طاولة كتابة في مطار هيثرو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سميرة التميمي من لندن: حين تجول الكاتب السويسري اليان دي بوتون في اقسام اكبر متجر لبيع الكتب في مطار هيثرو في لندن لم يجد اثرا لكتبه رغم ان مؤلفاته الكثر عن الحب والسفر والفن والتي تبوح بالتفاصيل العاطفية المسكوت عنها في الحياة اليومية قد احتلت قائمة الكتب الاكثر مبيعا في بريطانيا والعالم ومنها كتاب (كيف يمكن ان يغير بروست حياتك) How Proust can change your Life الذي وضعه على خارطة الادب في عام 1997 وكتاب (مباهج وأحزان العمل) The Pleasures and Sorrows of Work, وربما كان هذا الغياب غير المتوقع لمؤلفاته هو الذي دفع بالكاتب المقيم في بريطانيا الى قبول دعوة الخطوط الجوية البريطانية للدخول في تجربة فريدة ربما هي الاولى التي يعيشها اديب، فقد دعته هذه الشركة للجلوس الى طاولة الكتابة في وسط المحطة رقم 5 في مطار هيثرو الاكثر زحاما في العالم وقدمت له كل التسهيلات للتجول في ارجاء المطار والتعرف على الممرات والزوايا الخلفية كما منحته الفرصة للتحدث مع الرائحين والغادين من المسافرين ومن العاملين في المطار وتدوين كل هذه الالتقاطات والمشاهدات في كتاب يقدمه للقارئ بالطريقة التي يريدها ومن الزاوية التي ينظر بها الى ما يجري في المطار وينقل فيها ما يعتري المسافرين من احاسيس ومشاعر لا يحسنون التعبير عنها.
عندما يواجه المسافر قدره
التجربة التي عاشها الكاتب اليان دي بوتون في مطار هيثرو لم تتعدى الاسبوع الواحد وكانت ثمرتها كتابا صغير الحجم صدر عن دار Profile Books يحمل عنوان (اسبوع في المطار: يوميات هيثرو) A Week at the airport: A Heathrow Dairy، وقد شبه الكاتب طاولة الكتابة التي خصصت له في المطار بكرسي الاعتراف الذي كان شاهدا على افراح العشاق وهم يلتقون في صالة الوصول وعلى احزانهم وعذاباتهم وهم يلوحون لبعضهم مودعين في صالة المغادرة, وايضا ما تخبأه ملامح المسافرين في الرحلات السياحية الباذخة، فالسائح ليس سعيدا ومبتهجا دائما حتى لو كان في طريقه الى منتجع او جزيرة او مصيف فهذا رجل يصطحب زوجته الى جزيرة بالي في رحلة يقول عنها ضاحكا انها رحلة العمر وهي حقا كذلك لانها سوف لن تتكرر ثانية فقد نهضت زوجته قبل بضعة شهور واتجهت الى عملها وشعرت هناك بدوخة بسيطة، وفي المستشفى سمعت آخر ما يريد ان يسمعه الانسان، فقد ابلغوها باصابتها بسرطان الدماغ، وها هي في رحلة وداع مع زوجها بعد ان بقي من عمرها بضعة شهور، وثمة رجل آخر كان في زيارة الى عائلته في لندن، وهو في طريقة الى عائلته الثانية في لوس انجلس فهو يوزع نفسه وقلبه ومشاعره بين عائلتين وحماتين وخمسة اولاد يتجاهل احدهما الآخر،كما اكتشف الكاتب ان الناس يقضون وقتا اطول مما يرغبون في المطارات، ورغم ازدحام المكان بالآف الناس يوميا الا انهم لا يكترثون لوجود بعضهم البعض، كما انهم لا يشعرون بالراحة وهم يتسوقون من متاجر المطار، لان القلق يأكلهم، قلق من ركوب الطائرة وقلق من التأخير وقلق من لقاء اناس وقلق من وداع آناس آخرين، وربما تكون لحظات السير في الممشى المطاطي الذي يوصل الى الطائرة المغادرة هو من اصعب اللحظات على المسافر لانها لحظات السير الى المجهول والبدء برحلة الابتعاد عن الارض والعيش تحت رحمة الاقدار او لحظات مواجهة الموت كما يصفها الكاتب الذي يرى اننا نقضي اغلب سنين حياتنا ونحن نتظاهر بالقوة والصلابة في حين اننا في النهاية بشر ضعفاء غاية الضعف.
دوامة الوصول والمغادرة
لقد تحول الكاتب دي بوتون ( ولد في زيورخ عام 1969) في مؤلفه الممتع هذا الى مراقب وحكواتي مسلي وشاعر يحسن تصوير تناقضات الحياة العصرية التي تلفنا في دوامة الوصول والمغادرة، فالمطار هو مقطع صغير من حياة البشر نقله الكاتب بكثير من الحبكة والخيال والسحر، بعد ان دخل الى العرين واصطاد ما يريد اصطياده ثم قدمه لنا باسلوب بهيج ومرح فيه كثير من الوصف الذي يعري المشاعر ويبوح بما يحاول ان يكتمه الآخرون ممن يتواجدون في هذا المكان الغريب الذي يريدون ان يغادرونه بسرعة, وقد لعبت الصور التي سجلتها عدسة المصور الوثائقي ريتشارد بيكر دورا حيويا في اغناء الكتاب بلقطات ذكية ومشاكسة، وقد تكفلت شركة الخطوط الجوية البريطانية بتوزيع عشرة الآف نسخة من هذا الكتاب مجانا على المسافرين اضافة الى تحملها لمصاريف النشر والتوزيع وكل ما تتطلبه عملية طبع الكتاب، وكانت تجربة مميزة وفريدة علق عليها الكاتب دي بوتون قائلا:
-لقد كنت اشعر دائما بان التواجد في المطارات هو اشبه بعملية التنويم المغناطيسي، واذ كنت تريد ان تعرف واحدا من سكان المريخ على الحياة على الارض فعليك ان تأخذه الى المطار دون تردد.
ثم يضيف:
-ان واحدة من اكبر المشاكل التي تواجه الادب المعاصر هو ان الادباء لا يخرجون عن التقليدية كثيرا ولا يحاولون التطرق الى غير المألوف من الموضوعات لذلك كانت فرصة استثنائية بالنسبة لي عندما استقبلني مطار هيثرو واستضافني ككاتب مقيم بين جنباته وساعدني على ان اعيش تجربة سحرية ورائعة وفيها كثير من المتعة والمرح واتمنى ان تحذو شركات اخرى حذو الخطوط الجوية البريطانية وان نجد في الفترة المقبلة نوعا جديدا من الادب الذي يعتمد على الكتاب الذين ينجذبون الى مفردات جديدة في هذا العالم الذي يتغير كل يوم.
من مؤلفات الكاتب
-The Pleasures and Sorrows of Work*
The Art of Travel*
*How Proust Can Change Your Life
The Architecture of Happiness*
The Consolations of Philosophy*
*Status Anxiety
التعليقات
مقال جميل
وليد حسن -عرض جميل لكتاب ممتع وتجربة فريدة .ليت مؤسساتنا تحذو حذو الخطوط الجوية البريطانية وتشرك الادباء في مشاريعها التسويقية.