ثقافات

فيلم "القاتل الذي في داخلي" يسلط الضوء على جيم تومسون

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


إعداد عبدالاله مجيد: حين عُرض فيلم "القاتل الذي في داخلي" للمخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم في مهرجاني صندانس وبرلين السينمائيين هذا العام ، صُدم الجمهور بمشاهد العنف الجنوني فيه الى حد اتهام المخرج بتمجيد العنف ضد المرأة. واحيا هذا العمل السينمائي المثير للجدل من جديد النقاش حول الكاتب الاميركي جيم تومسون الذي أُعد سيناريو الفيلم من روايته ، وحول موقعه في الأدب الاميركي.
ولد تومسون عام 1906 في اوكلاهوما قبل ان تصبح ولاية. وتنقل في انحاء الغرب الاميركي مع عائلته متوسطة الحال، وأمضى فترة قصيرة في دراسة الهندسة الزراعية ومارس مهنا مختلفة قبل ان يحترف الصحافة وكتابة الروايات البوليسية لنشرها في مجلات شعبية وفي كتب ذات اغلفة ورقية بتصاميم براقة.
كان تومسون محسوبا على اليسار ، أمضى شطرا كبيرا من حياته مدمنا على الخمر، وأصبحت له معرفة واسعة بخفايا العالم السفلي المظلم من الحياة الاميركية، حيث يعيش صغار المجرمين وشرطة الشوارع والنصابون والعاهرات في تماس يومي مع بعضهم البعض.
بدأت علاقة تومسون بالسينما في عقد الخمسينات بكتابة السيناريوهات للافلام التلفزيونية والتعاون في كتابة سيناريوهات افلام مثل "القتل" و"دروب المجد" للمخرج ستانلي كوبريك، وظهر بدور ثانوي في احد الافلام. ولكنه لم يكسب الكثير من المال سواء من كتابة الرواية أو العمل للسينما.
جاء اعتراف السينما بمساهمة تومسون في اواخر السبعينات واوائل الثمانينات من فرنسا حيث كان موضع اعجاب، وذلك في فيلمين هما Serie noire للكاتب والمخرج الفرنسي الن كورنو وCoup de torchon للمخرج والممثل والمنتج برتراند تافرنير، وهذا الفيلم الثاني أثنى عليه جان جينيه لتمرده على الأخلاق السائدة.
كانت رواية "القاتل الذي في داخلي" التي نشرها تومسون في عام 1952 بداية عقد غزير الانتاج على مستوى الكتابة بالنسبة له. وفي نسختها السينمائية يأخذنا المخرج وينتربوتوم الى العالم الصغير لأحدى البلدات المنزوية في غرب تكساس إبان الخمسينات. وفي هذا الركن من اميركا يفتح اللابطل لو فورد، نائب شريف البلدة (يقوم بدوره كايسي افلك) عيوننا على ان الأدب الجم من الخارج والدفء العاطفي في الظاهر يمكن ان يخفيا تحتمها بركانا من الغضب والسخط. فان لو راو تقليدي لا يمكن الركون الى سرده، وهو الإبن الخائب والمخيِّب لطبيب البلدة المحترم. وبُنيت شخصيته اللطيفة المهذبة عن عمد لتطمر تحتها ما تكشف لقطات سريعة من الفلاش باك كونه طفولة معطوبة بسبب الاعتداء المتكرر.
آثار هذه الخلفية تتبدى في اول مهمة رسمية يُكلف بها، وهي زيارة العاهر جويس ليكلاند التي وصلت البلدة حديثا (تقوم بدورها جيسيكا البا) باسم الغالبية النظيفة اخلاقيا من سكان المدينة، وانذارها بمغادرة البلدة قبل طلوع الفجر. بدلا من ذلك يفجر اكتشافه ان لدى العاهر الغريبة سلاحا ناريا معركة تصبح مقدمة علاقة سادية ـ مازوخية تسفر بعد فترة ليست طويلة عن جريمة قتل تكون الاولى في سلسلة من الجرائم ، كل منها مبرَّرة بحد ذاتها وفي اطار مخطط متقن من الاستغلال يربط ماضي لو المختل بحقده على المجتمع وادراكه العلة التي تستحكم به. انه مخلوق مريض نفسيا ينخره كره الذات وتدميرها، يدفعه مرضه الى سحق كل مَنْ يحيطونه بالحب والثقة اللذين يطلبهما منهم.
يقول الناقد السينماني فيليب فرينتش اننا لا نستطيع ان تختار الطريق السهل فنحكم على لو حكما نمطيا بوصفه وحشا أو انحرافا اجتماعيا. فهو ضحية ظروفه وابن زمنه ومكانه لكنه يستثير استجابات وردود افعال في حياتنا وعالمنا.
كان احد نقاد الكاتب جيم تومسون سماه دوستويفسكي يكتب روايات اميركية رخيصة دون ان يقصد الاستهانة به، وهناك عناصر مأساة تقليدية في قصة اللابطل لو التي تروي يأس بلدة صغيرة وجنونها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف