حجازي وذاسكالوبولوس يؤكدان الأسطورة الكفافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي من القاهرة: كشف الناقد اليوناني المتخصص في شعر كفافيس "ذيمتريس ذاسكالوبولوس" أن قسطنطين بتروس كفافيس كتب نصًّا عن الشعر في عام 1929 كي ينشر في المجلة القاهرية الناطقة بالفرنسية La semaine Egyptienne (الأسبوع المصري). وهو نصٌ بلا عنوان، سُمي هذا النص بعد وفاة الشاعر بـ "الثناء على النفس". وهو نصٌ يُعبر عن إدراك ووعي مطلق لأعمال الشاعر بعد الموت، ولا يتردد كفافيس في أن يتبارى مع المستقبل المظلم ويكشف عنه بشكل ربما كان مستفزًّا، فيجعل كفة ميزان الشهرة القادمة بعد موته تميل نحوه بانبهار.
جاء ذلك في احتفالية "ربيع الشعراء لعام 2010: كفافيس .. صوت خالد من الإسكندرية" التي أقامها مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية، بالتعاون مع مؤسسة الثقافة اليونانية في الإسكندرية. واحتفت بالشعر المصري الحديث بمختلف أجياله واتجاهاته، وأيضا بالشاعر اليوناني السكندري كفافيس باعتباره إحدى علامات الشعر المعاصر، والذي ولد في الإسكندرية وعاش بها رافضًا الدعوات الكثيرة لمغادرتها، فمات ودفن فيها، وشارك في الاحتفالية نخبة من الشعراء المصريين الذين قدموا قراءات من شعر كفافيس، إلى جانب قصائدهم مع عزف موسيقي مصاحب، وهم أحمد عبد المعطي حجازي ومحمد فريد أبو سعدة وفؤاد طمان وأحمد فضل شبلول وحميدة عبد الله. كما شارك من الشعراء الشباب عمر حاذق وعبد الرحيم يوسف وإيمان السباعي وجيهان بركات.
وأضاف قائلاً"إن كفافيس يُختبر اليوم، يُدرس ويُنظَر إليه على أنه أحد المبدعين المعاصرين لنا تمامـًا وأعماله تتوافق دومـًا مع جماليات ومتطلبات العصور الحديثة. رغم ذلك فكفافيس الأمس وقبل الأمس، أقصد تلك الصورة التي كانت سائدة في الستين عامًا الأولى من القرن العشرين عنه وعن أعماله، تلك الصورة تبدو مختلفة تمامـًا عن يومنا هذا. إن هذا التغيُر المبهر رسم مسيرة مبهرة وتعليمية من زوايا متعددة؛ مسيرة من الغياب إلى الاعتراف، من التشكيك إلى القبول، ومن حلوله وفرضه على الأجواء اليونانية إلى حلوله على الأجواء الدولية؛ ومن ثم الاعتراف العالمي به".
ونوه ذاسكالوبولوس بأن كفافيس ولد وعاش كل حياته في الإسكندرية، بعيدًا عن مركز اليونانية القومية، وكان من عائلة أرستقراطية ميسورة. حتى بعد الانهيار الاقتصادي الذي حل على العائلة بعد وفاة أبيه، نشأ في بيئة كوزموبوليتانية، متعددة اللغات والتي كانت تتحاور مع أوروبا أكثر من أثينا البلقانية آنذاك. لافتاً إلى أن أول نصوص نثرية كتبها كانت ذات طابع موسوعي في مواضيع معاصرة وغير معاصرة، ومحاولاته الشعرية الشبابية ومحاولات الترجمة القليلة كانت تشهد على شخص مُثقف ومُتابع جيد للأدب الفرنسي والإنكليزي ينظر على مضض نحو الأدب اليوناني. وكانت الإسكندرية في ذلك العصر "مؤسسة على تجارة القطن والبصل"، طبقـًا لشهادة الروائي البريطاني -وفيما بعد صديق كفافيس- إيمانويل فورستر، "كانت أبعد ما تكون عن حالة ذهنية".
وذهب ذاسكالوبولوس إلى أنه ليس مستحيلاً أن تكون الحياة الثقافية للجالية اليونانية في مصر والتي كانت تقريبًا منعدمة قد دفعت الشاعر من بدايات مسيرته الإبداعية نحو سلوكه الغريب في النشر. وقال"من الممكن أن الناس كانوا يقرأون الشعر في ذلك العصر، ولكنهم يقرأون طبعـًا لأي شاعر معروف، والانشغال بالثقافة سيمنح بالتأكيد مظهر تفوق وروحانية لمجتمع التجار الأثرياء المغلق حيث كان نظم أبيات الشعر هواية ولعبة في الصالونات واستعراضًا للإمكانيات الإبداعية. لم يطبع كفافيس قصائده أبدًا وهو على قيد الحياة في كتاب. بل كان ببساطة يعيد كتابة القصائد القليلة التي كان ينشرها في مجلات أدبية من حين لآخر مكتوبة بخط يده في صفحة واحدة".
وأوضح أن هذه الصفحات المنفردة شكلت فيما بعد ما يُسمى بالمجموعات الشعرية أو "الديوان". وكان يسلمها يدًا بيد أو يرسلها بالبريد إلى أصدقائه ومعجبيه، كان يحمل قوائم توزيع مدروسة.لافتاً إلى أن هذا التكتيك الفريد من نوعه في عمر الأدب اليوناني الحديث ساهم بشكل كاف في تشكيل "الأسطورة" التي أحاطت بالشاعر، حيث لم يكن بمقدور قرائه أن يتواصلوا بحرية وبلا عوائق مع أعماله، كان ينحصر في النشر المشتت وإعادة نشره في المجلات والجرائد والمختارات الشعرية المختلفة التي كان يكتبها بخط يده.
وألمح إلى أن إحدى أكبر فضائل كفافيس كانت قدرته على الانتظار. وإذا قارنا الفترة الأولى، بفترة نضجه نجدها مختلفة بشكل يمكن أن يكذب أي تنبؤ منطقي. النقطة التي تميزه عن شعراء كثيرين هي إخلاصه لفن الشعر، وتفانيه بجدية وقوة، وعناد مثمر واجتهاد وحزم.
ولفت إلى أنه حتى عند الخروج من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، كان الشاعر حالة خاصة في الجالية الأجنبية، فهو أرستقراطي يحب المواضيع اليونانية والرومانية القديمة، يُغازل أعمال شكسبير، ينشر من حين لآخر قصائد في مجلات وصحف ولا ينشر مجموعة شعرية واحدة.
ولفت إلى أن فورستر كتب ملاحظات مهمة عميقة ومتأملة عن كفافيس وعن شعره، وكانت بينهما مراسلات، وإن لم تكن مستديمة، تم نشرها مؤخرًا في الجامعة الأميركية في القاهرة. توسط فورستر كي تنشر قصائد كفافيس في مجلة ـ T.S.ELIOT Criterion وأيضـًا في المجلة اللندنية Tau;he Athenaeum، وفيما بعد علق بحماس شديد على شعر كفافيس، عندما صدرت في إنكلترا لأول مرة مجموعة القصائد الكفافية في ترجمة لجون مافروغورداتو John Mavrogordato في عام 1951.
وذكر أن الشهرة التي حظي بها إيمانويل فورستر بعد الحرب العالمية الثانية ساعدت بالتأكيد في استقبال الجمهور الناطق بالإنكليزية لشعر كفافيس، كما أنه قدم بالطبع معلومات دقيقة وشيقة لكل من حرص على أن يلجأ لذكريات فورستر. أما الشاعر الحائز على جائزة نوبل فيما بعد يورغيوس سيفيريس الذي كان موظفـًا في السفارة اليونانية في لندن، فكانت له محادثات طويلة مع فورستر حول كفافيس. واستطرد قائلاً"الاعتراف بشعر كفافيس على المستوى العالمي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت إصدارات أشعار كفافيس المتوالية تتوالى وتصدر بكثافة، وكذلك مختارات من أعماله بلغات مختلفة. وأضاف: "الإنسانية كلها، التي خرجت بجروح عميقة بعد الحروب والتنافس في الممارسات البربرية، ربما كانت جاهزة بشكل أقوى من أي وقت آخر لتسمع صوت شاعر الإسكندرية المنعزل الذي كان يتحاور مع التاريخ، ويحكي من خلاله عن المشاعر والمآسي الإنسانية مستخدمـًا رموزًا وأقنعة كانت مألوفة في العالم. حتى العشق، الذي يُعد من أهم المواضيع في الشعر الكفافي لا يُعرض على أنه مغامرة رومانسية أو جسدية، لكنه يُعرض كترياق ضد سيطرة الموت. ولا يوجد اليوم شاعر يوناني أو أجنبي كبير لم يقرأ أو يتأثر بأعمال كفافيس التي ألهمت أيضًا الفنانين بشتى شرائحهم: التشكيليين، والموسيقيين، ومصممي الرقص ومخرجي المسرح والسينما".
وتساءل ذاسكالوبولوس، قائلاً: تُرى ما سبب إشعاعه وتألقه على النطاق العالمي؟ فهو يوناني حتى الصميم، يتكلم عن الحياة والموت على لسان شخوص ومن وراء أقنعة تعود مرجعياتها مباشرة إلى الأساس العريض للتربية الأوروبية والتعليم الأوروبي. والطريقة التي يتحاور بها مع التاريخ تتخلص من الحدود الخانقة للدولة التي أنجبته، وبالتالي تصبح مألوفة ومحسوسة على المدى الجغرافي للدنيا طولاً وعرضًا، وربما في كل العصور أيضًا.
وأضاف انه بين الحرب العالمية الأولى والثانية حدثنا عن العنف وعن ترنح كل أشكال السلطة، عن الانتهازية السياسية، عن الآمال المجهضة، عن الإنسان المحطم، عن خدعة المبادئ وانهيار المثالية، عن المصلحين وأمور أخرى مماثلة بصوت عذب مؤثر. وقال "إن هذا العدد الهائل من الشعراء اليونانيين والأجانب الذين كتبوا قصائد بطريقة كفافيس أو استلهموها من قصائده، يضعون كفافيس في مكانة فريدة فهو الشاعر الوحيد، أو على الأقل هو أول شاعر يوناني أثر في الشعر المعاصر على المستوى العالمي".
وتحدث الشاعر فؤاد طمان، معتبرا أن الاحتفالية عرس للشعر مشتملاَ على محور خاص يحتفى فيه بشاعر الإسكندرية الخالد كفافيس، قائلاً"هذا يومُ الشعر .. يومُ الحبِّ والفرح .. يومُ الفنِّ والجمالْ ..نحتفي فيه بالفن الإنساني الأول، وفن العربية الأول. الشعر هو "ديوان العرب" كما قال أبو ِفراس الحَمْداَنّى .. بل هو ديوان الإنسانية كلِّها في كل لغة وقوم الشعر هو رُوح العالم، والشعراء الحقيقيون الأفذاذ هم نخبة من مُعَلِّمي البشرية وقادتِها على طريق الحق والصفاء والحُسْنِ والبهاءِ الإنساني".
وشدد على أن الشعر الخالدَ ليس مجردَ غناءٍ ولهو وصنعة وإنما هو قبل أي شيء صدى الروحِ والشعورِ الصادقِ، وهو استصفاءُ أعذبِ وأنقىَ مَا في الحياةْ. مشيراً إلى أنه ليس بغريب أن يدافع هذا الشعرُ الخالد عن قيم الحرية والعدل والتعاطف الإنساني. وأكد طمان أنه لا يجوز أن نحتفي بربيع الشعراء في الإسكندرية ولا نحتفي بكفافيس شاعرِها المُجيد وابنِها المُحب البار خاصة وأننا على مشارف شهر إبريل الذي ولد فيه كفافيس ورحل .
ألقى الشاعر عمر حاذق كلمة المايسترو شريف محيي الدين، مدير مركز الفنون، مشيراً إلى أن قسطنطين كفافيس، استوعب الثقافة اليونانية القديمة تاريخًا وشعرًا، بقدر ما تمثل الأدب العالمي الحديث وقرأه بلغاته الأصلية التي أجادها: الإنكليزية والفرنسية والإيطالية واليونانية؛ وانصهر ذلك كله في بوتقة الإسكندرية الكوزموبوليتانية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ والتي كانت تنتفض بروح نهضة جديدة، وكانت تحتضن نسيجًا بشريًّا وحضاريًّا شديد الثراء والخصوبة.
وأوضح أنه في تلك الفترة بدأ سيد درويش يبث روحًا جديدة في الغناء المصري، كما انطلق الفنان محمود سعيد في رحلة فنية تستكشف آفاقًا جديدة للفن التشكيلي، بينما بدأ الأخوان لوميير تأسيس الخطوات الأولى لفن السينما، فاختارا الإسكندرية -بعد باريس- كنقطة انطلاق أولى في الشرق الأوسط كله، وفي سياق موازٍ كان لورانس داريل -الروائي الإنكليزي الكبير- يتذوق هذه النكهة السكندرية العالمية، ويهيم بهذه الروح الفتية ويتمثلها في روايته "رباعية الإسكندرية" التي تعد آية من آيات الفن الروائي الحديث.
وألمح إلى انه لا ينبغي لنا أن نذكر هذه الرواية الفذة دون أن نتوقف أمام أحد شخوصها -وهو كفافيس- الذي شغل منها حيزًا فنيًّا مهمًّا. وذلك لأن داريل رأى فيه روحًا عبقريًّا استطاع أن يستوعب منجزات هذه النهضة الفنية والفكرية، وأن يعيد إنتاجها فنيًّا في لغة شعرية جديدة على الساحة الشعرية العالمية؛ فقد بدأت قصيدة كفافيس في ريادة مناطق فنية جديدة، فمثلاً: لم تترفع عما هو يومي وهامشي ومنبوذ اجتماعيًّا وأخلاقيًّا، وفاجأت المتلقين بنبض إنساني غير مألوف بقدر ما فاجأتهم بالمواضيع اليومية وتفاصيل المعيشة التي لم يجرؤ الشعراء قبله على أن يغزلوها في نسيج قصائدهم.
وقال شريف محيي الدين "لعلنا نذكر أننا حين احتفلنا بالعيد السبعيني لأمل دنقل ذكرت بعض شهادات المبدعين السكندريين أن أمل قرأ كفافيس مترجَمًا لأول مرة في الإسكندرية على نطاق شخصي ضيق مع بعض أصدقائه من شعراء الإسكندرية، وأن أملا بدأ يميل -منذ هذه المرحلة- إلى التعاطي مع تفاصيل الحياة اليومية تجاوبًا مع الأرض الجديدة التي مهدتها القصيدة الكفافية".
وذهب محيي الدين إلى أنه بعيدًا عن ذلك قدم شعر كفافيس ملمحًا إبداعيًّا مهمًّا آخر، وجدناه بعد ذلك لدى شعراء كثيرين في شتى أنحاء العالم، هذا الملمح هو تأمل التاريخ والأساطير القديمة وإعادة إنتاجها شعريًّا، بما تحمله هذه الأساطير من طاقة روحية وخيالية عالية، تخلعها على القصيدة الحديثة لتصبح أعمق وأكثر خصوبةً وألقًا.
وأضاف" لأننا الآن -ودائمًا- نكتشف كيف يعبُر الفن حواجز الثقافات واللغات والأعراق والجغرافيا، ليصبح السفير الحقيقي الذي يسيح في الأرض، ولا توقفه حروب ولا حكومات ولا أزمات اقتصادية أو سياسية؛ فلابد أن نتفق معًا على أن الدعوات المتوالية التي نسمعها الآن كثيرًا من قبيل: الشراكة عبر المتوسط وتحالف الحضارات"، مؤكداً أن هذه الدعوات كلها لن تكون حقيقية وفاعلة إلا إذا اتكأت على الفنون، بما لها من قدرة على خلق قيم التسامح والمحبة والصداقة بين الشعوب.
وقدم الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي شهادة حول تأثير تجربة كفافيس في شعراء العالم، أكد فيها أن ربيع الشعراء ليس عيداً جديداً وليس مجرد تاريخ اتفق العالم على أن يحتفل فيه بالشعر والشعراء لكنه عيد قديم يرتبط فيه الربيع بالشعر، فالربيع يستدعي الشعر، كما أن العشر في أي فصل من فصول السنة يستدعي الربيع. وقال" نحتفل اليوم في مكتبة الإسكندرية بربيع الشعراء ونحتفل باليونان ومعه، الإسكندرية التي اتصل فيها الشاطئان، وتزاوجت الثقافتان، نحتفل بالربيع والشعر، كاليماخوس وثيوكريتوس، امرئ القيس، وأبي نواس، القدماء والمحدثين.
وأشار إلى أن الاحتفالية تبعث كفافيس من جديد إذ إنها توافق الذكرى السابعة والسبعين لرحيله، والسابعة والعشرين بعد المائة لميلاده. وقال" كفافيس شاعر يوناني مصري أو مصري يوناني، فهو يوناني أصلاً، ومصري مهجراً وحياة بدأها في مصر وختمها فيها. لغة كفافيس لغة اتحدت فيها الروحان كما اتحدت آلهة مصر واليونان في سيرابيس. هذا المزيج الفاتن في العناصر الحسية والمعنوية، الغنائية والمأسوية، هو الإسكندرية، وهو كفافيس وشعره.
وأكد أن الإسكندرية لم تتجسد في شعر شاعر كما تجسدت في شعر كفافيس. فحين يتحدث كفافيس عن التراث الهلليني يشير إلى الإسكندرية من بعيد. وهناك قصائد يتحدث فيها عن الإسكندرية بطريقة مباشرة ويمحيها. من هذه القصائد:" المدينة"، و"عندما تخلى الإله عن أنطونيوس"، و"ملوك الإسكندرية"، و"البحر في الصباح"، و"عند باب المقهى"، و"ذات ليلة"، و" في شهر هاتور" وهاتور هي الربة حتحور ابنه رع وزوج حورس، ومعنى الاسم قصر حورس، أي بيته وسكنه، فضلاً عن "رسل من الإسكندرية".
وقال إن الأفكار التي يعبر عنها كفافيس في شعره والأسئلة التي يطرحها شعره كثيرة: كيف يرى التاريخ اليونان، والتراث الهلليني. وكيف يرى نفسه، وكيف يرى الشعر، وكيف يرى الإسكندرية؟. وذهب حجازي إلى أن كفافيس يتحدث عن الإسكندرية في قصيدته المشهورة" المدينة" ويقول إنه فكر في أن يتركها ويهاجر إلى مدينة أخرى، لكنه وجد نفسه مرتبطاً بها مشدوداً إليها، فهي تسكن فيه كما يسكن فيها، ولهذا لن يستطيع مغادرتها حتى لو ذهب إلى مدينة أخرى.
ورأى أن علاقة كفافيس الإسكندرية في هذه القصيدة علاقة مأسوية. فالشاعر بطل القصيدة يصارع قدره. والقدر فيها هو المدينة الإسكندرية التي تلاحقه في كل مكان. والواقع أن الذي يلاحقه هو نفسه أو هو نفسه الأخرى. فهو ممزق بين الواقع الذي يعيشه والأفق الذي يحلم به، لكنه لا يستطيع أن يسير إليه لأنه لا يستطيع أن يفرض نفسه. ولأنه عاجز عن تحقيق حلمه فهو يكتفي بأن يبحر في اتجاه ايثاكا، دون أن يكون لديه أمل في الوصول.
ولفت حجازي إلى أن علاقة الإنسان بمسقط رأسه، وعلاقة السكندري بالإسكندرية خاصة موضوع أساسي في شعر كفافيس الذي نراه في قصيدته" عندما تخلى الإله عن أنطونيوس" حيث يقدم لنا صورة عكسية للصراع الذي قدمه في " المدينة" فأنطونيوس في هذه القصيدة يتشبث بالبقاء في الإسكندرية، لكن الإله يتخلى عنه ويطرده من المدينة التي أحبها.
وذكر حجازي أن الإسكندرية في شعر كفافيس ليست مجرد موضوع، وإنما هي لغة شعرية من نوع خاص. فنحن لا نجد في شعر كفافيس هذا العالم البطولي أو الأسطوري الذي نجده في الملاحم اليونانية، وإنما نجد عالماً يومياً ولغة بسيطة مباشرة. وكفافيس إذن ليس وريث هوميروس، وانما هو وريث كاليماخوس. وإذا كان في تراث أثينا القديمة، قد وجد له مكانا في شعر كازانتزاكيس وإيليتس، فترات الاسكندرية هو ما نجده في شعر كفافيس.
وأشار إلى أنه من المؤكد أن الإسكندرية لم تكن نعيماً خالصاً لكفافيس أو لغير كفافيس، وربما أرضت حاجات وعجزت عن إرضاء حاجات أخرى. وقال مضيفاً:"لهذا تحدث كفافيس عن شعوره بالملل لأن الأيام متشابهة، ولأن الغد يكرر الأسى، وقد عبر عن هذا الشعور ببراعة في قصيدته"في انتظار البرابرة"، الذين وجدهم حلاً. لكن الحل لم يتحقق، لأن البرابرة لم يصلوا في أيام كفافيس، وإنما وصلوا في أيامنا نحن".
عقب ذلك، قرأ الدكتور خالد رؤوف ترجمة باللغة اليونانية لشهادة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي،
واختتمت ليلة الشعر والنغم بقراءات من شعر كفافيس بالعربية واليونانية ثم أمسية شعرية موسيقية شارك فيها الشعراء: أحمد عبد المعطي حجازي، فؤاد طمان، محمد فريد أبوسعدة، حميدة عبد الله، عمر حاذق، عبد الرحيم يوسف، إيمان السباعي، جيهان بركات، مع عزف موسيقي مصاحب، قدم الأمسية الدكتور محمد زكريا عناني.