وطار: ما أن يشتهر ناقد ما، حتى يصبح آلة للانشاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد العزيز جدير من طنجة:يعتبر الراحل، كاتب ياسين، اللغة الفرنسية غنيمة حرب. وقد أبدع إلى جانب زملائه من الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية نصوصا مدهشة: "نجمة" (كاتب)، "الحلزون العنيد" (بوجدرة)، "الحريق" (محمد ديب)، "النهر المتحول" (رشيد ميموني)... وقد تأخر الإبداع (ومنه الروائي) باللغة العربية في هذا القطر. وكان الطاهر وطار من أئمته.
-عمي الطاهر، كما ترغب أن أناديك، كيف أتيت إلى الكتابة؟
-هل سألت نفسك، لماذا تكتب عمي الطاهر؟
-أكتب لأنني أشعر بحاجة داخلية، بالامتلاء. أكتب لأفرغ ما يمتلئ به صدري. هذه حقيقة، لأنني لا أكتب كمحترف، بل أكتب كهاو. ومنذ سنة سنتين أو ثلاث سنوات أو أربع أجدني ملزما أن أقول شيئا، أن أفرغ ما في صدري، ما بداخلي..
-أنت تكتب منذ عقود، هل يمكن أن تحدد لنا لماذا تكتب؟ ماذا حققت لك الكتابة؟ هل سبق أن طرحت هذا السؤال على نفسك؟
-تحقق لي الكتابة التوحد مع الآخرين. التوحد مع الأرض، مع النجوم، مع السماء، مع الله، مع كل الكائنات.. الكتابة تثبت وجودي إلى جانب وجود كل الكون. هذا ما تحققه لي الكتابة. وأشعر أنني غير معزول، غير منفصل، موحد مع كل ما في الكون مما أراه وأسمع به.
-بالرغم من أن هناك فاصلا ومسافة بين الكاتب وشخصياته، عامة، هناك إشارات قريبة مما بحت به الآن وورد في الرواية "عودة الولي الصالح إلى مقامه الزكي" في الصفحة (119) نقرأ من مقاطع من رسالة بعث بها عبد الله عيسى لحيلح يتحدث عن القصيدة والشعر، أي الإبداع عامة، ويقول "إذ وظيفة الشعر كفن هي صناعة الإنسان إذ أن كثيرا ممن نراهم خامة إنسان أو إنسان خام، ما عليه إلا أن يستسلم لأصابع الشرائع والثقافات لتصنع منه خلقا آخر"، ثم نقرأ في مقطع آخر ورد بالصفحة (122) في معرض حديثه عن الحرب، الحرب عادلة كانت أم جائرة فهي كالحياة حين نوجد بها نعيشها، يقول: "لكن في الشعر فضاءات أخرى، أروع من الحرب ومن السلم، من الحياة ومن الموت، فضاءات تستغرق لحظات قلائل لكنها أغنى من كل شيء. ربما لأنها ترفع الإنسان إلى مستوى آخر غير المستوى الطيني الذي خلق منه، تعيده إلى الملكوت."
-هي رسالة ليست من تأليفي. هي من تأليف الأستاذ لحيلح هو شاعر وأستاذ بجامعة قسطنطينة، اضطرته الظروف كي يتواجد في صفوف المحاربين في الجبهة الإسلامية أو الجيش الإسلامي للإنقاذ، ولسبب ما اختار شخصي، وأنا أختلف معه كل الاختلاف، ليتواصل معي كتابة. وأبدى رأيه. وطبعا أنا كمنقب عن كل تجاويف أفكار وعقول وذهنيات الإسلاميين والإسلامويين وجدت في هذه الرسالة بعض ما يقوم حجة على بعض ما أردت أن أقوله في الرواية. وهو ما صاغه المثل الشعبي الجزائري، "اللِّـي وَلَّـى على الجَرة تْعَبْ". فوجدت في هذه الرسالة عودة إلى الماضي ثم عودة إلى الحاضر ثم انسلاخا من هذين الزمنين، وهي رسالة حقيقية، بل هما، في الحقيقة، رسالتان ما تزالان موجودتين في محفظتي. وصنعت منهما نصا فنيا مرتبطا بي أكثر مما هما مرتبطان بمؤلفهما الأستاذ عيسى لحيلح.
-عمي الطاهر، أشرت إلى أنك لست كاتبا محترفا لكنك تكتب لتفرغ بعض ما في النفس والذات، وهذه فكرة ذكرتني بقول شبيه لجان كوكتو. هل لديك طقوسا معينة في الكتابة؟ متى تكتب، أين..؟
-[مقاطعا]، أي نعم، نعم. أكتب تقريبا بين ثلاث إلى خمس سنوات. أكتب، أحرر، ولكنني أعايش الموضوع طوال هذه الفترة. ولا أكتب إلا في شهر غشت. وأنا ولدت في منتصف شهر غشت، سبحان الله العظيم، كأنني أحاول العودة إلى البداية.
-إلى الجنة المفقودة؟
-تماما، تماما. وأكتب جالسا على مقعد سواء في مقطورة، أي كرفان، أو كما هو الأمر، الآن، منذ سنوات في وكر لي على حافة البحر مع مؤثرات خفيفة تشدني إلى المقعد وأشتغل من ثمانية إلى تسعة ساعات يوميا من دون انقطاع. وعندما أتوقف عن الكتابة، على الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة، أعيش مع الموضوع إلى غاية يوم الغد على الساعة التاسعة صباحا. حيث أشرع في الكتابة. فأنا أكون في حالة صوفية رائعة، وأكون كما أقول في حالة (pilotage automatique) [ضاحكا] أي قيادة طائرة بطريقة آلية حيث أضع نفسي في مستوى عال من الروحانية، وأستمر في الكتابة. وأنا لا أكتب مرتين النص بل أكتبه مرة واحدة ولا أشوهه حتى يظل مادة للباحثين، للنقاد، للأجيال الآتية. نصوصي، قبل الثمانينات كنت أكتبها بخط اليد، الآن صرت أكتبها على الحاسوب وهي موجودة كما ألفتها. محفوظة.
