ثقافات

اللعبي: معظم الشعر المغربي شعر مقاومة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد العزيز جدير من باريس: عبد اللطيف اللعبي، تجربة في الكتابة والحياة. جمع بين قلع الضرس في الشعر والامتداد السردي في كتابة الرواية وحمل نور الترجمة.. قد يرى الكتابة ميثاقا، وقد يراها التزاما.. لكنها، في كل الأحوال، ممارسة للحرية. كتب عن المنفى والسجن. وتميزت كتابته بالتنوع والثورة أو ما سماه الناقد مارك كونتار "عنف النص". فكيف يتأمل صنيعه؟الكتابة التزام
- عرف عنك، السي عبد اللطيف، أنك كاتب ملتزم بالمعنى الذي صاغه سارتر وغير سارتر وفرضته لحظة معينة، أي أن لك علاقة حميمة مع الشعب، ثم إن هاجس تغيير ما هو كائن إلى الأحسن يحكم فكرك، هذا الالتزام في الأدب، كيف كان يبدو لك قدر الكاتب في مرحلة معينة وفي الكتابات الأولى؟
- مسألة الالتزام [ضاحكا] فيها أخذ ورد.. أظن أنه ليس ضروريا أن نسجن الكتابة وراء يافطات معينة، لأنه عندما نقول الأدب الملتزم فهناك اختزال لهذا الأدب في جانب واحد فقط: جانب أنك حين تكتب تفكر في الآخرين، أنك لا تكتب فقط لحل بعض المشاكل الداخلية والنفسية، لتصفية حسابات مع العالم ومع الآخرين، بل تكتب لأن هناك شعورا بأشكال تضامن معينة، لأنك في خندق معين. أنا شخصيا لا أستطيع أن أتنازل عن الخندق الذي ولدت فيه، وناضلت فيه، وهذه مسألة لا تحدد المواضيع والأشكال الأدبية بل هي مسألة أخلاقية، قبل كل شيء. بالنسبة لي، الأدب إذا لم ينبع من منظومة أخلاقية يصعب تحديد مفهوم له من دون ذلك، هذه مسألة أساسية تهمني شخصيا وهنا تكمن وظيفة الأدب ومهمته، ولا علاقة لهذا الأمر بالآخرين. فكل واحد حر في امتلاك تصور خاص للأدب وللكتابة.. لكن بالنسبة إلي، هذه المسألة

اقرأ ايضا:

عبد اللطيف اللعبي : أدب وأخلاق

مرتبطة بحياتي، بمسار حياة كتابتي، وليس من الممكن أن أفصل، في أي مرحلة من المراحل، بين الكتابة والعطاء الذي أرى من الضروري أن أقدمه للبيئة التي نبعت فيها وترعرعت. هذه مسألة مرتبطة بالتجربة الحياتية لكل فرد، ولو أننا عندما نكتب: ماذا نريد من وراء الكتابة؟ الشهرة، المال، الجاه.. أظن أن الكتابة هي محاولة مد الجسور بين الكاتب وبين الناس. وهؤلاء الناس هم شعب الكاتب، والبشرية جمعاء. وإذا لم تكن وظيفة الأدب هي زرع قيم إنسانية، حضارية.. لست أدري ما الوظيفة التي تبرر وجوده ووظيفته. هذه مسألة مفروغ منها، الكتابة تعبير عن موقع، وموقعي هو ما أشترك فيه مع هذا الشعب من آلام، من محن، من تطلعات، من آمال، من رغبة في الخروج من جهنم أو من النفق الذي لا زلنا فيه إلى حد الآن ولو نسبيا. ما عدا ذلك، هذه هي الطاقة التي تدفع بكتابتي وتغذيها. لكن مع ذلك، إذا قرأت كتاباتي بشكل متأني تلمس هاجس الأشكال الأدبية المتطورة باستمرار، تلمس أنني لا أكرر التجربة من كتاب إلى آخر. كل كتاب هو مغامرة جديدة، هو شكل جديد، كل كتاب هو اكتشاف لظاهرة من الظواهر التي تعيشها البشرية. وتلمسه في التنوع من كتاب إلى آخر، وفي دواويني الشعرية نفسها هناك أشكال تتحول من قصيدة إلى أخرى، أومن مجموعة من القصائد إلى مجموعة أخرى.. أنا شخصيا أعيش القضايا أو المشاكل التي يعيشها أي كاتب على الصعيد العالمي، تواجهه عندما يكون أمام الصفحة البيضاء، ولكن أتمتع بهذه الخصوصية وهي أنني عندما أكتب لا أكون وحيدا. أكتب لأنني أريد أن أساهم في عملية حضارية وهي عملية لها فعل أيضا في الذاكرة، في المخيلة، في حساسية الإنسان المغربي، والإنسان بشكل عام..- في المقابل هناك ميثاق أخلاقي بين الكاتب والقارئ، أود أن أنظر إلى الأمر من زاوية مغايرة. وأنت عشت هذا بشكل واسع وفكرت فيه: مبدع له ارتباط اجتماعي، نفسي، روحي الخ.. بالفضاء الذي عاش فيه، وبناسه وبالناس جميعا فيما يخص الذين يعانون معاناة معينة في الحياة، في أماكن أخرى من هذه الأرض التي نسير فوق أديمها. لكن الأدب لا يستطيع تحقيق أشياء ملموسة للقارئ، للمحتاج. أذكر بهذا الرأي الذي تعرفه السي عبد اللطيف جيدا وأود أن نتأمله: مع أخذ الفرق بين المبدع في الغرب والمبدع في العالم الثالث بعين الاعتبار، قال سارتر: "ماذا تستطيع [رواية] "الغثيان" أمام شخص جائع في إفريقيا؟"..قوة الأدب في الموقف وفي الانحياز إلى الإنسان، من جهة، ثم إنه من جهة ثانية لا يستطيع شيئا مباشرا مع أنه يستطيع التأثير في الوعي على المدى الطويل. ولولا خطورة الأدب لما قتل الحكام ونفوا كتابا وشعراء..
- أعتبر هذه مقولات تؤدي إلى العجز أو التعجيز، ما معنى ذلك؟ نتوقف عن الكتابة، نتوقف عن الرسم، نتوقف عن الموسيقى؟ لا. أعتقد أنه مهما كانت الأهوال، المحن، المآسي التي تجتازها البشرية أو أي مجتمع على حدة فهذا لا يعني أن الكتابة لم تعد لها جدوى. بالعكس، الكتابة هي الشهادة الأساسية: شهادة ضمير، الضمير الحي، ضمير يرفض الاستسلام إلى الهمجية، ضمير يرفض اللامبالاة وضمير يوجد، دائما، في وضع هاجسه الأساسي هو تبليغ هذه الرسالة، رسالة الوعي، رسالة الحرية، رسالة الجمال، رسالة الأمل أيضا. فلو ظللنا نفكر فقط في الحروب، المآسي الخ.. يمكن أن يحط بنا الرحال عند الاستسلام، الذي هو نتيجة اليأس. أظن أن الأدب هو قوة تدفع نحو الحرية، نحو المسئولية، نحو محاربة اللامبالاة... ليست سلطة، يمكن مقارنتها بالسلط التي تتحكم في الاقتصاد وفي السياسة الخ.. ولكنها سلطة أخلاقية ومعنوية، ومعنى ذلك أن الإنسان ليس همجية، ليس حقدا، ليس تسلطا فقط.. داخل الإنسان، هناك طاقات أخرى، طاقات تسير في اتجاه الأخوة، المحبة، وأيضا الالتصاق بهذه التجربة الإنسانية التي عاشتها الإنسانية منذ بداية التاريخ حتى الآن. طبعا، الإنسانية مرت بمراحل عسيرة جدا.. لكن عندما نتأمل هذه التجربة الإنسانية نجدها تجربة جميلة جدا، كيف استطاع الإنسان منذ العقود الغابرة أن يشكل هذا الذكاء، كيف استطاع تحقيق هذه الانجازات الخارقة التي نعيشها اليوم؟ أنا معجب بالبشرية رغم كل شيء. أحارب نزعات الحقد فيها، نزعات العنف الخ.. ولكنني من الناس الذين يمجدون، كذلك، هذه التجربة الخارقة، التي هي تجربة الذكاء البشري.
في أنطولوجيا الشعر المغربي
- طوبى للشعراء الذين يحبون الكون. لو سمحت الآن، السي عبد اللطيف، كيف نشأت فكرة "أنطولوجيا الشعر المغربي"؟
- "أنطولوجيا الشعر المغربي" جاءت في سياق العمل الذي بدأته منذ أكثر من خمس وعشرين سنة دشنته عبر "أنطولوجية الشعر الفلسطيني المقاوم"، سنة (1969)، ثم ابتداء من الثمانينيات، ترجمت أعمال محمود درويش، سميح القاسم، "أنطولوجية الشعر الفلسطيني المعاصر"، ترجمت أعمال عبد الوهاب البياتي، محمد الماغوط، غسان كنفاني، حنا مينة، عبد الله زريقة، سعدي يوسف مؤخرا، فرج بيرقدار الكاتب السوري، الذي كان معتقلا مؤخرا في سوريا، وآخرين.. هذا هاجس [ضاحكا] أو بالأحرى مهمة سطرتها لنفسي منذ قرابة ربع قرن تتمثل في أنني شخصيا ككاتب أو مثقف مخضرم يتمتع بهذه الازدواجية اللغوية طرحت على نفسي هذا السؤال: ما الخدمة التي يمكن أن أقدمها للثقافة العربية؟ فكان الجواب: هو الترجمة، خاصة أنه في تلك المرحلة كان الاهتمام محدودا بالأدب العربي. وقد بدأ اهتمام، فيما بعد، بالرواية العربية، ولو أن الاهتمام بالشعر العربي بقي محدودا جدا. أقول ذلك بكل بساطة لأنني من الناس الذين ساهموا في التعريف بالشعر العربي المعاصر. إذا، "الأنطولوجية" جاءت في هذا السياق، ويمكن أن تلاحظ أن سلسلة الترجمات هذه كانت مركزة بالأساس، في مرحلة معينة، على الأدب المشارقي. ثم فكرت في مرحلة أخرى القيام بتوازن معين، فوقع التركيز على الحقل الأدبي المغربي في شقه الشعري. هذا منطلق الفكرة، ثم المنطلق الحاسم هو معرفتي التدريجية بالشعر المغربي، واكتشاف أنه حقل شعري له قيمته، ويمكن من خلاله أن يكتشف القارئ الفرنسي -وهو موجه إلى قارئ باللغة الفرنسية- قارة شعرية جديدة، ذلك أن الشعراء المغاربة المتمتعين بحضور في فرنسا هم الذين يكتبون باللغة الفرنسية مباشرة. والذين ترجموا من اللغة العربية إلى الفرنسية قلائل جدا، يمكن أن يعدوا على رؤوس أصابع اليد الواحدة. وبعد صدور "الأنطولوجية" صدرت مقالات تبين، بالفعل، أن القارئ الفرنسي أو المختص اكتشف قارة شعرية لها قيمتها وتستحق أن تكتشف. المقاييس التي اعتمدتها لاختيار شاعر معين وترجمة نصوصه وإدراجها في الأنطولوجية، إلى جانب مقياس الأجيال والتجارب..
أنت تعلم أن هناك ما يشبه الضجة التي قامت بعد صدور الأنطولوجية في المغرب، بينما هنا في فرنسا هناك مقالات متعددة على صفحات جرائد لها باع ووزن كبير تشيد بهذا الانجاز. بينما كنت أتوقع، في المغرب، أن تحدث الأنطولوجيا ردود الفعل هذه: لماذا اختيار هذا الشاعر، وعدم اختيار آخر الخ.. ولكنني شخصيا أحاول أن لا أدخل في هذه المعمعة، وأعتبر أن بعض ردود الفعل هي زوبعة في كوب ماء. نترك للزمن فرصة الحكم، في آخر المطاف، على وظيفة هذه الأنطولوجية، قيمتها المتميزة الخ.. ما ألح عليه، وهو ما لم يستطع بعض الناس للأسف فهمه، وهو أن الأنطولوحية نوع أدبي معين، يخضع لمقاييس معينة واختيار عدد معين من الشعراء من حقل شعري وليس اختيار كل الذين يكتبون الشعر. الأنطولوجية، ليست موسوعة شعرية، ولا يمكن أن تضم ثلاثمائة شاعر يكتبون الشعر الآن في المغرب. بالضرورة، لا يمكن إلا أن تخضع الأنطولوجية لاختيار، وكل اختيار يخضع إلى مقاييس خاصة لمترجم أو لمؤلف الأنطولوجية. أطلب من الناس الغاضبين أن يقرأوا التقديم الذي أشرح فيها هذه الأمور. أعتبر فيه هذه الأنطولوجية قراءة شخصية للشعر المغربي منذ الاستقلال إلى الآن، ومن يرى في هذه القراءة بعض الذاتية فليتفضل ويقوم بعمل مغاير يطرح فيه قراءته الشخصية لهذا الشعر. ما أطالب به هو احترام الاختيار، سواء كان اختاري أو اختيار غيري، مثلا في (1999) أصدر بيت الشعر في المغرب بالدار البيضاء، "ديوان الشعر المغربي المعاصر" تحكم فيه اختيار آخر، وتحكمت فيه منهجية أخرى الخ.. هذا للعمل لم يحدث أي رد فعل في تلك المرحلة، بينما هذه الأنطولوجية للشعر المغربي أحدثت بعض الأفكار وردود فعل تعبر عن خيبة أمل بعض غير المدرجين في هذه الأنطولوجية. يمكن أن أطمئن البعض أن حضور هذه الأسماء التي اختيرت في الأنطولوجية ليس ترشيحا لجائزة نوبل، هذه فقط محاولة لأن أضع بين يدي القارئ الفرنسي باللغة الفرنسية، الذي يجهل كل شيء عن الشعر المغربي، أن نعطيه فكرة عن حيوية هذا الإنتاج الشعري، خصوصية وميزات هذا الشعر، ورشد هذا الإبداع الشعري الذي يمكن أن يضاهي أي إنتاج شعري في بلد من البلدان الأوربية أو غيرها. وهكذا تم الشعور هنا في فرنسا أن الشعر المغربي يتمتع بمميزات التنوع والتكامل والحيوية التي تدهش كثيرا من المتتبعين والمختصين في الشعر، هنا في فرنسا.
- الآن، أسأل السي عبد اللطيف ليس منجز لأنطولوجية الشعر المغربي ولكن كقارئ يستمتع بالأدب نثرا وشعرا، ما هي الأشياء التي شدتك إلى الشعر المغربي، المواضيع، جدتها، طريقة التناول، اللغة..
- أولا هناك تنوع، فالشعر المغربي هو شعر بوليفوني، تنوع في الأصوات وهذا شيء مهم جدا، إذ أحيانا عندما تقرأ الشعر هنا في فرنسا، تشعر أن قسما كبيرا منه كأن شخصا/شاعرا واحدا كتبه، بينما حين تقرأ الشعر المغربي تشعر أن شعراء عدة وراء كتابته. هنالك تنوع في الأصوات، وهناك جانب آخر أثرته في المقدمة وهو أننا لم نلمس في المغرب، من الاستقلال إلى الآن، ذلك التطاحن بين الأجيال كأننا نعيش توزيعا للأدوار بين الأجيال المتعاقبة في الشعر المغربي. الميزة الثالثة التي أشرت إليها أيضا هي أن الشعر المغربي، منذ الاستقلال إلى الآن، شكل قطبا للمقاومة الأخلاقية والفكرية ضد التسلط الذي ساد في تلك المرحلة، وضد التسلط ومصادرة حرية التعبير والحريات بشكل عام. إذاً، يمكن أن نعتبر قسما كبيرا من الشعر المغربي شعر مقاومة. مقاومة على جميع المستويات. ميزة أخرى لهذا الشعر وهي التعدد اللغوي الذي يميز هذا الشعر، فالأنطولوجية فيها شعراء يكتبون باللغة العربية الفصحى، باللغة العربية العامية، يكتبون الزجل، ويكتبون بالأمازيغية والفرنسية. لكن ما يلمسه القارئ هو أن هذا التعدد اللغوي هو ميزة غنى يجعل من الحقل الشعري المغربي حقل غنى تتفاعل فيه اللغات المتعددة للبلاد في اتجاه إيجابي ويعطي صورة دقيقة عن الثراء الثقافي الموجود في بلدنا، لأن كل لغة تحمل معها مخيلة معينة. إذا هناك إدماج مخيلات، وهذا يعطي نصوصا تتمتع بطابع من الغنى. مثال أخير أشرت إليه في المقدمة وهو أن الشعر المغربي، من الاستقلال إلى الآن، استطاع أن يقطع في سنين معدودة -عقدين لا أكثر- مسافة طويلة كانت تفصل في تجارب أخرى بين الشعر التقليدي والشعر الحديث. يمكن أن ننظر إلى الشعر المغربي على أنه مختبر تمت فيه عملية تحديث الشعر في ظرف وجيز جدا. هذه مسألة مهمة، وليست عادية، بل استثنائية، ذلك أنه في المشرق مثلا الشعر الحديث تحقق عبر مراحل بينما في المغرب كان هناك نوع من التسريع في عملية الحداثة الشعرية، وهذا ما يعطي للشعر المغربي أيضا شحنة خاصة تميزه عن الشعر في أقطار عربية أخرى. - الكتابة ماذا تحقق للكاتب هل التعبير فقط عن الذات، هل التعبير عن أفكار عصره، عن جمالية عصره؟..
- بالنسبة إلي الكتابة، هي حاجة حيوية، ليست مسألة عابرة. الكتابة هو اليومي، هو الحضور في الذات، لسبر أغوار الذات، ولكن كذلك الحضور في تجاه العالم/الكون الذي نعيش فيه، حضور تجاه البشرية. هو حضور بكافة الطاقات التي يمتلكها الإنسان. هناك من يعيش بنوع من اللامبالاة تجاه الأقارب، تجاه الوطن، تجاه العالم، تجاه البشرية الخ.. بينما الكاتب وظيفته هو هذا الحضور المستمر، هذا الحضور في كل لحظة، بل ربما الحضور حتى في النوم [ضاحكا] في أحلامه وكوابيسه.. لكي يتمكن الكاتب من أن يقدم شهادة متكاملة عن العصر الذي يعيش فيه، عن المجتمع الذي يعيش فيه، عن المجتمع البشري أيضا، عليه أن يعبئ كل هذه الطاقات، الطاقات المعروفة عند الإنسان، بل ربما يخرج من أغواره طاقات أخرى غالبا ما نتناساها في أعماق الكائن البشري. هذا بإيجاز كيف أعيش أنا شخصيا حالة الكتابة.- وقت الكتابة، هناك نوع من المتعة، وهناك أيضا نوع أو لحظات من الألم تكمن في تشكيل الأفكار، تأمل أوضاع ومواضيع وحالات، في البحث عن الكلمات.. كيف تعيش لحظات الكتابة هذه بنوع من الألم ونوع من اللذة أيضا؟
- الكتابة تقوم بالفعل على هذا المزيج بين الألم والمتعة. الألم، لأن الكاتب يواجه دائما الصمت، ويحاول أن يخرج من هذه المادة مادة أخرى هي مادة الحياة والتعبير عن الحياة. إذ هنالك تمزق يعيشه الكاتب، وهنالك أيضا نوع من مواجهة هذا الصمت وبالنسبة إلي: هل سأستطيع، أتوفق في التعبير بشكل عميق عن الأشياء التي أعيشها ومواجهة الصمت أم لا؟ هنالك نوع من الحيرة دائما أمام ما يسمى بالصفحة البيضاء الرهيبة. هل سأكون على موعد مع الكلمة، مع الكلام أم لا؟ في هذا اليوم، أو في هذا الأسبوع، أو في هذا الشهر، أو في هذه السنة.. هنالك نوع من الحيرة، ومن الخوف أحيانا: هل ما نحمله في أحشائنا، نستطيع فعلا أن نعبر عنه أم لا؟ هذا هو مجال التمزق أو مجال الألم أو نحوهما، ولكن هناك من جهة أخرى مجال المتعة. المتعة، هي عندما تلمس بعدما كتبت نصا، قصيدة مثلا أو صفحة نثر، تشعر أنك خلقت من العدم شيئا جديدا يتميز بنبرة معينة، بموسيقى معينة، بفكرة معينة.. هذا النوع من الابتهاج الذي مرده إلى أنك استطعت أن تخرج من الصمت مادة الحياة هذه، وأن تخرج شيئا جديدا لم تكن تتصوره حتى أنت. فعندما يولد النص، ينجز.. ربما كان أول من يفاجأ به هو الكاتب نفسه، لأن النص عبارة عن كائن جديد، وهذا فعلا هو منبع تلك الغبطة أو ذلك السرور، ومعنى ولادته أنك انتصرت على الصمت، واستطعت أن توجد شيئا لم يكن موجودا من قبل.
- كنت دائما كاتبا يكتب في ظل الالتزام الإنساني عامة، كيف عشت ما يسمى "انهيار الإيديولوجية الاشتراكية" في بعدها الإنساني؟
- نعم، الكاتب هو ربما الذي يعبر عن استمرارية الحلم. الحلم الكبير نشأ مع الإنسانية، مع البشرية. وهذا الحلم مستمر، عبر القرون، وسنحمله إلى النهاية إذا كانت هناك نهاية معينة. فانهيار بعض الأحلام، أو ربما بعض الأوهام أحيانا لا يعني أننا نتخلى عن الحلم، على العكس من ذلك الحلم يجب أن يكون أكثر عنادا حينما ينهار جزء منه. والكاتب أو المفكر يواجه، دائما، التحدي التالي: عندما تنهار الأشياء من حوله كيف يعيد بناءها؟ كيف يعيد بناء الحلم، كيف يعيد بناء الحرية، كيف يعيد بناء مستلزمات الكتابة ومعنى الكتابة أيضا؟ ليس من حق الكاتب أن ينسحب من المعمعة.. وكما انطلقت في بداية حديثي أن من معاني الكتابة هو هذا الحضور للوضع البشري، الحضور للذات الخ.. لا يستطيع الكاتب أن ينسحب، هو دائما مفروض عليه أن يكون حاضرا، وأن يواجه العالم كما هو، وأن يحاول أن ينحت، في قلب هذا الواقع، واقعا مغايرا يحمل ما تبقى من الحلم أو يبدع أحلاما جديدة..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شاعر المقاومة
عمر يحيى -

أعرف اللعبي شاعرا كبيرا وجريئا دفعت به كتاباته قبل مواقفه إلى السجن. فقد سلخ الرجل خمس عشرة سنة من حياته محروما من الحرية إلا حرية التفكير والغضب. وكتب عن المنفى والسجن. أود أن نقرأ عن هذين المحورين مستقبلا. وتنم أجوبة الشاعر عن ذكاء حاد وقدرة على التحليل والتفكير والتركيز لا يخطئها القارئ. شكرا لجدير ولإيلاف

شاعر المقاومة
عمر يحيى -

أعرف اللعبي شاعرا كبيرا وجريئا دفعت به كتاباته قبل مواقفه إلى السجن. فقد سلخ الرجل خمس عشرة سنة من حياته محروما من الحرية إلا حرية التفكير والغضب. وكتب عن المنفى والسجن. أود أن نقرأ عن هذين المحورين مستقبلا. وتنم أجوبة الشاعر عن ذكاء حاد وقدرة على التحليل والتفكير والتركيز لا يخطئها القارئ. شكرا لجدير ولإيلاف