ثقافات

قصيدةُ الصداعِ النصفيّ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

- 1 -
يُنسيني الألمُ أنّ الليلَ الذي أنا فيهِ نهارٌ،
أهشُّ على الفيروساتِ بيدٍ مشلولةٍ،
ما بينَ اللوزتينِ والجيوبِ الأنفيةِ ترعى حيواناتُ الالتهاباتِ،
بكتريا الألمِ تنشّطُ خلايا الشكِّ النائمةِ،
يَحملُني الهذيانُ والحُمّى إلى مَدخلِ العرشِ،
والجسدُ يتمزّقُ تحتَ التعاويذِ والحُقَنِ والفيروساتِ،
أي رب
أحفرُ بأظافري على حكمتِكَ،
تعبثُ الكيمياءُ بعقلي،
فأمزّقُ التعاويذَ والصلواتِ،
أمزّقُ حكمَتكَ وأعصيكَ،
أي رب
إنكَ نصفتَ رأسي إلى جذرينِ
كلُّ جذرٍ حقلٌ يابسٌ،
وجذّرْتَ فيّ موتاً عمرهُ خمسٌ وأربعونَ،
كيفَ خلقتَ الجنينَ والموتَ في رَحِمٍ واحدةٍ؟
الماءَ والنارَ في موقدٍ واحدٍ؟
الفردوسَ والجحيمَ في مقلةٍ واحدةٍ؟
أي رب
كيفَ لي أنْ أكلّمَكَ وأنتَ محتجبٌ بالزرقةِ الخرساءِ،
وأنا محتجبٌ بالدمعِ والصداعِ؟
كيفَ أرفضُ؟ كيفَ أتحدّى؟
وعرشُ جبروتِكَ يعلو،
وعرشُ ضَعفي يعلو كذلكَ.
- 2 -
يتصبّبُ العرقُ من جبهتي،
وتسخنُ أطرافي،
ويطوفُ بي الهذيانُ كالقاربِ التائهِ،
كأنني نملةٌ تحتَ نعالِ الحُمّى،
وقبرٌ غريبٌ أحملُهُ معي،
تمرُّ على بدني عرباتُ الخريفِ،
عرباتُ الغرباءِ،
عرباتُ المقيمينَ،
ونهرٌ قديمٌ يشاغبُني،
ونخلةٌ تجسُّ نبضي،
وأغنيةٌ قديمةٌ لا تكفُّ.
- 3 -
يمزّقني الأسبرين والبندول منذُ أربعينَ،
هما غذائي وشرابي،
عندما يدوسُني الألمُ بنعالهِ،
أتمرغلُ على الأرضِ كالسمكةِ التي ثقّبتْها فالةٌ،
أفتّشُ عن البندولِ كالمُدمنِ على الهيروين،
أي رب
عقاربُ الألمِ تلدغُ صِدْغي،
أسنانُ الأفعى تمتصُّ زهرَتي،
أهذا ما قدّمتُهُ وأخّرتُهُ لحياتي؟،
أي رب
إني ممدّدٌ على مشرحةِ الموتِ منذُ خمسٍ وأربعينَ،
أنتظرهُ وهو معي ولا يأتي.
- 4 -
أي رب
عندما ينكسرُ النهارُ،
كيف يُمكنُ لليلِ أنْ يكونَ غصني؟
عندما تتغضّنُ نظرتي كمثلِ كَفَنٍ عمرهُ خمسٌ وأربعونَ،
عندما أدمنُ النظرَ إلى زرقتِكَ،
ويغصُّ فمي بالكلامِ المؤجّلِ،
عندما تنهدمُ الخمسُ والأربعونَ في خطواتي،
عندما أعصرُ الورقَ اليابسَ في كفّي،
فيتهشّمُ وأذرّيهِ في هوائِكَ الذي علّبتَني فيهِ،
أذرّي الخمسَ والأربعينَ
على
مذراةِ
الاسبرين
والبندول،
أذرّيني
وأعصيكَ
وأحبكَ
وأكادُ أفقدُ بوصلَتي،
وأتشرّدُ في جهاتِ الشكِّ،
أي رب
لِمَ برأتَ نَسْمَتي في الملحِ؟
وبذرتَني في أرضٍ تنزفُ؟
وأثمرتَني سنابلَ هذا الداء؟
أحملُ حقولَ الحنطةِ العقيمةِ معي،
وأرى طيوري تهاجرُ،
ولا مطرَ يلوحُ في الأفقِ،
ثيرانُ الحقلِ تنظرُ إلى المحاريثِ،
والأرضُ تفتحُ فخذيها للغيمةِ اليابسةِ،
أشياءٌ تتصحّرُ وأخرى تمطرُ،
وكلُّ ما تعرفُهُ العينُ
يجهلُهُ اللسانُ
يا ربّ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أو جعني ألمك
وديع شامخ -

الصديق المبدع ناظم عودة آلمتني كثيرا بوخزات المك الكبير ايها الصديق الذي اعرفه محبا لبيته ووطنه .. يا للغربة من مفارقة كونية تشظينا في الافاق وتنشرنا كغسيل تحت شمس الله المديدة مشتاق لسماع اخبارك ارجو اعطائي عنوانك البريدي كي ارسل لك نسخة من مجموعتي الجديدة عسن ان يكون وجعي اخف وطأة عليك من الاسبرين والبندول ، والموت الذي يتربص بنا هنا وهناك مودتي كبيرة wadea1956@yahoo.com

رأي
كريم عباس -

الأخ وديع شامخ وليعذرني ،اسمع بإسمه لأول كشاعر نراه وضع كل هذه المداعبة الحسية لناظم عودة ، لأجل ان يبعث له مجموعته الشعرية حتى يكتب عنها الناقد عودة .. يالها من مجاملة مفضوحة و تجارة رخيصة في الأدب ؟؟ إنتعشت في السنوات الأخيرة ، وعودة الى نص عودة .. اجل مسحة الألم واضحة على ملامح النص .. غير ان الذي اثارني بهذا النص إنه أحالني الى الأدعية السجادية في مقطعه الأول عبر تلك المناجاة ، وهذا إستثمار لم يلتفت إليه الا قلة نادرة من شعراء قصيدة النثر .. لاحظوا توهج المقطع الأول عن باقي المقاطع الأخرى .. أنه مجرد رأي من قارىء متابع الى قصيدة النثر بشكل عام .