ثقافات

لايأس مع الحياة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كان يمتلك جمالاً رائعاً، وهبهُ الخالق لهُ، اضافةلهذا الجمال،كان دمثُ الأخلاق، حسن المعاملة، هادئ الطبع، تحبُهُ عندما تتحدث معه، عشتُ مع هذا الجمال، فترة من الزمن، خلال سني الدراسة المتوسطة حتى اجتزنا الاعداديه، وافترقنا، فرقنا الزمن، وباعدت بيننا الحوادث.. دخلتُ دهاليز الظلام، وعذابات النظام، حيث مورسَتْ ضدي شتى أنواع الاضطهاد، نهضت من ركام هذا الحطام، حاولت لملمت شتات نفسي، التحقتُ بركب الحياة من جديد فغاب عن ذاكرتي صديقي العزيز.. شاءت الظروف إن نلتقي في إحدى المناسبات الوطنية، وجهاً لوجه، عرفني، فناداني، التفت مسرعاً، حيث مصدر الصوت،أصلحت من وقفتي!!.. الصوت نفسه اعرفه من بين مائة أو أكثر لم تتغير نبرة صوته، دنوتُ منه أكثر.. ابتسم بكل ثقة واطمئنان.
ـ هذا أنا يا صديقي، لا تندهش!!.. بادرته قائلا:ـ
ـ ماذا حل بك، ما الذي أصابك؟
ـ آه يا صديقي.. أُصبت بمرض الجدري، أسلمني أهلي لرحمة الأطباء.. وللأسف الشديد، كلُ صار، يبتعد عني، منهم من كان يقول، إنهُ محسود، والأخر يقول، إنها عدالة السماء، وهذا أنت ترى ما أنا عليه..
ـ أين ذلك الجمال!!؟
ـ هذا قدري والحمد لله على كل حال.
لا زالت الدهشة، والألم تسيطران عليّ، وأنا أقف متسمراً حتى إني نسيت أن أحييه احتضنه، انتبهت لسؤالهِ.
ـ حتى أنت يا صديقي العزيز!؟
اندفعت نحوه بدون إرادتي، وعانقته بشوقٍ، وفي ذهني كمٌ هائل من الذكريات الجميلة، صورته الماثلة أمامي توحي لي بأشياء وأشياء،وأهمها أخلاقه الرائعة ازدادت ثقته بنفسه وأحس انه وُلِدَ من جديد، سألته.:ـ
ـ ألم تعرض نفسكَ على طبيب تجميل؟
ـ أوه، أصابني اليأس منهم، ولا تنسى اليد قصيرة والعين بصيرة.
ـ وأهلك وأصدقاءك،وبعض المنظمات الانسانيه.
ـ للأسف الشديد،طرقتُ أبواب عديدة،تلقيتُ مساعدة بسيطة بالكاد أهلتني لإكمال دراستي.
ـ وأين وصلت بدراستك؟
ـ بكالوريوس علوم حياة.
سادَ صمتُ بيننا لم أجد له تفسيراً، غير إني أدركتُ في داخلي إنهُ أرادَ أن يمنحني فرصة كافية، لأتأمل ما جرى لهذا الوجه الجميل، أقارنُ بما هو عليه،شوه مرض الجدري خديه، أحدث فتحة في شفته العليا، ودمامل وثقوب في أنفهِ،حتى أذنه لم تسلم من التشويه، وذراعيه كذلك،حتى إني شبهته بمخلوق غريب كالذي نراه على شاشة التلفاز.
ـ ها ما رأيك بشكلي الجديد؟
ـ لأيأس مع الحياة.. والعلم قادر على فعل الكثير.. أجابه:ـ
ـ نعم.. إنا مؤمن بذلك.. لكن أعاني من شيء أخر.هو موقف البعض مني،كنتُ أحاول جاهداً، أن أرفع من معنوياته.. قلتُ:ـ
ـ أنت إنسان فريدٌ ومحبوب، وأردفت متلعثماً، أقصد رغم التغيير الذي حصل لوجهك ويديك، لكن تبقى،صاحب خلق وأدب وتأثيرك لهُ أبعاد رائعة،وبإمكانك فعل هذا. شكلكَ لن يقف حائلاً بينك وبين ما تستطيع عمله، على مسرح الحياة ن وخاصة، إنك تملك حساس مرهفا، وعقلاً راجحاً ولساناً لافظاً وقلماً رائعا، ويجب أن تضع بصمتك على صفحات الحياة.
ـ صدقني يا صديقي.. انك أعطيتني فسحة من الأمل، لم أسمع مثل هذا الكلام من قبل حتى من اقرب الناس لي.ادفعنا في اللحظة لكلينا وتعانقنا عناقا زاد من ثقتنا أكثر وبعودة صداقتنا من جديد بعد طول فراق.
ونحن نتحدث عن هموم الحياة، منذ أن افترقنا.كان كل كلمة يقولها تحفر في قلبي شرخاً،لما حدثَ لهُ، وكان يشاركني ألمي خلال هذه الفترة. ونحن في غمرة ذكرياتنا، انتبهنا لصوت دافئ ورقيق،التفتُ خلفي،وكانت التفاته بتثاقل حانيا رأسهً إلى الأسفل وهو يحاول أن لاتراه، زميلةُ دراسته،وقفنا بعد أن ألقت بتحيتها.. وكان ردنا أجمل.. وسألت
ـ أين هذه المدة؟
ـ أجابها في هذه الدنيا.
ـ قالت حاولت الاتصال بك. لكن قالوا، إنه اعتكف، وإنه مريض والأخر يقول ابتعد عن الناس.
ـ ردَ عليها.. ها أنت ترين؟
ـ ما أراه طبيعيا جداً.. مرضُ أُصبتَ بهِ، وقد شوه وجهك ويديك، لكن لم يشوه لسانك وقلبك، ويوقفُ قلمك من مداده العذب..
توالت اللقاءات وكان كل لقاء تزداد ثقة صداقتنا أكثر.. إضافة إلى عمله في احد المختبرات، كان بارعاً ومبدعاً، وكاتباً ملأَ صفحات الصحف والمجلات بمقالاته العلمية،وفي أحد الأيام اتصل قائلا:ـ
ـ اليوم أنت مدعو للقاء مهم!!
انتابني خوف.. وأخذت أضعُ عدة احتمالات، كان خوفي أن لا ينسحب من حياتنا مرة أخرى، أو كان يخطط للابتعاد عن صديقتنا.. ليلة طويلة مرة عليّ،أسرعت مبكراً لموعد اللقاء.. تفاجأت، إن الاثنين كانا بانتظاري،بادرني بالترحيب قبل اللقاء السلام:ـ
ـ أهلا بك أيها العزيز.
عقبتُ، أرجو إن يكون هذا اللقاء خيراً قال:ـ
ـ سيحدد هذا اللقاء ما أكنه لكما من حب واعتزاز.
ـ قلتُ.. ما يخطر في بالك.. أوقعت قلبي..أرجوك.
توجه لصديقتنا.. وهو يحنو رأسهُ إلى الأرض قائلا:ـ
ـ بدون مقدمات.. أرجو الإجابة على طلبي.. فأرجو أن لايكون الرد مؤلماً. وبطريقة مختصرة وهادئة، هذا ما أطلبه؟
قاطعته قائلةً:ـ
ألا نعرف السؤال أولاً.. ونحدد الجواب؟
حدقَ بها.. أمعن النظر بها.. سكتَ إنه يحتفظ بسؤال ما أو هو في حيرة من أمره قال:ـ أنا اطلب يدك للزواج هل تتزوجيني؟
ـ أجابت الـــلّه لو لم تقلها.. لقلتها أنا!!
دُهشنا نحن الاثنين.. من هذا الرد السريع، وكان بودنا إن نعرف ما هي مبررات.. وقناعتها بلك.. هل هو عطف أو تضحيه.. قاطعتها قائلا:ـ
ـ كيف توصلتي لهذه القناعة!؟
ـ أجابت،اعرفه.قبل أن يُصاب بهذا المرض، أعرف ذلك الوجه الجميل والشكل الذي كان يستهوي كل فتيات الجامعة.. وإن غاب شكلهُ فإن أخلاقه، وأفكاره، وحسن معاملته، وعمله، وإبداعه هي الأصل.فلذلك إن المضمون يمكن إن يغلب على الشكل في كل الأحوال. وأحيانا الشكل يسيطر على الساحة لفترة طويلة من الزمن، وإنه يتخلى عن مكانه، وأنا أحببتُ قلبهُ وحنيته، وقوة إرادته، على صنع الحياة، والعلم كفيل بتغير ملامحه.. أليس كذلك؟
ـأجبتها، نعم، العلم كفيل بذلك.. والإرادة والحب هما الأساس. شعرتُ في هذه اللحظة إني يجب إن أنسحب، لأفسح لهما المجال، استأذنتهما.. وجدتُ لنفسي عذراً، تركتهما، وقلبي يغمره فرح ٌ لا يصدق.. وأنا أسال نفسي، هل المضمون يتغلب على الشكل، إذا كان قوياً أو الشكل يتغلب على المضمون إذا كان جميلاً ورائعاً، وأردفتُ قائلاً:ـ
ـ ( إذا كان الشكل والمضمون متفقان ماذا يحصل؟ )
عاودتُ السير.. والفرح يمتلكني.. وأردد، أيهما أفضل.. التفتُ عن بعد، ورأيتهما يضحكان، وقد تشابكت أيديهما.. ليصنعا حياة جديدة بدون ألم.
Ma_alrfaie2008@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف