المعلن والمسكوت عنه في خطاب الفن السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتصدر مفهوم الإرهاب في الوقت الحاضر ما عداه من أحداث وأخبار إعلامية. وان تكن أهم الصحف والقنوات الإعلامية الغربية والولايات المتحدة تتبنى الخطاب الرسمي الأحادي (مع هامش معارض ضئيل) وتعيد صياغة الحدث بما يناسب مصالحها الستراتيجية والآنية وبقوة وكفاءة احتكارية تهيئها الصوت الأعلى ضمن الضجيج الإعلامي الكوني بتقنيات قنواته الفائقة المملوكة للدولة والسلطة الاقتصادية. في الوقت الذي تحجب فيه الصوت الآخر، الصوت الشعبي الذي يتماس وتفاصيل خروقات الحدث الإنسانية. وما الحروب المتأخرة إلا أمثلة لذلك. وان هيئ للإرهاب المعاصر ببحوث فلسفية تنادي بتفكيك منظومة الدولة، القومية، الدين. وتشضي جغرافياها في دول أوربا الشرقية والشرق الأوسط خصوصا (غير بعيد عن المصالح الإستراتيجية والأمن الإستراتيجي!). بالوقت الذي تتجاهل فيه جغرافيا الولايات المتحدة (مثلا). وما اطروحات (فوكوياما) الأولى أو (هنكتون) إلا مثالا على ذلك. وبدون الالتفات إلى إرهاب الدولة، أو التمييز بين الإرهاب ورد العدوان أو التمييز العنصري أو الدفاع عن النفس. أي بمعنى ما، شرعنه الإرهاب من قبل الطرف الأقوى ومن ضمن منظوره الخاص. ومقابل كل هذا الزخم الإعلامي تشكل إعلام مضاد (بما ان الفن السياسي هو بالأساس إعلام فني ثقافي) تبنت غالبيته قاعدة شعبية واسعة تضم أطياف من فنانين مستقلين أو ينتم
الفنانة السورية الأمريكية (هالة فيصل) تحتج على الحرب ألأممي على العراق بجسدها العاري يافطة مدون عليها استنكارها في ساحة واشنطن سكوير في نيويورك، كاشفة عن عجز الجسد العاري عن مقاومة السلاح، وبقيت صورتها لصيقة بالحدث حتى بعد انقضاء زمنه. مثلما تحولت الصورة الفوتوغرافية للمعتقل العراقي المقنع والمصلوب بأسلاك الكهرباء في معتقل (أبو غريب) إلى مجال واسع من تجارب الفنانين الكرافيكين والمصورين للحد الذي احتلت مكانها (لوكو) ضمن العديد من الرموز الاعتراضية الأخرى. جنبا إلى جنب والملصقات وأغلفة المجلات والأعمال الكرافيكية و الفوتو شوب لبوش ورموز الحرب الأخرى وأهدافها الخفية. من اجل إنشاء نصب تذكارية للذين قتلوا من العراقيين في الحرب الأخيرة على العراق، انشأ (جوزيف دي ليب*) مع مجموعة مستشارين (1) موقعا الكترونيا (**) لتجميع مقترحات أعمال الأنصاب التي وصلتهم من مختلف فناني دول العالم العديدة. والتي تتراوح ما بين التصاميم المعمارية والافتراضية والتشكيلية وكلها تؤكد على الوجه المعتم للحرب وصناعها وتعيد الاعتبار لضحاياها سواء كانوا أناسا أو بيئة. وان استغلت هوليود أحداث هذه الحرب مثل معهود أعمالها أحادية النظرة ولمجرد الربح التجاري.
فان كما كبيرا من الأعمال الفنية والمسرحية والأفلام الوثائقية والفيديو ارت والفوتوغراف أنتجها وعرضها في عواصم أوربية عديدة فنانون عراقيون من مختلف أنحاء العالم. وبكفاءة فنية عالية.
بعيدا عن الحرب لنعاين مخاطر التلوث البيئي وثقب الأوزون (بما ان مسبباته اقتصادية سياسية) ولنختار صورتين من ضمن آلاف الصور الفنية الأخرى التي أنتجت في زمننا الصوري المعاصر:
الصورة الكرافيكية الأولى من موقع (2) يحتل مساحتها مصنع بمداخن تنفث دخانا كثيفا ويهيمن عليها اللون الأسود والرصاصي بكآبة واضحة تتساوى فيها البناية والدخان والسماء الرصاصية مع دائرة تشبه أل (باج) باللون الأصفر مدون عليها (صنع في الصين).
الصورة الثانية فوتوغرافية لبيئة صيفية وحبل غسيل علقت عليه مجموعة ملابس داخلية نسائية سفلية يصغر قياسها من اليسار إلى اليمين حتى تصبح اقرب إلى شكل خيط يتدلى من الحبل. وان دلت الصورة الأولى على مخاطر التلوث الصناعي بوضوح عالي. فان الصورة الثانية أشارت إلى ثقب الأوزون بخفاء ملغز لا يخلو من مزحة، لكنها مع ذلك دلت على ان الثقب الحراري الذي سوف يجردنا لا من ملابسنا وإنما من أرواحنا ومصادر إدامة حياتنا وحياة أبنائنا رغم كل جماليات المشهد الصوري. وان كشفت الصورة الأولى عن مجانية التلوث الصناعي الصيني بفجاجة واضحة فان دولا عظمى معروفة لم توقع على معاهدات الحد من التلوث رغم ادعائها بحماية العالم من خطر الإرهاب بالوقت الذي تتغافل فيه عن إرهاب التلوث.
تتحمل النساء في دول العالم الثالث المضطربة القسم الأكبر من الاضطهاد والتمييز. وفي دول تحكمها أنظمة توليتارية دينية مثل إيران وبعض دول الشرق الأوسط والتي هي قريبة في ممارساتها الاجتماعية اليومية بعض الشيء من محظورات طالبان الأفغانية. استطاعت العديد من فنانات هذه الدول تجاوز خطوط الحظر أو الحجز وفككوا بأعمالهم وصورهم المنظومة الثقافية الثيوقراطية المصادرة لحقوقهم الإنسانية كذوات يشكلن نصف المجتمع الإنساني لا هامشه المحجوز لرغبات الرجل. واستطاعت أسماء فنية مثل الإيرانيات ( شيرين نشأت و خادرين شادي) والعراقيات ( جنان العاني و ريم القاضي) والأفغانية (ليدا أبدول) وغيرهن العديد من تجاوز حاجز الحجر أو الحجز ألذكوري وكشف ممارسته الأيديولوجية صورا وأفلاما على قدر كبير من الإفصاح الثقافي والتقنية الفنية. وان كانت صور نشأت وشادي تؤكد على خطوط العزل والحجز بأوضح صوره ما بين الرجل والمرأة في الخطاب الثيوقراطي المحلي. فان صور العاني تؤكد على الذات النسوية وحوار الحاضن الاغترابي السلوكي الثقافي. أما القاضي فتسترجع تاريخ المرأة كجزء من ارث شعبي محلي معرض لخروقات حوادث الحروب العبثية والانهيار الاقتصادي، والمرأة فيه، ما هي إلا بعض من أزقة لا تعدو ان تكون بيوت مقفلة على جدرانها المتداعية في انتظار معجزة تنتشلها. وان تكن مشهدية صور العاني تبرز كبؤر مضيئة بتضادات شخوصها وخلفياتها المعتمة، فان صور القاضي يغلفها جو ضبابي يدمج الشخوص ومحيطها بوحدة مصيرها الضبابي. أما الأفغانية أبدول فقد تغزلت بنفسها كما تغزلت بحجارة بلدها المتساقطة وهي تؤكد على استعادة حلاوة عسل الجنس مرادفا لاستعادة المكان الذي دمرته القاصفات.
العمل الأول للفنانة الاسترالية (بريسيليا براكس) والمعنون (شرقيات ملتحية) يمثل صورة إيقونية
لأبن لادن. وهي إذ تستعير لأبن لادن إيقونة المسيح في صورتها المركبة هذه، فإنها حتما لم تشتغل عملها من فراغ ولا من اجل المشاكسة فقط، بل من إيحاءات قوة الصورة كأيقونة إعلامية عالمية الصنع والتسويق بكثافة موازية لقوة ورعب ديمومة الخبرـ الحدث (وبجذره الديني) المرافق له، على الرغم من أنها صنعت فعلا استهجانيا استفزت به صناع القرار السياسي على الرغم تبرير فعلتها من قبل السلطة الثقافية الاسترالية نفسها.
العمل الفني النحتي التجميعي، الثاني (الشادور، أو السر الرابع لفاطمة سوليفان) للفنان (لوكا) الذي كسا فيه تمثال السيدة العذراء بشادور أفغاني. والشادور في هذا الموقع اعتقده لا يمثل إلا مفصلا من مفاصل صراع الثقافات المزعوم والذي سوق كحقائق لا يحبذ إغفالها. على الرغم من تسويقها لصالح الأهداف السياسية المتصارعة وكما في صور (اوبوما) المختلفة الذي تمثله مسيحا منتظرا، أو وهو حامل ألواح موسى، أو معتمرا الطاقية الإسلامية. ويبقى كم هائل من صور الحجاب تميمة أو أحجية عند طرفي الصراع بحاجة إلى فك ألغازها الدينية والدنيوية. ما عدى شتى الصور الاستفزازية المواربة التي حجزت الظاهرة بجزئياتها الصغرى والكبرى في مساحة المعلومة الواقعية والافتراضية وسوقتها غبر قنواتها المدارية.
ان كان كل من الأسبانيين كويا و بيكاسو فضلوا المشهد البانورامي في أعمالهم الاحتجاجية السياسية. فان عالمنا المعاصر مكتظ صورا هي جزئيات متناثرة فوق صحائف الورق والحيطان وشاشات العرض وعبر خطوط التقنيات السائلة العابرة. وان أغلقت صالات العرض الفنية الكبرى أبوابها بوجه الأعمال الفنية الغير تقليدية من الوجه الآخر لسياساتها المتناغمة و إيديولوجية مموليها. فان مجال العرض الفني لم يعد مقتصرا على احياز أمكنتها بعد ان أصبح المكان الافتراضي واسع لا يحده تابو.
(*)-Joseph DeLappe
1-iraqimemorial.org2- (National Labor Committee.)
2- (National Labor Committee.)
(**)ـ من المجموعة الثانية:
الفنان العراقي محمد عبد الله، وأمينة متحف كسندرا كوبلنتز، والمهندس المعماري جوليان هنت، ان وولف أمينة معارض ومجموعات في متحف نفادا للفن، وراوول زاموديو اين ناقد فني.
10-03-18