هاملت من أمير الدنمارك إلى شبح معاصر في نيويورك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح كاظم من برلين: يطمح كل مخرج أو ممثل مسرحي لأن يقوم ذات يوم بإخراج مسرحية "هاملت" لشكسبير أو بأداء الدور الرئيس فيها. وبلا شك فإنه توجد هناك الى جانب العروض المشهورة لهذا النص آلاف العروض التي لم تجد طريقها الى الشهرة لهذا السبب أو ذاك. وربما كان النص الشكسبيري ذو الدلائل والمطبات العديدة ما زال يشكل تحديا امام ماكنة المسرح التي ما زالت تبدو، رغم التطور التقني الهائل، عاجزة أمام هذا النص الذي لا يرقى الى مستواه من التعقيد سوى الجزء الثاني من مسرحية "فاوست" التي كتبها غوته بعد مرور قرون عديدة على ظهور النص الشكسبيري. ومن الجدير بالذكر أن المخرج البريطاني بيتر بروك كان قد كثف كافة الأسئلة المسرحية المتعلقة بشكل ومضمون مسرحية هاملت في عرضه المختبري "Qui es la?" - من هناك؟-، حيث تقوم مجموعة من الممثلين بتقديم مقاطع من النص الشكسبيري، محاطة بهوامش نظرية لأهم مسرحييي ومنظري المسرح في القرن العشرين (كريج، ستانسلافسكي، آرتو، مايرهولد، بريشت..الخ)، سرعان ما ألحقه بثاني إخراج له للنص بعد مرور أربعين سنة على معالجته الأولى للنص. وليس من المستغرب أن تجد هذه المسرحية كذلك إهتماما إستثنائيا في مجال السينما منذ بداياتها، حيث قدم لأول مرة في العام 1900 تحت عنوان bdquo;Le Duel de Hamletldquo; من إخراج الفرنسي كليمان موريس وتمثيل مواطنته سارا بيرنهارد (1844-1923) التي كانت بذلك أول أمرأة تمثل هذا الدور قبل الدنماركية أستا نيلسون (1881-1972). وقد تواصلت المحاولات الجدية لمعالجة النص حتى توجت في العام 1948 بعمل لورنس أوليفيير الذي حصد عددا من جوائز الأوسكار، ثم تبعته محاولات أخرى منها: "هاملت" من إخراج جون جيلغولد وتمثيل ريشارد بيرتون (1964) وكذلك الفيلم السوفيتي الذي أخرجه غريغوري كوسينزيف وعرض في الفترة الزمنية نفسها، كما توجد هناك أعمال للمخرج الياباني كوراساو أكينو تعتمد على الرواية الشكسبيرية.
نرى مما تقدم أن هذه المسرحية هي واحدة من النصوص التي بقيت محافظة على حيويتها عبر كافة الحقب الزمنية وفي ظل مختلف الظروف، وكانت دائما منبعا للإبداع في كافة المجالات الفنية ومنها السينما. سأتعرض في ما يلي لأربع تجارب سينمائية، تعتبر لحد الآن من أقرب معالجات هذا العمل من موقع الحداثة الا وهي: "هاملت" لـ لورنس أوليفيه، و "هاملت" لزيفيريلي وبطولة ميل جبسون، و"هاملت" لـ كينيث برانا، وأخيرا "هاملت 2000" ليمخائيل الميريدا وتمثيل إيثان هوك. وقد كان بودي أن أتطرق الى فيلم كوزينزيف الذي شاهدته قبل فترة طويلة في السينما وكنت منبهرا به،غير اني استغنيت عن ذلك لعدم توفر نسخة من الفيلم على الـ DVD في ألمانيا، وأثناء انشغالي بكتابة هذا الموضوع سمعت من صديق بوجود نسخة فرنسية من الفيلم صدرت عن دار "باخ" على قرصي DVD، سأكتب عنها حالما تتوفر لدي.
1- لورنس أوليفيير: الأمير المتردد
في العام 1948 أطل الممثل الكبير لورنس أوليفيير على العالم من خلال الشاشة، مرتديا قناع الأمير الدنماركي الذي سيواجه خيبة أمل بعد أخرى في مواجهة المكائد التي حيكت وتحاك في البلاط من أجل السلطة والجاه، غير أن الصدمة الكبرى التي سرعان ما تهيمن على أحاسيسه تأتي على أثر ما يسربه شبح ابيه بأن عمه كلاوديوس قام بقتله ليستولي على العرش ويحل محله في فراش الزوجية بين أحضان زوجته غيرترود، أم هاملت. وهكذا يجد هاملت نفسه من دون إنذار قد أصبح طرفا في دراما متشابكة، تتحكم بها، بهذه الدرجة أو تلك، قوى تتجاوز حدود الإرادة الإنسانية وتبشر بالكارثة. إنطلاقا من هذا الوعي فقد قام أوليفيير بوضع أبطال الدراما وسط أجواء قاتمة تترك آثارها القاتمة على كل سكان البلاط، ويمتد تأثيرها الى المشاهد، منذ اللحظة الأولى التي نرى فيها قلعة هلسنغور يطوقها الظلام، يتحرك وسطه حراس القلعة وهوراسيو مثل الأشباح قبل أن يدخلوا في حوار عن شبح ما رآه أحدهم يجول حول القلعة، في الوقت الذي تتحرك فيه الكاميرا دائريا في بحر من القتمة، لتنتقل لاحقا الى البلاط حيث يجري الإحتفاء بالملك الجديد وبزواجه. ويركز أوليفيير بشكل يلفت النظر على الربط بين الأداء المسرحي المتميز وبين الإيقاع السينمائي، ملتزما في الوقت نفسه بالنص الشكسبيري، لم يحذف منه إلا ما لم يره ضروريا لمسيرة الدراما. أما من الناحية التقنية فيبدو أن أوليفيير كان قد استخدم كل معرفته بالسينما التعبيرية الألمانية، حيث تذكرنا الكثير من مشاهد الفيلم بطريقة المخرج الألماني مورناو في إستخدام الضوء والظل وفي الإنتقال من المعتاد الى اللامعتاد من خلال توظيف بعض الظواهر الطبيعية كخلفية لأحداث الفيلم، كما يحصل أثناء المونولوج المشهور "أن تكون أو أن لاتكون"، حيث يحيط أوليفيير المشهد بأمواج البحر العاصفة والغيوم التي تبدو كما لو كانت تحيط بهاملت من كل مكان، في الوقت الذي يلقي فيه مونولوجه بلا إنفعال خارجي. وسط هذا المحيط يحاول المخرج أن يقدم التفاصيل التاريخية كما هي، حيث يستخدم بعض الممثلين المشاعل أثنا تنقلاتهم في أرجاء البلاط أو خارج القلعة وسط الظلام. ويتجلى هذا بشكل خاص أثناء وصول فرقة الممثلين المتجولين الى هلسنغور، حيث ينصبون منصتهم أمام القلعة ويستعرضون قدراتهم التمثيلية في ظل المشاعل. ما حققه لورنس أوليفيير في هذا الفيلم/المسرحية يتجاوز في قوته كل ما حقق لاحقا في مجال نقل هذا العمل الجبار الى السينما، بإستثناء ما حققه كينيث برانا الذي أوضح في مجالات عديدة أن عمله ما هو إلا إنحناءة أمام إنجاز أوليفيير، سواء من ناحية التمثيل أو الإخراج. ولم يقتصر دور أوليفيير على إخراج الفيلم الذي نال اربع جوائز أوسكار وتمثيل دور هاملت، بل كان كذلك منتج الفيلم وكاتب السيناريو، وقد تألقت الى جانبه الممثلة البريطانية الكبيرة جان سيمون في دور أوفيليا.
2- زيفيريلي: أبهة البلاط ومعالم السقوط
في المقابل أستطاعت غلين كلوس أن تقدم لنا صورة أكثر عمقا، لا تخلو من الطابع الإيروسي لشخصية غيرترود، حيث تجسد امرأة تقف عاطفيا على المسافة نفسها من زوجها القاتل وابنها المرشح لأن يَقتل ويُقتل. أما دور أوفيليا فتؤديه الممثلة الشابة في حينها هيلينا بونهام كارتر التي تبدو منذ البداية كما لو كانت تحمل بذرة الدمار في أعماقها. ولقد وفق المخرج كذلك في اختياره للممثلين الآخرين، وينطبق هذا بشكل خاص على الان بيتس الذي أدى دور كلاوديوس ببراعة.
لقد تمكن زيفيريلي أن يبرز براعته من جديد في خلق أجواء ذات طاقة تعبيرية كبيرة من خلال الديكور المميز الذي يحمل بصمات أستاذه المخرج الكبير فيسكونتي، ويذكرنا في الوقت نفسه بأن تأهيله الأول، قبل أن يخوض مجال الإخراج كان كمصمم ديكور. أما الموسيقى التصويرية للفيلم فقد وضعها الموسيقار الإيطالي الكبير أينيو موريكونه بما ينسجم مع رؤية المخرج: "أردنا أن تكون الموسيقى ذات إيقاع غامض، وكالمعتاد تمكن إينيو أن يخلق شيئا متميزا في خصوصيته."
3-كينيث برانا: تبجيل الممثل
ولكي لا يصبح العمل مملا يوظف برانا كل ما يتوفر من المؤثرات والحيل الصوتية والتقنية لإيصال مشاعر شخصيات المسرحية الى الجمهور. وهكذا نرى في بداية الفيلم هاملت يلاحق شبح أبيه وسط غابة في الوقت الذي تتشقق فيه الأرض، وتنفث ما في جوفها من ضباب ونيران كما لو كنا نعايش زلزالا. ويتخلى المخرج في معالجته لشخصية اوفيليا عما أعتاد عليه المشاهد من رؤيتها نموذجا للبراءة والعفة، إذ يبني مشاهد تظهرها لنا في مشاهد جنسية مع هاملت (لا نعرف إذا كانت هذه المشاهدة وليدة خيالها أم مبنية على علاقتها بالبطل) في السرير، وتتكرر هذه المشاهد دائما في اللحظات التي تتحدث بها اوفيليا (تؤدي دورها بتفوق كبير كيت ونسليت) عن علاقتها البريئة بهاملت. وبالتدريج يجد المشاهد نفسه وسط طقوسية سن مسرحية هائلة، يوظف فيها كل ممثل أقصى طاقاته في خدمة العمل. وفي النتيجة يشكل إستقبال هاملت للممثلين المتجولين وأحاديثه معهم، متابعا ما يفعلون على المسرح وموجها إياهم في ما يتعلق بالنص الذي أراده أن يكون مصيدة تكشف جريمة عمه، محورا أساسيا للفيلم، يكتسب من خلال الحضور الفني المتميز للممثل الكبير شارلتون هيستون (الممثل الأول) طاقة تعبيرية رفيعة، تجعله من أقوى محاور الفيلم. ومن الجدير بالذكر ان برانا الذي انتقد لمرات عديدة منذ إخراجه لـ "فرانكنشتاين" على اعتماده الحركات الدائرية السريعة للكاميرا ما يضيف على أعماله جوا من التوتر غير المبرر أحيانا كما يدعي هؤلاء النقاد، قد تجنب هذا في "هاملت" الى حد كبير، وكان موفقا في إستخدام الفضاء الذي يميز قلعة بلينهايم التابعة لعائلة ونستون تشرشل، مركزا بشكل يجذب النظر على توظيف المرايا في العديد من المشاهد وبشكل خاص أثناء مونولوج هاملت المشهور: "تكون أو لا تكون،هذا هو السؤال..". أما دور غيرترود، أم هاملت فقد تألقت في أدائه جولي كريستي مجسدة فيه قدرا كبيرا من الصراع الداخلي بين مشاعر الأمومة وموقعها كسيدة للبلاط. وجاءت الموسيقى التصويرية التي وضعها الممثل والموسيقار السكوتلندي باتريك دويل مرافقة للأحداث بشكل هادئ دون أن تطغى عليها.
4- مايكل الميريدا: هاملت في نيويورك
التعليقات
Who Cares
The Poet -Why watching Hamlet, after all?? we are all Hamlets, playing with our skulls , or rather played with