ثقافات

فريدريك شوبان... حياة قصيرة وعاصفة بالإبداع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بقلم البروفسورة إرينا بونياتوفسكا

ترجمة: د. هاتف الجنابي

شوبان هو طفل الشعب البولندي وأوروبا. رأى النور في منطقة (زيلازوفا فولا) وهي قرية من قرى مقاطعة ماسوفشه. كانت أمه بولندية وتدعى (يوستينا كشيزانوفسكا)، كانت نبيلة وقد ذهبت ثروتها، فأصبحت مقيمة في ضيعةِ النبلاء آل سكارْبك في (زيلازوفا فولا). كان أبوه فرنسيا واسمه (ميكولاي شوبان) من قرية مارنفيل ( Marainville) في منطقة لوتارينغ. طبقا إلى التقاليد العائلية والتصريح الشخصي المقدم سنة 1833 من قبل فريدريك شوبان نفسه إلى الجمعية البولندية الأدبية في باريس يكون تاريخ ميلاده في الأول من مارس/آذار عام 1810. إلا أن ميلاده طبقا لشهادة التعميد الكنسي كان بتاريخ 22 شباط/فيبراير 1810. قدم والده إلى بولندا سنة 1787 مع عائلة فيدليش: السيدة فرانسوا نيكول فيدليش من آل شيلنغ بمعية زوجها آدم فيدليش الذي كان يدير القصر في مارنفيل، هذا القصر الذي سبق وأن كان من ممتلكات النبيل ميخال آدم باك - أحد قادة الاتحاد الباري (نسبة إلى منطقة بار البولندية).
في باديء الأمر، عمل ميكولاي شوبان معلما ومربيا بأجر من عائلة فيدليش، بعد ذلك عمل بصفة موظف إداري في مصنع السُّعوط، كما وشارك في الدفاع المدني لوارشو أثناء انتفاضة (كوشتشوشكو في مارس 1794). بعد ذلك عمل معلما خصوصيا لدى عائلة وونتشينسكي في منطقة تشيرنيف (حيث كان قد علّمَ مريم التي أصبحت فيما بعد النبيلة فاليفسكا (زوجة الابن الطبيعي لنابليون) وبعدها عمل لدى النبيلة لودفيكا سكاربك، في منطقة زيلازوفا فولا التي تعرّفَ فيها على زوجته المقبلة يوستينا.
كان لدى فريدريك ثلاث أخوات هي: لودفيكا - الكبرى، وأختان صغيرتان هما: إيزابيل وأميليا (التي ماتت وعمرها 14 سنة). في العام 1810 تم تعيين أبيه مدرسا للغة والأدب الفرنسيين في إعدادية وارشو، بعدها بسنوات حصل على لقب استاذ. لقد انتقلت عائلة شوبان إلى وارشو، في باديء الأمر شغلت الجناح الأيمن من قصر ساسكي، لكنهم اعتبارا من العام 1817 انتقلوا إلى ملحق في قصر كازيميزوفسكي في جامعة وارشو، واعتبارا من العام 1827 أخذت العائلة تسكن في قصر كراشينسكي في شارع كراكوفسه بشيدميتشه. في فترة الطفولة بانت علامات الموهبة لدى فريديريك شوبان في مجالات مختلفة. كان تخطيطيا رائعا، ورسام كاريكاتير، وممثلا، وكان يكتب بجمال ويشهد على ذلك، على سبيل المثال، جريدة" رسول شافارسكي" - ومُراسَلته المعنونة إلى بيته وهو في عطلته التي كتبها بطريقة محاكاة فكاهية ساخرة لجريدة"رسول وارشو". لكنه قد عشق بالطبع الموسيقى قبل كل شيء. لقد أدخلته في باديء الأمر أخته إلى أسرارالموسيقى، وبعدها قام بهذا الدورالمعلم فويتشيك زيفني، وأخيرا البروفسور جوزيف ألسْنَرْ. أصبح لفريدريك وعمره سبع سنوات عمل موسيقي مطبوع هو "بولونيز- جي - مول". أخذ كذلك يعزف في بيوت النبلاء والأرستقراطية، نذكر من بينها: في قصر راجيفيووفيتش، وفي قصر البلفدر عند الأمير الكبير كونستانتي، وعند عائلة تشارتورسكي، وساببيخ، والعائلة الأميرية تشتفيرتينسكي وسواهم. كان يدعى باعتباره طفلا ساحرا لذا تعرّف منذ وقت مبكر جدا على ثقافة الطبقة الأرستقراطية البولندية. لقد حقق نجاحات فنية: أُطلقَ عليه موزارت الثاني، في العام 1818 سلّمَ عملين له (بولونيز) للسيدة ماريا فيودوروفنا- والدة القيصر وملك بولندا أثناء إقامتها في وارشو، أما في سنة 1818فقد أهدته المغنية الإيطالية (أنجليكا كاتالاني) ساعة ذهبية مذيلة بإهدائها.
لقد تربى فريدريك على الأناشيد التاريخية للمؤلف نيمتسيفيتش، في أجواء نشدان الحرية والتمرد ضد حكم القيصر. درس التكوين الموسيقي عند جوزيف ألسنر في مدرسة الموسيقى العليا التي كانت جزء من جامعة وارشو، فضلا عن ذلك، فقد حضر محاضرات كلٍّ من المؤرخ واللغوي فليكس يان بنتكوفسكي والشاعر والمفكر كازيميز بروجينسكي الذي قال في العام 1831: "بقدر ما أن كل كبرياء هي أذى فإن كبرياء الشعب هي التزام". لقد تشكل في هذه الروحية وعيُ فريدريك شوبان وكذلك وعي مجايليه. كتب بروجينسكي: "بدون المشاعر الوطنية لا يمكن لأعمال العباقرة أن تكون سامية" وهكذا فهم شوبان رسالته في الفن.
تعرف شوبان أثناء الأماسي المنعقدة كل خميس على مجموعة من العلماء والفنانين، فتصادق مع موسيقيين، نقاد، وشعراء، من أمثال: موريسي موخناتسكي، ستيفان فيتفيتسكي، ستانيسلاف كوزميان، إغناتسي دوبزينسكي. أحب وارشو مدينة شبابه. كان خط طريقه هو شارع نوفي شفيات (العالم الجديد) وكراكوفسكه بشيدميتشه الموصل إلى القصر الملكي. أما في المسرح الوطني فقد عرف اوبرا روسسيني، واوبرا - القناص الطليق- لفيبر، وكذلك عروض مؤلفي الموسيقى البولنديين- كوربينسكي، وألسنر.
أثناء مرحلة المدرسة الإعدادية عزف شوبان على الأرْغُن في قداسات يوم الأحد في كنيسة فيزيتيك. أنهى دراسته الجامعية وعمره 19 سنة بتقدير وضعه ألسنر، وفحواه" لياقة استثنائية، عبقرية موسيقية". سافر ليعزف في كل من برلين، فيينا، ودريزدن، باعتباره فنانا محترفا.
لقد استقى شوبان في الفترة الوارشوية كل شيء هو الأفضل والأثمن من الفكر الأدبي لفترة العاطفية والرومانسية الناهضة آنذاك. لقد تعرّف شوبان، أثناء زيارته في العطل لزملائه من بيوت ملاك الأراضي، على مناطق بولندية عديدة- ليس فقط مازوفشه، إنما منطقة خومينسكا، ودوبزينسكا، المناطق القريبة من البحر، فيلكوبولسكا (المناطق الغربية من بولندا ومنها بوزنان)، شلونسك، ماووبولسكا ( جنوب بولندا ومنها مدينة كراكوف)، ومنطقة خومسكا. تشبّع بالموسيقى

خاتمة السوناتة الثالثة

الشعبية، تعرف على عادات وطرق أداء المنشدين وفرق المنشدين الشعبية وكذلك اليهودية. الّفَ بولونيزات، ومازوركي بعد ذلك وضع أعمالا على البيانو بصحبة الأوركسترا وهي- تنويعات لحنية ( OP. 2) على عمل "دون جوان" للموسيقي موزارت، و فنتازيا تخص مواضيع بولندية، وقدم للجمهور بتاريخ 1830 عزفين موسيقيين هما ( f-moll و e-moll) إضافة إلى روندو ألا كراكوفياك (Rondo agrave; la Krakowiak)، وتريو (Trio) وألوانا موسيقية أخرى.
تتسم تكوينات تلك الفترة بأنها تنزع إلى أسلوب التألق والعناصر الشعبية، لكنها تحمل معالم عبقرية موسيقية وتعبير إبداعي قوي. تعكس التحول الأسلوبي لديه، على سبيل المثال لا الحصر، مقطوعاته الموسيقية - eacute;tude)) التي صدرت منها مجموعتان في العام 1830، حيث قوبلتا باعتبارهما أعمالا عملاقة في مجالهما. غادر شوبان بولندا قبيل انبثاق وثبة تشرين الثاني/نوفمبر 1830 ضد روسيا القيصرية. أصبحت بولندا بالنسبة إليه ذكرى ناصعة لفترة شبابه، لصداقات رائعة، لدفء استثنائي، ولمحبة عائلية. لقد كتب من فيينا في وحدته في أول أعياد رأس الميلاد سنة 1830: "شعرت بالوحشة أكثر مما لو كنت متيتما". تألّمَ بسبب عدم تمكنه من الاشتراك في الانتفاضة ولأن بإمكانه أن "يتألم" و"يتأسى" و "ينصعق" عبر آلة البيانو لا غير. عقب عزفه الكبير الأول في فيينا سنة 1829 تم استقباله بفتور. لأسباب تتعلق بالفيزا والإقامة والتنظيم رحل من فيينا إلى باريس عبر مدن سالسبورغ، ميونيخ، وشتوتغارت، فوصل باريس في 5 اكتوبر/تشرين الأول 1831 وأقام فيها حتى مماته. بعد نجاحه الأكيد في عاصمة الثقافة الأوروبية آنذاك، وجّه حياته كعازف بيانو متحمس لكي يتخذ قرارا نهائيا في أن يكون مؤلفا موسيقيا قبل كل شيء. كان يكسب رزقه جراء تقديمه دروسا خصوصية في العزف على البيانو، الشيء الذي أتعبه، رغم منحه بعض الشعور بالرضا. كان في باريس معلما رائجا. شارك في العزف مع الأوركسترا بشكل متقطع: في مطلع العام 1830 في مدينة باريس، تور، وَروين. أما في سنوات الأربعينات فقد قدم حفلات موسيقية منفردة على البيانو. كان يفضل آلات البيانو من ماركة (Pleyel). شكّلت البيانو فضاء إبداعه الخارجي والداخلي،على الأخص في عمليه (Duo Concertant وسونيت g-moll بإشراك آلة الفيولونسيل).
سافر شوبان كثيرا: فكان في مدينة بروكسل، نادرينيا السفلى، دوسلدورف، كوبلينس، كولونيا، كما وأنه في العام 1835 أقام لمدة ثلاثة أسابيع في مدينة كارلشباد حيث التقى بوالديه هناك، وزار مدن درزدن، وليبسك (التقى بالموسيقيين: مندلسون، وشومان وكلارا فيتسك) وزار مدينة هايدلبرغ أيضا. في العام 1836 سافر إلى مدينة مارينباد- Marienbad (Marianskeacute; Laacute;zneacute; ) من أجل أن يخطب الآنسة ماريا فوجينسكا. في 1837 حلّ في انكلترا التي عاد إليها قبل موته بسنة لفترة أطول حافلة بالكونسرتات. كان كفنان يحتاج أكثر وأكثر إلى الهدوء والتأمل، لذاك لم يكنْ يحبّ الصالات الكبيرة ولا الجمهور المجهول. بينما كان يفضل العزف في الصالونات بمعية الأصدقاء، أو بحضور مواطنيه، حتى أنه كان يرتجل أحيانا. كانت كونسرتاته تشكل أحداثا كبيرة للعارفين في هذا المجال. كان شوبان يتميز عن أساتذة البيانو المشهود لهم أمثال: ليشت، تالبيرغ، موشيليز، كالكبرينير المولعين بالبراعة الفنية بكونه يعزف برشاقة كئيبة، بسحر حالم، وبرقة استثنائية معبرا عن أعمق المشاعر، لهذا اعتبر شاعر البيانو، آريلا أو رافائيلا، وعازف البيانو الحساس. كانت ضرباته الرقيقة على البيانو تقارن "بملامسة مفاتيح البيانو من قبل جناح ملاك" (الشاعر والكاتب الفرنسي تئوفيل غوتير) ورائحة نبات رِعْي الحمام وصوت آلة الهارمونيكا الزجاجية للموسيقار ليشت.
إن "الشخصية الرومانسية" لشوبان حددت الطبيعة الإنطوائية المترجمة للانطباعات إلى جو روحي مثالي، وعمق سري"فضاء خيالي" ولدت فيه الأفكار الإبداعية. في نفس الوقت، كان شوبان يتمتع بمزاج اجتماعي كبير، ومزحة بديهية مكسوة بالسخرية، وطبائع ارستقراطية. امتاز بتهذيب عالٍ وكانت تتعالى في صالونه المعد بذوق، رائحة البنفسج. كان شخصا مستقيما وغير مصلحي. كان من جهة لا يهادن في قضايا الفن، يتصف بنقد ذاتي يصل حد المبالغة، و تواضع، وانتقادية كذلك في علاقته مع الإبداع المعاصر آنذاك (أحبّ الموسيقار بيلليني على عمله بيلكانتو- Belcanto- أما مثاله الموسيقي فكان أساتذة الماضي: باخ، وموزارت)، ومن جهة أخرى، نراه قد جسّدَ تقاليد القيم، ارتباطه بالعائلة، الحنين العاطفي للوطن، وكذلك، كما كتبت جورج صاند "الإنغلاق في إطار التعاليم الكاثوليكية"، إذن تمثلت فيه الصفات البولندية تماما.
المفتاح الوجودي لشوبان كان ملتبسا، خلق تمزقا داخليا انعكس في رسائله، ونوعا من انفصام الشخصية الذي يعتبر نموذجيا للرومانسيين - الحياة بين الحلم واليقظة. هذا الشيء انعكس على طبيعة نتاجه. حاول أن يحدد طريقة تعبيره الموسيقية بكلمة بولندية واحدة هي"االأسى". يعني ذلك الحزن التلهفي، التراجع أو الاستسلام الكئيب، ولكن كانت تعني التهيج وكذلك التمرد. هذا التمرد لم يظهره شوبان فقط في ( Etiudeacute;)"الثورية"، وفي آخر برَلوديوم (Preludium) d- moll z op. 28, أو في عمله الموسيقي السريع الوقع Scherzo h-moll وإنما عبر عنه أيضا كتابيا في" يوميات شتوتغارت" فبعد أن سمع بسقوط انتفاضة تشرين الثاني البولندية نزع عن نفسه بتوقد الشباب الألمَ الممض. الوعي بالتشظي بين الحياة اليومية والحلم بالوطن والأقارب، بين الخيال الموسيقي الفنتازي ومكابدة التعبير المثالي عنها في شكل محكم، أصبح بالنسبة إلى شوبان نوعا من "السم" الحياتي. غالبا ما كان يرتجل عملا موسيقيا جديدا، لكي يقوم فيما بعد بتمليس تنغيمته في عملية إبداعية مضنية، لأنه وكما قال: الإنسان"الأكثر ترددا" - يسعى بلا هوادة إلى المثال.
لم يعتنق شوبان المباديء الثورية السياسية، الاجتماعية أو الجمالية التي احتك بها في فرنسا، ومن بينها قضية جورج صاند. انتقد الأفكار الرسولية للمفكر أنجي توفيانسكي التي "سمّمَتْ" جزءً من المهاجرين البولنديين، وقبل كل شيء (الشاعر الشهير) ميتسكيفيتش. لم يخضع كذلك إلى اتجاهات "correspondence des arts" التي استسلم لها بإعجاب كبار الموسيقيين: ليشت، شومان، وبرليوز. لقد ظل وفيا للأفكار التي انغرست فيه في فترة الشباب وللموسيقى "الخالصة النقية"، الشاملة، التي تعبر بعمق عن المشاعر لكن بدون استخدام برنامج أدبي. بمرور السنوات نما في داخله إحساس بأنه"منفي أزلي" كما ورجع إليه التفكير في بولندا. في العام 1848 كتب إلى صديقه يوليان فونتانا "لن تمر الأمور بدون أشياء رهيبة، سوى أنه في نهاية المطاف هناك ثمة بولندا، رائعة، كبيرة، بكلمة واحدة بولندا". اعترف وهو في انكلترا بأنه لم يعد يعرف كيف يفرح ويحزن: "لم أعد أحسّ البتة، أنا فقط أحيا حياة بلادة وخمول"، أو "أنا وحيد، وحيد، وحيد، رغم أنني محاط". لكن كان ذلك قبل كل شيء مظهرا من حالة الكآبة الناجمة عن تفاقم مرضه، وافتراقه عن جورج صاند، وفشل الفورات الاستقلالية في بولندا، ثم بسبب الدوامات السياسية في فرنساز على أن عالم الفن الباريسي، والتعرف على الأدباء والشعراء، والرسامين، والنقاشات حول الفنن خصوصا ديلاكروا، قد أغنت إلى درجة البعد الروحي لشخصيته. كان يشعر في باريس بأنه مبدع حر ويمكنه أن يعيش هناك طالما هو خارج بولندا.
كانت في حياة شوبان بضعة محطات سعيدة: صداقاته من فترة الشباب (مع تيتوس فويتشيخوفسكي، ويوليان فونتانا)، ثم صداقاته في باريس (مع فرانشوم، ليشت، المغنية باولينا فياردوت، وأوجين ديلاكروا وآخرين). كانت لديه أحلام حول الحب، المثالي في باديء الأمر، المرتبط في فترة وارشو بكونستانتسيا غوادكوفسكا، بعدها حلت خيبة الأمل الناجمة عن فشل خطوبته من ماريا فوجينسكا. كانت بينه وبين النبيلة دلفينا بوتوتسكا علاقة محبة وصداقة حتى الموت وأخيرا علاقة الحب المنجزة بينه وبين الكاتبة جورج صاند. أقام شوبان خلال 9 سنوات من العلاقة بينهما في ضيعتها في منطقة (نوهانت)، بحيث شكلت له بديلا للحياة العائلية. عمل في باريس مع تلاميذه بحماسة، أما في المساءات فكان يتواجد في الصالونات أو الأوبرا، وأخرج للنور قطعه الموسيقية.
كان بإمكانه أن يبدع في نوهانت. قامت هناك أعمال موسيقية عظيمة له من قبيل: Scherzo، فانتازيا f-moll، باركارول fis- dur (موسيقى مستوحاة من بحارة البندقية)، البولونيزي، السوناتات، وكذلك مازوركي، والمقطوعات الحالمة، الفالتز وأعمال أخرى. لقد أدهشته الطبيعة حينما قام بزيارة جزيرة مايوركا بمعية الكاتبة صاند وأطفالها في أواخر 1838 ومطلع 1839، بالرغم من خيانة الطقس الذي سبب له كارثة صحية. كان الشعور بالسعداة الشخصية قد

سوناتة رقم 2 لحن سير جنائزي

أملت عليه عبارة"أنا قريب مما هو الأكثر سحرا، أنا الأفضل". هناك أيضا أنهى سلسلة من 24 استهلالا موسيقيا، وكتابة حكم فريدة في غناها التعبيري.
طوال حياته الفنية كان شوبان يؤلف مازوركي، فهي عبارة عن يوميات شاعرية الحنين إلى الوطن، باعثة من جديد عناصر الرقص البولندي- مازور، كويافياك، والرقص الشعبي بإطار من وسائل هارمونية وتقنية فريدة. كان شوبان يحمل في دمه المازور حتى أنه أدخل إيقاعات المازور إلى الأناشيد من قبيل ( Ronda agrave; la mazur, Poloneza fis-moll)، على أنه كتب في العام 1845 رسالة إلى عائلته بفخر، وتواضع، ومداعبة قائلا: " وأنا الحقيقي، مازور الأعمى". في الحقيقة لقد اعترف شوبان في العام 1848 قائلا "بصعوبة، أتذكر كيف يغنون في بلادي"، لكنه في الحقيقة كان يتذكر، لأن آخر توليفة موسيقية مدونة كان مازورك. تذكر كذلك طبيعة منطقة مازوفشه حينما كان في اسكتلنده كتب إلى فونتانا رسالة بتاريخ 18 نيسان/أبريل 1848" ستبقين أطول فوق حَجَري، مثل أشجار صفصافنا، أتذكرين؟ كيف هي تكشف عن مؤخرة عارية". نرى في ذلك سخرية ومزاجا، ولو بدمعة في العين. بعد معزوفات البولونيز المبكرة أصبحت البولونيز (ات) الباريسية بمثابة قصائد، صورا موسيقية فخمة شاهدة على فخر الشعب وهزيمته، على الروح المحاربة ذات النبرة القديمة (Polonez As-dur op. 53)، والخيال الشعري (Polonez- fantazja).
ومثلما كتب الشاعر البولندي الرومانسي نورفيد، شوبان رفع ما هو شعبي إلى مصافي البشرية، وأضاف الكاتب ريشارد بشيبيلسكي، بفضل شوبان لم تعد"مازوركوتش" مِلْكا لمنطقتها، وإنما صارت "عنصرا جماليا" ينتمي إلى البشرية جمعاء، شانها شأن الأعمدة الإيونية والدُورية القديمة (قبل الميلاد). كتب شوبان بتواضع: "تعرفينن كم أردت أن أحسس فتوصلت جزئيا إلى الشعور بموسيقانا الوطنية" (1831). وكتب عنه ليشت قائلا: تعرّفَ على "الحس الشعري لشعبه" الذي جمع الشكل المبتكر مع الصنعة فاتحا بهذه الطريقة آفاقا جديدة في الموسيقى الأوروبية، محتفظا في أعماله بثراء عاطفي كبير يخاطب كل الناس الحساسين. إن تاريخ عائلة شوبان في خطها "بعد ميتش" سارت على منوالها- قدم والده ميكولاي إلى بولندا شابا، كما أن فريدريك قد غادر بولندا واستقر في فرنسا وعمره 20 سنة. الآن وبعد 160 سنة على موته وفي الذكرى 200 على ولادته، عمّتْ موسيقاه العالم بأكمله، ليس فقط الأوروبي الغربي، بل أنها وصلت إلى ثقافات أمريكا اللاتينية، وآسيا، وحتى المجموعات الأثنية الإفريقية.
ليست هي المرة الأولى التي يشعر فيها شوبان بالوحدة، لأن فنتازيته حلقت في أصقاع لا يطأها الآخرون، كما وأن عبقرية فنه لا تثير أعلى درجات الأعجاب والتفهم فحسب، لكنها تحرر في المستمعين حالة شعرية تسمح بالإحساس في أعمق مشاعر الوجود.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف