جديد خالد البدور: مطر على البحر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جورج جحا من بيروت: قصائد الشاعر الاماراتي خالد البدور في مجموعته الاخيرة "مطر على البحر" صفات خاصة مميزة.. فهي تقوم على التصوير وتتسم ببساطة قد تكون خادعة احيانا لانها مدروسة لتأتي خلاصة و"حلا" لتناقضات الحياة وتعدد ألوانها.
وفي قصائده وصوره يسود صفاء قد يغرق في التفاصيل احيانا لنصل معه الى اكتشاف وحدة الحياة.. ولا وحدة الا اذا توحدت فيها تفاصي.
قصائده التصويرية نستطيع ان "نقرأها" حرفيا فكأنه رسام ينقل الينا مشهدا بدقائق عديدة فيه. وقد نكتشف احيانا ان بعضها الذي يبدو حرفيا وتفصيليا سرعان ما يتحول في فهمنا الى رمزي يتسم ببساطة كذلك. والشاعر في مختلف الحالات يبدو قادرا على ان ينقل لنا سمات من الوجود بما فيه من ألوان وروائح ومن افول وشحوب وان كان تركيزه على عالم الشحوب والافول يبدو اشد من اهتمامه بمجالات اخرى.
وقد وردت مجموعة خالد البدور في 151 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
على الغلاف كلام عن الشاعر منه قول للدكتور عبد الواحد لؤلؤة حمل صفات تبدو بارزة في سائر شعر الشاعر ولكنها قد لا تنطبق دائما على كل قصائد المجموعة الاخيرة. وجاء في كلام لؤلؤة "اللغة الغالبة في شعر خالد البدور هي الصورية. وهي صورة لا يشوبها غموض ولا ضبابية... انك لا تحس بالضياع وانت تقرأ او تعاود القراءة. ليس في هذه الصور غموض ولا حذلقات لغوية ولا اشارات ثقافية غامضة."
توزعت قصائد المجموعة على عدد من العناوين الفرعية. اول هذه العناوين ربما بدا -على ما يوحي به من بساطة- حاملا ابعادا منها الفكري والايمان.
والعنوان هو "البحر الذي ليس قبله شيء". القصيدة الاولى فيه هي "ستعود" حيث يقول ببساطة وهدوء مميزين عنده وبما يحمل في العمق ما هو ابعد من البساطة الظاهرية.. "فوق البحر/ شمس ستختفي بعد قليل/ فوق السحب/ قمر/ سيطل على الارض/ وبعد رحلة ليل/ مليئة بالاسرار والحب/ ستعود الشمس الينا/ ستعود/ لانها/ لم تذهب ابدا."
في قصيدة "هذا الساحل" رومانسية وحزن وعلى غرار الرومانسيين تتحول الطبيعة وهي هنا البحر الى مكان هو -وان كان يثير الحزن في النفس- وسيلة الهرب من الحزن ودفنه. والواقع ان الشعرية هنا لا تنبع من الكلمات والجمل التي هي اقرب الى الكلام العادي بقدر ما تنتج عن الصورة النهائية اي الصورة الكبيرة.
وفي موقف -من حيث صوره ومشاعر تتجلى فيه- هو مألوف لدينا في قصائد عديدة وفي كثير من الاغنيات وفي الحديث عن القصور الرملية وخيبة الامال وغير ذلك يقول خالد البدور "سأحفر الرمل/ رمل الساحل الرطب/ سأغرز اصابعي/ عميقا/ وستهبط روحي/ تهبط ببطء/ وفي صمت/ يتصعد دفء تحت الجلد/ احفر اكثر.. واحفر/ هذا الساحل اعرفه/ كراحة يدي/ بنيت بيوتا واسعة/ وزعت الغرف/ وراكمت/ ابراج الرمل هنا/ كان الموج يجيء فيدفنها المد/ وأعود اليوم التالي/ أبني/ أعرف/ يمكنني اللعب هنا/ وأدرك يمكن دفن الاحلام/ ويمكن ايضا/ دفن/ الحزن/ هنا."
في قصيدة "غمام" يحملنا الشاعر مرة اخرى من الحرفي المباشر وعبر مجردات الى ما هو ابعد.. الى وحدة حياة تضم الماضي والحاضر والاتي ولربما الذي نتوهمه اتيا ولا يأتي. يقول خالد البدور في جمال يطل في غلالة حزينة مصورا الاشياء والمشاعر الخفية.. "الفجر ازرق/ استند الى الجدار قرب النافذة/ مصباحي ما زال حيا/ وقد ارهقت القراءة عيني/ صوت طائر يصلني من مكان ما/ ولم يصل النوم بعد/ غمام ذكرياتي يغشاني/ اراني والرمل بارد مستلقيا/ هالة البدر مكتملة/ الارض بيضاء.../ اجوب ماضي/ عابرا السنوات في برهة/ ارى الوجوه كلها/ لكنني انسى الاسما.
"السماء بعيدة/ اهوية الشتاء/ تهفهف امواج روحي/ الفجر يذهب/ ينام المصباح والطائر/ وتستيقظ السنوات/ ارى الوجوه/ اراها كلها."
خالد البدور يوهمنا بالبساطة والوضوح. وعلى طريقة نقاد عرب قدامى في الحديث عن "الجهد لاخفاء الجهد" يقول ما يقوله ويخبيء وراء الكلمات الكثير الكثير.
(رويترز)