نسيمة بولوفة: "الجزائر بحاجة إلى استثمار ثقافي، والإلكترون فرصة للإفلات"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
bull;كانت لك عديد التواقيع الأدبية المميّزة قبل سنوات، في صورة المجموعتين القصصيتين:"الحاجز الآخر"،"قبلة خطيرة "، وطائفة أخرى من الروايات والمسرحيات والقصص الموجّهة للأطفال، لكنك احتجبت شيئا ما خلال العامين الأخيرين، رغم انتظار الجميع إلى ماذا يعود ذلك؟
-رغما عني لم يظهر لي أي إصدار بعد "قبلة خطيرة" مع أني أكتب دائما وباستمرار، ربما لا أكتب بصورة منتظمة مثلما أتمنى لعدم تفرغي للكتابة وانشغالي بأمور الحياة كما قد يحصل مع بعض الذين يعيشون للكتابة يتنفسونها مع كل ذرة أوكسجين، وقد شاهدت الكاتب "بول أوستر" يتحدث عن معاناته في بداياته قبل وصوله مرحلة الاحتراف بعد النجاح الذي عرفته كتبه، فأصبح يكتب يوميا ولساعات متتابعة دون أن يشتت ذهنه بأمور أخرى.
قد تبدو فكرة التفرغ للكتابة حلما بعيد المنال، نحن لم نصل تلك المرحلة التي نعيش فيها على ما تجود به كتبنا، تظل الكتب في الجزائر سلعة كاسدة، وتبقى الكتابة من أصعب المهن تحتاج لكثير من الوقت والوحدة والصبر، لكن لا يجوز أن أعلق عدم ظهور إصدار جديد بمشجب الوقت، لأنه موجود عند توفر إرادة التنظيم لكن المشكلة الكبرى في غياب ناشرين، بدرج مكتبي عدة أعمال تتوسلني لأن أطلق سراحها لتتحرر وتظهر للعيان غير أنه ما باليد حيلة.
bull;في روايتك الموسومة "هدية لذيذة"، سلكت منهج "أغاثا كريستي" ورواق الرواية البوليسية، هل الأمر يتعلق بخيار دائم، أم لجوء لتنويع أدواتك، وهل يمكن اعتبار "هدية لذيذة" فصل تأسيسي لرواية بوليسية جزائرية صميمة؟
-أنا من أشد المعجبات بكتابات أغاثا كريستي، حيث كنت ولا أزال مفتونة بأعمالها المحيرة الممتعة، تستفزني ألغازها الغامضة وتثير دهشتي حلولها المنطقية، رفقة الكاتب الفرنسي "غاستون لوغو" الذي يكتب الرواية البوليسية المغلّفة بالطابع الرومانسي، فقد تمكن من الجمع بين نقيضي الجريمة (الموت) والحب(الحياة) هما المفضلان عندي أغاثا وغاستون في النوع البوليسي.
أما عن السبب الذي جعلني أنتهج هذا النوع هو تحقيق حلم طفولي، سابقا حلمت بأن أصبح محققة بوليسية وللأسف لم أتمكن من تحقيق الأمنية فوجدت خلاصي فيما أكتبه.. عندما تخيّب الحياة ظننا، تنقذنا الكتابة كعصا سحرية كل ما قد لا نحصل عليه في أرض الواقع نستحوذ عليه بالقلم في الخيال، مثلا بطلتي المحققة ليلى تمتلك كل ما لا أمتلكه فهي جريئة جميلة وذكية.
فكرة تأسيس لرواية بوليسية جزائرية صميمة، هي مسألة لا تؤرقني ولا تعنيني كثيرا، عندما أكتب شيئا أشعر بمتعة لا محدودة فيما بعد أبحث عن المشاركة، فالكاتب دون قراء ليس بكاتب طبعا، تجري أحداث رواياتي بالجزائر، أحرص على وصف أحياء معينة، ومناطق محددة بعينها وهنا أقر بأنّ الأدب البوليسي لا يحظى بأي اهتمام محليا، عندما تذكر بأنك تكتبه يتم إطلاق الأحكام المسبقة بأن النتيجة حتما سيئة، بل هناك من يعتبر أنّ الرواية البوليسية ليست جنسا أدبيا راقيا.
bull;كتبت القصة والرواية والنص المسرحي، كما تتأهبين للخوض في السيناريو التليفزيوني، أي لون منح نسيمة بولوفة مساحة أكبر للتعبير والإبداع بشكل أكبر؟
-لا فرق عندي، شغفي وحبي يدفعاني للكتابة، أما أي لون أفضّل، ذاك بحسب المزاج فأحيانا أحس أنّ روحي طفولية وبها سكينة ونقاء، أكتب للأطفال، ومرات منزعجة و(متشيطنة) أسكب ثورتي وشروري على الورق، فأكتب اللون البوليسي، المهم هو التعبير بإخراج تلك الشحنات التي تظهر عبر طرق و قنوات مختلفة.
-
bull;إلى أي مدى انعكست ممارستك الإعلام على مسارك الإبداعي، وهل تلهمك مهنة المتاعب مواضيعا لأعمال مستقبلية كالجنوح إلى كتابة روايات تسجيلية أو التركيز بشكل أكبر على المسرح والسينما؟
-أكيد ممارسة مهنة المتاعب تؤثر فيما نكتبه، هي تعطي شرعية لفضولنا وتسمح لنا بدخول أمكنة ما كنا نستطيع دخولها، وقد نلتقي بأشخاص يلهموننا بشكل ما، حتى أن طريقة الكتابة قد تختلف، مثلا أنا عندما أكتب أرى شريطا مصورا يمر بمخيلتي، أي أنقل مشاهد وبمرور الزمن يترسخ الموضوع أكثر.
أصبحت أستخدم طريقة المونتاج بكثافة، مع القطع والتركيب باختزال أكبر، حتى أن عملي بالتلفزيون جاء بناءا على ولعي الشديد بالسينما، ستقول لي ما العلاقة؟ أردّ إنها الصورة، بالتالي أحاول الاقتراب أكثر من هذا العالم حتى أن مذكرة تخرجي من الجامعة كانت حول الرواية والسينما وثنائية التبادل بينهما، كما أنه لا يجوز التشتت كثيرا بين عدة مسارات، من الأجدر حسب رأيي وضع هدف معين ومحاولة تحقيقه درجة بدرجة.
bull;ما هي نظرة الفائزة على جائزة الرئيس الجزائري للقصة للعام 2007، إلى مسار الكتابة القصصية في الجزائر؟
-لا توجد طريقة واحدة في كتابة القصة، بل هناك عدة طرق ولكل كاتب قصته وأسلوبه، كما أنّ الزمن يسير ويتجدد ومن يظل في مكانه يختفي من الخارطة.
بالجزائر عدد كبير من الأشخاص يكتبون بشكل جديد ومتميز، فقط فرص الظهور قليلة إن لم أقل منعدمة، سابقا عملت بالصحافة المكتوبة وأشرفت على الصفحة الثقافية، كانت تصلني كتابات مبدعة بأحرف من ذهب تماما كثروة منجمية تنتظر من ينقب عنها يمسح الغبار عنها.
الجزائر ليست منغلقة على ذاتها بل متفتحة على ما يجري بالعالم فتتأثر، لكن ما ينقصنا هو علاقة التأثير، بمعنى تتأثر بغيرك ولم لا تؤثر فيه؟ نحن نتابع ما يكتبه العالم العربي والغربي سواء باللغة الأصلية أو الأعمال المترجمة.
لاحظت مثلا أن عددا كبيرا من الكتاب حصلوا على جائزة الرئيس الجزائري للقصة، ومع ذلك لم يتمكنوا من نشر أعمالهم، يا للغبن أنا نفسي حصلت على هذه الجائزة التي تعد من أعلى الجوائز، ومازلت في الدرجة نفسها أعاني من لا مبالاة الناشرين.
bull;كيف ترين الممارسة النقدية في الجزائر، وهل أثرّت على صعيدي الإثراء والتقويم، وما رأيك بتوليفة المعارض والملتقيات الأدبية، هل تشكّل فعلا إحدى الوصفات لتأطير وتحفيز المبدعين؟
-النقد لست أعرفه، ومثلما تقول غادة السمان: ليكتب عنك النقاد يجب أن ترتكب فضيحة ما، تلفت بها انتباههم ومن ثم قد يلتفتون لإبداعك.
لم أسمع بمبدع عندنا صنعه النقاد، لكن أقرّ أنّ الكثير من الزملاء والزميلات الصحفيين كتبوا عني، استفدت كثيرا وتعلمت مما قالوه عني، قد يعمل الصحفي بجريدة و لظروف معينة يضطر لأن يجتهد بملأ الفراغ الذي يتركه الناقد اللا موجود.
النقد الأكاديمي في الجزائر لا يصنع أسماء جديدة، بل يجري وراء الأسماء المشهورة للحصول على بعض البريق الجاهز، بالنسبة للمعارض والملتقيات بالطبع هي تساهم في إظهار أسماء جديدة بصقلها وتشجيعها على الاستمرار حتى لا تصاب بالإحباط.
الكتابة مهنة شاقة يحتاج صاحبها للتحفيز من خلال الجوائز والمشاركة بالملتقيات لتبادل الأفكار والخبرات وفتح النقاشات، مثلما يحتاج الكاتب للانزواء أثناء الكتابة هو بحاجة للامتلاء بتجارب جديدة بالاحتكاك بالغير، تصبح الملتقيات غير مجدية عندما تشارك بها الأسماء نفسها تكرّس المكرس، لتغدو هذه اللقاءات نسخا مكرّرة لبعضها البعض.
bull;يشتكي جمهور الكتّاب في الجزائر من معضلة النشر التي دفعت الكثيرين إلى طبع أعمالهم في دور نشر أجنبية، ككاتبة وإعلامية في التليفزيون سبق لك الاحتكاك بعديد الفعاليات، لما تستمر مشكلة النشر في تكبيل المبدعين، وهل للأمر علاقة برغبة سلطوية للإقصاء والتضييق على الإبداع، أم هي مجرد نزوات معبّرة عن توجهات ومصالح ضيّقة لهذا الطرف أو ذاك؟
-أشعر بحزن شديد عندما ألتقي بأشخاص يسألونني عن كتبي، وأين يمكن إيجادها، أقول لهم هي غير متوفرة بالمكتبات، هناك صعوبة في النشر، ولما ننشر نجد صعوبة في التوزيع فيتساوى الذي ينشر أو لا ينشر.
مثلا لنشر" الحاجز الآخر" استغرق الأمر مني سبع سنوات كاملة ليظهر العمل إلى الوجود، ثم قيل لي المشقة تكمن في الإصدار الأول ثم يتضح المسار، بالنسبة لي ازداد ضبابية، سلمت روايتي "الهدية اللذيذة" لدار نشر قال لي صاحبها ستحصلين على الرد بعد شهر ومرت سنة ولم أحصل إلا على الصمت المطبق القاتل، لا قبول ولا رفض.
إنه التجاهل المقلق، سلمت الرواية ذاتها لدار أخرى مرت ستة أشهر ولم أحصل على الرد، أخبرني صاحب هذه الدار أنه قرأ صفحة منها - بشرى كبرى- وعلي التحلي بالصبر، لم تشفع لي جائزة الرئيس، هذا ما يجعلني أتساءل هل كتاباتي سيئة لهذا الحد؟ ثم يحدث أن أسمع أوجاع الآخرين فتهون علي أوجاعي، إذا كان هذا حالي فما هو حال ذاك الذي يعيش في منطقة بعيدة نائية؟
قرأت مرة حوارا للدكتورة الشاعرة ربيعة جلطي التي أحبها كثيرا، تقول بأنها قليلة الحظ في الجزائر، مع أنّها مبدعة معروفة، فماذا يقول غيرها؟، لا نبي في وطنه، لا أظن أنها رغبة سلطوية للإقصاء، أنا نشرت كتبي الثلاثة من خلال صندوق دعم الإبداع التابع لوزارة الثقافة.
ما ينقصنا في الجزائر هو ظهور أشخاص بجيوب مليئة بالمال وعقول غنية بالثقافة تقبل الاستثمار إلى جانب الدولة في هذا المجال، كما يجب الترفع عن الفكر القبلي والشللي القائم على النشر للأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وذهاب الباقي إلى الجحيم.
bull;إلى أي حد يمكن للنشر الالكتروني على الشبكة العنكبوتية أن يعوض النشر الكلاسيكي، وهل لذلك تأثير بنظرك على خارطة الإبداع في الجزائر، تبعا لما يتردد عن هيمنة أسماء على حساب أخرى أكثر اقتدارا؟
-كيف يحق للكاتب أن يسمي نفسه كذلك، إذا كان لا ينشر كتاباته، ولا يشارك بالملتقيات؟ الحمد لله هناك طرق أخرى كالنشر بالجرائد، وبالشبكة العنكبوتية التي تعطي صوتا لمن لا صوت له، إنها طريقة مجدية للإفلات من قبضة هذا العالم المتوحش، لا يعرف النشر الالكتروني الحدود و لا العدد المحدود، قد ينشر الكاتب كتابا بألفين نسخة، بينما النشر الالكتروني يجعل العمل يحظى بقراءة عشرات آلاف الأشخاص.
إلا أن الحنين للكتاب ولرائحة أوراقه يظل قائما إلى الأبد، حتى وإن ساهمت الشبكة العنكبوتية في اكتشاف أسماء تعيش بمناطق نائية وكسبت صيتا دوليا بنجاحها في مسابقات عالمية، أصبح العالم قرية صغيرة، فهل يحق لنا التشكّي دائما من سياسة الإقصاء؟ ربما ما يخيف في النشر الالكتروني هو انعدام الحقوق ومشكلة السرقات الأدبية.
تحتاج الكتابة لنفس طويل، والبقاء فيها للأصلح، في ظل التطور التكنولوجي نجد من يجيد التسويق لنفسه بصورة جيدة، قد يكون أقل موهبة من غيره، لكن يمكن لأي كان أن ينشئ مدونة ويروّج لها، بالتالي يصنع نفسه بنفسه ويتجاوز هيمنة فرض الأسماء المتداولة وكأن الإبداع مختصر فيهم، الجزائر ولاّدة و لم تعرف العقم يوما، والغربال يحتفظ بالأجود.
bull;كيف تقرئين مسار القصة والرواية في الجزائر والعالم العربي، وماذا عن صدى الأصوات الجديدة؟
-لست ناقدة، لكني أرى القصة في تطور متواصل فهي تعرف عدة أنواع كالخيال العلمي، وقصص الرعب، كما تعرف التنوع من حيث الحجم، ما بين القصة القصيرة جدا التي لا تتعدى الثلاث جمل قصيرة ومركّزة.
كما نلاحظ تداخلا وتمازجا في الأنواع، كالاتجاه إلى الرواية بشقيها الطويل والصغير، لكن لسنا ندري هل نسمي بعض الكتابات شعرا أم توثيقا أم سردا؟، وكلما ظهر التنوع والاختلاف كبر حجم الثراء فقط يجب توسيع الأفق.
نعيش حاليا زمن الرواية بامتياز، قلّما نجد شخصا يكتب القصة ويظل وفيا لها، تبقى المبدعة الجزائرية "جميلة زنير" الاستثناء الوحيد ككاتبة محترفة منذ أكثر عن ثلاثين سنة، أظن أن كتابة القصة لا تقل قيمة عن باقي الفنون، لكن هناك من يستسهلها ويستصغرها للأسف.
بالجزائر عدة أسماء تكتب باقتدار كمحمد رابحي، غاني بومعزة، هاجر قويدري، عقيلة رابحي وغيرهم.. يسيرون بخطى ثابتة نحو شمسهم، والجزائر لا تعيش بمعزل عن العالم، صحيح نعرف موجة من الفوضى يتساوى فيها الذي يعلم ومن لا يعلم، يتحول فيها الماس إلى زجاج، لكن من بداخله النور سيسطع حتما، ومن كان أعمى البصيرة فإنّ حرارة ذاك الضوء ستخترق مسامه.
نسيمة بولوفة في سطور:
- من مواليد الجزائر العاصمة، متحصلة على بكالوريوس علوم، ليسانس في اللغة العربية جامعة الجزائر
تعمل بالتلفزيون الجزائري، تعد وتقدم برنامج ما وراء الستار يهتم بالمسرح والسينما
لها مجموعة قصصية الحاجز الآخر منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، مجموعة قصصية قبلة خطيرة وطائفة أخرى من الروايات والمسرحيات والقصص
متحصلة على جائزة رئيس الجمهورية علي معاشي في طبعتها الأولى 2007 قسم الرواية والقصة
لها مخطوط" الهدية اللذيذة" رواية بوليسية، ومسرحيات للأطفال
التعليقات
المعروف
ع/عطاالله --أفخر مايمكن أن يوجده البشر دسته القرمية في المعروف عبر الزمن والمكان.هاتوا ماوجدتم.