مخرج الفيلم هو المُشاهد في فيلم نشاط خارق

محمد جبار الربيعي من بغداد: قال لي احد اصدقائي الذين شاهدوا الفيلم انه لم يستطع النوم في الليلة التي شاهد فيها الفيلم، بينما قال لي آخر ان الفيلم لم يؤثر فيه ابدًا ولم يشعر بأي خوف، استثارني هذا التفاوت الغريب بين الرأيين، لكنني عندما شاهدت الفيلم زال هذا الاستغراب والحيرة ببساطة.

الممثل المصور
يبدأ الفيلم بشاب يعمل اختبارات اولية للتصوير وذلك الاختبار يظهر على الشاشة "ونبقى نتابع الفيلم من خلال تلك الكاميرا فقط" فلا وجود لمصور يختفي خلف الكواليس كما اعتدنا عليه في السينما وفي هذا الفيلم سيكون ممثلونا مصوري الفيلم وهو اسلوب غريب لم تستخدمه السينما في الافلام الروائية الاما ندر، يتجول ميكا ادى دوره "ميكا سلوت " في منزله لتظهر صديقته كاتي تمثيل "كاتي فيذرستون" في الشاشة وهي تتصرف بتلقائية جميلة تماما كأنها تتعامل مع كاميرا منزلية حيث يكون الناس فيها على سجيتهم وتلقائيتهم، ثم يبدأ "ميكا" بالتلميح الى ان هناك امرًا ما يحدث ويجهلونه هم و انه فكر بأستخدام الكاميرا لمعرفة مايحدث اثناء نومهم، ومع استغراب "كاتي" من الفكرة نبدأ نحن بتقبل فكرة اننا سنتابع الفيلم بهذه الكاميرا كثيرة الاهتزازات والتي تستخدم زوايا غير مريحة للعين فالممثل يتركها في بعض المشاهد على الارض او على منضدة مع استمرار التصوير على الدوام ونتقبل ايضا فكرة ان هناك امرًا ما غير طبيعي سيحصل وستسجله الكاميرا.

الكاميرا ترصد كل شيء
يقوم "ميكا" بالتصوير بوضع الكاميرا امام السرير حتى الصباح ليرصد التغيرات التي تطرأ على المكان اثناء نومهم ولتلتقط الكاميرا اشياء غريبة وحركات تقوم بها "كاتي" بلا شعورمنها فيتأكدون حينها ان هناك شيئ حقيقي يحصل وبأنهم يجب معالجته ثم يتطور الموضوع الى درجة استعانتهم بوسيط الارواح"مارك فريدرجس" الذي يزورهم و يتجول في المنزل وتخبره "كاتي" بأنها تحس أن هناك شيئا ما يطاردها ويحاول ايقاظها ليلاً منذ طفولتها وعلى شكل مراحل فهو يختفي ويظهر بين حين وآخر فيخبرهم الوسيط بأن هناك اشباحًا طيبة واُخرى شريرة تماما كالبشر وانه يعتقد ان ما يتكلمون عنه روح شريرة او شيطانية ونصحهم بعدم استخدام لوح ويجا "وهو لوح يُستخدم لأستدعاء الأرواح " لأنهم سيتسببون في دعوة تلك الروح الشريرة الى المنزل فلا يبارحه بعد ذلك وسيزداد نشاطه وهذا قد يسبب الاذى لهم ،كل هذا ليهيئ المُشاهد الى خطورة الموقف وجديته،
لكن "ميكا" يستخدم لوح الويجا وهذا يسبب استدعاء الروح وزيادة نشاطها فيلجأون الى وسيط الارواح مرة اخرى فيعتذر عن مساعدتهم ويخبرهم أن الروح غاضبة جدًا ويكون هذا مع ازدياد وتيرة الاحداث وليتطور الامر بعد 21 ليلة من التصوير وهي الأخيرة ترتكب فيها "كاتي "جريمة قتل "ميكا" بدون وعي منها"فالروح تحاول الاستئثار بها فتدفعها الى قتله" وليقتلها رجال الشرطة بعد ان تهاجمهم.

سر محيِّر
اخرج الفيلم وكتب السيناريو له وقام بمنتجته "اورين بيلي " وهو الفيلم الاول له ومن المفاجئ ان يتصدر فيلم قام بعمله شخص واحد وبكلفة انتاج بسيطة وبفريق عمل لا يتجاوز الأربعة اشخاص "والمخرج خامسهم" قائمة افضل عشرة افلام في الولايات المتحدة لأسابيع "ويحصد ارباح وصلت الى مايقارب 142 مليون دولار رغم انه كلف 15 الف دولار فقط" ويولِّد كل هذه الضجة فما هو سر هذا الفيلم؟
اعتقد ان السر يكمن في ان المُخرج اعتمد على خيال المُشاهد وتهيؤاته "لم يُرعب المُشاهد ما شاهده بل ما لم يُشاهده" وكل ماعمله انه هيئ للمُشاهد بيئة مناسبة ليطلق العنان لخياله وحاول المُخرج في اكثر من مرة التلاعب بمشاعر المُشاهد بأبقاء الكاميرا ثابتة على مكان خالي من الحركة لأوقات طويلة ليشد المُشاهد ويجعله ينتظر شيئا مخيفًا فيتهيئ نفسيا له فتكون اي حركة او سكنة مرعبة بالنسبة له "المخرج هنا استخدم سحر الصورة المتحركة بمعنى انه مع ان الصورة جامدة تقريبا يبقى المُشاهد ينتظر شيئا او حركة ما لأنها صورة في فيلم وليست صورة فوتوغرافية "كما انه لم يصور حدثًا بشكل مباشر بل اوحى اليه ف"كاتي" تصرخ بعد ان تُسحب من قبل الشبح فيسمع "ميكا" صراخها ويهرع نحوها ويعودان خائفين ثم بعد ذلك تكشف عن عضة تعرضت لها في ظهرها وحتى قتلها ل"ميكا" لم يظهر فهي تحركت من السرير وهو سمعها تصرخ ولحق بها لتعود بعد فترة انتظار طويلة "تعمدها المُخرج" وقد امسكت بيدها سكينا والدماء تلطخ ملابسها وبعد فترة من جلوسها و مع مرور الوقت نستنتج انها قتلته "لانه لم يعد" وهو هنا نشَّط عمل "الصورة الذهنية" التي يتخيلها المُشاهد والمؤثرات الصوتية كانت اول واهم الادوات لأستفزاز تلك الصورة ، وهذا على ما اعتقد سر نجاح الفيلم فالمُشاهد في هذا الفيلم كان هو المخرج الحقيقي له بتصوراته الذاتية ولذلك كلما كانت مخيلة المُشاهد خصبة شعر بالرعب اكثر وهذا يُفسر تفاوت آراء وانطباعات مُشاهدي الفيلم لأختلاف مخيلاتهم

اُناس حقيقيون
حاول المخرج اضفاء الواقعية على الفيلم، فالتصوير منزلي وحرص على وضع تواريخ وساعة الكترونية على الشاشة كذلك اداء الممثلين التلقائي والعفوي "تعمد ان يستخدم ممثلين يظهروا لأول مرة على الشاشة" واهتزازات الكاميرا الذي جعل لدى المُشاهد احساسًا بانهم فعلا يصورون تصويرًا منزليًا كذلك انعدام المونتاج "ظاهريا"، وأستخدم المخرج ايضًا اسماء الممثلين الحقيقية فيما لم يستخدم اي موسيقى تصويرية لأضفاء الواقعية "فلاتوجد في حياتنا الحقيقية موسيقى تصويرية" كل هذه الوسائل استخدمها المخرج ليُشعر المُشاهد بانه يُشاهد اُناسًا حقيقيين وليسوا ممثلين يتحركون بشكل مخطط له من قبل مخرج او شخص ما "خارج اطار الصورة" وهذه كلها اساليب منه للتعاطف مع ابطال الفيلم وليجعل المُشاهد طرفا في الحدث ويقتنع بواقعيته بحيث يمكن "ان يحصل له ماحصل لهم"فالمُشاهد يدخل في الحدث بلا وعي"، وحتى لقطات الدعاية للفيلم كانت مدروسة بدقة فأظهر فيها ردة فعل المُشاهدين وخوفهم في داخل دار العرض السينمائي "المخرج استغل كل وسيلة متاحة لأخافة المُشاهد حتى الاعتام في دار العرض "ولم يركز على احداث الفيلم نفسه لانه يعمل في هذا الفيلم على انطباعات المشاهدين وخيالهم.
الفيلم لايعدو كونه تجربة سينمائية جديدة كان من الممكن ان لا تُلاقي هذا الاقبال المفاجئ وبالتأكيد شجع المخرج على عمل هذه التجربة "المجازفة" تكلفته الانتاجية المنخفضة جدًا بسبب التصوير الداخلي فقط واستخدام كاميرا واحدة واضاءة بدائية وعددًا محدودًا جدا من الممثلين الجدد ومؤثرات بسيطة ، وربما كانت تلك البساطة "وهي السمة الواضحة للفيلم" السبب في هذا الاقبال الجماهيري على الفيلم فالجمهور يحب مايقترب الى واقعهم ويحاكيه ، فهل يُبشرالفيلم بولادة جديدة لسينما بسيطة انتاجيًا تستفز خيال المتلقي اكثر من محاولة تجسيد ذلك الخيال بالصورة؟
mohd10002001@yahoo.com