أزمة المخرج المغربي.. أزمة مادية أم ابداعية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
زويريق فؤاد : لاكتشاف حقيقة السينما المغربية علينا وضع قناع الجنون على وجوهنا كما فعل هاملت في أحد أدواره، حقيقة لن تتأتى لنا بسهولة كوننا أمام نفق طويل جدا ومظلم، نفق يتجزأ إلى محطات رئيسية كل واحدة منها تتفرع عنها متاهات غير مترابطة وبدون إشارات حتى، كي توجهنا إلى بر الأمان، كل محطة لها سؤال وكل متاهة تمحو هذا السؤال لترجعنا إلى نقطة البداية ولنسأل نفس السؤال.
هي مقدمة ليست للتشكيك بمسيرة هذه السينما أو التقليل من شأن آلياتها وحركيتها، بل بالعكس هي مجرد تساؤلات ضمنية مقلقة طرحت ومازالت، نريد من خلالها معرفة فلسفة وجود هذه السينما ورؤية أصحابها، والأصحاب هنا ليسوا بالضرورة المؤسسات الوصية والداعمة أو الجمعيات والأندية الناشطة في هذا المجال، هم كذلك مبدعون وفنانون سينمائيون، والمخرج من هؤلاء، يمثل القيمة الأساس لنجاح عمل ما، إذ هو الأب الروحي لهذا العمل بكل بساطة، إنه يحتوي جميع الوظائف التي يقوم عليها هذا العمل، وإذا وقع اختلال ما في وظيفة منها انهار المشروع بكامله، لذا وجب عليه أن يكون متيقظا، ومتمكنا، وواعيا بما يقوم به، حتى يستطيع الخروج والدخول من جلباب إلى آخر بسلاسة ويسر، فتماسك الطاقم وإدارته يكمن في قوة المخرج واجتهاده، ونجاح العمل يكمن في قدرته على بلورة فنه وخبرته وكسب ثقة المحيطين به أولا، حتى يتأتى له بناء مشروعه بارتياح، وبالتالي تصدير رؤيته إلى الآخر. لكن ما نراه في مشهدنا السينمائي بعيد كل البعد عن هذا النموذج المتكامل الخدوم لفنه، والمؤمن بإبداعه، والمحترم لجمهوره، فأغلب المخرجين مع وجود استثناءات قليلة بالطبع، يدفعون بنا إلى الاقتناع بتآمرهم المقصود والممنهج على فن نحترمه إن لم نكن نبجله و نؤمن به، وأصبح مرافقا لنا أينما حللنا وارتحلنا بفضل التكنولوجية الحديثة، هذه التكنولوجية التي جعلت من الصورة ثقافة خطيرة، يمكن أن ترفع من شأن مجتمعات ويمكن أن تعصف بأخرى، بل أصبح هذا الفن في بعض الدول صناعة قائمة بذاتها، تساهم في تقوية الدولة وانتشارها اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا...هو إذا سلاح خطير ومعقد، لا يجب اللعب به أو الاستهانة بقدراته، والمخرج الذكي والمتمكن يكون بطلا في أعين جمهوره، ورمزا من رموز بلاده، إن الكثير من الأفلام انتشرت ونجحت بفضل أسماء مخرجيها لا بفضل أسماء أبطالها، لأن المخرج هو الذي يصنعهم في النهاية وليس العكس، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، وفي يوسف شاهين خير دليل، إن من المخرجين المغاربة من يرمي بفشل عمله على الضعف الفني للممثلين مع أننا شاهدنا لهؤلاء الممثلين أعمالا عالمية وعربية كان فيها اداؤهم رائعا ومتميزا وإذا ما عكست الصورة تراهم للأسف فاشلين ومفلسين فنيا.
مناسبة هذا الكلام هو ما شاهدته من أفلام عالمية وعربية متميزة حققت نجاحات باهرة على المستويين الفني والجماهيري، أفلام لم تكن وراءها ميزانيات أو آلات إعلامية ضخمة أو... كانت من ورائها أفكار فقط لمخرجين متحمسين لخدمة فن يؤمنون به، ليكونوا هم في خدمة السينما، وليست السينما في خدمتهم، أعمالهم عبرت عنهم ومنحتهم احترام جمهورهم بدون استجداء أو استدرار عطف أحد، ألا تستحق السينما المغربية أمثال هؤلاء؟
من بين الأفلام التي شاهدتها مؤخرا وتأثرت بظروف إنتاجها فيلم "مولود الأمل" Born of Hope وهو فيلم يندرج ضمن الأفلام التي تحدثنا عنها سابقا، شريط سينمائي متقن الصنع والجودة، انطلقت فكرته كمحاولة لمحاكاة الفيلم الضخم "سيد الخواتم" The Lord of the Rings الذي كلف أكثر من 310 مليون أورو ومن الطريف أن نعلم أن فيلم "مولود الأمل" كلف مخرجته 25 ألف جنيه فقط 17 الفا منها عبارة عن تبرعات من إعلان أطلقته عبر الانترنيت والباقي كل مدخراتها، هنا نلمس الإرادة القوية لمخرجته الشابة كايت ماديسون وطموحها في خدمة هذا الفن، وفعلا نجحت بل تفوقت في ذلك.
تقول مخرجة الفيلم:في يوم من أيام التصوير في شهر نوفمبر، كان الطقس باردا ورطبا، وكان في الموقع أشخاص كثيرون، والمال قليل جدا لا يكفي، إذ ذاك تكلف كريستوفر دان الذي يلعب دور أراثورن، وجلب للكل بيتزا من ماله الخاص.
الفيلم لم ينتج للربح المادي ومع ذلك رصدت له ميزانيات ضخمة من الأمل والحماسة والأفكار والإرادة والحب والتضحية...كلها أشياء وظفت في خدمة هذا العمل وبرهنت على أننا نستطيع إذا أردنا.
العمل أبانت فيه المخرجة الشابة عن حنكتها في الإدارة والتسيير، خاصة إذا عرفنا أن أغلب الممثلين هواة، كما عملت بشكل مبهر على انجاز كل الوظائف التي تكلفت بها من كتابة السيناريو والتمثيل وتصميم الملابس. حركة دينامية أكدت لنا على الحس الإنساني المتعالي لماديسون والذي يجب أن يتميز به سائر المخرجين.
وظف الفيلم بروعة وإتقان الأسطورة بأبعادها الإنسانية من حكمة وأمل وبطولة... ملحمة رائعة تتقاطع والتقنيات المتميزة التي استعملت رغم بساطتها في نقل صورة سينمائية بلغة الكبار والمحترفين، تشدك ساعة من الزمن لمتابعتها من البداية إلى النهاية بدون ملل أو ضجر.
انجاز فيلم بمواصفات محترمة ومقبولة، لا يتطلب بالضرورة عملا خارقا أو ميزانيات ضخمة أو مئات التقنيين والعمال والفنانين، بل يتطلب فقط رؤية قابلة للتطبيق وحب العمل الذي نحن بصدد القيام به، وعشقه حد التماهي، والاقتناع برسالته، وجدوى هدفه، والباقي كله يبقى تفاصيل بسيطة يمكننا التغلب عليها بسهولة، باستعمال طاقتنا، و إبداعنا وإلا لماذا نحمل لقب مبدعين إذا لم نستطع بلورة رؤيتنا إلى فن نحترم به ذكاء جمهورنا، هذا ما تنادي به كايت ماديسون من خلال عملها هذا إذ استطاعت بل أصرت على الارتقاء بفنها إلى القمة، وإيصال رؤيتها إلى العمق، قاومت، وصمدت، واتخذت من فنها سلاحا حاولت به (منافسة) مخرج كبير من قامة بيتر جاكسون.
في الحقيقة هذا النموذج عبارة عن تجربة خاطفة لعمل فني أكثر ما يميزه القدرة على الفعل والإرادة القوية لصاحبته، عمل كلف مخرجته الكثير من الوقت- ست سنوات هي المدة الزمنية التي استغرقها انجاز هذا المشروع - ومع ذلك لم تتذمر أو تتخل عن حلمها، بل تابعت و واصلت، وهاهي الآن تقطف ثمار هذه السنوات، نجاح مستمر يتزايد يوما بعد يوم إذ وصل عدد مشاهدي الفيلم - وبالمناسبة فقد قدمته كايت ماديسون مجانا لجمهورها على الانترنيت- إلى مئات الآلاف...
الرابط الرسمي لمشاهدة الفيلم:
http://www.bornofhope.com
كاتب مغربي مقيم بهولندا
s_zouirik@hotmail.com