عزيز نسين: دويتو بين امرأتين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة: نصرت مردان: عزيز نسين ( 1915 - 2007) رائد الأدب الساخر، صاحب شهرة عالمية. ترجمت أعماله إلى لغات عديدة.. نال جوائز دولية لمرتين متتاليتين.أصدر 70 كتابا مابين رواية وقصة ومسرحية وسيرة ذاتية لا تزال أعماله تلقي قبولا من القراء عند إعادة طبعها.
ولد بمدينة استانبول. اسمه الحقيقي (محمد نصرت نسين) من عائلة معدمة.انضم إلى المدرسة الحربية عام 1935 ليتركها في 1944، لتبدأ حياته كصحفي وكاتب. عمل في مجلات وصحف كثيرة مثل آق بابا، دولموش، آقشام، طنين. اهتم في نصوصه وقصصه بنقد السياسة وأهلها، والأوضاع السياسية في تركيا، وتعرض إلى الاعتقال عدة مرات بسبب ذلك. كتب للمسرح والتلفزيون أعمالا هامة. أنشأ عام 1972 (وقف نسين)، الذي يختار كل عام أربعة من الصبية الذين ينتمون إلى عوائل فقيرة ومعدمة، حيث يتم تأهيلهم للحياة العلمية والعملية. وبسبب ذلك، ترك عوائد كتبه المطبوعة لصالح الوقف المذكور، حارما أولاده من الميراث.
الشخصيات
صاحبة البيت
الغريبة
غرفة واسعة. الجدران مغطاة برفوف كبيرة. النافذة الكبيرة والوحيدة في الغرفة مغطاة بستارة حمراء كثيفة. على الأرض صحف ومجلات وكتب مفتوحة متناثرة. ساعة جدارية.صوت رقاص الساعة، يسمع بجلاء ووضوح في أماكن معينة من المسرحية، يتحول أحياناً إلى صوت ناقوس. الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ليلاً. امرأة تتبرج أمام مرآة أسندتها على أحد الرفوف. تتأمل الساعة. توحي حركتها، أنها بانتظار أحدهم في ساعة معينة. تتقلد قلادة، تشبك بروشاً على ياقتها. يرن جرس الباب تنظر المرأة إلى الساعة نظرتها توحي أن الطارق لا يمكن أن يكون الشخص المنتظر. يرن الجرس عدة مرات. تتردد المرأة في فتح الباب.
(تدخل الغريبة أولاً، تتبعها صاحبة البيت إلى الغرفة، ملابسهما وزينتهما متشابهتان تماماً)
صاحبة البيت - (للضيفة المترددة ) تفضلي.. تفضلي..
الغريبة- أليس هذا منزل السيد واسين؟
صاحبة البيت - ( تظهر عصبيتها لحديث الضيف عند زوجها بلا كلفة تلفظ مخارج الحروف) نعم أنه بيت السيد واسين.
الغربية - ( تنظر إلى الكتب ) إن لم أكن مخطئة فأنتِ زوجته.
صاحبة البيت - أجل.. أنا زوجته.
صاحبة البيت - (تشير إلى إحدى المقاعد ) تفضلي بالجلوس.
( يظهر أنهما ترتديان نفس النوع من الفستان وتلبسان نفس الحلي )
صاحبة البيت - تتأملها بدقة بينما هي تواصل الحديث - اأعتذر لمجيئي في وقت غير مناسب. لم أكن أرغب بإزعاجكم في هذا الوقت المتأخر من الليل.. لكنني لا أعرف أي شخص أخر في هذه المدينة. في الحقيقة، لا أرغب بالذهاب إلى الفندق قبل رؤية واسين.
صاحبة البيت - ( مستغربة ) ماذا؟.. تريدين رؤية واسين؟
الغريبة -أليس واسين موجوداً في البيت؟
صاحبة البيت - السيد واسين، ليس في البيت.
الغريبة - هل ذهب إلى مكان ما؟ وهل سيتأخر في العودة؟
صاحبة البيت - ( تنظر إلى الساعة الجدارية ) - سيأتي.. هل جئت من مكان بعيد؟
الغريبة - أجل من مكان بعيد جداً.. جئتُ بعد رحلة طويلة.. ثم توجهت مباشرة إلى هنا. هل ذهب واسين إلى مكان بعيد؟
صاحبة البيت - إلى مكان أبعد من المكان الذي جئت منه؟
الغريبة - إذن أنت تعرفين من أي مكان أتيت !
صاحبة البيت - كلا لا أعرف، ولكن مع ذلك فان واسين في مكان بعيد جداً..
الغريبة - آه.. إذن لن أراه الليلة. سيكون انتظاري بلا جدوى.
صاحبة البيت - أحقاً لا تعرفين.
الغريبة - أعرف ماذا؟
صاحبة البيت - موت واسين !
الغريبة - ( تصرخ ) هل مات؟ متى؟
صاحبة البيت - قبل أكثر من عام..
( تنخرط الغريبة في نشيج من البكاء. بينما تتوجه صاحبة البيت لإكمال زينتها أمام المرآة، وتنظر بين فترة وأخرى إلى الساعة الجدارية.. يرتفع رويداً رويداً صوت رقاص الساعة ثم لا يلبث أن يخفت ثانية )
الغريبة - ( مستنكرة تبرج صاحبة البيت ) هل أنت ذاهبة إلى مكان ما؟
صاحبة البيت - أنتظر ضيفاً ( تنظر إلى الساعة الجدارية ) لنشرب فنجاناً من القهوة، فلم يحن بعد موعده.
الغريبة - شكراً، لا أرغب ( تمد لها صاحبة البيت سيكارة ) لا أدخن.. ( تشعل صاحبة البيت سيكارتها ) لقد ترملتِ قبل الأوان. كم أنتِ جميلة ! ( تواصل المرأة التبرج ) لا تزالين شابة، وليس من المعقول أن تعيشي في مأتم إلى ما لا نهاية ( ضجرة ).. أعتقد إنك تنتظرين رجلاً..
صاحبة البيت - ( منفعلة ) كيف عرفتِ؟
الغربة - ذلك واضح كل الوضوح.. من تبرجك المفرط وإنفعالك.
صاحبة البيت - أجل.. حينما يقترب موعد مجئيه في هذه الساعات.. منذ أكثر من عام وأنا أعيش هذا الشعور.
الغريبة - ( مستنكرة ) بدأت مبكرة بعد موت واسين أليس كذلك ( صاحبة البيت لا ترد ) هل تحبينه؟
صاحبة البيت - من؟
الغريبة - الرجل الذي أنتِ معجبة به.
صاحبة البيت - جداً.
الغريبة - هل يبادلك الحب؟
صاحبة البيت - لا أعلم.
الغربية - أرجو أن لا تظني، إنني أستنكر ما تفعلين فليس من المعقول أن تظلي وحيدة وأنتِ في هذا العمر. وليس من السهل على أرملة رجل شهير أن تتزوج.. كما أنه ليس من السهل أن تعجبي بأي رجل بعد واسين. وأنتِ لا تستطيعين العيش بحرية ولا أن تعقدي الصداقات مع الرجال لأنك أرملة واسين المعروف..
( صاحبة البيت -تعد كأسين من الشراب، تقدم إحداها للغريبة )
الغريبة - شكراً.. سامحيني على فضولي هل أستطيع أن أسالكِِ أي رجل هو؟
صاحبة البيت - من؟
الغريبة - الرجل الذي تنتظرينه.
صاحبة البيت - لن تصدقيني..
الغريبة - - لأذهب إذن.
صاحبة البيت - هل من الضروري أن تشاهديه؟
الغريبة - من؟
صاحبة البيت - واسين..
الغريبة - ( تنهض ) كان ضرورياً.. أما الآن فقد أصبح مستحيلاً.
صاحبة البيت - ( تنظر إلى الساعة الجدارية ) انتظري قليلاً.. سيأتي بعد عشرين دقيقة.. ( تتراجع الغريبة بهلع خطوتين إلى الوراء.. تتناول معطفها )
الغريبة - حان وقت ذهابي.
صاحبة البيت - لم أصارح أحداً حتى الآن، لكنني سأصارحك..
الغريبة - بماذا؟
صاحبة البيت - بزيارة واسين لي كل ليلة.. لو كنت قلت ذلك لأي شخص فسوف يتهمني بالجنون.. وما دمت قد جئت من منطقة بعيدة وتودين رؤيته.. ( تبتسم الغريبة التي تنظر إليها بخوف ) لماذا تنظرين إلي هكذا؟
صاحبة البيت ـ انتظري، سيصل بعد قليل وسترنيه..
الغريبة - ( تتهالك على المقعد ) - هل تنتظرينه؟
صاحبة البيت - أجل.
الغربية - هل تجملت من أجله؟
صاحبة البيت - أجل.
الغريبة - كيف يأتي إلى هنا؟
صاحبة البيت - بشكل اعتيادي.. كما كان قبل موته..
الغريبة - ألا تخافين؟
صاحبة البين - خفت كثيراً، عندما مات في تلك الليلة، لم أنتظر قرب جثمانه، قضيت الليلة عند الجيران. ما أغرب أن نشعر بالخوف والرهبة من أقرب الناس لنا في لحظات الموت.. أما الآن فلا أخاف منه.
الغريبة - هل تعودت عليه؟
صاحبة البيت - إنه ليس ميتاً.. فأنا سأخاف منه لو كان كذلك.
الغريبة - إذن لم يمت.
صاحبة البيت - لقد مات.. مات حقاً.. لكنه يأتي مع ذلك
الغريبة - ( في حالة استغراب مستمرة ) كيف يأتي بالتابوت أم بالكفن؟
صاحبة البيت - ( تتحدث بارتياح وكأن كل ما تقوله هو اعتيادي ) كلا يا عزيزتي.. أنا لا أحدثك عن أفلام الرعب ولا عن القصص الخيالية.. أنه يأتي مرتدياً ملابسه كاملة.
الغريبة - يأتي بهيكله العظمي؟
صاحبة البيت - ( تضحك ) أنت على وشك إخافتي. أنه يأتي كما كان في السابق.
الغريبة - ألم يتفسخ جسده طول هذه الفترة؟
صاحبة البيت - كلا إنه سليم، وهو ككل مرة يسعل.. إنني أميز سعاله من بين ألف سعال.
الغريبة - هل زال الألم من كتفه؟
صاحبة البيت - من أين تعلمين بالألم الذي في كتفه؟هل هو قال لك ذلك؟
الغريبة - سمعت من احدهم.
صاحبة البيت - إنه لا يزال يعاني منه. لا يقول لي ذلك لكنني أحس به من حركاته.
( يرن جرس الهاتف، تتبادلان النظرات )
الغريبة - ( بهلع ) أهو؟
صاحبة البيت - لا أعتقد.. إنه لم يتصل بي هاتفياً منذ موته.. إنه شخص أخر ( تتناول السماعة مترددة ) ألو.. تفضل..
( يسمع صوت الرجل مكبراً، ينعكس صداه في الغرفة. أنه صوت شاب)
الصوت - أعتذر للإزعاج في هذا الوقت المتأخر.
صاحبة البيت - ( ببرود ) عفواً..
الصوت - ألم تعرفيني؟
صاحبة البيت -لقد بدأت أتعود على صوتك..
الصوت - شكراً.. لقد انتظرتك طوال هذه الساعات، ومع ذلك لم تأتين..
صاحبة البيت - لكنني أخبرتك بأنني سوف لن أتي..
الصوت - أجل قلت ذلك مثل كل مرة.. لكن رغم ذلك كان ثمة أمل في داخلي.
صاحبة البيت - ( توميء للغريبة بشكل يدل على تبرمها من الحديث ) لكنني لم أمنحك أي أمل.
الصوت - مع الأسف..
صاحبة البيت - أعتذر لدي ضيوف.
الصوت - هل سأراك غداً؟
صاحبة البيت - كلا.
الصوت - آه لو أستطيع أن أعبر لك عن مدى أخلاصي.. ( تبدو إمارات التبرم على وجه المرأة ) هل أستطيع زيارتك، سترافقني أختي..
صاحبة البيت - في كل مرة أكرر لك بأنني مشغولة جداً، وليس لدي وقت فراغ. الصوت - لا أطمح في أكثر من خمس دقائق.
صاحبة البيت - ( تتأفف ) غداً سوف لا أكون في البيت..
الصوت - أكرر اعتذاري.. أرجو أن لا تغضبي مني..
صاحبة البيت - ( بلا اهتمام ) كلا.. كلا..
الصوت - سأتصل بك.. ربما تغيرين رأيك.. شكراً جزيلاً.. إنني سعيد لسماعي صوتك.. ليلة سعيدة.
صاحبة البيت - ليلة سعيدة ( تضع سماعة الهاتف ) إنه لا يعرف بزيارة واسين لي كل ليلة.. أنا لا أقول ذلك للآخرين.. كي لا يظنوا بأنني مجنونة..
الغريبة - ماذا تفعلين لحظة قدومه إلى البيت؟
صاحبة البيت - إنه متعلق بالتقاليد العائلية. يقبلني لحظة دخوله، ولحظة خروجه..إنه يفعل ذلك حتى في فترات خصامنا، والده كان كذلك أيضاً.
الغريبة - وماذا بعد؟
صاحبة البيت - ثم يدخل غرفته كالحلزون.
الغريبة - هل كان في السابق كذلك؟
صاحبة البيت - أجل، وكان دائم اللغو والثرثرة منذ زواجنا..لقد كانت كلماته مثل فأر يقضم خلايا رأسي.
الغريبة - والآن؟
صاحبة البيت - لا يتحدث الآن.. يرد عليّ بإجابات مقتضبة.. لا..أجل..، كلا.. حسناً..، في كل زيارة أضع فيها أقداح الشاي أمامه، يشرب القدح تلو الأخر.. لقد مات ولم يتخل عن عاداته..
الغريبة - ماذا يعمل هنا؟
صاحبة البيت - ( مستغربة ) الا تعرفين؟
الغريبة - كان نحاتاً.
صاحبة البيت - أجل أنه ينحت كل ليلة. لقد مات وهو يعمل على نحت التماثيل.. إنه يأتي ليكمل ما بقي من تماثيله..
الغريبة - ألم يكملها بعد؟
صاحبة البيت - وهو لن يكملها في هذه الحالة. لأنه يهشم في كل ليلة، ما بدأ به ليلة أمس. ثم يغادر البيت عند شروق الشمس.
الغريبة - هل سيأتي وأنا هنا؟
صاحبة البيت - لا اعرف ربما.
الغريبة - لو استطيع رؤيته.
( صمت )
صاحبة البيت - سامحيني على فضولي، ماذا ستتحدثين معه؟
الغريبة - ( مقاطعة ) لقد أردتُ رؤيته فقط.
صاحبة البيت - (تحس بعلائم بالغيرة ) أنا لا أهتم بك.. فهو لم يتحدث لا عنك ولا عن امرأة أخرى.
الغريبة - بعد موته، لا مبرر للغيرة.
صاحبة البيت - كيف تعرفت على واسين؟
الغريبة - في إحدى الأمسيات.. ظللنا نمشي معا على امتداد الشاطئ.
صاحبة البيت - على امتداد الشاطئ !
الغريبة - كلا.. كلا.. كنا في باخرة..
صاحبة البيت - ( بغلظة ) في باخرة؟
الغريبة - ( تغير حديثها باستمرار ) كلا.. كلا كنا في البولفار.
صاحبة البيت - كنتما في البولفار؟
الغريبة - كلا.. كنا في حديقة.
صاحبة البيت - حديقة؟
الغريبة - ( مستغربة ) يا سيدتي، كنا في مكان ما. ليكن المكان الذي ترغبينه أنتِ. لقد قال لي شيئاً أريد أن أقوله لكِ..
صاحبة البيت - صارحيني، أين كنتما؟
الغريبة - في مطعم.. سيدتي أنا امرأة متزوجة ولم أخن زوجي.
صاحبة البيت - أنا أيضاً لم أخنه. لم أنسه لحظة واحدة ماذا قال لك؟
الغريبة - كان يفخر بكِ.
صاحبة البيت - ( دامعة العينين، تصرخ بحدة ) أجل كان يجب أن يفخر بي، ولكن أمام الآخرين كان يفعل ذلك فقط، وكأنه يقول أنظر إلى مزهريتي ما أجملها.. كان كمن يقول انظروا إلى متاعي. ولكن أين موقعي أنا من كل هذا؟
كان أنانياً، لا يفكر إلا بنفسه..
الغريبة - كان رجلاً طيباً.. يتصرف بطيبة نحو الآخرين.
صاحبة البيت - أجل كان طيباً.. لكنه يفعل ذلك، ليغطي أنانيته. كان ينتقم من الذين يسيئون إليه. انتقاما بأسلوب لا يفهمه إلا هو ( تجهش بالبكاء ).
الغريبة - قلت له هذا الكلام في مرة من المرات..
( تنكس صاحبة البيت رأسها، تمسد الغريبة بيدها على شعرها.. في هذه اللحظة يأتي صوت الرجل من مكبرات الصوت )
صوت الرجل - سأموت في يوم ما.. حينما تتوقف نبضات قلبي، ستذرفين الدمع وتقولين، إنكِ لن تستطيعين الحياة بدوني.
( صمت )
الغريبة - لماذا مات؟
صاحبة البيت - لا أعلم.
الغريبة - يموت الإنسان، حينما يقرر ذلك.
صوت الرجل - كانت أعصابي متوترة في تلك الليلة التي حلمت بها، كنت في مكان معشب وكانت ثمة إمرأة، ربما كانت أمي تقول لي (( لا تخف )) إنه سهل للغاية..
صوت المرأة - ( ينطلق بعذوبة ونعومة ) لا تخف.. إنه سهل للغاية.. ستحس بانقطاع قدميك عن الأرض.. تشجع قليلاً، سترتاح.. ترتاح تماماً.
صوت الرجل - لكنني لم أذق طعماً للراحة.
صاحبة البيت - ( باكية ) كان دائم الحديث عن الموت كان يرتاح لذلك..
الغريبة - لقد مات على أي حال.
صاحبة البيت - كنت دائماً، أنتظر هدية منه في عيد ميلاد، مجرد هدية صغيرة وردة يقطفها من شجرة، ولكن بلا جدوى.. ( غاضبة ) لم يتذكرني في أي يوم من أيام ميلادي..
الغريبة - كنت تملأين حياته، كل يوم، كل ساعة
صاحبة البيت - لم يكن يبر بوعده. كان يدعني أنتظره بين رجال غرباء لساعات طويلة.. كان يتركني وحيدة.
الغريبة - لكنه الآن لا يتركك وحيدة يزورك في كل ليلة.
صاحبة البيت - أجل بعد موته.. لكنني لا أزال وحيدة مع تماثيله.. لا أدري هل يأتي لزيارتي أم لتقفد تماثيله تلك.. كنت أتمنى أن أكون زوجة واسين فقط.. وليست زوجة واسين النحات..أنه لم يحبني قط !
الغريبة - لقد أحبكِ دائماً.
صاحبة البيت - كلا كان يحبك أنتِ.
الغريبة - ( هائمة في ذكرياتها ) كلما حاولت التقرب منه، كان يتهرب مني بلباقة، ويظل يحدث عن رقتك وحبه لك. كنتِ بمثابة طوق نجاة له، يتشبث به من أجل الخلاص من الغرق.
صاحبة البيت - كان يحب أن يمتدحه الآخرون. كن يحب أن يطعم الطيور بنفسه، كي تحبه الطيور أيضاً..
( تبدأ المرأتان بحوار غير مترابط، وكأن كل منهما لا ترى الأخرى، تتحدثان في جو من الألفة والرقة والجدية )
الغريبة - أليس الجو بارداً؟
صاحبة البيت - أتمرن على إجادة اللغة الايطالية.
الغريبة - لحليب الأم مزايا متعددة. أنه لا يشبه حليب حيوان أخر.
صاحبة البيت - طبعاً.. ليت زجاج النوافذ تحطم في أوانه. وأنتِ أين تسكنين؟.
الغريبة - لا أحب القبعات لن أتعود عليها..
صاحبة البيت - هل رأيت ذلك بأم عينيك؟ أم أنكِ ستذهبين إلى البحر هذا الصيف؟.
الغربة - لا أصدق.. بكم اشتريته؟
صاحبة البيت - ( تنطلق وكأنها قد نهضت من حلم طويل تنظر إلى الساعة الجدارية ) الحادية عشرة ( بخوف ) سيأتي.. سيدق الباب الآن..
( يرتفع صوت رقاص الساعة رويداً رويداً، ويتحول إلى صوت ناقوس.. ومع الصوت ينطلق من مكبرات الصوت، صوت ضجيج، عجلات ماكنة صدئة يشبه صوت رجل يتحدث مكرراً نفس الحروف، صاحبة البيت، تسد أذنيها صارخة ) أصمت كفى، لقد مللت، لم أعد أتحمل ( تخفت الضجة ثم تتلاشى ) لا أريد أن تقضم كلماتك خلايا رأسي.. إنك تقضم أحلامي حتى في المنام.. أصمت يكفي.. يكفي..
( تصمت الضجة تبدأ المرأتان بالنحيب )
الغريبة - تجاوزت الساعة الحادية عشرة.
( يرن جرس الهاتف تمسك صاحبة البيت السماعة بلهفة وأمل في الطرف الأخر صوت الرجل المنتشي المرأة تتحدث برقة وعذوبة )
صاحبة البيت - ألو.. تفضل.. الو
الصوت - أعتذر ثانية، لإزعاجك في هذه الساعة المتأخرة.
صاحبة البيت - أطلاقاً.. ولماذا أنزعج.. بالعكس أنا ممتنة وسعيدة جداً..
(ينفصل سلك التليفون من مصدره ومع ذلك يواصلان الحديث )
الصوت - طوال الليل، بحثت عيناي عنك، انتظرت حتى هذه الساعة، لكنك لم تأتين.
صاحبة البيت - سأحضر إليك أن أردت ذلك.
( تشد سماعة الهاتف بقوة من فرط الانفعال والنشوة، تنفصل السماعة من الجهاز تقترب من الغريبة، والحديث لا يزال مستمراً )
الصوت - كلا، لقد تركت ذلك المكان، حينما رفضت الحضور. أنا الآن في مكان بعيد..
صاحبة البيت - وآسفاه.. إذن ستلتقي غداً
الصوت - لقد ذكرتِ بأنكِ مشغولة في الغد..
صاحبة البيت - ليس ذاك بشيء ذي بال..
( تسقط السماعة من يدها. لكن الحديث بينهما يتواصل )
الصوت - هل أتي أنا؟
صاحبة البيت - كما تشاء.
الصوت - حسناً، سآتي مع شقيقتي.
صاحبة البيت - من الأفضل أن تأتي وحدك.
الصوت - سأتي وحدي.. ليلة سعيدة.
صاحبة البيت - ليلة سعيدة.. أنا في الانتظار.
(يخف انفعال صاحبة البيت.. تنظران إلى الساعة الجدارية.. الرقاص فيها متوقف عن الحركة )
الغريبة - لقد توقفت الساعة..
صاحبة البيت - لقد نسيت ملئها
الغريبة - لقد تخلصت منه تماماً..
صاحبة البيت - لن يأتي بعد الآن.
الغريبة - مات حينما كان يعيش..
صاحبة البيت - مات حينما كان يعيش..
( تقف الغريبة خلف صاحبة البيت.. حينما تخفت الأضواء تبدوان كامرأة واحدة)
التعليقات
مبروك
نشأت المندوي -جهدك متميز ايها الصديق في انتقائك للترجمه فكاتب بحجم عزيز نسين يستحق منا وقفه جديه امام اعماله وهي جديرة بالقراءه والمتابعه شكرا استاذ نصرت للاختيار فقد اضفت للمكتبه عمل متميز لمبدع متالق و كنت خير من يجيد هذه الاضافه ......تحياتي
دمت
جلال زنكَابادي -دمت مبدعاً متألقاً ومتميزاًفي كتابتك وترجمتكلتتحفنا بكل ماهو إنساني ورائع.لي ملحوظة بخصوص تاريخ وفاة نسين فهو إن لم تخنّي الذاكرة عام(1995م) وعدد كتبه قد يناهز المائة.
نسين تعني " من أكون"
alma jbara -اسمه محمد نصرت فقط وليس محمد نصرت نسين كما ورد في تعريفكم, أما عزيز نيسين فهو الاسم الذي اختاره لنفسه عندما بدأ الكتابة في الصحف التركية متخفياً.. وكلمة نيسين تعني " من أكون"