ثقافات

ليلى العثمان تجوس خلال آفاق الذات المنكسرة في: المرأة والقطة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله السمطي من الرياض: قصيرة هي الحكاية التي تصوغها الكاتبة الكويتية ليلى العثمان في روايتها:" المرأة والقطة" (الدار العربية للعلوم- ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى 2010)
فأفق السرد في هذه الرواية يختبر المسافة بين الحكي وبين الكثافة، ويسعى إلى إيجاز جملة من المشاهد التي تتعرض لها ذات إنسانية في ممارسة خاصة للحياة الأسرية البسيطة التي تسعى للملمة بعض شتات هذه الذات، وحيرتها، وأسئلتها الشخصية انطلاقا إلى هذا الواقع بكل مآزقه وأزماته.
رواية قصيرة تقدمها ليلى العثمان تقع في ( 85) صفحة، لكنها تسعى إلى تكثيف اللحظة، وقراءة وعي الإنسان عبر تجاربه ورؤيته الخاصة إلى العلاقات الأخرى التي تجوس خلال مخيلته وذاكرته.
ولا تثريب علينا أن نقص طرفا من هذه الحكاية التي تقدمها الكاتبة، وهي تعبر عن مأزق العلاقات الإنسانية البسيطة، حيث " سالم" الذي نشأ في ظل هيمنة وتسلط " العمة" التي لا يستطيع الأب العاجز أن يبدل لها رأيا أو يعترض على موقف، وأم استطاعت العمة تطليقها من زوجها، ليعيش الابن في حالة تشبه حالة اليتم، ولا أنيس له سوى قطته المدللة " دانة" التي تحل محل الأم، ومحل الأب المشغول دائما، والعاجز عن أن يقف أمام شرور " العمة" .
يكبر سالم محتزنا طفولة معذبة، لايؤنسها سوى مشاهدته قطته تلهو أمام عينيه. يختلف إلى المدرسة، ويتفوق فيها، حتى يبلغ مستوى متوسطا في التعليم، تغار من ذلك عمته، وتسعى لإخراجه من المدرسة وهو ما يتحقق بالفعل بعد موافقة أبيه العاجز في مواقفه على أن يعمل معه بالتجارة، لكنه يستمر في القراءة والتعلم في الخفاء، ويهوى مطالعة الكتب.
تسعى عمته لتزويجه من فتاة جميلة" حصة"، يشعر سالم بدفء شديد في العلاقة مع " حصة" يكتشف الحب، يكتشف العلاقات العاطفية الحميمة، يتزوجها، لكنه لا يستطيع أن يمارس وظيفة الزواج، حيث العجز الجنسي.
يعاني نفسيا، يتذكر الفعل العاطفي الذي كان يقوم به الهر الأسود مع قطته، يتداعي هذا المشهد الشبقي الحيواني في مخيلته، ولا يستطيع أن يفعل مثله.
قطته قتلتها عمته، ألقتها في مرحاض الخلاء، وزوجته " حصة" تصبح حبلى رغم عجزه الجنسي، يملأه الشك، تحاصره الأسئلة والهواجس والكوابيس، يشك في أبيه، يشك في نفسه، يراوده قتل " حصة" وقتل عمته، يسافر بعيدا، يعود ليجد " حصة" مقتولة بالحبل نفسه الذي قتلت به عمته القطة" دانة" هذه المشاهد جميعا تودي به إلى السجن، فالمستشفى، وتنتهي الرواية باسترجاعه كل هذه الأحداث ولا يوقفه سوى إبرة المخدر على السرير الأبيض.
هذه هي قصة الرواية، وهي رواية مكثفة، تسعى ليلى العثمان إلى قراءة جوانيات إحدى الذوات المعذبة، عذابها من " العمة" في الطفولة، وعذابها من الضعف الجنسي بعد الزواج.. هذه العذابات كيف تؤثر في النفس، كيف تشعل الأسئلة، والأحلام، والكوابيس والرؤى. ليلى العثمان تصغي لنموذج إنساني، وتبدي هذا الإصغاء كتابة حيال القارىء.
إن الأبعاد السيكولوجية، المونولوجية هي التي تهيمن على الرواية، تداخل الضمير السردي بين الغياب وبين التكلم، إلى درجة التماهي، وهذا أعطى قدرا من الدرامية السردية التي تتحرك بين منظوري الداخل والخارج، مما حرك نوعا من المفارقة والتوتر الذي يطل على امتداد الرواية.

حصار البداية:
حصار البدايات هو ما يراود فكر شخصية " سالم" هذا الحصار كان مأساويا بفعل العمة المتجبرة، وخذلان الأب الضعيف، ربما تتكرر نماذج هذه السلطة الأسرية في الواقع، لكن ذلك قد يفضي إلى الاتجاه النقيض، ومؤالفة التمرد، وهو الأمر الذي نراه كثيرا في الواقع، ربما كان من المؤمل أن تنتهي الرواية بمقتل " العمة" لا مقتل" حصة" بيد أن الكاتبة سارت عكس تيار التوقع، لتغذي أكثر مجال الأسئلة والهواجس، وتعطي الابعاد السيكولوجية مجالا للحركة في ذهن الشخصية الرئيسية في الرواية.
وقد قدمت ليلى العثمان روايتها القصيرة بأسلوب ماتع، حيت انهمار الجمل الفعلية المتتالية التي تحرك المشاهد، وتتالي السرد اللا سببي الذي يقلنا دائما إلى منطقة اللاوعي، وهو ما أدته الكاتبة بإتقان لتنقل لنا الأحاسيس الداخلية للشخصية.
ومن المشاهد الجلية بالرواية هذا المشهد الذي اختلى فيه " سالم" بزوجته، مستدعيا في الذاكرة صورة القطة " دانة"، ولنلحظ هذا الربط بين مشهد الواقع، ومشهد الذاكرة:" تخطى المسافات والفواصل برفق، دانة تقطع المسافات، هرع إلى الباب الموصد، حصة مستسلمة، هو الهر، تدفعه لحظة التمازج بين دانة والهر، يريد أن ينطق، حاول دفع الباب العذري. صرخ من حوله كل شيء، أحس يدا قوية تشده. تعطله. تفصله. وجهها يبتعد عن وجهه. ينتصب وجه عمته. يشرع أنيابه. يرى مخالبها تتجه إليه. تنغرز في لحمه. تنهار قواه. تدور به الأرض . تطوحه الريح وتفح سموما حارقة ..... غلبه ضعفه . أثقلت جسده رخاوة وذبل شوقه .. غابت كل الأشياء عن عينيه إلا وجه عمته ينقض على الوله والرغبة . يفسدهما ويدفنهما" .
رواية:" المرأة والقطة" رواية سيكولوجية، فيها من أفق المخيلة ما يسعى - بشكل نقيض- لتنقية أفق الواقع، ودفعه حيال التمرد وصولا إلى مثالية أكثر صفاء وأكثر مخايلة للروح.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف