ساراماغو: مقطع من روايته "انقطاع الموت"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"إن الحياة دون موت... مثل الحياة دون خبز..."
في رواية " انقطاع الموت" يطرح الروائي البرتغالي خوزية ساراماغو التساؤل المثير "ماذا لو توقف الموت عن العمل؟... ماذا لو استمرت الحياة دونما انقطاع؟.".. ثم يصل بالقارئ عبر أحداث الرواية إلى استنتاجها الرئيسي أن الحياة تحتاج إلى الموت ليعطيها معنى. ولكن حياة ساراماغو لم تكن تحتاج إلى موت كي يعطيها معنى. فالمعنى خلقه الكاتب عبر التصاق حياته بقضايا الناس وحقوقهم وتطلعاتهم المشروعة. فساراماغو الذي ولد عام 1922 ناضل لسنوات عديدة في صفوف اليسار. و اشترك في ثورة 1974 ضد ديكتاتورية سالازار وتولى رئاسة تحرير صحيفة تقدمية. ثم أجبره فشل الثورة في عام 1975 على الانعزال والتفرغ للكتابة. بدأ الكتابة في سن مبكرة ونشر رواية في السن الخامسة والعشرين لينقطع بعدها عن الكتابة لمدة عشرين عاما، ليعود لكتابة الشعر والمتابعات بشكل غير منتظم. منحه فشل الثورة اليسارية في البرتغال الفرصة لكتابة مجموعة من الروايات وضعته في مصاف الروائيين العالميين ومنحته جائزة نوبل للاداب عام 1998. أثارت رواياته الجدل لطبيعة مواضيعها و لروح السخرية السوداء التي تشوبها. فثارت الكنيسة الكاثوليكية عليه و نجحت في منعه من الحصول على جائزة عن كتابه " الإنجيل كما يرويه المسيح". كان لساراماغو موقفا شهير عند قدومه الى رام الله آبان حصارها الشهير لمساندة الشعب الفلسطيني و تشبيهه لمحمود درويش بالشاعر الكبير بابلو نيرودا و سياسات إسرائيل بالهولوكست. وقد عبر عن أرائه تلك في مقال شهير نشرته مجلة الكرمل بعنوان "من أحجار داوود إلى دبابات جوليات". كما كان له موقفا صارما ضد سياسيات العولمة المتوحشة. فيما يلي ترجمة لمقطع من أخر رواياته بعنوان انقطاع الموت:
"انقطاع الموت"
في اليوم التالي لم يمت أحد. تلك حقيقة مؤكدة. ولأنها تناقض قوانين الحياة، فقد أثارت قلقا هائلا و مبرّرا جداً في عقول الناس. علينا أن نتذكر أنه في الأربعين مجلداً من تاريخ العالم لم تحدث مثل هذا الظاهرة ولو لمرة واحدة، لم يحدث أن مر يوما كاملا بساعاتِه الأربع والعشرون، بنهاره وليله، دون أن يقع موتا واحدا لمرض,أو لسقوط قاتل، أَو لانتحار ناجح،.... ليس ثمة موت واحد. ولا حتى من حادثة سيارة، وهو أمر شائع حدوثه في المناسبات البهيجة، عندما يلتحم التهور والإفراط في الكحول ليتسابقا في تحديد من سيصل الموت أولاً. حتى عشية السنة الجديدة أخفقتْ في أن تتَرْك خلفها،كعادتها، طابور الضحايا المفجع.
بدا الأمر كما لو أن "اتروبوس" ( آلهة الموت) العجوز بأنيابها الحادة قد قرّرتْ التخلي عن حصتها هذا اليوم. ورغم غياب الموت، لم تغب الدماء.
بحيرة، وارتباك، وذهول، كافح رجال الإطفاء من أجل السَيْطَرة على شعورهم بالغثيانِ، وهم ينتزعون البقايا المشوّهة التعسة مِنْ الأجساد التي، طبقاً للمنطقِ الرياضيِ الصارم، لا أمل لها في الحياة. و بالرغم مِنْ خطورة الإصابات والجروحِ فقد بقت حيّةً وحُمِلَت إلى المستشفى، يرافقها صخب أصوات سيارةَ الإسعاف. لم يمت احد من المصابين في الطريق وتحدوا بذلك أكثر التوقعات الطبية تشاؤما.
