ثقافات

في قصيدة لميعة عباس عمارة "بغداد" خلَلَان ِ إيقاعيّان ِ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أ. د. عبد الرضا عليّ:بعث لي الصديق الدكتور مجيد رشيد ملفا ً حوارياً أجرته فضائية "الآن" مع الشاعرة المبدعة لميعة عباس عمارة، وكان هذا اللقاء حافلاً بمواقف نضالية مشرّفة إبان انقلاب 8 شباط 1963، وما بعده، وروت الشاعرة أنّ نظام الانقلابيين كان قد قرر إعدامها، وذكرت كذلك أن إحدى الفتيات اللواتي كنّ موقوفات قد تم تنفيذ حكم الإعدام بها ظناً من الجلادين أنها لميعة عباس عمارة، لكونها تحمل كما يبدو الاسم عينه (لميعة).
لست هنا في معرض الحديث عن اللقاء الحواري المثير، إنما اردتُ الاشارة إلى قصيدة "بغداد" التي اختتمت بها الشاعرة عمارة لقاءها الجميل ذاك.
كانت القصيدة رائعة، استخدمت الشاعرة تكنيك المنولوج الدرامي لإيصال ما كان في أعماق الذات الشاعرة من بوح حزين، لكنّ الجمال الذي أشاعته القصيدة سرعان ما تم قطعه عن المتلقي بسبب صدمة الخلل العروضي الذي وقعت فيه الشاعرة مرتين، فأربك هذا الخلل انتشاء المتلقي، وجعله ينفصل عن المتابعة الإيقاعية راغباً في فحصها تطبيقياً، فقد يكون مافيها يدخل ضمن جوازات الزحاف المستحب، لكنّ الأمر بعد فحص المقطوعة لم يمل إلى ما كان مستحباً، إنما مال إلى الاختلال أو الكسر العروضي الواضح. وبغية إشراك القارئ الجاد في هذا الفحص نعرض المقطوعة كما قرأتها الشاعرة:
بغداد، تائهة ٌ أنا حيرا
من بعدِ صدركِ لم أجدْ صدرا

حتى بأحلامي أ دوّرُ لا أرى
بيتاً لأهلي فيكِ أو قبرا

لا أمسي، لا تاريخَ لي فأنا
ممحوّة ٌ من عالمي قسرا

لا جارَ لي كلّ ُ البيوتِ خلتْ
مَن ماتَ مقتولاً، ومَنْ فرّا

والشعرُ، حتى الشعرُ ينكرني
إني أُجاهدُ: لا أرى شعرا

بغدادُ يا أمي أجيبي دمعتي
كيف الأمومة ُ بُدّلتْ غدرا؟

لكنّ القارئ الجاد، أو الذي يمتلك أذناً موسيقيةً سرعان ما يكتشف خللاً واضحاً في صدري البيتين الثاني والسادس، فقد ورد البيت الثاني هكذا:

حتى بأحلامي أدوّرُ لا أرى
مستفعلن مستفعلن متفاعلن
بيتا ً لأهلي فيك ِ أو قبرا
مستفعلن مستفلن فعْلن
وهو خلل في الصدر، إذ انتقلت فيه من العروض الأحَذّ (فعِلن) إلى العروض الصحيحة (متفاعلن) وكان يجب الالتزام بالعروض الأحذ ّ. . ويستقيم الصدر لو قلنا:
حتى بضغثِ الحلم ِ لستُ أرى
مستفعلن مستفعلن فعِلن
بيتا ً لأهلي فيك ِ أو قبرا
مستفعلن مستفعلن فعْلن
كما ورد البيت السادس هكذا:
بغدادُ يا أمي أجيبي دمعتي
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
كيف الأمومة ُ بدّلتْ غدرا؟
مستفعلن متفاعلن فعْلن
وهو خلل في الصدر كذلك،إذ انتقلت فيه من العروض الأحذّ (فعِلن) إلى العروض الصحيحة المضمرة(مستفعلن) وكان يجب الالتزام بالعروض الحذّاء. . . ، ويستقيم الصدر إيقاعياً لو قلنا:
بغداد يا أمي أجيبيني
مستفعلن مستفعلن فعْلن
كيفَ الامومة ُ بُدّلتْ غدرا؟
مستفعلن متفاعلن فعْلن
ولا مانع من جعلها حذّاء مضمرة.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إشارة
قاسم -

يا أستاذ عبد الرضاجئت تكحلها ففقأت عينها! هل هكذا يكتبون حيرا وأمسي؟ حتى أن كتابة أمس بهذه الطريقة تخل في الوزن!تحياتي

المعنى في قلب الشاعر
واحد -

من المؤكد بان الشاعره على درايه بهذا الامر لانها شاعره كبيره ومن كبار شعراء العراق فحتى لو وجد هذا الخطاء فلن يوثر على مكانتها الشعريه وحسها في حب الوطن تحياتي واحترامي الكبير للشاعره العراقيه الرائعه

شنو المشكلة
hhaider -

شنو المشكلة اذا جان مستفعلن مستفعلن او فاعلن فواعل ...تبقى القصيدة هي هي وما انقص من وزن لميعة او قيمة او شاعريتها شيء ,,,عزيزي ان كمن التفعيلات قد اكل الدهر عليه وشرب

اعتذار ..عن خظأ
خنساء احمد -

الاخ قاسمم..تحيّةألدكتور عبد الرضا عليّ يكتبُ موضوعاته بإصبعٍ واحدةٍ،والثانية للشفتوقد استعان بي هذه المرّة فأملى عليّ مقالته القصيرة هذه،فوقعتُ أنا بالخطأوليس هو،لهذا أعتذرُ من أستاذي لما سببته له من إحراج،كما أعتذرُللقرّاء على هذه الهفوة التي سبّبتها عُجالتي في كلمتي:أمسِ وحيرى مع تقديري خنساء احمد

تلميذة نجيبة وجريئة
د.عبد الرضا عليّ -

شكراً بوسع الوطن الذي أحبّته تلميذتي النجيبة خنساء أحمد على هذا التوضيح المعنون باعتذارها علناً،وبقدر ما أسعدني فقد نبّهني إلى ضرورة مراجعة المدوّنة قبل النشر مراجعة دقيقة،وإن تولّى كتابتها عنّي مبدعون،كما في حالة تلميذتي الجريئة خنساء،التي كشفت عن معدنها الأصيل الجريء المتمثّل في " قل الحق ولو على نفسك " فباركَ الله فيكِ تلميذةً نجيبةً بارّةً،ومبدعةً جميلة،وجريئة في قول الحق،واسلمي ،كما أشكر الأخ قاسم على تعقيبه وتنبيهه... د. عبد الرضا عليّ.

القواعد هي القواعد
اديب -

الى صاحب التعليق 3، كلا الدهر لم يأكل ولم يشرب في موضوع كهذا، مادامت الشاعرةاختارت العمود الشعري فعليها ان تلتزم به اما اذا ارادت الكتابه بغيره فهي حرة، القواعد هي القواعد، هل تستطيع انت مثلا ان تمشي على رأسك لانك حر في ذلك.

القانن والقواعد
حسنن -

السيد أديب قرأت تعليقك، هناك مجازفة في الإدراك الذي طرحته: أن القانون هو ما قصدته (حين لا يستطيع الانسان المشي على الرأس ) وليس القواعد. القواعد هي استهلال متعارف عليه وربما تتغير القواعد وتتعدل لكن القانون لا يتغير. كلمة أخيرة أطلب من الاستاذ كاتب المقال عبد الرضا علي وهو على مايظهر عالم كبير ، اسأله ان يتحفنا من وقت إلى آخر ولا يقطعنا مع كتاب النت المتكاتبين الذين لا يميزون بين القانون والقواعد.

التطور
hhaider -

الى الاستاذ اديب ,,عزيزي تتطور الشعوب بتطور لغتها ..معروف ان اللغه هي وعاء للفكر يعني لو نبقى نقيد اللغه بقواعد القرن الثاني او الثالث الهجي معناه ان فكرنا لازال في مرحلة القرن الثاني والثالث ..فاي حيا ة ستكون هذه .زانظر الى العالم حولك ولاحظة المرونه اللغويه التي يتمتع بها ولاحظ مستوى التطور الفكري والادراكي ...فلغة سيبويه او نفطويه هي لغة متحف وليست انيه وما عادت قادره ان تعبر عن الفكر الانساني