ثقافات

"وقف إطلاق النار": أول فيلم ألماني عن حرب العراق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أسامة الشحماني من برلين: تحاول مجموعة الأفلام العالمية، التي ظهرت حتى الآن، عن الحرب الأميركية على العراق توثيق وإثبات كون الحرب إستندت في مسوِّغاتها الدولية إلى أكذوبة أسلحة التدمير الشامل، ثمَّ حجم الدمار المرافق للإضطراب والتخبط، الذي إتسمت به تحركات الجيش الأميركي في مجمل عملياته العسكرية في العراق، فضلاً عن عدم وضوح المشروع السياسي والإقتصادي، الذي من المفترض أن تقومَ على أساسه تلك القوات بإعادة إعمار البلد.

أضف إلى أنَّ فيلم "وقف إطلاق النار"، الذي دخل صالات العرض السويسرية مطلع هذا الشهر، لا يندرج ضمن هذه الدلالات.فهو يتحدث عن أولئك الناس الذين يبدون وكأنهم على إستعدادٍ دائم للمجازفة بحياتهم والتضحية من أجل ما يعتقدون أنه جديرٌ بذلك. أناسٌ ربما لا نسمعُ عنهم شيئًا، أو لا نعرف عن حياتهم وما مروا به في مسيرة بحثهم عن الحقائق سوى بعض الملاحظات الهامشية التي تكتب بحروف صغيرة وتمر على عجل في شريط أخبار، لا يحرص أغلبنا على الإنتباه لمضامينه. "وقف إطلاق النار" من أفلام الإنتاج المشترك (سويسري/ألماني).

وهو من تأليف وإخراج كاتب السيناريو الألماني Lancelot von Naso، الذي تميَّز في تقديم موضوعته في هذا الفلم بالمزاوجة بين الواقعية والخيال، الجد والهزل، فنال إعجاب النقاد، وحاز على جوائز دولية عديدة، من بينها جائزة "المشاهد الذهبي" التي تنضمها مدينة زيورخ.
"وقف إطلاق النار" فيلمٌ مشوِّق في أحداثه وصوره إذ تحكي قصته ما تتعرض له مجموعة مكونة من خمسة أشخاص، قرروا القيام برحلة من بغداد الى الفلوجة لأغراض إنسانية إبان الحرب الأميركية على تلك المدينة، أي في شهر نيسان من العام 2004. رحلة مرهقة يتعانق فيها الواقعي بالفنتازي، يمرون فيها على أطلال طرقات وقصبات منسية مزقها الإهمال و تناهشت أوصالها تراكمات معاولُ الحروب.

المجموعة إستغلت الفترة الزمنية التي قرر الجانب الأميركي فيها وقف إطلاق النار لمدة أربع وعشرين ساعة لا غير، لإنجاز تلك المهمة، التي شرعوا بها من دون أيِّ ورقة أو تصريح رسمي يجيز لهم القيام بذلك التحرك. ولذا فهم في نهاية المطاف في درجة دون الصفر من أي ضمان على حياتهم، على إن هذا لم يكن ليثبِّط عزيمة أحدٍ منهم، لأن الثابت لديهم هو وجوب الوصول الى الفلوجة. لقد تحركوا على مسؤوليتهم ولم يكن أمامهم للقيام بتلك المغامرة، وضمان نجاح أهدافها إلا أن يشكلوا شراكة أو تضامنًا وجدانيًا يظهرهم وكأنهم شخصٌ واحد يتعامل بروية وحكمة مع كلِّ ما يحفُّ بالمسيرة من تهديدات وتحديات، وقد مثَّلَ الجندي الأميركي أكبر صورها.

أفراد تلك الرحلة هم: الممرضة الهولندية كيم (Thekla Reuten) العاملة في إحدى المنظمات غير الحكومية في بغداد، والتي تريد بأيِّ شكل كان نقل إمدادات إغاثة سريعة الى الجرحى والمصابين من المدنيين في مستشفى الفلوجة. الطبيب الفرنسي ألين لاروخ (Matthias Habich)، الحريص على شرف مهنة الطب والذي يعتقد أن عليه مواصلة مهنته كطبيب على أحسن وجه، مهما كلَّف الأمر، وهو على قناعة تامة بأن نهايته ستكون في العراق. المراسل التلفزيوني الشاب أوليفر(Max von Pufendorf)، الذي يبحث عن أيِّ مناسبة ليقوم بتغطية مصورة خاصة بالقناة الإخبارية التي يعمل لحسابها، ويرى أنه الآن أمام فرصة تاريخية للإنفراد بنقل حقيقة ما يحدث في الفلوجة، تلك المنطقة الساخنة، الحافل مسرحُ أحداثها بحكايات مروعة، يمكن أن تدخله عالم النجومية والصحافة العالمية.

المصور السينمائي المحترف رالف (Hannes Jaenicke)، الذي، وعلى الرغم مما عُرف به من ولع بركوب المخاطر، لم يكن موافقًا في بادئ الأمر على قرار زميله أوليفر للقيام بتلك المخاطرة، إلا أنّه يوافق في نهاية الأمر ويستقل الحافلة صحبة كامرته التي أراد لها أن تعكس من وراء ضيق منافذ الحافلة سعة ملامح الرعب المهيمن على الوجوه، وعمق ما يقبض على عنق الإنسان من كوارث. الشخصية الخامسة هي سائق المركبة القديمة التي تقل هذه المجموعة من بغداد الى الفلوجة وهو حسام العراقي (Husam Chadat)، المتشبِّث بمقود حافلته على الرغم مما يحيط بها من تفجيرات، لا يصدق أحد من المجموعة أنه سيخرج منها على قيد الحياة.

لقد نجح المخرج فون ناسو في تقديم فيلمٍ خالٍ تمامًا مما إعتادت أفلام الحروب على أن تضعه من مكونات، من قبيل (إستخبارات، عمليات عسكرية، صراع مصالح، تعاملات وعمالة خارجية.. وغيرها). وهو تناولٌ مختلف عن الأطر العامة التي طالما إحتوت مضامين البحث في صور الحروب، إذ لم يقدم مشهد الحرب بوصفه أمرًا متعلقًا بوجهات نظر الجنود والمحاربين، وإنما قدَّم رؤية الحرب من منظورٍ إنساني يتجلَّى في عيون الأطباء والصحفيين وعمال الإغاثة. وحرص على أن يشكل نسيجًا متجانسًا من أحداث ومعطيات غير متجانسة، تتداخل فيها مشاهد الإثارة السياسية بصور درامية غرائبية و فجائية، تسرِّبُ القلق للمتلقي وتجعله جزءًا من دائرة الإنفعال والشد النفسي. وهنا تمكن المخرج من أن يسحبَ المتلقي الى تلك الأجواء، إذ سرعان ما يشعر المشاهد أنه أسير دائرة الحدث، أو أنه الراكب السادس المصاحب لركاب تلك الحافلة ورحلتها العجيبة من بغداد الى الفلوجة.

والى جانب البعد الإنساني والأخلاقي الذي حمله الفيلم، هناك قصة واقعية بسيطة ومثيرة للغاية، وهي حكاية إعجاب الصحافي الشاب أوليفر بالممرضة كيم، إذ ما انفكت نظراته تحاصرها على إمتداد قسوة الرحلة وكل ما أحاط بالمجموعة من مخاطر. وربما أراد المخرج من خلال هذه الومضة العاطفية السريعة أن يرمِّز للجانب الآخر من حياة الإنسان، وأن يداخل بين الإلتزام المهني العام والطموح الشخصي الخاص، وكيفيِّات تمازجهما لإدارك الهدف والوصول الى النجاح.
a-usama1971@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
film trailer
dr bassam al-khouri -

http://www.youtube.com/watch?v=df3SJtik-4o to see the film trailer

film trailer
dr bassam al-khouri -

http://www.youtube.com/watch?v=df3SJtik-4o to see the film trailer

النفاق الغربي
عباس العراقي -

يأتون الى بلادنا يقتلون أولادنا ، يزيدون أطفالنا يتماً وفقراً، ثمَّ يحولوننا الى مواد فلمية أو تصويرية تثير العواطف ، وتجعلنا أحياناً نقتنع بإنسانيتهم ، هل بمكن لمخرج أمريكي أو ألماني أو أي مخرج في العالم أن يقترب مما حدث لروحي وعقلي حين رأيت الفلم الذي بثه الأمريكان البارحة ، والذي يظهر مدى وحشيتهم وهم يقتلون مدنيين عزل ، كل ذنبهم في الحياة أنهم تواجدوا في تلك اللحظة في هذاالمكان. أنا أكره العنف أكره الحرب أكره القتلة والمجرميين ، أكرههم جميعاً....على إن ذلك لا يمنعني من مشاهدة تلك الأفلام ، لأني أبحث دوماً عن براهين جديدة تؤيد أحقيتي بكرهي لهم، أشكر الكاتب على عرض الفليم ، وأشكر إيلاف التي تتحفنا بكل ما هو جديد ومفيد.

النفاق الغربي
عباس العراقي -

يأتون الى بلادنا يقتلون أولادنا ، يزيدون أطفالنا يتماً وفقراً، ثمَّ يحولوننا الى مواد فلمية أو تصويرية تثير العواطف ، وتجعلنا أحياناً نقتنع بإنسانيتهم ، هل بمكن لمخرج أمريكي أو ألماني أو أي مخرج في العالم أن يقترب مما حدث لروحي وعقلي حين رأيت الفلم الذي بثه الأمريكان البارحة ، والذي يظهر مدى وحشيتهم وهم يقتلون مدنيين عزل ، كل ذنبهم في الحياة أنهم تواجدوا في تلك اللحظة في هذاالمكان. أنا أكره العنف أكره الحرب أكره القتلة والمجرميين ، أكرههم جميعاً....على إن ذلك لا يمنعني من مشاهدة تلك الأفلام ، لأني أبحث دوماً عن براهين جديدة تؤيد أحقيتي بكرهي لهم، أشكر الكاتب على عرض الفليم ، وأشكر إيلاف التي تتحفنا بكل ما هو جديد ومفيد.