ثقافات

كنتُ أن دخلتُ- قراءة لنص أدبي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


حسين سليمان - هيوستن:"النافذة عليها ستارة- الريح ترفعها بحفيف، ودخان، وقمر يدخل ثم يخرج، هو باهت لا نغمة فيه، حرارة، عند الباب تلبس تنورتها الحمراء، نصفها ظاهر وصوتها المتهدج المنكسر، لقد تركها وراح، عند الباب واقفة كل الوقت، لم تره منذ أسبوع، من المحتمل يابنت أنه أحب امرأة أخرى وأنتِ لقد. دخلتْ الباب وأغلقته، عند العتبة ظلال ومرور وذكريات، حين يكتشف المرء أنه مهمل ولا قيمة له ولا محب، وهو كان مجرد أداة. فوقعت الأرض تبكي: لقد استعملني المجرم لماذا. ضوء القمر، فراغ وفجوة.
هل أستطيع أن أقتل نفسي، أدفعها في حفرة؟
تهز شيئا بداخلها.
لماذا تتعذب الحبيبة كل هذا العذاب؟ هي زهرة برية يميلها الريح النقي أنشودة تغني وتعرف أنني، وعيناها مغمضتان، لولا موسيقاها لمات قلبي."

القراءة: واقفة عند عتبة الباب تستجر ذكرياتها عن حبيبها ويبدو من القراءة أن النافذة لا شأن لها في النص. لماذا النافذة وعليها ستارة والريح ترفعها بحفيف؟ ثم دخان وقمر يدخل ثم يخرج؟ الصورة كلها تتحدث عن الهجر وعن مقدار الثقل الذي وقع على الحبيبة من جراء هذا الهجر. وتتحدث أيضا عن مشاعرها وأن الحبيب استبدل معها المصلحة بالحب. والحوار كله يحدث عند عتبة الباب التي احتوت ذاكرة الحب بينهما.
إذا لا ضرورة للنافذة، ولا قيمة فنية لها في النص، لكن الستارة التي رفعتها الريح بحفيف وصورة القمر الداخل والخارج. لنقرأ هذه الجملة مرة أخرى. الريح ترفع الستارة بحفيف؟ هل هي سليمة بيانيا؟ لا أظن، فهي جملة مكسورة لغويا لأن الريح لا ترفع الستارة بحفيف، الحفيف هو صوت الريح، وترفعها بقوة أو بضعف أو على مهل، جاء الحفيف هنا أو أراد أن يحمل معنيان أثنان وهما الضعف والصوت غير المباشر، يشير أيضا إلى الحركة المضطربة، ترفعها الريح باضطراب، لكن الجملة ليست سليمة لغويا والإنكسار هنا يشير إلى إنكسار يحدث في العادة حين تضطرم النفس وتختلج وبالتالي تفقد الهدوء المعهود، ألا نرى أن الغضب والهياج يذهبان بلب المرء ويجعلانه غريبا عن الذي ألفناه عنه. إلا أن الكتابة يجب أن تكون خالية من الإضطراب لأن القارئ غير مضطرب أصلا ويريد أن يفهم، والجملة السليمة المعبرة عن الإضطراب كافية كي تنقل له الصورة. أما الجملة غير السليمة والمضطربة فستفقده المتعة وتشتته وربما تتعبه وفي أحسن الحالات تهبط القيمة الفنية في عين القارئ فيترك متابعة القراءة.
ولا أستطيع أن أقتنع بقصة الحفيف فالكلمة خطأ، لكن لماذا حضرت وأعرف مسبقا أنها خطأ؟
التفسير الوحيد هو أستغراق الكاتب وتقمصه الكامل للحدث فهو مع الحدث وليس خارج الحدث، حين يواجه المرء شيئا من هذا القبيل تفقد اللغة مكانتها وتهتز وربما تنقلب رأسا على عقب. إلا أن القارئ المتساهل سيمر عليها من دون توقف، سيفهم المعنى ضمنيا.
الريح ترفع الستارة بحفيف. لماذا لا نستطيع أن نتذوق هذه الجملة؟! جاء الحفيف هنا من داخل الريح، الريح ترفع الستارة بغضب أو بحفيف أو بحب، لكن الحفيف لا يمكن أن يكون شعورا مثل الغضب والحب. من المحتمل أن النص أكسب الحفيف معنى جديدا وسع من قدرته. التخلص من نمطية الفهم والتركيب المسبق للمفاهيم في العقل له حسنة وله سيئة أيضا. الحسنة أنها تدفعه إلى الإبداع وخلق الجديد والسيئة أنها تدفعه إلى سوء الفهم.
لن أناقش الحفيف أكثر. الدخان والحرارة والقمر يدخل ويخرج وهو باهت لا نغمة فيه، باهت ليس لا لون فيه بل لا نغمة فيه!!
حالة رومانسية، رغم العذاب، فإعلان نهاية الحب رغم الوجع والعذاب له حلاوة تقف عالية وربما أعلى قامة من الحب نفسه. إنه عوالج محترقة تستشيط بالباطن أكثر من الخارج، الحرارة والدخان والقمر يدخل ويخرج! والنافذة هي الحالة الرومانسية وتشير إلى بداية الحب وإلى استمراره، النافذة لها مكانة في طقوس الحب الشرقي. فلولاها لما كان هناك حب. النافذة عليها ستارة- الريح ترفعها بحفيف، ودخان...
"عند الباب تلبس تنورتها الحمراء، نصفها ظاهر وصوتها المتهدج المنكسر، لقد تركها وراح."
اللون الأحمر.. جاء هنا من دون تلائم ومكانته لا تتلائم والحالة التي تعيشها الفتاة. يجب أن يكون اللون أصفر أو قاتما حتى يتلائم العالم الفني وينسجم. لا أدري لماذا جاء اللون الأحمر حيث لا أتصور أنني كنت سأختار لونا آخر، أي أن تلبس لونا قاتما في وقت كهذا، اللون الأحمر نافر، ربما، لكن لنبحث عن سبب وجوده هنا. أغلب الظن أن القمر الذي يدخل ويخرج وباهت لا نغمة فيه يشير ربما إلى الفتاة التي فقدت حبيبها. فهي تدخل وتخرج تراقب الطريق وفي داخلها خواء لا نغمة فيه. يجب أن يكون اللون فاقع إن كان في داخلها خواء فإن اللون الأحمر ونصفها ظاهر يعيد قليلا التوازن الفني ويلون الصورة بالدنياميكية التي لا إطمئنان فيها. لو أن الداخل والخارج من لون واحد لظلت الفتاة داخل البيت مستسلمة لقدرها. الفتاة القمر.
والجملة السابقة تكتب بهذا الشكل: واقفة عند الباب تلبس تنورتها الحمراء. نصفها ظاهر، وصوتها المتهدج المنكسر يقول لقد تركها وراح.
نصفها ظاهر له إشارة إلى الفتاة أو إلى لباسها أو أن الحالة هي نصف نصف. تبقى الدلالة مفتوحة.
وهناك جملة غير مكتملة: "من المحتمل يابنت أنه أحب امرأة أخرى وأنتِ لقد. دخلتْ الباب وأغلقته، عند العتبة ظلال ومرور وذكريات.."
"وأنتِ لقد." تنتهي الجملة أو تنقطع. والإنقطاع بسبب قوة المشاعر داخل الفتاة\ الكاتب. يجب أن تقف الجملة عند لقد. كأن اصطداما حدث فجأة وأنهى كل شيء. أو أبقى كل شيء مفتوحا والنقطة بعد "لقد" ليست نقطة نهاية بل هي نقطة مفتوحة على عالم مضطرب فيه العديد من الإحتمالات.
والنهاية تأتي مفاجئة كي تغير المعنى السابق التي تعيشه الفتاة: " تهز شيئا بداخلها. لماذا تتعذب الحبيبة كل هذا العذاب؟ هي زهرة برية يميلها الريح النقي أنشودة تغني وتعرف أنني، وعيناها مغمضتان، لولا موسيقاها لمات قلبي."
يتغير الصوت بشكل مفاجئ أيضا بعد "تهز شيئا بداخلها" إلى صوت الراوي الذي يتساءل عن سبب عذاب الحبيبة. ويجيب أنها انشودة من دونها لمات قلبه. فمازال يحبها والإنقطاع له أسباب لم تدركها بعد الحبيبة، ويجب أن نبحث في النص عن رمز يشير إلى أسباب الإنقطاع، أين الرمز؟!
انتهى.


متابعة، مرة أخرى، تعال وأدخل

بعد أن ألقت بجسدها في الحفرة.
الشيء الوحيد الذي يبقى هو التتالي المستمر للعالم. يجب قراءة النص مرتين على مهل.
تـَحتمَ علي أن أعيش في قمقم - الحياة- السجن الخاص ولن يكتب لي النجاة.
وإن كتب، كما تروي الأسطورة، فسأكون عبدا، ولن أعرف للحرية طريقا.
في السينما، نار ترتفع، دخان، يظهر رأس المارد الحليق إلا من جديلة تمتد نحو ظهره، يطير فوق البلاد، الجبال تبدو صغيرة، ونرى على ظهره كيف يتعلق قزم أسمر ويمد يديه كي يتشبث بالجديلة.
قهقته تهز صالة السينما وتهزني وأرتعب، كل هذه القوة، أكبر من قوة الإنس قوة الجن، منذ ألف عام- لا، بل منذ ألوف مؤلفة من السنين حيث الزمن هو مسطرة إقليدية. أو مصطبة يقف عليها أبي وينظر إلى الساحة التي أمامنا، لم تـُبن بعد، ممتدة فارغة، بساتين وجنة ُ أزهار ٍ، وحقول برية وطيور، كيف يكون الصباح منعشا باردا من دونها. لا!! نعم!!! حين لا يكون هناك إزدحام- عدد سكان البلدة كان حينها خمسة عشر ألف نسمة.
أمامنا تلة، مرتفعة، قليلة، وتغيب الشمس فيها- تدخل- تتلون- قبل المغيب، اللون القاتل، لون الموت: تعال أدخل وبطـِّل تأملا فهذه شمس الأموات، تقول أمي. حمراء باهتة تنهي اليوم - الدماء فيها دماء حب ودماء حروب قديمة ومعاصرة، كلها تجمعت علي، هذا المساء، كي تروي لي كيف الإنسان -مازال- يقتل ليس أخيه فقط، الإنسان عدو الإنسان، أنا عدو نفسي.
هل قرأت الأخوة الأعداء؟!
وجدت بقعة في السماء، فارغة، فيها بئر محفورا بالمعاول. هل هي ممر الملائكة، أو عين الله تنظر نحوي أم هي ممري، أنا المتأمل؟
نام الآن وأدعو الله أن تكسب في حياتك
"كانت ليلة القدر."
إن دعوت الله حين تنفتح السماء فسوف يجيب دعوتك لأنه سيسمعك.
ماذا أدعو؟ سوف أدعو أن تكون لي حبيبة.
لا، ادعو أن تكسب مالا كثيرا وتصبح قويا، مدير مدرسة مثلا، أو مقاتلا من أجل تحرير الأرض.
أي أرض؟
في طريقي إلى المدرسة، في الصباح، يمر مقاتلو الصاعقة جريْ رياضة ْ يلبسونْ، لا يلبسون، أجسادهم عارية، فقط شيء يستر العورة وهم يخفـّون بأقداهم ويصرخون: هوب هوب فلسطين هوب هوب فلسطين.
خفافات رياضية وسيقان سمراء مشعرة وعرق يتصبب من وجوههم الباردة لو أنهم يدركون أنهم هباء لما- لكن- هوب هوب- أمة واحدة- عربية- فلسطينة- إزدحام، يمر، إبعد عن طريقنا، الصفوف الأربعة هوب هوب من جانبي وأنا تنحيت قليلا نحو الرصيف: مرة ثانية لا تمشي في منتصف الشارع.
كان فارغا!
وإذا!!! بلكي سيارة طائشة مرت ماذا هل تعتقد أنها ستقف من أجل عيونك وعيون أبوك؟
احمد الله أنهم الفدائيون- هوب هوب، لأن الس
ي ارة، لن تقف، لأنها ستمر، مثل الدني ا، ولا تنتبه للمشاعر الإنسانية الصغيرة التي مدرسة وكتبها على ظهري وأنا بردٌ قليلٌ في الشارع كل الأشياء الصف الثالث الإبتدائي هناك في الزاوية ينتظرني كي أدخل، لماذا تأخرت، أرفعك فلقة مرة ثانية. الآن نكتفي بالعصا على ظهر يديك. كيف - على العظام- والعصب، والأصابع، باردة - لا دم، أنا لم، أتصور، غير موجعة، كنت أظن أنها مثل الموت. أقصد الموت الهين.
والان تمر الحياة بجانبي: الله أكبر، والنواقيس التي تجلجل- ليس دن دان دو حان الدرس رن الجرس، من أين أتانا الله والملائكة والرسل بدياناتهم الثقيلة؟!
كيف - شعرت بالحال بتأنيب ضمير، وخز ديني ضعيف، حين كتبت الجملة السابقة- عيب تكتب هكذا- تقول لي، حرام عليك أعرف أنك مؤمن كبير، لكن العالم - انظري الى العالم، ألا تعتقدين أن العالم الذي هو هو يدفع أكبر المؤمنين إلى الكفر؟!
هذه محنة- يجب أن تنتبه وتتذكر أنها محنة!!
لكن إلى متى، مرت أعمارنا كلها، جمعناها وكانت أطول من عمر النبي أيوب، ولم تتغير هذه الدنيا الحمراء التي تلة وراء الشمس، شمس الاموات التي تقول: تعال ادخل وانهي ما تفعله بك الحياة!
--------------------- ---------------------

hsolaiman@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف