عندما تطرق السينما التركية أبواب التألق والاحترافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
استحضرتني هذه المقدمة وأنا استرجع بكثير من الحنين والتحليل نتائج الدورة الأخيرة لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط التي نظمت خلال الفترة الممتدة من 27 آذار/ مارس الى 3 نيسان/أفريل الجاري كانت موفقة في غالبية النتائج المعلنة خاصة ماتعلق بالأفلام القصيرة والوثائقية، إلا أن كثيرون عبروا عن أمنيتهم لو ذهبت الجائزة الكبرى للمهرجان إلى الفيلم التركي"من 10 الى 11 " لبلين أسمر الذي منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة في حين ذهبت الجائزة الكبرى للفيلم الايطالي"ارفع راسك" لمخرجه أليساندرو إنجيلني والبالغة قيمتها 70 ألف درهم.
تروي بيلين أسمر، مخرجة العمل أن الفيلم بالأساس يسطر لقصة عمّها مدحت 83 سنة والذي جسد بنفسه دور البطولة، وكان يستحق أيضا جائزة أفضل ممثل علما أنه يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى، فواقعيته وصدقه كانا طاغيان على كل أحداث الفيلم. ركزت المخرجة على هوايته في جمع ذكرياته المادية والمعنوية من مختلف تفاصيل حياته اليومية التي يختارها بطريقة عشوائية. غير أن مواصلة هذه الهواية يصبح أمراً أكثر صعوبة بالتدريج مع تدهور صحته، وخاصة بعد أن تعرضت مدينة اسطنبول لزلزال قوي أصبح يهدد البناية التي يسكن بها بالسقوط بسبب قدمها وعدم صيانتها من طرف صاحبها الذي إتفق مع غالبية سكان العمارة على الرحيل وتهديمها لإعادة بنائها بشكل حديث وعصري، وهو ما رفضه السيد العجوز مواصلا حياته وهوايته في جمع الأشياء على بساطتها من ملصق أوراق اليانصيب إلى بحثه المستميت و منذ سنوات عن الجزء الحادي عشر من موسوعة مدينة اسطنبول التي أفنى عمره في البحث عنه بعدما حافظ بشغف كبير على الأجزاء العشر التي كانت بحوزته، وهنا نجدنا في بيت قصيد وعنوان هذا العمل السينمائي الذي هو" 10 الى 11 " أي أن مجمل الأحداث التي تقاطعت خلال خط سير العجوز "مدحت" بالشاب" علي" خلال البحث عن الجزء الاخير للموسوعة والذي تمكن "علي" بالصدفة والحيلة من إيجاده لكن من بعد ان ضيع الأجزاء العشر التي كانت لدى السيد"مدحت" من سنين عندما ائتمنه عليها طالبا منه الحفاظ على أرشيفه وموسوعته. حدث ذلك أمام ضغط السلطات المحلية التي كانت تطالب العجوز "مدحت" بإخلاء شقته من الأشياء التي يجمعها من بعد شكوى حررت ضده من طرف سكان البناية ليضطر بأن يعهد بهوايته المتمثلة في البحث واقتناء الأشياء القديمة إلى "علي"، البوّاب الذي يعمل بالعمارة ولا يعرف من مدينة اسطنبول إلا القبو الذي يسكنه وسكان البناية التي يعمل بها، فيحدد له الشيخ العجوز مسار يومه والاماكن التي كان يرتادها لاقتناء ما يبحث عنه لكنه يتبع منهجًا مختلفا عن الذي كان يتبعه الرجل العجوز الذي يقطن بالشقة المزدحمة بالذكريات والبواب الذي يسكن قبو العمارة الخالي من الذكريات لكن الأمر المشترك بينهما هو الوحدة.
تمكنت المخرجة وبطريقة سينمائية جد ذكية من أن يتعرف "على" على عالم الشيخ العجوز"مدحت" والعكس. كما حاولت المخرجة من خلال حركة الكاميرا البطيئة والحوار المتثاقل لبطليها عبر أحداث هذا الفيلم ان تكاشف المشاهد بعوالم "علي" الشاب والشيخ العجوز وشقته المحشوة بأشيائه وخصوصياته التي دائب على جمعها من أربعينيات القرن الماضي الى الوقت الحالي وكيف فضل التخلي على زوجته على أن يتخلي على أرشيفه بعدما طلبت منه أن يختار بينها وبين ما يجمع من أشياء منذ سنوات يكدسها ببيتها ففضل التاريخ على حاضره وزوجته.
وحتى من خلال تجوال الكاميرا رفقة البطلين العجوز والشاب اليافع القادم من الريف إلى مدينة اسطنبول اكتشفنا مناظر وأماكن غير تلك التي اعتدنا علي مشاهدتها بالمسلسلات التركية، اقتربنا أكثر من يوميات وواقع الأتراك وابتعدنا طوال مدة الفيلم عن الصورة الكاريكاتورية التي كرست لها الدراما التركية في الفترة الأخيرة. كما سعت المخرجة بلين اسمر طوال أحداث فيلمها على إبراز المجتمع والفرد التركي وتمزقه بين الأصالة والمعاصرة، بالرغم من أن هناك من الأتراك من يرمي بمثل هذه الأفكار إلى ما وراء الشمس ويرون أن محليتهم وانقسامهم بين الشرق والغرب وتجاذبهم بين الاصالة والمعاصرة لا يعكر صفو المجتمع التركي بقدر ما يزيد من مميزات هذا المجتمع وتفوقه الذي اكتسح خلال السنوات الأخيرة كل مجالات الحياة: الاجتماعية السياسية الرياضية الاقتصادية الثقافية وحتى السينمائية وما فيلم بيلين اسمر إلا خير دليل على هذا التميز والمزاوجة بطريقة فنية سينمائية راقية وعالية بين الروائي والوثائقي.
فيلم "10 الى 11" للمخرجة بيلين أسمر هو أول أعمالها الروائية الطويلة والثالث في تسلسل أفلامها بعد "الجابي" وفيلم "المسرحية"وهو من انتاج 2009 و مدته 110 دقائق، بطولة: نجاة أشلر، مدحت أسمر، تايانج آيايدن، لاجين جيلان، سفاز آكوفا وسنان دوغمجي.
درست بلين علم الاجتماع في استانبول بدأت بالكتابة السينمائية والانتاج واخراج الأفلام الوثائقية عام 2002 حصلت بفضل هذا الفيلم على جائزة التحكيم الخاصة بمهرجان اسطنبول السينمائي وأفضل فيلم بمهرجان أضنة بتركيا. أما خارج بلدها فقد تحصلت على جائزة أفضل إخراج لفيلم شرق أوسطي بالدورة الأخيرة لمهرجان أبو ظبي، وآخرا ليس بآخرا تحصلت على جائزة لجنة تحكيم الدورة الـ 16 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط علما انها كانت تستحق بصدق الجائزة الكبرى.
التعليقات
اسم الفلم
Jafar -للنوضيح فقط اسم الفلم "الحادية عشرة الا عشرة "