-ألا تلجأ إلى فترة تنقيح للنص؟
-أبدا، أنقح بقلم أحمر الأخطاء اللغوية والإملائية. المفردات، أضع سطرا تحت الأخطاء كي أتأكد منها عندما يتيسر لي الوقت. أنا أومن أن النص يمكن إعادة كتابته عشرات المرات، وهو أشبه ما يكون بوجه امرأة. يمكن وضع المساحيق عليه بين حين وآخر، وفي كل مرة يتغير الوجه، وأنا أفضل الوجه الأصيل، الوجه الأول الذي خرج مني بإرادته وبتعاون مني أيضا.
-الثماني ساعات التي تقضيها في الكتابة يوميا، ما هو حصادها من حيث عدد الصفحات التي تفلح في كتابتها؟
-تلاحظ في أعمالي ميلي نحو كتابة الفصول. كل فصل هو نتيجة يوم من الكتابة. ورواية "الولي الطاهر" كتبتها خلال ثلاثة عشر يوما. واستغرقت حوالي ستة أيام في تصحيحها على الحاسوب، والإنسان لا يستطيع تصحيح أخطائه لأنه يقرؤها صحيحة بالرغم من أنها ليست كذلك، لا ينتبه إليها. لذلك استعنت بزوجتي وبأصدقائي. وعندما عدت في أواخر غشت من سنة (1999) لأسلمها إلى المطبعة دفعت بها إلى المطبعة من دون إلقاء نظرة عليها. رواية "الزلزال" كتبتها خلال أربعة عشر يوما، رواية "القصر والحوات" خلال ثلاثة عشر يوما. وثلاثة عشر يوما تعني مائة وثلاثين ساعة في المجموع. هذا العدد من الساعات يكتبه الإنسان العادي في ظرف سنة أو أكثر من سنة..
-لكن المعايشة تطول وتدلل الصعاب وتنضج الموضوع وقد تسرع من كتابته حين تنقض عليها...
-المعايشة؟ خلال سنوات أصادق الناس وأخاصمهم وأعاديهم في إطار الموضوع الذي يشغلني. ولا فرق بين وطار الكاتب ووطار أحد البطل الرواية، ولا فرق بين الشخص الذي أمامي والذي أختاره للرواية أو أحد شخوص الرواية الأصلي. في الحقيقة، التأليف ليس حالة تحضير فقط، بل التأليف هو المعايشة الدائمة للكاتب لمواضيعه.
-وأنت تكتب وأنت تنقح، كم مرة تلجأ إلى القاموس، تستعين به لتدلل الطريق نحو معنى، صورة..
-معي القاموس باستمرار. قاموس "الرائد"، وأعود إليه حينما أشك في مفردة وأحيانا أضع سطرا تحت المفردة التي أشك فيها لتصحيح اللغة. فهناك تداخل بين الفصحى والعامية، والفصحى والبربرية..
-وربما الفصحى واللغة الفرنسية...
-قليلا.. مرة كنت بصدد تحرير رواية "الاز"، وحضرتني صورة لا أعرفها إلا بالأمازيغية، "إِلْسَلْوَنْد" أقول، أعجبتني الصورة وهي حالة طقس ساكن تأتي عادة في أواخر فصل الربيع. فعدت إلى القاموس أبحث عن "الوند" قلت قد تكون هي "الوَمَدْ" مثلما نقول لمحمد محند. وجدت فعلا أن الومد هو حالة الطقس الساكن. فقلت إن إِرْدْ هي مثل رسا يرسو من الرسو وضحكت وقلت هذه هي لغتي بالرغم من أنها عربية فصيحة، إلا أن لا أحد يفهمها سوى من علمني إياها. القاموس، أداة ضرورية للكتابة، والآن لا أستعمل القاموس فقط بل أستعمل المصحف لمراجعة الآيات التي تحضرني، كما أستعمل كتب التاريخ للتأكد من معلومات تحضرني.
-كانت هناك مرحلة قرأنا لك نصوصا تميزت بحماس إيديولوجي. وأشير إلى ذلك الحوار الجميل والمثير الذي أجري معك ونشر بمجلة "الطريق" اللبنانية، كيف تقيم تلك المرحلة السابقة التي كتبت خلالها تلك النصوص؟
-إيديوجيتنا هي إيديولوجية الحالمين أو الطوباويين. الحالمين بالعدل المطلق. وأنا لم أتخل عن هذه الإيديولوجية، ما زلت أقف على جزيرة وأقول إنها جزيرة ليست من ملح قابلة للتعرض للذوبان، بل هي جزيرة صلبة وصلدة وأبحث عن الجسر الذي يعبر بي إلى السلامة، كما يقال، [ضاحكا]، والحلم في انتشار العدل، العدل في توزيع الثروات، في تخفيف آلام البشر، وهو حلم ماركسي، وحلم إسلامي، وحلم إنساني، وحلم بشري، وحلم قرمطي.. حلم، كل الشرائع السماوية تسعى إليه. وأنا لم أتخل عن هذا الحلم، قد يتغير حسب الظروف والموضوع، يتغير الأسلوب ولكن الحلم باق، ولكل مقام مقال. ولابد أن نعبر هذه الجزيرة التي لابد أن تذوب إلى عالمنا..
-عمي الطاهر، ما الأسماء التي قرأت لها، والنصوص التي قرأتها بنوع من الشغف ويكون لها أثر في دفعك نحو الكتابة ضمن هذا الجنس الذي كتبت تحت رايته عدة نصوص؛ أقصد الرواية طبعا.
-بدأت بكتابة القصة القصيرة عندما اطلعت على مجلة "القصة" المصرية..
-في مكتبتي، عمي الطاهر، مجموعة قصصية لك عنوانها "دخان من قلبي"، لون غلافها أخضر..
-آه، آه.. "دخان من قلبي"، هي انتخاب لإحدى عشرة قصة من مائة قصة كتبتها. وأنا لا أومن بأننا نكتب بماء الذهب بل كل ما نكتبه عرضة للضعف، وعرضة للقوة، وعلينا أن نتأكد من صلاحية نشره. أنا قرأت الرومانسي العربي جبران خليل جبران، الشابي، ميخائيل نعيمة، الرافعي، صاحب "النثر الفني" الدكاترة، كما يقال..
-زكي مبارك..
-نعم، زكي مبارك. وبعد هؤلاء، اكتشفت الترجمة فقرأت وما أزال أقرأ ما يصل بين يدي من كنوز التراث الإنساني إضافة إلى الملاحم والترجيديات الإغريقية، وهنا أفتح قوسين، لأقول إن من لا يعرف الملاحم الإغريقية، ومن لا يعرف أسلوب شكسبير ولا يعرف كيف تكتب الملحمة لا يمكن له أن يكتب أكثر من رواية. قد ينزل علينا الوحي بالنسبة لرواية ولكن لا بد من التقنيات، وأصل تقنية كتابة الملحمة إغريقية شئنا أم أبينا. قرأت أيضا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. أنا أميل وأرتاح لتوفيق الحكيم أكثر من نجيب محفوظ، إذ أجد فيه نوعا من الانسيابية، يكتب كما يشعر. يكتب السكيتش بالدارجة، يكتب مسرحية بالفصحى، يكتب رواية، يكتب مذكرات.. لا يجبر نفسه، كما يفعل، ربما الأستاذ الكبير، نجيب محفوظ.
-ما الأعمال الأدبية التي هزت نفسك كقارئ، شغلت ذاكرتك كمتلقي، وقد تكون الذاكرة ما تزال متلحفة ببعض نداها وطراوتها..
-لا أخفي دائما أنني متأثر بالكاتب الأمريكي، هيمنجواي، في الإنشاء من حيث الجملة القصيرة والمفردة التي لا يمكن تعويضها. المفردة الرصاصة التي عندما تنطلق تنطلق. ومتأثر بماكسيم غوركي، الكاتب الروسي السوفييتي في وصف الحضيض، النزول إلى الناس ومتاعبهم ومشاعرهم، ومتأثر بالكاتب الفرنسي جان بول سارتر من حيث أولا التحليل النفسي، وثانيا تطوير القص وتطوير الحكي وتطوير الرواية بواسطة الحوار، حيث لا يكون الحوار فقط حوارا بل هو أيضا حكي وقص وسرد. وطبعا ملتزم بأسلوب الملحمة عند شكسبير وأسخيلوس.. ملتزم بهذا تماما وعن وعي قوي.
-رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه"، متى تم اختيار عنوانها قبل الشروع في كتابة الرواية، أثناء كتابتها، بعد الانتهاء منها؟ وهل كان للعنوان أثر في تطوير الأحداث، صياغتها؟
-الاختيار، وقع قبل كتابة الرواية ولكن كان هناك جدل خاص بين اختيار الفعل في زمن المضارع "يعود" أم المصدر "عودة الولي الطاهر إلى مقامه".. فارتأيت أن "يعود" فيها ديناميكية، وفيها تأثير الفعل المضارع الذي قد يصلح للماضي وللحاضر وللحال. والولي الطاهر هو التلخيص لهموم الحركة الإسلامية المعاصرة وخاصة الحركة التي تدعو إلى العودة إلى الأصول، "حركة الهجرة والتكفير". فاستعملت العودة، واستعملت الولي وهو صاحب المقام، ويقدسه الناس، ثم الطهارة. تجنبت الصلاح لأن الصلاح مرتبة يتمناها حتى الأنبياء. وهؤلاء الناس يدعون ويزعمون البقاء على الوضوء رغم المؤثرات المحيطة بهم. وكما لاحظت على امتداد الرواية، الولي الطاهر حافظ على وضوئه فلم يمسس بلارة، ولم يتدنس بأي شيء، وخرج من المدينة إلى الفيف، إلى الصحراء، وإخواننا يدعون إلى هجرة المدينة والعودة إلى المبادئ وترك الأسلحة التي تستعمل حاليا والعودة إلى السيف. فصغت الحالة في ومضات بين العودة إلى الماضي والعودة إلى الحاضر وبين التطهر وبين ضرورة الخضوع إلى متطلبات الزمن ومتطلبات العصر.. وأعتقد أنني وجدت في هذه الرواية مفتاح ذهنية حركة حديثة أثرت وتؤثر في التاريخ منذ محمد بن عبد الوهاب إلى بن لادن في الزمن الحالي.
-عمي الطاهر، أشرت قبل قليل إلى سارتر كواحد من الكتاب الذين تأثرت بهم. وقد قال ذات يوم "ماذا تستطيع رواية "الغثيان" أمام جائع في إفريقيا؟"، وأسألك ماذا يستطيع الأدب أمام (البشاعة أو) هذا الوباء، وقد حرضك على الكتابة..
-الأديب ليس جنديا في معركة. هو مواطن من المواطنين يعبر عن حالات عصره، عن زمن قد ينفع في تلكم الفترة وقد ينفع في فترة قادمة، وقد لا ينفع أو لا يضر أصلا، فقد يعكس الحالة فقط. أنا ضد التزام سارتر وغير سارتر إلا إذا كان انعكاسا لطبيعة الكاتب، أي كان الكاتب سياسيا ويعيش ظروفا سياسية مثل ظروف محمود درويش حين يكون الكاتب مناضلا لحظتها يكون الالتزام نابعا تلقائيا من وضع الكاتب، أما أن نعتبر الكاتب جنديا في معركة ونقول له عليك بكذا وكذا.. فنقوم بتدريبه، فأنا ضد هذا الالتزام.
-في المقدمة التي كتبتها تشير إلى هذا الأمر ثم تثير قضية تعامل النقد مع الإبداع..
-نعم، النقد في عالمنا العربي نقدان: نقد تمارسه الجامعات والأكاديميات ويمارس عبر الطلبة المتخرجين وبإشراف دكاترة ووفق إتباع منهج. وهذا من المفروض أن يكون نواة النقد العربي، ما عدا ذلك فهو ممارسات شبه نقدية ليس موجهة لا إلى نفع الكاتب ولا إلى ضره ولكن إلى مجلات من أجل الحصول على قرشين حُلْـِوينْ وغالبا ما توجه إلى صحف أو مجلات أسبوعية أو يومية، سريعة الاختفاء. ولا بد أن تستغرب كيف يستطيع ناقد أن ينقد عدة أعمال في شهر واحد كأن يقرأ خمس روايات أو ست في شهر واحد ويبعث المقالات. وأنا أعتبر أن هذا النقد بدائيا أو شبيها بالتقرير. فهو ليس نقدا. وهذا الصنيع عام في العالم العربي، وبمجرد ما أن يشتهر ناقد ما، ولا أسمي أحدا، حتى يصبح ماكينة، آلة لصناعة المقالات حول فلان أو فلتلان ويهتم هؤلاء الناس فقط بالأسماء المشهورة ويتركون العبقريات الناشئة ولا يلتفتون إليها ليبرزونها ويكشفونها للناس بل يتجاهلونها وكثيرا ما تموت هذه العبقريات في مهدها. أذكر أنني قرأت رواية "الخيول" لأحمد يوسف داود من سوريا كما قرأت رواية المباءة لعز الدين التازي، في سنواتها الأولى، من المغرب، وتساءلت كيف لا تدخل هاتان الروايتان مجال النقاد.. ويبقى حنا مينة هناك، والطاهر وطار هنا، ومحمد برادة في المغرب، ويعيش هؤلاء النقاد على سمعة غيرهم.
-وعلاقتك بالنقد تبدو جيدة من حيث الكتابة، لكن هل أفادك النقد في إغناء تجربة الكتابة؟
-لقد أنصفني النقد بحوالي (%95)، ولا أشكو من الكتابة عني. لكن لا أستفيد مما يكتب، يقول النقاد كذا وكذا، يكتبون مليح، يكتبون مليح.. وشوية يستأسدون عن هذه أو تلك.. لكن لا يهمني ذلك، ما يهمني حقيقة هو لماذا يتوجه النقد هذه الوجهة ويهمل تجارب جديدة أو شابة تستحق الكتابة.. يا مولاي قرأت رواية لروائي مصري جميلة جدا. لا أذكر صاحبها، ولكن أذكر عنوانها "خافي قمر"، لا أحد كتب عنها، ورغم ذلك يكتبون عن الغيطاني وعن القعيد وعن فلان وفلتان.. فهذا النقد الذي لا يواكب عبقرية أمته وشعبه في تطورها وفي تشعب مساراتها ليس نقدا. سبحان الله العظيم.
-كأن هؤلاء النقاد يتبركون بهذه "الأسماء الكبيرة" كما يتبرك بالأولياء الصالحين...
-يتبركون بالأسماء، بالأولياء الطاهرين والصالحين.. [ضاحكا]
-درجت الرواية على عنونة الفصول، هل العنونة مفاتيح لإضاءة النص أم تهدف إلى تنوير القارئ وتوجيهه؟
-نعم، هي إضاءة للقارئ وتوجيه له. في الوقت الذي اتبعت فيه أسلوب كتابة الرواية بشكل الملحمة الإغريقية القديمة فجعلت العراف والتنبؤات وما يشبه ذلك. في الوقت نفسه اتبعت الأسلوب الحديث، أسلوب الفلاش باك، أسلوب العودة إلى الوراء.. فاضطررت إلى اتمام الرواية أو إعطاءها مفاتيح للقراءة عبر تلكم العناوين حتى يعرف القارئ أن الفصل الأول ليس هو بداية الرواية ولا الفصل الأخير هو النهاية، ثم هناك محاولة أولى لإنهاء الرواية، ثم محاولة ثانية وثالثة وبعد ذلك هناك هبوط اضطراري ثم أعود إلى الفصل الأول. فقد اتبعت أسلوبا حلزونيا، لولبيا. فاللولب عندما يكون يدور ليس له أول ولا آخر ولكن نستطيع أن نشعر القارئ أو المتفرج أن هذا اللولب بدأ. في البدء كان الإقلاع ممثلا النسبة للرواية.
-وهذا البناء الحلزوني شكل يقول إن هذه الحالة أو هذا الوضع لا يريد أن ينتهي.
-هذه هي، كما قلت قبل قليل، حكاية المقدمة المنطقية للرواية هي "اللي ولى على الجرة تعب" أي من عاد يتقصى أثره سيتعب لا محالة. هو مثال شعبي وهو المقدمة المنطقية للرواية. العودة ليست عودة واحدة، هي عودات وفي كل مرة فيها أتعاب.. وحتى عندما وصلتُ إلى نهاية الرواية قلت سيعود مرة أخرى. وستظل العودة متواصلة وهي تقنية، فيما أعتقد، أجبرني عليها الموضوع، والحالة السياسية العامة في العالم العربي الإسلامي.
-يبدو أن هذا الأمر ليس خصيصة عربية إسلامية بل هي أيضا خصيصة جزائرية بامتياز حيث نلمسها في كتابات المبدع الكبير، كاتب ياسين، في روايته "نجمة"، تظل الأحداث والأشياء تتكرر ولا تتطور ولا تصل إلى نهاية، وتظل تعود...
-نعم، [بعد طول تفكير] لربما، ولكنني شخصيا أعتقد أنه أمامي حالة وأمامي موضوع. وقد يكون كاتب ياسين متأثرا بمحاولات الشعب الجزائري لتحرير نفسه. المحاولة الأولى فالثانية فالثالثة وتظل الحالة مفتوحة، ربما لم يقصد هذا الأسلوب، ربما جاءه عفويا..
-ثم هذا التساؤل عن الهوية هو مسألة جزائرية تشغل الجزائريين، وقد نقرأ في هذا العودة المتكررة (إلى الأصل) نوعا من التساؤل عن الهوية..
-[مقاطعا] ليس تساؤلا بمعنى الكلمة عن الهوية [ثم مفكرا لحظة] بل هو خوف على الهوية. الولي الطاهر هرب من المدينة خوفا على هويته الطاهرة: الهوية الإسلامية فهرب إلى الفيف امتثالا لما يدعو إليه أصحاب "الهجرة والتكفير".
-ثم هذا الانتقال المتعدد في الأمكنة.. ذكرني الآن بكتابات (بلزاك)، مثلا، حيث يتعرض لأحداث تقع في باريس ولندن، وهو الأمر ذاته الذي نلمسه في بعض نصوص (ديكنز) أيضا منها كيف تمور قضية الثورة في لندن وباريس في روايته "قصة مدينتين". القضية تتعدد في كل الفضاء الأوربي. روايتك، في بداية النص تشير إلى مدينة القاهرة ثم تليها الجزائر، وأفغانستان وهناك إشارة لتونس من خلال مدينة..
-الولي الطاهر تناولت الظاهرة الإسلامية أو ما يسمى بالنهضة الإسلامية ليس فقط في الجزائر، بل كما أشرتَ إلى ذلك في القاهرة وفي أفغانستان. فصول تدور وقائعها هناك حيث يحارب مع قوم آخرين في أفغانستان وكذلك الشيشان. فأنا محكوم بحالة عامة وليس بحالة جزائرية محظ. وهي ليست حالة عربية فقط بل هي حالة إسلامية عامة بدافع الحذر من ثقافة ونمط الحياة الغربي الغازي، ظل يغزو وينتشر حتى تحول إلى وباء في الرواية. ولكن، كما تشير الرواية، هذه الجرثومة، هذا الوباء لحق بالقصر نفسه، كما اكتشف أنه منتشر داخل القصر وهو الذي جعل الولي الطاهر يعود ولا يعود، يعود فلا يصل، ويصل فلا يجد نفسه الخ...
-درج بعض النقد على دراسة العمل الروائي عبر الفضاء، من ذلك أن فضاء البيت امتداد لحميمية الذات ولذلك فهو فضاء آمن... لكن طبيعة الموضوع الذي تعالجه الرواية جعل الرواية تنقلب على ذاتها، حتى الفضاءات الداخلية أصبحت غير حميمية...
-[مقاطعا] بل غير موجودة أصلا...
-[متابعا] مثلا في الصفحة (89) نقرأ ما يلي: "كنت قد أسرعت إلى الوراء فلم يؤثر انفجارها سوى في الباب الذي اهتز مبتعدا عن الحائط. كبّرت ثلاثا واقتحمت. كانوا قد تجمعوا في غرفة واحدة على ما يبدو لكن من الحيطة أمرت المحاربين بخلع أبواب الغرف الأخرى في الطوابق الثلاثة..." حتى الفضاءات الداخلية لم تعد حميمية، لم تعد آمنة بتاتا.
-طبعا، طبعا. هذا مؤكد. هي حالة رعب، حالة إرهاب. حالة نسف كل ما يأوي الحياة. وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية هو مستوى متطور لما حدث عندنا في قرية واحدة من قرى الجزائر. الإرهاب عندما يضرب يصل إلى حالة من العمى والجنون ومن غياب العقل بحيث يهدم ويهد كل شيء. والرعب عندما يسكن الإنسان. يسكنه كاملا لا يدري أين هو الجانب الآمن وغير الآمن. وهذه حالات عشناها إحنا في الجزائر، في منتصف التسعينيات (1995-1996)، تمر على سيارة فلا تدري هل هي سيارة طيبة لن تنفجر أم هي شريرة فتنفجر. تعبر على جسر، فلا تدري هل سيمنحك الحياة فتعبره بسلام أم قد ينهار. وجاءت المناظر التي رسمتها في هذه الرواية انعكاسا لحالات أعيشها ويعيشها زملائي ويعيشها جيراني وأهلي...
-النص الروائي يروم تصوير وضع، رسم مناخ. ويذكرنا هذا الوضع بما مارسه وليام رايش من تحليل نفسي للمجتمع الألماني في مرحلة معينة أي عندما تسكن فكرة واحدة ذهن شعب، تشكل هوس أحشائه.
-صحيح ما تقول..
-عندما نقرأ، عمي الطاهر، هذا المقطع "هوى الفأس على المائدة.. انفجر الدم في كل مكان. في الزاوية الأخرى تنكفئ على نفسها امرأة في الثلاثين، في حضنها رضيع تبذل قصارى جهدها أن لا يلفت الانتباه إليه لكنه خانها. هوى الساطور يقسم الرأس المغطى بمنديل برتقالي اللون. وقع الطفل في الأرض، امتدت قدم تدوسه، فار الدم، صارت الجدران تتراقص، صار السقف يهرب ويولي اختلطت صرخات الجميع المرعبون والمهاجمون"..
-طمحت في هذه المقاطع أن أصل إلى صورة فوتوغرافية للحالة التي يكون عليها القاتل والمقتول في نفس الوقت: الضحية والجلاد، إذا صح التعبير. السؤال المطروح على الإنسان، من داخله، كيف يجرؤ أحد على انتزاع الحياة من غيره بمثل هذه الوحشية؟ أحيانا، شخصيا، عندما أرى نملة تحت قدم إنسان أو قدمي شخصيا أقول كيف تعيش هذه النملة هذا الرعب؟ لو كانت تتكلم، ماذا ستقول؟ لو أن أحدا أراد وصف وضعها ماذا سيكتب؟ عملية انتزاع الحياة هكذا هي أقسى شيء يمارسه الإنسان سواء كانت هذه الحياة تسكن قلب كائن بشري أم حيوان بل حتى نبات. ولله، على كل حال، سنته في خلقه، إنما انتزاع الحياة عملية رهيبة جدا، وقاسية جدا. ونحن كفنانين أولى بأن نحس بهذه الحالة. المواطن العادي، يحس بها ويبكي من أجلها وسوف ينساها، لكن بالنسبة لنا تظل هذه الحالة تعتمل في نفوسنا وفي قلوبنا وفي دمنا وفي رؤوسنا وفي خلايانا.. حتى يجيء يوم فنلعنها بكل بشاعتها.
-هذه البشاعة والعواطف الأخرى غير النبيلة الملازمة لها ستصورها الرواية بشكل نقيض بالحديث عن "الحيوان". الكلب والقط والحمامة. الكلب الوفي بطبعه يبحث عن رأس صاحبه فيعثر عليه ويجمعه إلى جانب الجثة. "بعد لحظة تقدم مطأطأ الرأس من الجثتين، ثم راح يجره من الشعر حتى أوصله إلى الجثة معلنا أن هاتين القطعتين كانتا تساويان قبل ساعات قلائل صاحبه" كأن الحيوانات ظلت محافظة على نبلها الإنساني وأعلن الإنسان حقيقته الحيوانية..
-أعتقد أن هذه الرواية كانت صرخة عميقة مني. كانت صرخة طفل ينزل من بطن أمه منبهرا ومنزعجا مما حوله. ولو أنني أعود لكتابتها مرة أخرى لا أعتقد أنني سأنجح أو أستطيع كتابتها لأنني أعتقد فعلا أنها هربت مني، فلتت مني كما هي. ثم إن تصوير اغتيال نجيب محفوظ، تصوَّر شيخ كبير منحني الظهر، له مكانة وسط الرأي العام العالمي والمحلي والوطني، يُقْدِم شخص آخر...
-لا يعرفه، ولم يقرأه..
-لا أعتقد، بل هو يعرفه ويختلف معه في الرأي، وهذا هو المشكل. لو كان لا يعرفه لهان الأمر، لكنه يعرفه ويختلف عنه في الرأي..
-أعتقد أنه لا يعرفه وهو تلقى الأمر بتنفيذ الجريمة، وهذا أشد بشاعة، فيما أعتقد أن ترغب في قتل شخص لا يربطك به شيء.. لا خيرا ولا شرا، فمن أين تأتي بشحنة الانتقام..
-ربما، لكنه بالتأكيد "يعلم الأسباب المبررة للقتل"؟ يعلم أن هذا الرجل يختلف معه في الرأي، يعتقد أنه كافر أو ملحد فيجرأ على قتل هذا الشيخ؟ في هذه الرواية، سعيت أن أبين أن كل ما حدث في الجزائر يقابله في كفة هذه العملية القاسية: عملية ذبح فنان وأديب. هذه العملية القاسية التي طعن فيها رجل شيخ لم يعد يجري في عروقه دم كاف. تنتظر عروقه وقتا طويلا لتنبع بالدم. عملية رهيبة هي عملية الإرهاب، فاقت كل ما كنا نتصور. فاقت ما شاهدناه في الأفلام وما شاهدناه في الحروب.. الأخ يقتل أخاه وأباه لا لشيء إلا لأنه يظن أو يُوهم أو يتوهم أنه يختلف معه.
-المثير في الأمر أن ما عبرت عنه الآن عمي الطاهر نلحظه في هذا المقطع الجميل من الرواية. هو مقطع تنوع وطال ونلمس في هذا الجزء منه ما يبين أن ليس لأي واحد منهم أية قناعة. في الصفحة (94) لما كان هجوم معين، في مكان معين وصفته الرواية كما يلي: "يهوي الساطور، يتدفق الدم، يتطاير الرأس"، تكررت هذه الجملة مرات لأن فعل القتل ظل يمارس لمدة طويلة، والتكرار يعكس مناخا ولا بد أن الكاتب أراد أن يولد القرف تجاهه. ثم يقول أحدهم: "إذا كنتم حكومة أنا مع الحكومة، إذا كنتم الجيا أنا مع الجيا، وإذا كنتم مع فرنسا أنا مع فرنسا، إذا كنتم مع المسلمين أنا مع المسلمين، إذا كنتم مع النصارى أنا مع النصارى جربوني وسترون..." ثم تتحول الجملة شعار الممارسة: "يهوي الساطور، يتدفق الدم، يتطاير الرأس". المضمون يمرر عبر التنوع، ولكن أيضا عبر المزاوجة بين الجمل الطويلة الجمل التي ترغب في التعبير عن أفكار محددة، والوصف البارد الذي يقدم فعل الموت بشكل موضوعي من دون نبرة الإدانة..
-نعم، الشخصية، هذه، انتهازية تحاول أن تجد منفذا في التلاؤم مع كل الوضعيات ومع الحالة. ولكن هناك شاب آخر يثور ويلعنهم ويقول لهم افعلوا ما تشاؤون. فهناك نوع من المحافظة على توازن في العملية، مع الفعل السلبي، هو يقول "أنا أنسجم معكم وغير خلِّيوني بارك". فالسلبية لا تنفع مع هؤلاء الناس بل ينبغي المقاومة والرفض للموت ولو بإمكانيات محدودة أو منعدمة كما حدث مع الشاب الذي قتلوه بالرصاص.
-وهناك ما يلفت الانتباه في الرواية هو هذا التنوع والانتقال من أسلوب إلى آخر. الجمل الطويلة حين يروم السرد تقديم معلومات محددة (منها وصف الفضاء أو حالة معينة)، ثم الجمل القصيرة جدا التي تروم تسريع إيقاع النص، وأخرى لتعطيل الإيقاع لنقل القرف إلى قلب القارئ مما يحدث...
-هذه الخصائص تحضر في كل كتاباتي لأنني أتبع الحكمة العربية القديمة التي تقول لكل مقام مقال. وهذه الطريق أسلكها بصفة طبيعية، مهنية. فقد تعودت عليها، ولا أفتعلها. أكتب مقطعا يتطلب جملا قصيرة ممزوجة بجمل طويلة، وأنا ضد أولئك الذين يتكلفون أسلوبا واحدا حتى يطيلون الفقرات إلى عدة صفحات، الخ. أنا أجعل تلك الحكمة تتحكم في الحدث، تتحكم في الصورة، وتتحكم أيضا في مستوى الشخص الذي يتحدث أو الذي يتفرج أي يصف. كل هذه العناصر تجبر الكاتب الواعي على سلوك أسلوب معين. أخشى أن أكون شكرت نفسي كثيرا. أرجو أن تتحول الأسئلة لننقد هذا العمل [ضاحكا]. لربما رضيت عن نفسي أكثر من اللازم، وأنا لم أعد لقراءة هذه الرواية منذ أكثر من سنة.
-لو انتقلنا صوب أسماء الشخصيات، نجد الاسم المهيمن هو الولي الطاهر وتحدثنا عن إيحاءاته، ثم بلارة.. مما يبين أن هناك وعيا تحكم في اختيار أسماء الشخصيات للفت الانتباه إلى شحنتها الدلالية. فبلارة، فعلا بلارة، ذكية، مشرقة كي توقع الولي الطاهر فيما لا يبغيه..
- [مقاطعا]، هي ذكية، هي النور الذي أتت به الحداثة والحضارة التي هرب منها أخونا وصاحبنا. هي أيضا دعوة إلى السلم، في الحقيقة، لأن بلارة لما أتت لتتزوج الولي الطاهر جاءت كي تجنب أقواما من تونس ومن بجاية الحرب. وهي أيضا بربرية، حسب سياق النص. وبيني وبينك جاء اختيار اسمها بالسليقة. لم أتعمد في الأول، لكن لما نزلت بلارة على الصفحة فهمت لم جاءت. فهمت أن توجهي كان هكذا.. نحو الشفافية، نحو النور. أيضا نحو العولمة، جاءت بلارة لتطلب منه أن تلد كل الناس، تلد جنس كل الناس، وتشعره أننا على قمة هرم حضاري، علينا أن ننتقل إلى حضارة فيها حضارة الأجداد، حضارة قوم آخرين يحملون بذرات كل الناس، كل الحضارات، كل الديانات، كل الثقافات، كل أنماط الحياة..
-ونلمس كأن الولي الطاهر بقي في نفسه شيء من حتى، هو أراد هذا الشيء الذي لم يرده من قبل، في مرة سابقة، أراد ما قالت له: "تريد أن تلد كل الناس".
-هذه هي عقدة الرواية، أنه عندما انتبه إلى أنها ليست جنية، عرف ذلك لما سال منها الدم، وأن بلارة ليست بالمعنى النوراني فقط بل هي آدمية لها رسالة آنذاك شعر بحبها، وكما دعت عليه، هي دعوة على طريقة الإغريق، على طريقة شكسبير، على طريقة ألف ليلة وليلة، عندما تَنْفُذُ دعوة في شخص فتحققها هو عنصر لاستمرار العمل الروائي أو عمل الحكي. وحَكَمَتْ عليه بأن يحبها، ويظل يبحث عنها وأن لا يجدها أيضا. وأن يتيه في الفيافي، فاقدا ذاكرته ماعدا صورة أو صورتين تغيب(ان) وتحضر(ان).
-هو نوع من إضاعة فرصة..
-[مقاطعا]، ما في ذلك شك. ما في ذلك شك. هذا ما حدث في أفغانستان، حاليا، وربما ما حدث، أيضا، لمحمد بن عبد الوهاب في القرن التاسع عشر..
-الزمن، في النص، يبدو مثيرا وقد تكون له علاقة بما أشرت له في علاقته بالملحمة.. الزمن اللعبة التي لا تسمح لأحد بالتحكم فيها، وهي تفعل بالإنسان ما تريد. في بداية الرواية نقرأ: "تتوقف العضباء قبالة القصر" ثم يتقهقر الأمر، ونقرأ، أيضا، في الصفحة (86) "توقفت العضباء قبالة القصر الرابع الواقع يسار المقام الزكي... " وفي الصفحة (103)، نقرأ أيضا: "غادرت العضباء من تلقاء نفسها القصر الثالث".
-هو فعلا لا وجود للزمن في رواية "الولي الصالح". وهذه من التقنيات التي وظفتها وجعلتني أتحايل وأضع عنوان "تحليق حر". في الحقيقة "الولي الطاهر" وقع تحت ضربة شمس لأننا عندما ننظر إلى الموقع الذي توقفت به العضباء لأول مرة..
-كان ذلك في منتصف النهار..
-نعم، وتحت شمس الظهيرة، ولم أقل صراحة أنه أصيب بضربة شمس.. "البقلة"، كما يسميها إخواننا في تونس، وأن كل ما جرى تم في لحظات، في ثوان.. فهو عندما رفع رأسه، في الأخير، نهاية الرواية نحو السماء، كانت الشمس في كبد السماء، كما يقال، والشمس هنا رمز، كما بلارة رمز لكل ما يبهر، فهو مصروع بضربة هذا النور الذي أصابه، والذي يأتي من السماء.
Azioued1maktoob.com
التعليقات
متى اجري هذا الحوار؟
oi -اليس الطاهر وطار بالمستشفى بفرنسا،فمتى وتحت اي ظرف اجري هذا الحوار؟
متى اجري هذا الحوار؟
oi -اليس الطاهر وطار بالمستشفى بفرنسا،فمتى وتحت اي ظرف اجري هذا الحوار؟
يرشح الجهل
محمد ع -كلما تدنى مستوى المعرفة كلما ارتفع الاهتمام بالمخابرة. عندما نطل على المواقع الغربية نلمس مستوى المتدخلين المعرفي، وقد لا نعثر على حضور الجهل المرتدي لرداء التخابر. الحمد لله، تلك صفة الأقلية التي في قلبها مرض وقد تم كشفها في مداخلات سابقة. . في ررأيي، يجب أن نهتم بطريقة إدارة الحوار، بغنى أو فقر ما ورد فيه من أفكار، بطريقة المحاور في توجيه الحوار.. ضعيفة، متوسطة، لا قيمة لها.. هل يضيء الحوار عمل الكاتب ونصه؟ هل يستحق القراءة من عدمها.. مع التدليل على كل ذلك، أما أن يعترض مقعد عقليا طريق المعرفة فهو أمر يؤشر على وجوب توجه صاحبه إلى مختبر عقلي، لا سليل فرويد..
Que de critique
Ilyess -Malheureusement, les gens ne cessent de critiquer sans pour autant proposer quelque chose.Je crois que la critique doit être fondée et objective. Moi, je trouve que cet article permet de faire connaitre une personne que je ne connaissais pas avant et c''est cela le role en autres du journaliste/critique littéraire. Donc, si vous , M mohamed A, avez des choses diffuser sur le net, on sera ravi de vous lire, sinon vous ferez mieux de la boucler, je veux dire votre plume partiale
ملاحظة متابع
محمود الأحمد سوريا -الأخ الإعلامي عبد العزيز جديراتقدم إليك بالشكر عن مجهودك لإطلاعنا عن عالم ''الولي'' الطاهر وطار شافاه الله. لاأخفيك أنني لا أولي كبير اهتمام لزمن الحوار بقدر ما أهتم بمضمون الحوار وغناه. لي معرفة لابأس بها بالأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية والعربية. أدب أغنى ابداعنا المشرقي وبخاصة الروائيين من طينة ادريس الشرايبي وزفزاف وكاتب ياسين صاحب نجمة والأجداد يزدادون ضراوة .. وابراهيم الكوني قاهر فضاء الصحراء...ما يميز حوارات جدير أنه يحاور كمطلع عما يتحاور بشأنه ويسوق حواره بذكاء. في هذه المحاوة يغوص بنا المحاور في علم الكاتب اشخصي وفي علم ابداعه. قراءة لدلالة النص، لعلاقة الفحوى بتقنيات السرد...
سلمت يمينك يا عمي
مصطفى بدوي -الأعز عبد العزيز جدير في كل حواراتك تظل متألقا وفي هذا الحوار وأنت في مواجهة هرم الرواية الجزائرية عمي الطاهر فانك قد أسديت خدمة جليلة للأدب المغاربي لا سيما وأن الكثير من مجاهل النصوص لا ينيرها الا كتابها وهذا ما حدث مع رواية عمي الطاهر : /الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي/..فشكرا لك أيها الأستاذ الرائع مع تقديريمصطفى بدوي
سلمت يمينك يا عمي
مصطفى بدوي -الأعز عبد العزيز جدير في كل حواراتك تظل متألقا وفي هذا الحوار وأنت في مواجهة هرم الرواية الجزائرية عمي الطاهر فانك قد أسديت خدمة جليلة للأدب المغاربي لا سيما وأن الكثير من مجاهل النصوص لا ينيرها الا كتابها وهذا ما حدث مع رواية عمي الطاهر : /الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي/..فشكرا لك أيها الأستاذ الرائع مع تقديريمصطفى بدوي
الى الجدير
د.فاضل سوداني -العزيز الجدير ان عمق محاوراتك تثير الجهلة من كهفهم وتجعلهم يسألون عن زمن المحاورة وانت اعلم بهم حمانا الله منهم ومن شرهم اصحاب الدماء الباردة والضحك الغليظ