ثقافات

عدنان الشيخلي... يحفر الذاكرة بالأغاني التراثية!!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالجبار العتابي من بغداد: من ضمن طقوس يوم الجمعة في شارع المتنبي، يلفت نظر العابر من هناك ذلك الرجل السبعيني الذي يجلس امام عربة صغيرة لكنها لافتة للنظر ايضًا، كونها تحمل كتابات تحتاج الى قراءة متأنية وليست عابرة، إذ إنّ العنوان الكبير ذاته لم يكن عاديًّا ويدعو إلى الاستفهام عنه، كما ان الصوت المنبعث من (مسجل) صغير هو الاخر يثير الدهشة حيث يبث اغنيات قديمة تحمل سمات الاطوار الريفية والبغدادية عبر اصوات مطربين من اجيال مختلفة ارتبطوا بذاكرة الناس تؤجج في العابرين مشاعر مختلفة تدعوهم للتوقف والنظر والاستماع، تجعلك تغمض عينيك مع نبرات صوت يوسف عمر ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي تارة ومع داخل حسن تارة اخرى او مع زهور حسين وعبادي العماري وحسين اسعيدة وسلمان المنكوب او سواهم، مع تلك الاغنيات والمواويل و(الابوذيات) والزهيريات التي تأتي تباعًا لتذهب الى اقصى بقاع الذاكرة وتحفر فيها ما يجعلها تنزّ لتنبعث من قيعانها روائح تستلب العواطف:

(اهنا يمن جنه اوجنت / جينا اْوكفنه ابابك / اوليف الجهل ما ينسي /اشمالك نسيت اْحبابك)

ولا بد لك... وان تعبر من تلك العربة الا الالتفات وقراءة ما عليها كأنها خارطة فنية:(الرفوف العالية /اصوات لا تنسى / المربع البغدادي / المقام العراقي والريفي الاصيل)، وكذلك قائمة بأسماء المطربين العراقيين على اختلاف اجيالهم القديمة، وقائمة بأسماء الافلام السينمائية العراقية القديمة، وكل هذه التسجيلات الغنائية والسينمائية موجودة في هذه العربة التي اصبحت جزءًا من المكان ولا سيما أن وقوفها امام مقهى الشابندر التراثية.

مزهو.. هو الرجل بما لديه، ومتحمس لبضاعته التراثية، وحين توقفت عنده مثل الاخرين لم استطع ان انال من وقته ولو دقيقة واحدة لكثرة المتحدثين معه، والسائلين عن اشياء غابت عن الذاكرة، او الذين يسألونه عمّا في عربته، وحين انفض جزءًا كبيرًا من نهار شارع المتنبي استطاع ان يتفرغ لي، كنت اعرف انه مطرب مربعات بغدادية، فقلت له: اريد ان اسمع شيئًا مما لديك، اجمل ما لديك، فابتسم ثم قرأ: (شكد ثوبج حلو / عد من مفصلته) و (بيوم العيد ابني يريد عيدية) ومن ثم (اهلج وين يا بنية ددليني)، وراح يطلق نظراته في الافق البعيد، ثم رحت اسأله فيحيب.

قال: انا عدنان الشيخلي من مواليد 1940، مطرب المربعات البغدادية منذ عام 1950 وما زلت مستمرا في غنائها في المناسبات العامة والاعراس وحفلات الختان في المناطق الشعبية، ولا زلت ضيفا للعديد من الفضائيات في شهر رمضان المبارك حينما اكون من ضمن لعبة (المحيبس) الشعبية، وأطلق مربعاتي البغدادية خلالها، بدأت في غناء المربعات وانا في عمر (15) عاما، كنت ارافق المرحوم فاضل رشيد، مطرب المربعات الشهير، لانه ابن منطقتي وجاري في محلة سراج الدين / قرب باب الشيخ في بغداد، وتواصلت مع فاضل رشيد الى وفاته، كما كنت اطلع مع المرحوم عكلة علي منذ عام 1966 في اذاعة القوات المسلحة التي صارت فيما بعد اذاعة (صوت الجماهير) وكان المشرف عليها انذاك الفنان الراحل راسم الجميلي، واستمريت مع عكلة الى وفاته قبل سنتين رحمه الله.

واضاف: الباقون من قراء هذا اللون البغدادي الان اثنان فقط، انا وجاسم الشيخلي، نحن من الرواد، ولكن هناك شباب بدأوا السير على هذا الطريق ويطلعون معنا في مشاركاتنا بالمناسبات ومنهم علي شاكر وفالح النعيمي.

وحين سألته عن العناوين التي كتبها على عربته قال: الرفوف العالية هو عنوان برنامج تلفزيوني كان يقدمه الفنان عبد الحميد الدروبي سنة 1958 من تلفزيون بغداد، يتناول الاغاني والمقامات والمربعات، وتوصل حتى عقد السبعينيات، اما (اصوات لا تنسى) فهو عنوان البرنامج الذي كان يقدمه ثامر عبد الحسن منذ السبعينيات الى ما قبل عشر سنوات، وكان يقدم فيه الاغاني الريفية ويستضيف مطربي الريف، وانا وضعت عنواني هذين البرنامجين لانهما يذكران الناس بالفن الاصيل الذي كان يقدم، اضافة الى رغبتي في احياء التراث حبًّا بالبرنامجين، واعتقد ان العراقيين يعرفون جيدًا قيمة هذين البرنامجين.

وتابع: في صباح كل يوم جمعةجئت الى شارع المتنبي لأن رواده يعشقون هذه التسجيلات الغنائية القديمة، اما اكثر المبيعات فهي لناظم الغزالي ومحمد القبانجي ويوسف عمر، ويأتي بعدهم زهور حسين ووحيدة خليل وحضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وحسين سعيدة وعبادي العماري، اما باقي الايام فمكاني في اخر شارع الرشيد قرب ساحة الميدان، هناك اطلق اصوات المطربين القدامي بما تحمل اصواتهم من حنين وجمال.

سألت احد المتوقفين بعد ان راح يسأل الشيخلي عن اغنيات قديمة، فقال ابو سامر: هذا الرجل يجبرنا على ان نتذكر ما غاب عن الذاكرة وما دفنته الايام والسنوات، ويجبرنا على ان نقف امام عربته، فهو يجذبنا اليها بالصورة والصوت، يا عيني على تلك الاغنيات الاصيلة، وان اتعجب من اين له كل هذه التسجيلات، واضاف: اعتقد انه يزين شارع المتنبي بحضوره واذا استمر سيكون علامة من علامات الشارع الثقافي الجميل.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
سلاما يابغداد !!
عراقي - كندا -

الله ياشارع المتنبي , رمز الآدب والشعر وكل العلوم والمعارف , أسأل الله تعالى أن تسترد بغداد عافيتها وأصالتها وهيبتها قريبا , عاجلا , بغداد رغم جراحاتها المثخنة مازالت ترعب الظالمين وعصية على الإرهاب وأذنابه , سلاما يابغداد يامدينة السلام , الزوراء التي لم يقهرها هولاكو بكل جبروته فكيف تقهر بالإرهاب والذل والقتل ؟؟