"لا يوجد ما يمكننا فعله، لا جدوى من إجراء العمليات, إنها مضيعة كاملة للوقت"، حدث الجرّاح الممرضة بينما كَانتْ تُعدّل قناعه. المريض الذي كان من المستحيل أن يعش بالأمسِ، بدا اليوم واضحا أنه يرفض المَوت، وأن ما يحدث هنا يتكرر في أرجاء البلاد.
حتى أخر قبس مِنْ أخر ليلِ في السَنَة كان الناس يلقون حتفهم في التزام كاملِ بقواعد اللعبة، سواء تلك المتعلقة بلب المسألة، إي إنهاء الحياة، أو تلك المتعلقة بشكلها إي الدرجات المتفاوتة من مظاهر الأبهة والوقار التي ستصحب اللحظة القاتلة.
لكن ثمة حالة مثيرة جداً، ربما لطبيعة الشخص المعني، وهي الملكة الأمِ العجوز الوقور. ففي الدقيقة الواحدة بعد منتصف الليل من الحادي والثلاثونِ لديسمبر/كانون الأول، ما كان أكثر الناس سذاجة ليراهن على بقاء السيدة العجوز على قيد الحياة. لم يكن ثمة أمل، ومع عجز الأطباء في وجه الحقائق الطبية القاهرة، لم يكن أمام العائلة المالكة ما تفعله سوى أن تجلس باستسلام وبشكل منظم حول السرير، في انتظار الأنفاس الأخيرة لكبيرة الأسرة المالكة، ربما لسماع بضعة كلمات منها, أو تعليقا أخيراً حول التنشئة الأخلاقية لأحفادها المحبوبين،أو جملة مؤثرة موجهة إلى الذاكرة الجاحدة للأجيال القادمة.
بعد ذلك، بدا الزمن كما لو أنه تَوقّف، لم يحدث شيء. لم تتحسن حالة الملكة الأم ولم تتدهور، بَقيت معلقة، يتأرجح جسدها النحيف على حافة الحياة، مهدد في إي لحظة بالسقوط في الجانب الآخر، يشده طرف خيط واهي إلى هذا الجانب، بينما يواصل الموت شد الطرف الأخر. وهكذا دخلنا اليوم التالي، و كما قلنا في بداية الحكاية، كان اليوم الذي لم يمت فيه أحد.
ساراماغو في سطور:
bull;ولد في البرتغال في 16 نوفمبر/تشرين الثّاني 1922.
bull;لفقر أسرته انقطع عن الدراسة ولم ينل تعليما جامعيا.
bull;تَدرّبَ لِكي يَكُونَ ميكانيكيا في الثالثة عشر من عمره، أصبحَ لاحقاً موظفاً حكومياً.
bull;أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947 وتوقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاما ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول قصائد محتملة.
bull;هاجر بلاده محتجا على تدخل الكنيسة لمنعه جائزة عن كتابه " الإنجيل كما يرويه المسيح".
bull;حصل على جائزة نادي القلم الدولي عام 1982 وعلى جائزة كامويس البرتغالية عام 1995.
bull;مَنحَ جائزة نوبل للأدب في عام1998.
bull;اشتهر بمواقفه التقدمية و دعمه لقضايا الشعوب المكافحة من اجل الحرية.
bull;نشرت له الكتب التالية ( الطبعات الانجليزية):
oقصائد محتملة 1966.
oالطوف الحجري 1986.
oبالتسار و بلموندا 1987.
oعام وفاة ريكاردو رايس 1991.
oالأنجيل كما يرويه المسيح 1993.
oدليل الرسم والخط (رواية) 1994.
oرواية كل الأسماء 1999.
oتاريخ حصار لشبونة 1996
oقصة الجزيرة المجهولة 1999
oرحلة إلى البرتغال 2000.
oالكهف 2002.
مترجم النص قاص من ليبيا