ثقافات

ماوزر لهاينر ملر أو ثمن الدم المراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ترجمة وتقديم صالح كاظم: ربما يمكن إعتبار "ماوزر"واحدا من أهم أعماله المسرحية، إذا أخذنا بنظر الإعتبار، أنه يشكل مع "فيلوكتيت" و"الهوراسي"، حسب ملر، محاولة جدية في تفكيك "نظرية المسرح التعليمي" التي وضعها بريشت في بداية القرن الماضي في إطار التعامل مع بروز "المسرح السياسي" لآروين بسكاتور وهيمنته على الحياة المسرحية لجهة اليسار، ورغم تأكيدات بريشت المتكررة على أن تعبير "تعليمي" لا يعني بالنسبة له تعليم الجمهور، بل السعي لإيجاد أطر معينة تمكن الممثل من تقديم عينات إجتماعية مختلفة من خلال معالجتها كـ "نماذج" سلوكية بهدف توعية الممثل بأهمية الفعل الإجتماعي في إغناء العمل الفني، غير أن بريشت لم يضع المشاهد خارج هذه العملية، بل أكد في أماكن عديدة على إشراك المشاهدين في عروضات "المسرح التعليمي"، مما يتناقض في النتيجة مع ما ذكرناه سابقا من أن هدف بريشت لم يكن "تعليم" الجمهور. أما بالنسبة لملر الذي تتلمذ على يد بريشت، فأن عناصر من "مسرح بريشت التعليمي" تسربت الى أعماله الأولى وبدت لمساتها واضحة في "التصحيح" و"ضاغط الأجور". وفي الوقت الذي سعى فيه زميل ملر بيتر هاكس الى التوجه الى الأشكال المسرحية الكلاسيكية للتخلص من تأثير بريشت، توجه ملر الى تفكيك النهج البريشتي من داخله وبإستخدام ذات الأدوات للتوصل الى عكس نتائج بريشت. وكانت "فيلوكتيت" المكتوبة كمسرحية شعرية على وزن "الهيكساميتر" اليوناني هي الخطوة الأولى في هذا الطريق. ما الذي تقوله مسرحية "فيلوكتيت" فيما يتعلق بمحتواها وشكلها؟ فيلوكتيت وفق الأسطورة هو أحد أبطال حرب طروادة (في الطرف الإغريقي)، وكان قد أصيب بلدغة أفعي أثناء توجهه نحو الجبهة، مما دفع أوديسويس الى التحايل عليه لتركه وحيدا في أحدى الجزر النائية، وحيدا مع جرحه المتقيح. غير انه في السنة العاشرة لحرب طروادة، تنبأ عراف بأن الحرب لن تنتهي إلا من خلال مشاركة فيلوكتيت فيها، حيث كان قد ورث عن هرقل قوسه وسهامه القاتلة. من هنا وجد يوليسيس أن عليه أن يسعى لإقناع فيلوكتيت بالعودة الى طروادة، أو على الأقل أن يستولي على قوس هرقل. في الأسطورة يتمكن أوديسيوس بمساعدة إبن أخيل نيوبتوليم من إقناع فيلوكتيت بمساعدة هرقل الذي يظهر في نهاية مسرحية سوفوكليس بالعودة الى الجبهة، حيث سيجري علاجه هناك ليساهم في الحرب. هكذا الأسطورة. أما ملر فأنه يجعل من فيلوكتيت نموذجا لخيبة ألامل وللتحدي فيما يتعلق بموضوعه المفضل "الخيانة". فيلوكتيت الذي يعتقد قادة الإغريق بانه أصيب بالجذم بعد لدغة الأفعى ولم يعودوا يتحملوا الروائح التي تعط من جرحه يتفقون بتوجيه من يوليسيس على إبعاده الى جزيرة ليمنوس، حيث سيقضي العشر سنوات اللاحقة مع جرحه وحيدا، يعتاش على الأعشاب والحيوانات البرية، بعيدا عن البشر. في السنة العاشرة للحرب يتمرد الجيش الذي كان يقوده فيلوكتيت على قادة الحرب ويطالب بعودة قائده، وإلا فأنه لن يشارك في الحرب. هنا يجد أوديسويس نفسه مضطرا للتوجه مع نيوبتوليم الى جزيرة ليمنوس، ليحاول إقناع فيلوكتيت، الذي هيمنت عليه في هذه الأثناء مشاعر الكراهية والإنتقام: "من أنت يامن يمشي على ساقين؟ أنسان أو حيوان أو إغريقي؟ وإذا كنت الأخير فستكف عن ذلك حالا."، بالعودة الى طروادة، غير أن إصرار فيلوكتيت على البقاء في جزيرته يدفع أوديسويس لتحريض نيوبتوليم على الإستيلاء على سلاح فيلوكتيت، غير أن تردد الأخير في تنفيذ أوامر أوديسويس يؤدي في النهاية الى إستعادة فيلوكتيت لسلاحه، مما يعيده الى موقع القوة من جديد، فيضطر نيوبتوليم لدرء الخطر عن أوديسيوس الى قتل فيلوكتيت بسيفه. ورغم أن هذه المسرحية تعتبر من قبل النقاد من أقرب مسرحيات ملر للنهج التقليدي، غير أنها كانت في الحقيقة، كما يفهمها ملر تحررا من النهج البريشتي التعليمي الديالكتيكي، حيث أن شخصياتها الثلاث لا تخوض تجربة تطور ديالكتيكي يبلور نموها التدريجي وسط الحدث المسرحي، بل أن مصيرها محدد مسبقا بعوامل سيكولوجية ذاتية، وقرارات ثابتة (أوديسويس التاكتيكي المحتال، فيلوكتيت المتمرد العنيد، ونيوبتولم المتأرجح بين هذا وذاك)، تحسم المسيرة الدرامية للنص، تاركا في الوقت ذاته مساحة لا بأس بها لمجانيته التي تقربه أحيانا من مسرح اللا معقول، بعيدا عن منهجية "المسرح الدياليكتيكي".
الخطوة التالية في طريق التحرر من "نظرية المسرح التعليمي وتطبيقاته" كما يقول ملر تجسدت في نص "الهوراسي" الذي أعتمد كذلك على الأسطورة الإغريقية، وهو نص أراد له ملر أن يكون "تفكيكا" لمسرحية بريشت التعليمية "الهوراسيون والكوراسيون"، أنعدمت فيه عناصر الحوار المسرحي، وحل محلها السرد "الملحمي"، مشبعا بعناصر "الكورس" المخبأة في المتن. الخطوة اللاحقة في تفكيك "المسرح التعليمي" جاءت في نص "ماوزر" الذي يعتبره ملر "تنويعات على ثيمة من رواية شولوخوف "الدون الهادئ"" وهو نص مبني على مستويات عديدة يلعب فيها الكورس دورا أساسيا كمراقب وموجه للأحداث ومحللا لها سواء من خلال كونه ممثلا للمخيلة الجماعية المبهمة التي تمارس فعلها كقناع لا عواطف له للحزب الذي هو بدوره قناع "الثورة"، أو من خلال تجسيده لداخل الفرد وهواجسه في اتون "الفعل الثوري" الدموي الجذري. ويمكن إعتبار هذا النص تجذيرا لمسرحية بريشت التعليمية "الإجراء" التي تدور أحداثها بعد الثورة الروسية وتعالج موضوعة تصدير الثورة الى الصين عن طريق دعاة ثلاث، يتم نقلهم الى الصين للتهيئة للثورة القادمة بمساعدة "رفيق شاب" سرعان ما يفقد السيطرة على عواطفه بمواجهة البؤس المحيط به، فينزع القناع عن وجهه معرضا نفسه والآخرين لخطر الملاحقة. مما يدفع الدعاة الثلاث لإصدار حكم بإعدامه. وفي الوقت الذي يضعنا بريشت امام جملة من المبررات "المنطقية" لهذه الجريمة، يشرح ملر ما تتركه الجريمة، مهما كانت مبرراتها على سيكولوجية القاتل، حتى لو كان على ثقة بأنه يعمل في خدمة "قضية عادلة". ويبدو أن ملر كان يريد بعمله هذا أن يطرح العديد من الأسئلة الفلسفية التي تتعلق بالثورة والحياة والموت، وعلى وجه التحديد شرعية "القتل" في إطار العملية "الثورية" ضمن حتمية "تاريخية" تحمل في داخلها بذرة الدمار اللاحق. من هنا فأن منع نشر هذا النص في "المانيا الديمقراطية"، حالما أنتهى الكاتب منه في العام 1970 كان متوقعا، بالإرتباط مع الحملة الإعلامية التي توجت بإتهام ملر بأنه يروج "للتشاؤم التاريخي" ويبتعد عن التحليل "الديالكتيكي" لمظاهر الحياة. وقد نشر النص للمرة الأولى باللغتين الإنجليزية والألمانية في مجلة "New German Critique" المختصة بالأدب الألماني المعاصر في العام 1976، وذلك بعد عرضه من قبل فرقة للهواة في مدينة أوستن.هنا الترجمة الكاملة لمسرحية مٌلر، "ماوزر"وهيتسمية لبنادق ومسدسات كانت تنتجها شركة ماوزر.. وفي العراق تسمى "موزر".

ماوزر
بقلم هاينر ملر
ترجمة صالح كاظم

الكورس
ناضلتَ على جبهة الحرب الأهلية
العدو لم يجد فيك ضعفا
ونحن لم نجد فيك ضعفا.
الآن أصبحت أنت الضعف الذي يجب الا يكشفه
العدو لدينا.
كنت تنشر الموت في مدينة فيتيبسك
وسط أعداء الثورة بتكليف منا
مدركا بأن خبز الثورة اليومي في مدينة فيتيبسك
كما في مدن أخرى هو موت أعدائها، مدركا بأن علينا
أن نقلع العشب لكي يبقى أخضر.
لقد قتلناهم مستخدمين يديك.
لكن ذات صباح في مدينة فيتيبسك
قتلت بيديك هذه
من لم يكن عدوا وليس بتكليف منا
لذا يجب أن تُقتل بعد أن أصبحت انت العدو.
نفذ مهمتك في آخر موقع وضعتك فيه الثورة،
فأنك لن تغادره على قدميك.
هذا الجدار سيكون جدارك الأخير.
وكما نفذت أعمالك الأخرى مدركا بأن خبز الثورة اليومي
في مدينة فيتيبسك وفي مدن أخرى هو موت أعدائها، مدركا
بأن علينا أن نقلع العشب لكي يبقى أخضر.

A
أديت واجبي.

الكورس
والآن عليك أن تؤدي آخر واجباتك.

A
قتلتُ من أجل الثورة.

الكورس
والآن عليك أن تموت من أجلها.

A
أرتكبتُ خطأ ً.

الكورس
أنت الخطأ.
A
أنا إنسان.

الكورس
ما هذا؟

A
لا أريد أن أموت.

الكورس
لا نسألك أذا كنت تريد أن تموت ام لا.
الجدرا وراءك هو آخر جدار وراءك. الثورة لم تعد
بحاجة اليك. بل أنها تحتاج الى موتك. ولكن قبل أن
تقول نعم للـ "لا" التي نطقت بحقك
يبقى عملك ناقصا.
من فوهات بنادق الثورة التي تريد موتك
تعلم درسك الأخير. درسك الأخير يعني:
أنت يا من تقف أمام الجدار صرت عدوك وعدونا.

A
في سجون أومسك وأوديسا
كتب النص على جسدي
وهو نص يقرأ في المدارس ويكتب على الجدران:
يا عمال العالم أتحدوا!
كُتِبتْ على جسدي بقبضات اليد وأخماص البنادق، بأكعاب الجزمات
ورؤوس الأحذية المدببة.
أنا أبن البرجوازي الصغير جهزت له هذه الوجبة على السماور أمام الأيقونة
التي كان يجب أن تعده كي يكون رجل دين.
لكني تخليت عن هذه المسيرة في وقت مبكر
أثناء الإجتماعات المظاهرات والإضرابات مسحوقا من قبل
القوزاق المتدينين، معذبا من قبل موظفين كسالى
لم أتعلم شيئا عن الحياة بعد الموت.
تعلمت القتل أثناء النضال المستميت
ضد الحصار، في زمنِ أقتلْ أو ستقتلْ
كنا نقول: من لا يريد أن يقتل لن يحصل على الطعام.
عليك أن تغرز الحربة في جسد العدو
لا فرق بين جندي وضابط أو فلاح لا وعي لديه.
وقلنا: أنه عمل كأي عمل آخر
هَشِم الرأس وأطلق النار على الجسد.

A (كورس)
لكن ذات صباح في مدينة فيتبسك،
أثناء إقتراب ضجيج المعركة
كلفتني الثورة من خلال صوت الحزب بمهمة
قيادة المحكمة الثورية التي توزع الموت على أعداء الثورة في مدينة فيتبسك.

الكورس
ناضلت على جبهة الحرب الأهلية
لم يجد العدو ضعفا لديك
ولم نجد ضعفا لديك.
أترك الجبهة وتوجه الى الموقع، الذي تحتاج فيه الثورة اليك منذ الآن،
وحتى تحتاج اليك في موقع آخر. واصل كفاحنا في الجبهة الخلفية
وزع الموت على أعداء الثورة.

A (كورس)
وافقت على إستلام المهمة. مدركا بأن خبز الثورة اليومي
هو موت أعدائها، مدركا بأن علينا أن نقلع العشب لكي
يبقى أخضر. وافقت على المهمة التي كلفت بها
من قبل الثورة على لسان الحزب أثناء ضجيج المعركة.
القتل كان من نوع آخر، وكان عملا لا يشبه عملا آخر.

الكورس
عملك يبدأ اليوم. الذي أدى هذا العمل قبلك
يجب أن يقتل قبل حلول الفجر، فقد أنضم الى صفوف الأعداء.

A (كورس)
لماذا؟

B
أمام فوهة مسدسي ثلاثة فلاحون: أعداء الثورة بسبب الجهل.
خلف ظهورهم قيدت أياديهم المشققة بسبب العمل. يدي مشدودة
على المسدس. بتكليف من الثورة أضع فوهة المسدس على رقابهم
وانا على وعي بأن أعداءهم هم أعدائي
الا أنهم بوجوههم المتجهة نحو المحجر
لا يعرفون ذلك، وأنا الذي يعرف ذلك
لا يمكن أن أعطيهم درسا سوى من خلال طلقات المسدس.
لقد وزعت الموت على أعداء الثورة وكان المسدس يدي الثالثة
في مدينة فيتسبك، مدركا بأن خبز الثورة اليومي هو موت أعدائها،
مدركا بأن علينا أن نقلع العشب لكي يبقى أخضر، مدركا بأن يدي أداة
قتل بيد الثورة.
لم أعد أعرف شيئا، لم أعد قادرا على القتل.
سأحرر يدي من المهمة
التي كلفتني بها الثورة ذات صباح في مدينة فيتسبك
بصوت الحزب وسط ضجيج المعركة.
حررت الأعداء من الحبال التي شدت بها أياديهم المبصومة بآثارعملهم
الشبيه بعملي
وقلت لهم: أعداؤكم هم أعداؤنا.
وقلت لهم: عودوا الى عملكم.
كورس (الممثلون الذين يؤدون أدوار الفلاحين الثلاثة)
فعادوا الى عملهم، ثلاثة أعداء للثورة لم يتعلموا شيئا.
حين سحب يده من المهمة التي كلف بها من قبل الثورة
ذات صباح في مدينة فيتبسك على لسان الحزب وسط ضجيج المعارك
أصبحت يده تشد الخناق على أعناقنا.
فيدك ليست يدك
ويدي ليست يدي قبل أن تنتصر الثورة نهائيا في مدينة فتيتبسك
والمدن الأخرى.
والجهل يمكن أن يقتل مثله مثل الصَلب والحمى.
غير أن المعرفة لا تكفي، بل يجب القضاء على الجهل، والقتل لا يكفي،
بل القتل هو علم يجب دراسته، حتى يتوقف.
فما هو طبيعي ليس طبيعيا، والعشب يجب أن يقلع
والخبز يجب أن نبصقه
حتى تنتصر الثورة نهائيا. في مدينة فيتسبك والمدن الأخرى،
ذلك كي يبقى العشب أخضر وينتهي الجوع.
وكل من يصر على انه ملك نفسه هو عدو للثورة مثله مثل الأعداء الآخرين.
فمن يشبهنا هو لايشبهنا ولا نشبههم، وحتى الثورة
لا تتماثل مع ذاتها، بل ان العدو بأظفاره وأسنانه وحربته
ورشاشاته يرسم على صورتها الحية وجهه البشع
ثم تندمل جراحه على وجوهنا.

B
لم القتل ولم الموت
حين يكون ثمن الثورة الثورة
وثمن الحرية هم المحررين.
A
هكذا أو مايشبه صرخ في ضجيج المعركة
الذي أزداد ضجة. الاف الأيادي تشد الخناق على أعناقنا
كانت بمواجهة الشك بالثورة لا تعني سوى
موت المُشكك. لم أبصر يديه حين وقف أمام مسدسي
وجهه بمواجهة المحجر. ولم أر أذا كانت عليها آثار العمل أم لا،
غير انها كانت مربوطة بحبال، فقتلناه بيدي، ونحن على وعي
بأن خبز الثورة اليومي هو قتل أعدائها. وأن العشب يجب أن يقلع
لكي يبقى أخضر.
كنت أعرف ذلك وانا أقتل الآخر غدا وبعد غد وفي غد آخر.
ولم تكن لديهم وجوه ولا أيدي وأنما العين التي كنت أنظر اليهم من خلالها
والفم الذي كنت أتحدث اليهم من خلاله كان المسدس وكلمتي كانت الرصاصة.
ولم أنس صرخاتهم حين يسقطون من خلال مسدسي في المحجر
أعداءا للثورة يلتحقون بأعداء آخرين
وكان ذلك عملا كأي عمل أخر.
كنت أعرف بأن إطلاق الرصاص على البشر يجعل الدم ينزم منهم كما يحصل
مع الحيوانات والفرق ضئيل بين الموتى وغيرهم. غير أن الإنسان ليس
حيوانا: في اليوم السابع رأيت وجوههم، أيديهم مشدودة بالحبال الى ظهورهم عليها آثار
عملهم، وهم ينتظرون وجوههم بإتجاه المحجر الموت بمسدسي. فأتخذ الشك له موضعا بين
أصبعي وبين زناد المسدس. تاركا عبء قتلى سبعة أيام على رقبتي التي تحمل
عبء الثورة ليهدم كل الأعباء ويجعل يدي المرتبطة بالمسدس بتكليف من الثورة
ذات صباح في مدينة فيتسبك بصوت الحزب أثناء ضجيج المعركة لتوزيع الموت
على أعداء الثورة لكي يتوقف القتل ثقيلة. نطقت هذا الصباح أيضا بالأمر
الموت لأعداء الثورة! كما أنطق به كل صباح. ووزعت الموت، غير أن صوتي نطق بهذه
العبارات كما لو لم يكن صوتي ووزعت يدي الموت
وكأنها ليست يدي. القتل كان يختلف عن القتل
وكان عملا لا يشبه أي عمل آخر.
وفي المساء رأيت وجهي الذي نظر نحوي
بعينين ليست عيناي في المرآة التي كانت قد الحقت بها الأضرار بسبب الرصاص في المدينة
التي أحتلت مرات عديدة. وفي الليل لم أكن رجلا، مثقلا بقتلى سبعة أيام، المسدس عضوي
يوزع الموت على أعداء الثورة الذين تتجه وجوههم نحو المحجر.

A (كورس)
لماذا أنا؟ أطلب إعفائي من المهمة التي لا أقوى عليها.

الكورس
لماذا انت.

A
ناضلت على جبهة الحرب الأهلية
العدو لم يجد ضعفا لدي.
وانتم لم تجدوا ضعفا لدي.
والآن أصبحت أنا الضعف الذي يجب
الا يكتشفه العدو فينا.
وزعت الموت في مدينة فيتسبك على أعداء الثورة
في مدينة فيتسبك، مدركا بأن خبز الثورة اليومي
هو موت أعدائها، مدركا بأننا يجب أن نقلع العشب لكي يبقى أخضر.
لم أنس ذلك في اليوم الثالث ولا في اليوم السابع. ولكن في اليوم العاشر لم
أعد أعرف. أن تقتل وتقتل وربما يكون كل ثالث، يقف أمام فوهة مسدسي ووجهه بإتجاه المحجر بريئا.

الكورس
في هذا النضال الذي لن يتوقف لا في مدينة فيتسبك و لاغيرها
الا بالنصر أو السقوط نؤسس بأيادينا الضعيفة ما لا تتمكن عليه آلاف الأيدي، هناك أياد مقطوعة
وأياد مقيدة بالسلاسل أو بالحبال. أياد تشد على خناقنا. آلاف الأيدي تشد على خناقنا ولا وقت هناك
لنسأل عن الذنب أو البراءة. أو لنسأل كل يد تشد على خناقنا عن أصلها، أو فيما كانت
مشققة بسبب العمل أو لا أو إذا كان البؤس يجعلها تشد علينا الخناق أم أنه الجهل حول جذور البؤس
ام الخوف من الثورة التي تقلع جذورهم. ما الذي يجعلك تعتقد أنك تختلف عنا وتصرّ على ضعفك.
من ينطق الـ "انا" بلسانك ليس انت. لن تصبح سيدا على نفسك
قبل أن تنتصر الثورة في فيتسبك وغيرها من المدن
بيديك تمارس الثورة القتل. وبكل الأيادي التي تستخدمها الثورة للقتل
تقتلُ أنت أيضا. ضعفك هو ضعفنا. ضميرك فراغ في وعيك
وفراغ في جبهتنا. من أنت.


A
جندي للثورة.

الكورس
هل تريد أن تعفيك الثورة عن تنفيذ المهمة التي أنت ضعيف عن تنفيذها،
وهي مهمة يجب أن تنفذ من قبل الجميع.

A (كورس)
لا. وأستمر القتل. الوجه باتجاه المحجر. في اليوم التالي أمام فوهة مسدسي فلاح
مثله مثل غيره في الأيام السابقة، مثله مثل أمثالي أمام فوهات مسدسات أخرى.
أمثاله قـُتلوا
وأمثالي يـُقتلون منذ الفي سنة بالعجلة والمشنقة والحبال وطوق الرقبة الحديدي
والسوط والعمل الإجباري من شبيه عدوي الذي هو عدوه
ومسدسي موجه الى عنقه الآن.
أنا العجلة المشنقة الحبل طوق الرقبة الحديدي السوط العمل الإجباري.
أنا امام مسدسي بمواجهة المحجر
أنا أضع مسدسي على عنقي، مدركا بأن الثورة تمارس القتل بيدي
وتقضي على العجلة المشنقة الحبل طوق الرقبة الحديدي السوط العمل الإجباري.
أمام مسدسي أنسان
وانا بين اليد والمسدس، الأصبع والزناد
أنا فراغ في وعيي على جبهتنا.

الكورس
مهمتك ليس أن تقتل بشرا، بل أن تقتل أعداءا. فالإنسان غير معروف.
نحن نعرف بأن القتل عمل،
غير أن الإنسان أكثر من عمله.
ولن نعرف قبل تحقيق النصر النهائي في مدينة فيتبسك وغيرها
ما هو الإنسان.
فهو عملنا، انه المجهول وراء الأقنعة، المدفون في غائط تاريخه، الأصيل
في جذامه
الحي وسط المتحجرات.
الثورة ستمزق أقنعته، تقضي على جذامه، تبعد عن صورته الغائط الذي تيبس على تاريخه،
الإنسان أظفار وأسنان، حربة ورشاش،
ينهض من سلسلة الأجناس ممزقا حبل سرته الدموي
في إشعاع البداية الحقة يتعرف على نفسه وعلى الآخر في ما يفرقهما
ويخلع الإنسانُ الإنسانَ من جذوره.
ما يحسب هو المثال، أما الموت فلا يعني شيئا.

A
ولكن وسط ضجيج المعركة الذي ازداد شدة
وقفت أنا جندي وحربة الثورة بيدين مدميتين
وأطلقت صوتي بحثا عن القرار.


A(كورس)
هل سيتوقف القتل بعد أن تنتصر الثورة. هل ستنتصر الثورة
كم من الوقت سيمضي حتى تنتصر.

الكورس
أنت تعرف ما نعرف، ونحن نعرف ما تعرف.
الثورة ستنتصر، أو لن يكون هناك إنسان.
الإنسان سيختفي مع تنامي البشرية.

A
وسمعت صوتي يقول هذا الصباح
كما في الصباحات الأخرى
الموت لأعداء الثورة ورأيت ذاك الذي هو أنا
يقتل كيانا من اللحم والدم
ومواد أخرى، دون أن يسأل عن الذنب أو عن البراءة
ولا عن الإسم ولا عما إذا كان عدوا
أو صديقا، ولم يعد يتنفس.
أما ذاك الذي كان أنا
فقد واصل القتل. وقال: (كورس) لقد رميت بحملي. الموتى على رقبتي لا يثقلون علي.
الأنسان هو عبارة عن شئ يطلق عليه النار، حتى ينهض الإنسان من
وسط خرائب الإنسان. وبعد أن أطلقَ الرصاص مرة بعد أخرى على الجثمان
الرابض أمامه راح يركله بقدميه.

A (كورس)
أضع جزمتى على ما قتلت.
أرقص على جثمان ميتي بخطوات متسارعة.
لا يكفيني أن أقتل ما يجب أن يموت لكي تنتصر الثورة
ويتوقف القتل، وأنما يجب الا يعود له أثر ويختفي
من على وجه الأرض ليوفر للقادمين أرضا نظيفة.

الكورس
سمعنا صراخه ورأينا ما يفعل
ليس بتكليف منا، غير انه لم يكف عن الصراخ
بصوت إنسان يفترس أنسانا آخر.
من هنا رأينا أن عمله قد أفترسه. وقد أنتهى زمنه، لذا أقتدناه عدوا للثورة
مثل غيره من الأعداء وليس مثلهم، وأنما عدوا لنفسه كذلك.
مدركا بأن خبز الثورة اليومي هو موت أعدائها،
مدركا أن العشب يجب أن يقلع لكي يبقى أخضر،
غير انه رمى عبأه الذي كان يجب أن يحمله حتى إنتصار الثورة.
الموتى الثقيلين على عنقه لم يعودوا يعيقون حركته حتى إنتصار الثورة، بل
أصبح عبأه صيدا، فلم يعد له هناك موقع في الثورة، وهو أيضا لم
يعد له موقع إلا أمام فوهات بنادق الثورة.


A
بعد أن أبعدوني عن عملي
وسحبوا المسدس من يدي بقيت أصابعي
متشنجة، كما لو كانت مازالت تمسك السلاح
حينها، رأيت ما فعلت
وقبل أن يقتادوني بعيدا سمعت صوتي وسط ضجيج المعركة
الذي راح يشتد.

A (كورس)
الآن أقتادني أمثالي الى الجدار
وانا الذي يجب أن يفهم
لم أعد أفهم شيئا. لماذا.

الكورس
أنت تعرف ما نعرف، ونحن نعرف ما تعرف
عملك كان دمويا و لايشبه عملا آخر
إلا ان عليك أن تؤديه كأي عمل آخر
لهذا أو ذاك من البشر.

A
أنا أديت عملي. أنظروا الى يدي.

الكورس
نرى أن يديك ملطختان بالدم.

A
وكيف يمكن ألا تتلطخا بالدم.
أعلى من ضجيج المعركة كان الصمت
للحظة في مدينة فيتسبك
وأطول من الحياة كانت اللحظة.
أنا إنسان. والإنسان ليس ماكنة.
أن تقتل وتقتل. ويتكرر الأمر وراء كل قتل. لم أعد
قادرا على ذلك. أعطوني نوم الماكنة.

الكورس
لن نعرف قبل أنصار الثورة نهائيا في فيتبسك أو غيرها
ما هو الإنسان.

A
أريد أن اعرف ذلك الآن وهنا. انا أسأل هنا هذا الصباح
في مدينة فيتبسك. وأنا أرتدي جزمتي المدماة في طريقي الأخير الذي
يقود الى الموت الذي لا يمتلك وقتا. بنفسي الأخير الآن وهنا
أسأل الثورة ما الإنسان.

الكورس
أنك تسأل مبكرا. لا يمكن أن نساعدك.
وسؤالك لايخدم الثورة.
أنصت الى ضجيج المعركة.

A
لدي زمن واحد.
وراء ضجيج المعركة مثل ثلج أسود
ينتظرني الصمت.

الكورس
أنت تموت مرة واحدة.
أما الثورة فتموت مرات عديدة
للثورة عدة أزمنة، لا زيادة فيها.
الأنسان أكثر من عمله، وإلا فأنه لن يكون. أنت لا شئ،
فقد قد أبتلعك عملك .
يجب أن تزول من على سطح الأرض.
الدم الذي تلطخت به يدك حين كانت يدا للثورة
يجب أن يُغسل بدمك من إسم الثورة
التي تحتاج لكل يد
غير أنها لم تعد بحاجة الى يدك.

A
قتلت بتكليف منكم.

الكورس
وليس بتكليف منا.
الوقت الذي مر بين الإصبع والزناد كان زمننا وزمنك. الفاصل
بين يدك وبين المسدس كان موقعك في جبهة الثورة.
ولكن حين أصبحت يدك جزءا من المسدس
وأصبحت انت متماثلا مع عملك
ولم تعد على وعي به
وبأنه يجب أن ينفذ الآن وهنا
لكي لا توجد لاحقا ضرورة للقيام به من قبل الغير
أصبح موقعك على جبهتنا فراغا
ولم يعد لك موقع في جبهتنا.
العادة امر مرعب، والتبسيط قاتل.
بجذور عديدة يسكن الماضي في دواخلنا.
لذا يجب أن نخلع هذه الجذور.
في ضعفنا ينهض الأموات الذين ينبغي دفنهم مرة بعد اخرى.
من الضروري أن يتخلى كل منا عن نفسه
لكن لا يجب أن يتخلى أحدنا عن الآخر.
أنك انت وأنت الآخر
الذي مزقت جسده تحت جزمتك.
الذي مزق جسدك تحت جزمتك.
لقد تخليت عن نفسك وتخليت عن الآخر.
الثورة لن تتخلى عنك. تَعلـّم أن تموت. ما تتعلمه يغني تجربتنا.
متْ وأنت تتعلم. لا تتخلى عن الثورة.

A
انا أرفض الإنصياع. لن أوافق على موتي.
حياتي ملكي.


الكورس
العدم ملكك.

A (كورس)
لا أريد أن أموت. سأرتمي على الأرض.
واشد قبضتي عليها بكل قوة.
سأعض عليها بأسناني،
لأني لا أريد أن أغادرها. سأصرخ.

(كورس) A
نعرف أن الموت عمل.
خوفك هو ملكك.

A (كورس)
ماذا بعد الموت.

(كورس) A

سأل قبل أن ينهض من على الأرض،
ولم يعد يصرخ، فأجبناه: أنت تعرف ما نعرف، ونحن نعرف ما تعرف
سؤالك لن يساعد الثورة. إذا كانت الحياة جوابا، فهذا مسموح به. غير
أن الثورة بحاجة لقبولك بالموت. كف عن السؤال
و مضى نحو الجدار ونطق الأمر،
مدركا بأن خبز الثورة اليومي هو موت أعدائها،
مدركا بأن العشب يجب أن يقلع لكي يبقى أخضر.

A(كورس)
الموت لأعداء الثورة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الثورات
ثائر صالح -

شكراً للمترجم صالح كاظم على هذا النص النادر، الذي موضوعه ذكرني بموضوع مسرحية بريشت "الإجراء" die Massnahme ، والذي يتناول (بالصدفة؟) حكاية دعاة ثوريين يذهبون إلى الصين ويواجهون موقفا مشابها.والثورات - منذ الثورة الفرنسية الكبرى وحتى قبلها في ثورات الأقنان في القرن 16 - هي تاريخ للعنف والعنف المضاد، القتل والقتل، الأمر الذي يعافه الضمير المعاصر، حتى أنني بدأت أفكر في الكف عن كوني ثائراً!!!ثائر صالح

الثورات 2
ثائر صالح -

وأذكر أن مسرحية برشت "الإجراء" التي كتبها في 1930 قد ظهرت في أوج الستالينية وابتلاع الثورة ابنائها، وهي انعكاس لهذا على ما يبدو، ولربما احتجاجا مبطناً على الستالينية. أما نص ملر "التجذيري" لعمل برشت المذكور فقد ذهب أبعد (برغم الفارق الزمني -40 سنة، والسياسي بين النصين) ليحتج على الثورة ذاتها، ربما.

الثورات
ثائر صالح -

شكراً للمترجم صالح كاظم على هذا النص النادر، الذي موضوعه ذكرني بموضوع مسرحية بريشت "الإجراء" die Massnahme ، والذي يتناول (بالصدفة؟) حكاية دعاة ثوريين يذهبون إلى الصين ويواجهون موقفا مشابها.والثورات - منذ الثورة الفرنسية الكبرى وحتى قبلها في ثورات الأقنان في القرن 16 - هي تاريخ للعنف والعنف المضاد، القتل والقتل، الأمر الذي يعافه الضمير المعاصر، حتى أنني بدأت أفكر في الكف عن كوني ثائراً!!!ثائر صالح