ثقافات

صلاح فضـل يرصد الحالة الشـعرية لمحمود درويش

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد الحمامصي من القاهرة: ملأ محمود درويش الدنيا وشغل الناس بما مثله من شعرية عالية، وبما حمله من قضايا عادلة، شكَّلت الهم الأكبر للعرب جميعًا، لكن درويش استطاع أن يلتقط الإنساني فيها والعادل، ويعبر عن تفاصيلها، ويجعلها على كل لسان في العالم، وقد صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، كتاب للناقد الدكتور صلاح فضل بعنوان "محمود درويش، حالة شعرية" والكتاب على صغر حجمه الذي لم يتجاوز المائة وخمسين صفحة، زاخر بالقضايا الحياتية والشعورية التي شكلت تجربة محمود درويش.
ففي الافتتاحية وقف د. صلاح فضل أمام بيئة درويش، الذي كانت حياته، كما يصفها الناقد، مأزقًا وجوديًّا محكومًا بتفاصيل حالته الشعرية، فقد عاش موزعًا بين الأزمنة والأمكنة والقصائد، وفي هذه النقطة يتتبع صلاح فضل حياة محمود درويش كسيرة، منذ مولده في قرية البروة، ونزوحه إلى بيروت، وعودته مرة أخرى مرورًا بحياته في روسيا والقاهرة وبيروت وباريس وعلاقته بياسر عرفات، بعد أن انضم الشاعر، إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ودوره القيادي فيها، حتى رئاسته المجلس الأعلى للثقافة والإعلام، واستقالته من كل مناصبه، فعلى رغم اقترابه الشديد من ياسر عرفات وتحريره لبعض خطبه المهمة في المحافل الدولية، وإطلاقه لبعض الشعارات التي دخلت ذاكرة التاريخ، فقد ظل درويش منذ بداية التسعينيات حتى رحيله يتنقل من بيته في "عمان" و"رام الله" في حالة من القلق والحصار، واضعًا نصب عينيه دائمًا تربية وعيه الشعري بالقراءة والتأمل، ومدمنًا لهذا الولع المزمن بالتجاوز واللهفة إلى ممارسة التحولات الدائبة في أسلوبه وتقنياته ورؤيته، بعد أن كان قد نجح في التخلص مما يعوق حركته الإبداعية.
وفي الفصل الأول "شعرية العشق" يقف د. صلاح فضل أمام مرحلة درويش الرومانسية وتأثره بنزار قباني، مرورًا بالنقلة النوعية الفادحة التي أحدثها أدونيس بأسلوبه التجريدي، لكن درويش في كل قصائده استطاع أن يدخل موتيفات جديدة ولقطات منسوجة بمهارة فائقة تحيل على عالمه الخارجي. لتتوالى بعد ذلك مغامراته الإبداعية لتتجاوز حدود الحداثة المستقرة عند منطقة التجريد، ولتقدم مزيجًا جديدًا من التعبير المكثف حينًا والملطف حينًا آخر عن هموم الإنسان في الحب والموت والخلاص.
منطقيًّا يأتي الفصل الثاني ليتناول تحولات درويش، والتي تمثلت في مباحث مفردة حددها بدقة الناقد الكبير مثل " من البراءة إلى الخطر"، ثم "الخروج إلى شكل آخر" وهو ما يفسره درويش نفسه بقوله " إنني أقوم بتنمية طاقتي الإبداعية المستقلة عن أسباب شهرتي وبعدم الوقوع في أسر الخطوة الأولى التي قدمتني للناس والتمرد على أشكالي القديمة بمحاولة التجديد المستمر للذات"، ثم يأتي بعد ذلك مبحث : انبهام الرؤية وتشذر التعبير.
يبني د.فضل نقده لدرويش بناءً هندسيًّا حيث تسود الكتاب كله روح من المحبة والإخلاص في التعامل مع الشعر والشاعر، حتى أن الكتاب نفسه يعتبر معزوفة محبة في تجليات شعرية محمود درويش، فالفصل يسلم للآخر، والفقرة مبنية على سابقتها، وبالتالي جاء الفصل الثالث " قراءات نصية" ليقف طويلًا أمام حالات أعمال محمود درويش مثل : حالات الشعر والحصارات، والقصيدة الدرامية الشاملة، ولمسات الحداثة. فرغم ارتباط درويش بقضية واقعية هي الأخطر في التاريخ العربي فإنه - مع ذلك - شاعر حداثي، ومن دواوين درويش التي تناولها د. فضل في هذا السياق " كزهر اللوز أو أبعد" و"لا تعتذر عما فعلت" وكتاب "أثر الفراشة" ليختتم د. فضل رحلته مع درويش قائلًا " كان محمود درويش مثل عظماء الشعر في كل العصور، طفلًا سماويًّا مدهشًا يحتفل بالحياة ويغني لها، ثم يلعب مع الموت، ويطيل رفقته".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف