could , owing to the force of being unable to express itself, become its foe.
Therefore , it seemed that only the neutral zone was left for the surrealist revolt to express itself, i. e., it had to be expressed in forms that were neither those of negation nor of affirmation; thus its perpetrators would inevitably be beyond reprobation or approbation, as Andreacute; Breton thought towards the end of his life(7) . This neutral zone is none other than the long awaited whereabouts of L'Ecart Absolu, i.e. the 1956 exhibition title, whose material point has never since been practised or furthered by the self-labelled surrealists. On the contrary , some of them , namely those who were sullied by the dross of nostalgia, insisted on going on, as if no change of terrain had happened, thereby dropping the substance for the shadow. They inked thousands of sheets of paper with all the residues of the surrealist procedures, leaving nothing worthwhile reading , because in reality , they were then as now, squabbling amongst each other about who was going to be the head of a movement that not only had been stilled by history, but was also in the new generation's eyes , already a corpse. Each of them was trying, through his old card-membership, to gain the lion's share from it ( thinking , in this way, that he could use up in advance that which belongs to posterity) in the hope of proving that he alone is the true holder of the right to confer upon one proselyte or another the title of surrealist. Notwithstanding, they did not enjoy this sharing of the spoils , which was nothing but a miserable spectacle of the return of their repressed authoritarianism. For, to be a surrealist in such a hilarious time means becoming something like " a court-messenger who travels the world over, carrying messages which have no meaning, since royalty has long disappeared"( Lichtenberg).

IX
What a post-surrealist picture to have, today , one of the old guard, locked in his study, writing letter after letter , and doing nothing about the fact that , since the death of Andreacute; Breton, his subconsciousness is burdened with ants . Could not a witch's broom do something in place of the giant anteater ? The snake's poison lies in its body and not in its fangs , as the arab proverb goes.

Surrealism today is a cause without rebels

Paris 1986


Notes
1- Andreacute; Breton : Manifestoes of Surrealism , the University of Michigan Press, 1969,p.39.
2- Pour communication : Reacute;ponses circ; l'enquecirc;te " Rien ou Quoi? ", a 162 page document issued privately in march of 1970.,Paris.p.50.
3- See Grid n، 2, p.7-8.
5-Peacute;ret commented on the situationists in these terms :...Une soi-disant Internationale Situationiste qui s'imagine apporter du nouveau en creacute;ant l'eacute;quivoque et la confusion. Mais n'est-ce pas dans ces eaux troubles qu'on pegrave;che une situation ? BIEF,n، 1 (15 novembre 1958).
5- Geacute;rard Legrand , Le Surreacute;alisme, mecirc;me, n،2.
6- Situationist International Anthology, edited and translated by Ken Knabb, Berkeley, California, 1981,p. 117
7- See Octavio Paz's Andreacute; Breton ou la recherche du commencement , in his Courant Alternatif, Gallimard, 1970,p. 73.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
السريالية
حسين سليمان -

السيد عبد القادر الجنابي- نحن محظوظون أو على الأقل ان أكون محظوظا بك، بهذا الحلم الذي مازلت تحمله وبالمسير المستمر. هذه المقالة بالفعل لا يستطيع أحد أن يكتبها الآن، فهي في حد ذاتها ثورة، مليئة بالطاقة والأمل: أن الفن هو وهج إلهي. وكما ترى الآن لقد أفل هذا الفن واكاد أقول لقد أفل الأدب نفسه- أو لقد أفل القارئ. قرأت النسخة العربية لمرة واحدة وسأعود واقرأ النسخة الانكليزية. يجب قراءة هذه المقالة اكثر من مرة. كمهتمين بالأدب والفن منذ الطفولة أقول أن هناك ضرورة مطلقة للمدارس الفنية، هناك ضرورة مطلقة للسريالية على سبيل المثال، لكن هذه الضرورة سنتنهي حين نصل سن الشباب، من يبقى وراء ظل اندريه بريتون بعد كتابته الكتاب الاول او النص الأول فهو ليس مبدعا، وأرى أن السريالية بحد ذاتها هي حزب سياسي أكثر مما هي مدرسة أدبية حيث المدرسة الأدبية لا تجتمع ولا تعبر عن رأيها ولا توزع مناشير ولا تعرف بالتالي إن كانت مدرسة أم لا إلا حين تغيب. السريالية جاءت كما أظن كرد فعل على احداث أوربا الساخنة، والشيء الوحيد الذي ولعني بها إنها تحمل إرداة التغيير وتحطيم المتعارف عليه وإلا كيف يتسنى لنا أن نتجاوز حدود السلف؟

تحية
كسر في آية -

فعلا نحن أكثر من محظوظين بترجماتك الرائعة و المتفردة يا أستاذ الكل ، تحياتي الصادقة لك دائما

it is so nice
zeyad -

you will love it

الحداثة الحقيقية
Prof. Shmuel Moreh -

ارجو نشر التعليق تحت اسم باحث طوبى لهذا النداء الذي كتبه الاستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي وطوبى لهذه الترجمة الدقيقة للنداء عن السريالية، ان ما يقوله كاتب النداء يظهر ان الثورة الحقيقية التي يحتاجهاالفكر العربي اليوم هو المشاركة الفعلية في التيارات الفكرية والادبية والعلمية والاضافة اليها لاغناء الحاضر بمتجددات الحضارة العالمية اليوم والسير في ركاب التطور والتجديد لا اجترار القديم والجمود فيه بمقولة ان لا يوجد ابدع مما كان، هذه هي الطريقة المثلى في المشاركة والابداع في ركاب الحضارة العالمية الحديثة، وشكرا للاستاذ عبد القادر الجنابي على مساهمته الكبرى في عولمة الفكر في منطقة الشرق الاوسط الحديث.