جماليات الرفض والتمرد بين جينيه والاسدي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
على مسرح بابل في بيروت عرضت مسرحية (الخادمتان) تاليف الكاتب الفرنسي جان جينيه و اخراج المخرج العراقي المغترب جواد الاسدي، وتمثيل : كارول عبود و ندى ابو فرحات.لابد من الاشارة اولا الى محدودية نتاج جينيه المسرحي لكن نجد ان عددا من المخرجين الكبار اخرجوا نصوصه تلك لتميزها بمواصفات درامية فكرية قلما تتوافر لدى غيره من الكتاب المسرحيين فاخرج له - بحسب اشارة عصام محفوظ في كتابه مسرح القرن العشرين- لوي جوفييه (الخادمتان)1947 ومارسيل هيران (رقابة شديدة) وروجيه يان (الزنوج) 1958 و بيتر بروك اخرج له (الشرفة) 1960 وروجيه بلان (الستائر) او البرافانات بعد ان حصل لها جان لوي بارو اذنا من وزير الثقافة الفرنسي حينها اندريه مالرو بغية تقديمها في مسرح الاوديون.فضلا عن عدد غير قليل من مخرجي المسرح المعاصر عالميا وعربيا حتى،اما عراقيا فابرز من اخرج لجينيه هما: (سامي عبد الحميد) مسرحية الزنوج تحت عنوان احتفال تهريجي للسود و (ناجي عبد الامير) الخادمات.
ويبدو ان الاسدي (مخرجا) كان هاضما واعيا لماهية جان جينيه (كاتبا) بمعنى ان الاول بخبرته وتجربته الاخراجية الثرية قد تداخل وتعالق مع الثاني بخبرته وتجربته الكتابية، فالمرجعية المعرفية والثقافية (المركبة والمغتربة والرافضة المتمردة) تكاد تتقارب ما بين الاثنين في الكثير من حيثياتها التاريخية الذاتية منها والعامة، تبعا لمفهوم التجربة الابداعية عموما بوصفها ذلك المخاض الحقيقي لنتاج الفنان وما ينبغي عليه قوله وتقديمه للناس.
نص (الخادمتان) وبحسب محفوظ هو ذلك (الحدث الواقعي المتضمن مقتل سيدة على ايدي خادمتيها و لانتاكد من كون جينيه كان مع الخدم ضد الأسياد ) لكن في قراءة الاسدي الاخراجية اكد لنا ان لا ينبغي ان يكون للأسياد مكانا في عالمنا المعاصر بحذفه الفيزيقي للشخصية / السيدة اولا وازدياده امعانا في مقتها برغم غيابها هذا.. للوهلة الاولى ربما نعتقد ان هذا الغياب/الحذف قد اعطى قوة درامية فاعلة للسيدة كقوة غياب شخصية ( غودو ) لدى صموئيل بيكت الا ان غياب شخصية ( الحلاب) هنا بوصفها الشخصية المنقذة المنتظرة (بفتح الظاء) لعالم الخادمتين المسحوق والمضطهد قد اضعف غياب السيدة وخفف من جبروتها حيايتا وعزلها حياتيا عن الخادمتين، ودراميا مع زمن ايقاع العرض المتوتر.
ثنائية الغياب هذه كان لها الاثر المباشر في توليد ثنائيات اخرى في ثنايا ملحقات سينوغرافيا العرض: كالقاطعين العموديين والفتحتين والارضيتين الافقيتين وهذه الاخيرة تعد ابرز هذه الثنائيات حيث عمد المخرج الى بناء ارضية ثانية اعلى من ارضية المسرح الاولى خالقا بذلك تقسيما ديكوريا يؤشر الى تلك التقسيمة الاجتماعية القاسية ما بين: العبد وسيده / المالك والمملوك / الخادم والمخدوم..عبر فضاء اسود يبرز في طرفه الايسر كرسي فارغ احالة الى غياب السيدة، لينبعث ومن بعيد صوت القطار مدويا وكاننا جميعا كمتلقين نركب هذا القطار او انه حلمنا - كما الخادمتان - بوصف القطار القادم ذاك خلاصنا جميعا ويبدأ الاحتفال.. فضاء احمر ودخان كثيف وايقاعات راقصة وحركات تعبيرية جسدية تنطق بلغة الايماء والجمال والالم تتخللنا عبر اداء محترف ومتقن للممثلتين الراقصتين المهرجتين بالازياء وبالمكياج وبتعابير دلالية متداخلة حركيا ومكانيا حيث لعبة الاسفل والاعلى مستمرة ليتصاعد الجو الاحتفالي باعلى درجات المه بملحقات دلالية مثيرة للتساؤل والجذب كمجوهرات السيدة واحذيتها وملابسها وعند (المرآة) يتوقف كل شيء لان السيدة (تكره المرايا) تكره الحقائق تكره عفنها وقذارتها المسكوت عنها..وتستمر لعبة تبادل الادوار تبادل المواقع التسلطية وتقمص السيدة ما بين الخادمتين ليكون الوشاح الاخضر ذلك الحبل الفاصل مابين السيد وخادمه و فجأة : ضربات مدوية منذرة بان احدهم قادم ربما هي؟ انه الشعور بازمة الاستقرار يصحبه الشعور بالقرف من كل شيء حولك.. لهجة محلية لبنانية تفاعل معها الجميع عبرت عن عمق الماساة وتلفظات سوقية جاوزت كل التحفظات لانها تخرج من هذا القبو/ الخراء / بيت السيدة رمز التسلط والاضطهاد والقسوة الاجتماعية حيث اللاعدالة..
تصاعدت ازمة الشخصيتين باداء فاعل ومحسوس وقل ازمتهما هذا تشكل بجمالية عالية بدخان سكائر الخادمتين وكانه غيوما ثقيلة وكثيفة هيمنت على الفضاء برمته :المسرح والصالة، بهدف الوصول الى ذروة درامية منتظرة والخلاص من كل هذا الوباء الابدي / السيدة الغائبة..
لقد اعلن المخرج عن جريمة شخصيتيه المتوقعة بذلك المشترك اللوني ما بينهما فالساق الاحمر المفردة مقابل القفاز الاحمر المفرد شكل علاقة لونية واضحة لكلتا الشخصيتين ما دام هناك سأما متزايدا من الاوامر ومادام سيبقى السيد سيدا والخادم خادما اصبح من اللازم بحلم ما.. لكن اي نوع من الاحلام ذاك؟ مامدى مشروعيته الالهية والوضعية؟ ومهما كانت التساؤلات ينبغي ان يكون ذلك الحلم الذي يضع حدا لكل هذه الصرخات ولكل هذه السلطويات الغافلة والمتجاهلة لمعنى الإنسان.. لتأتي جملة حوارية شكلت الركيزة المحورية لعرض الاسدي وعلى لسان الخادمة نفسها تقول (انا اكره الخدم) معلنة كل هذا التمرد والرفض للماحول وللماضي وللذي سياتي ولتكون الشمبانيا المسمومة وتدحرج الكأس وذاك الصمت الممتلىء معنا وتوترا وتصاعدا دراميا بالغا ورائحة الموت يشكل لنا جوا يملئه الطاعون والجزع والجريمة.. ليعود القطار من بعيد مرة اخرى بعد كل هذا القرف وهذا الخراب وهذا التمرد وهذا الموت ليتصاعد صوتيا مدويا مرة اخرى منذرا بالخطر القادم الذي يحيطنا / ينتظرنا لاننا لما نزل وسط دوامة تقسيمة الاسدي المكانية الافقية اجتماعيا ومسرحيا وتقسيمة قراءته الاخراجية هذه لثنائيات شطرت حياتنا نصفين ولما تزل كذلك فهي تتصاعد مدوية كعربات ذالك القطار الذي ركبناه جميعا في نهاية العرض كمتلقين لكل هذا الثراء الجمالي المتنوع ولكل هذه المرجعية الفكرية التي قاربت التوحد وجمعت جان جينيه مع جواد الاسدي ونحن معهما تحت كساء زخرفي تطرزه حيواتنا الكاظمة غيظها، وصرنا جميعا هدفا لذلك الأحمر المنبعث من السماء في نهاية العرض إنذارا بالخطر وانتظارا للمجهول ربما؟
التعليقات
رأي
Hassan -...إخراج المخرج العراقي المغترب جواد...عجبا لماذا لم يعد الى واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط - لمن لم يعرف أو نسي العراق- فهناك ربما تلهمه يوميات ممارسات الديموقراطية فيكتب أو يخرج عملا أبطاله شركات للحماية الأمنية وكورسه ثكالى فالعراق حافل بهم..ولايمنع من طلاء بعض الدبابات الأمريكية بأعلام عراقية كديكور...الإبداع في لبنان سهل، فحتى بعض السوريين يبدعون هناك، صحن مازة وكاس كسارة ومناظر حلوة...
الخادمتان
عرفان عرب -هل يبقى جواد يعيد ويصقل باعماله السابقة. لقد اخرج الخادمات للمرة العاشرة. هل نضب المسرح العالمي ولم يعد هناك مسرحيات مهمة يمكن تناولها.