مسرحية "ملوك الطوائف": التاريخ يرى نفسه في مرآة الحاضر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صفق الحاضرون كثيراً في ختام مسرحية "ملوك الطوائف"، بعضهم انهمرت دموعه من الضحك على واقع مرير، تراءت صوره من خلال قصة الأندلس وملوك طوائفها المتناحرين. بينما ضحك كثيرون لأنهم أدركوا أن التاريخ سيظل يعيد نفسه طالما العرب لا يغيرون ما بأنفسهم، ويحيكون المكائد لبعضهم البعض. صفق الجميع أيضاً للأداء المميز الذي شاهدوه رغم ضيق مسرح قطر وصغر حجمه لعمل ضخم من أعمال الرحابنة، لكنهم صفقوا أيضاً لأن العمل قدّم من دون أي تعديل عليه أو رقابة رغم ما فيه من إسقاطات على واقعنا الراهن، وما فيه من "لطشات" للحكام.
وقد عرضت المسرحية ضمن النشاطات الختامية للدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010، بحضور الدكتور حمد الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث وعدد كبير من الشخصيات الثقافية والدبلوماسية وجمهور ضاق به المسرح.
ومن خلال قصة حب تجمع ملك إشبيلية المعتمد ابن عباد وصبية من عامة الشعب تعمل "غاسلة" هي إعتماد الرميكية، انتهت بزواجهما، فأصبحت تشاركه في اتخاذ القرارات وتسدي له النصح في الحكم، تقدم المسرحية قصة حقبة مهمة شهدتها الأندلس. ويسجل للراحل منصور الرحباني أنه استطاع أن يستفيد ببراعة من تاريخ الأندلس، ليقدم ملحمة غنائية موسيقية تواكبها مساحات من الرقص تحكي التاريخ الذي يعيد نفسه بصورة جديدة لكنها تكاد تكون نسخة متطورة من الماضي. فهو ينطلق من فترة "ملوك الطوائف" التي قامت على إمارات هي دويلات صغيرة أنشئت على أنقاض الدولة الأموية، وكان أوسعها نفوذاً بنو عباد في إشبيلية.
ومع فصول قصة الحب الجميلة، نشاهد من غرائب الصدف أن يعيد التاريخ نفسه، ويصيغ أحداثه مكررة بقالب جديد، فكما ان الدول العربية اليوم عددها 22 دولة، فإن الإمارات أو الدويلات بلغ عددها في زمن المعتمد ابن عباد 22 إمارة يترأس كل منها حاكم أو أمير، كانوا يظهرون لبعضهم البعض الحب والوفاء، وفي السرّ يتآمرون وينصبون لبعضهم المكائد. كما كانوا يتسابقون للتقرب من ألفونسو السادس ملك كاستيا الذي كان يؤلبهم على بعضهم البعض، ويبرم المعاهدات مع دولة دون أخرى لما فيه مصلحته.
وبرع منصور الرحباني في تجسيد عصارة هذا التشابه بين الماضي والحاضر، بتحويله جلسة القمة لملوك الطوائف إلى نسخة بدائية أكثر من مؤتمر قمة عربي نموذجي، يعجز فيه العرب عن اتخاذ القرارات الفاعلة ويكتفون بالإدانة والشجب، وفي النهاية يختلفون. وبسخرية مريرة، لكن بصورة مؤثرة، يظهر كيف أنهم يعجزون عن مواجهة الخطر الذي يهدد إحدى الإمارات، ويكتفون بالدعوة، كما هي الحال في خطابنا العربي المعاصر، إلى إصدار بيانات استنكار ومسيرات شعبية ومحاصرة سفارات ألفونسو. لكن النقطة التي تؤجج الخلاف بينهم هي عند اقتراح أحدهم تأليف الأناشيد والموشحات فرأى آخر أنه لا داعي للموشحات ودبّ الخلاف بينهما وانقسم الحاضرون وانتهت القمة دون نتيجة.
وكانت هذه الصورة المضحكة ظاهراً، المؤلمة ضمناً بسبب عجز العرب منذ القدم على اتخاذ القرارات والتوحد في المواقف ضد العدو المشترك، تكملة للعبة الإسقاطات على الحاضر.
وتأخذنا المسرحية إلى محطة أخرى عندما قرر المعتمد إرسال الدعم لقرطبة المحاصرة، ومساعدتها لتنتصر على الحصار، وعندما يحقق ذلك، فإنه يطرد ملكها وينصب نفسه حاكماً عليها. وعندما تلومه زوجته يكون رده أنه يحاول توحيد الأندلس قائلاً "كل واحد الو حق يعيش.. لكن بدو يفترس غيرو.. حتى يستاهل هالحق..العصفور بياكل الحشرة.. الصقر بياكل العصفور.. الصياد بياكل الصقر.. والغامض بياكل الصياد.. أنا ما عملت هالنظام أنا جزء من النظام.. ومش عارف أيا غامض رح ياكلني. . ويبرر مطامحه وأحلامه "لما بيكون الحلم أكبر من الواقع الموجود لازم الحلم ياكل هالواقع".
وبعد كرّ وفرّ وانتصارات وهزائم، تصل بنا المسرحية إلى اللحظة المفصلية وهي لحظة تحمل من المرارة الكثير، جسدها المعتمد بن عباد بعد هزيمته أمام يوسف بن تاشفين ملك البربر الذي نفاه من إشبيلية فيقول عندها "يا هالعرب انا واحد منكن.. انا آخر نصر وآخر شاعر ..واللي خسرنا انا سكرنا ..بمجد الماضي ونسينا الحاضر.. بكرا اذا تلاقينا بالزمان اللي جايي.. وانكتبوا التواريخ.. انشا لله نكون تحررنا من الماضي وصرنا .. عرب المستقبل مش عرب التاريخ".
هذه الصرخة أطلقتها "ملوك الطوائف" هذه المرة من قطر، في أول عرض لها خارج لبنان، عسى أن يسمع العرب صوت المعتمد وهو يقول "إذا راح الملك بيجي ملك غيره، وإذا راح الوطن ما في وطن غيره، اسمعوا يا كل الملوك".
تتوالى الأحداث على مدى ثلاث ساعات يقدم خلالها حوالى 70 ممثلا وراقصاً قصص الحرب والإحتلال والمجد والإنكسار والحب والإخلاص والخيانة والمؤامرات والإغتيالات، يكون محورها زوجة المعتمد، إعتماد التي تقف إلى جانبه لتساعده في اتخاذ قرارات مهمة، وكشف المؤامرات التي تحاك حوله. واستطاعت المسرحية أن تجمع بين الفكاهة والسخرية لتصور واقع الشعب المتعب من مشكلاته مع حكامه، وتصوره بأنه يرفع راية المنتصر دوماً كي ينال بعضاً من مغانم النصر، لأنه ببساطة شعب مسحوق لا يجد العمل ولا الأمل.
يذكر أن مسرحية "ملوك الطوائف" من تأليف وتلحين الراحل منصور الرحباني، ومن إخراج مروان الرحباني، وشارك في تلحينها وتوزيعها كل من إلياس الرحباني ومروان الرحباني وغدي الرحباني وأسامة الرحباني، والعمل من انتاج منصور الرحباني والمؤسسة اللبنانية للارسال " انترناشيونال". ويجسد الشخصيات الرئيسة في العمل غسان صليبا وهبة طوجي وبول سليمان، اسعد حداد، نزيه يوسف، زياد سعيد، نادر خوري، جيلبير جلخ، رنيادكاش، انطوان خليفة، جوزيف نصر، بطرس حنا وايلي جريس.
عبير جابر من الدوحة:
التعليقات
التاريخ
MOHAMED -و ما دخل اللبنانيين و السوريين في هذا التاريخ البعيد عنهم و الذي شوهو أحدثه