عود إلى "شبح" بولانسكي الذي يميط اللثام عن المخفي بالتقسيط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد عبدالاله مجيد: يأخذنا رومان بولانكسي في فيلم "الشبح" الى مكان موحش، الى ارض حرام، في جزيرة قبالة الساحل الأميركي بين كثبان شاحبة على ضفاف محيط هائج. في هذه الجزيرة تدور احداث الفيلم الذي ينتمي الى جنس الإثارة السياسية مستوحيا رواية روبرت هاريس عن رئيس وزراء بريطاني سابق متهم بارتكاب جرائم حرب. وهربا من تسليمه الى العدالة، يلوذ بجزيرة خارج بلده حيث يعيد كتابة ماضيه بمساعدة كاتب شبح.
الحقيقة تكون هلامية مثلها مثل الضباب الذي يلف الجزيرة ولكن البحث عنها يتيح للمخرج ان يعالج قضايا مثل الشعور بالذنب والمنفى والنفعية السياسية.
يقوم بدور الكاتب الشبح ايوان ماغريغر الذي يختاره رئيس الوزراء الهارب لصقل مذكراته. ثمة أمر مريب في سلوكه ومظهره بسترته الجلدية وسالفيه الطويلين ولكنته اللندنية الشعبية وعينيه المتعبتين اللتين ترويان وقائع الفيلم.
يقوم بيرس بروسنان الناعم نعومة الأفعى بدور رئيس الوزراء آدم لانغ الذي لا يملك المشاهد إلا ان يشبهه برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والمتهم بتواطئه مع اعمال التعذيب التي كانت تُمارس ضد معتقلين كانوا يُنقلون في رحلات جوية سرية تنظمها وكالة المخابرات المركزية الأميركية الى سجون سرية في بلدان اخرى.
تتقلب امزجة لانغ من الكياسة الساحرة الى الغضب العارم في لحظة خاطفة فيما تقوم اوليفيا وليامز بدور عقيلة رئيس الوزراء الهارب، مخلوقة داكنة الشعر على غرار شيري زوجة بلير، متفوهة أقوى من زوجها بكثير، تقول عن وضعها "أشعر كأني نابليون في جزيرة سانت هيلين".
يحيط بهذا الخليط المتناقض رهط من مساعدي رئيس الوزراء المطلوب بينهم كيم كاترول معاونة لانغ التي تقول للكاتب الشبح "انهم لا يمكن ان يُغرقوا كاتبين شبحين فأنتما لستما قططا".
تلاحظ الناقدة كيت موير في صحيفة التايمز ان فيلم "الشبح" يزخر بالتلميحات والإشارات الى الواقع لا سيما بالارتباط مع لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق برئاسة تشيلكوت وهروب بولانسكي نفسه الذي قام بتحرير سيناريو الفيلم وهو تحت الاقامة الجبرية في سويسرا. وتنعكس هذه الايحاءات والاحالات على الواقع في رهاب الأماكن المغلقة الذي يتبدى واضحا في الفيلم. ورغم ان احداث الفيلم تدور في اميركا ولندن فان وضع المخرج من الناحية القانونية يعني ان تصويره كان في المانيا.
وتشير موير الى شغف بولانسكي بحبس شخصياته السينمائية وسلخهم كي يلكز الحقيقة. ففي فيلمه "نفور" (1965) تخرج اياد كابوسية من الحائط وفي فيلم "الشبح" تنثال أسرار. الكاتب الشبح يجد نفسه في موقع سلفه المغيَّب بكل شيء، حتى بنعاله الذي ما زال تحت السرير، وهناك خيوط قد تكون مفاتيح ابواب مغلقة على اسرار.
التوترات الجنسية وجبة لا بد منها. وتقول الناقدة موير ان فيلم الشبح يقدمها لنا بمشهد في غرفة النوم بين السيدة لانغ كثيرة المطالب في الفراش والكاتب الشبح الأصغر سنا منها بكثير.
في هذه الأثناء يشعر رئيس الوزراء الهارب بأن وسائل الاعلام وعائلات الجنود القتلى تضيق عليه الخناق لكنه يبقى محميا من الحقيقة في الفقاعة الأمنية التي يوفرها البيت. وعندما يهرب الشبح يأخذ سيارة سلفه الذي يخاطبه من القبر دافعا اياه الى مزيد من المتاعب فتزداد الحبكة تشابكا والإثارة تشويقا.
تأتي الخاتمة قاسية مخلفة وراءها رائحة فساد تزكم الأنوف وشكوكا تعتمل في ذهن المشاهد.
ان فيلم "الشبح" فيلم من افلام الإثارة يبتعد عن المشهد السطحي ويميط اللثام عن المخفي بالتقسيط، الأمر الذي ترى الناقدة موير ان سينمائيا مخضرما مثل بولانسكي وحده الذي يمتلك الشجاعة على تجريبه.