تصاميم "زهاء حديد" العربية (1-2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
د. خالد السلطاني: لا يكفي القول ان منجز "زهاء حديد" يمثل حدثاً هاماً في المشهد المعماري العالمي. لا يكفي لان منجزها ابعد من ان يتمثل في حدث، حتى وإن كان هاماً. ذلك لان "اللا يكفي" تلك، تظل ناقصة عن توصيف الحالة "الزهائية"، الحالة التى عبر عنها يوماً استاذها وزميلها وصديقها..ومنافسها "ريم كولهاس" من انها lt;كوكب يدور في مداره الخاص!gt;. ايكون، اذن، منجزها التصميمي عابراً لمعنى التأطير المفاهيمي؟، هل يؤسس ذلك المنجز المتمّيز، هو الذي اعلن قطيعته تماما مع كل ما هو مألوف ومعروف في المشهد المعماري وخطابه، نهجاً خاصا به بعيداً عن نطاق التصنيفات وأنساق الطروحات؟. بالنسبة اليها، بالنسبة الى زهاء، هي معنية اساسا، كما تقول ذلك وتصرح به دائما، في توسيع مفهوم العمارة المهني والمعرفي في آن؛ في مدّ تخوم مجال عمل العمارة، واحيانا "تحطيم" حدودها والتطلع نحو آفاق مهنية جديدة، لم تكن سابقا ضمن اهتمامات العمارة وحتى مجالها الحيوي المؤثر عادة، في قرارتها التكوينية. انها تأخذ بعين الاعتبار كل تلك المتغيرات الكبرى التى طرأت على المعرفة، وتوظفها في ابداع عمارة تتجاوز بها المفهوم التقليدي، لتضحى منتجاً متأثرا بكشوفات تلك المتغيرات المشغولة بها البشرية الآن.
معروف نقدياً، ان عمارة زهاء حديد ما انفكت تعتبر احدى تجليات مفاهيم ما بعد الحداثة، المفاهيم القادرة، تبعا لخصوصيتها المعوّمة، على إستيلاد مقاربات جديدة ومتجددة. فعمارتها تنزع للتعبير عن مرجعية تصميمية هي خليط بين توق توظيف الاشارات المجازية والسعي وراء الافصاح عن هوى التجريد. انها في هذه الحالة تتخطى حتى اطر مفاهيم المقاربة "التفكيكية"، المتخمة عادة بغرائبية الاشكال التصميمية والمتجاوزة "للتابوات" البصرية. لكن عمارتها مع هذا، (وربما بالاضافة الى هذا)، تظل امينة لتحقيق مفهوم "الازاحة" Displacement في دلالاته التفكيكية، فهي تنزع الى "فك ارتباط" العمارة من خاصية الاستقرار والتموضع.
يتعين الاقرار بصعوبة ايصال المفاهيم "الزهائية" لغوياً الى المتلقي. فمفردات اللغة المألوفة تظل قاصرة عن استيعاب الحدث المعماري. يتعين رؤية عمارتها منفذة واقعياً، حتى يمكن ادراك مغزى تلك المفاهيـم وهي تعمل في تشكيل تنويعات الفضاءات المصممة. كما يمكن ايضاً تيسير الاحاطة بموضوعة مخططاتها، المخططات المرسومة باسلوب خاص واستثنائي، والتى تعدّت بواعثها ضرورات العملية التنفيذية ومتطلباتها، لتشكل جنسا ابداعيا قائما بذاتها، يستحق فنياً، العرض والمشاهدة. (لنتذكر معرضها الاستعادي الضخم المنظم في متحف "غوغنهايم" lt;3 يونيو- 26 اكتوبر 2006gt; النيويوركي، والذي يعد العرض فيه حظوة اعتبارية وامتيازا كبيرين للفنانيين العارضين).
تصمم زهاء كثيرا. تصمم مشاريع ذات وظائف متنوعة، تشمل مجالات الاسكان، والترفيه، والابنية الثقافية والتجارية والادارية والدينية والنقل وغيره، ومواقع مشاريعها تغطي مناطق جغرافية شاسعة بخلفيات ثقافية واثنية متباينة. تدهشني - كما تدهش كثر- لغتها المعمارية المتجددة، التى تبدو فنتازية ذخيرة مفرداتها عصية على النضوب. فاشكال تصاميمها جميعاً تقريباً، تبدو مختلفة، رغم التشابه التايبلوجي، واحيانا تماثل المكان. بيد إنها تشترك كلها في تكريس الانسيابية الفضائية والتشظي وتفكيك القيم المعمارية المألوفة، والاهم حضور الديناميكية وتعقيد جلي في الفورم المقترح. لقد "فككت عمارتها معايير التصمم، - كما يصفها المثقف العراقي والشاعر فاروق سلوم -، واقامت افقا معمارياً يتواصل من خلال الايحاء.. التأمل.. والتأويل" (موقع الحوار المتمدن، العدد 2164، في 18 كانون الثاني/ يناير 2008).
وعبر العمل المضني، ومن خلال تحليل الرسوم الاولية والحوار مع فريق العمل، وعبر عمل نماذج تصميمية "موديل"، تتم دراسة معمقة للمشروع من جميع النواحي، ويتم بعد ذلك اتخاذ القرارات التصميمية المتسمة دوما بحضور مفردات تكوينية مميزة، صاغها فريق عمل مكتب زهاءـ تدعوها المعمارة "الريبرتوار" Repertoire. لكنها تعترف بانها احياناً تتحدى حتى هذة الذخيرة المفرداتية، التى لطالما طبعت تصاميمها بطابع خاص، والتي كانت وراء فرادة عمارتها. lt;... بعد فترة طويلة من الزمن - تشرح المعمارة - انك تتعلم من عملك وتطور " الريبرتوار" الخاص بك. في بعض الاحيان تكسر من حدة هذا الريبرتوار، وفي اوقات تضيف اليه؛ انك بين الفينة وآخرى تتحداه. ولهذا فان العمل مع الكمبيوتر لا يغير كثيراً من طريقة مقاربتنا للمشاريع.gt;.
في غالبية محتويات هذه الكتب، ثمة اشارات نقدية عديدة عن اسلوب مقاربة زهاء حديد التصميمية. بعضها يسعى وراء تقصي منظومة مفاهيمية تستمد المعمارة منها مبادئ نهجها الفريد. والحال ان عمارة زهاء لا يمكن ادراك ماهيتها التكوينية عبر الاسلوب التوصيفي Descriptive. اذ يظل هذا الاسلوب معنيا ومحددا بالنتائج المرئية للمعطى التصميمي، في حين ان المطلوب هو الغوص في كنه تلك المقاربة واستجلاء جوهرها. وهذا يتأتى من فهم عوامل عديدة اثرت في صياغة وظهور تلك المقاربة، وهي عوامل عديدة ومتشعبة، قد لا تكون خاصة فقط في الشأن المعماري. اي بتعبير آخر، ان المطلوب هو معرفة خواص "الماكنة" المفاهيمية، المؤهلة على استيلاد مثل تلك التصاميم، عند ذاك يتم ادراك واستيعاب مسوغات الناتج الاخير بكل غرائبية "فورمه" الاستثنائي. وهذا بالطبع يقتضي مساحة اضافية من التحليل والمتابعة لا يتوافران هنا، لخصوصية هذة الدراسة ومحدودية غاياتها. آملين ان نعود مرة آخرى لفحص هذه الاشكالية المعرفية ومساءلتها مستقبلاً.
تثير المشاريع المصممة من قبل زهاء (بعضها الان في مراحل التنفيذ) والمخصصة الى الارض العربية اهتماما مشروعا من قبل متابعي منجزها المعماري من العرب، والمهتمين منهم ايضا بقضايا العمارة المعاصرة في هذه البلدان. ومرد مشروعية هذا الاهتمام لا يقتصر فقط على نوعية المنتج التصميمي الفريد والمتميز عالمياً وبالطبع اقليمياً. مرده ايضا، وفي الاساس، كون المعمارة المصممة هي "بنت" المنطقة، التى ساهمت ثقافتها في تشكيل جزء من مرجعية المعمارة المعرفية.. والمهنية. وهي وان لم تتعمد إظهار تأثيرات "ترسبات" ذائقتها، فان توقها الطبيعي (إن لم نقل ميلها الغريزي) نحو تأليف تشكيلات بعينها، يمكن ان يكون احد تجليات تلك التاثيرات. وهي توضح اهمية كل هذا في حديث منشور مؤخرا ".. ان اول من اكتشف الآصرة هو كولهاس، حين لاحظ ان طلبة المعمار العرب والايرانيين (وانا واحدة منهم) قادرون على عمل تعبيرات
في هذا الصدد، تعترف زهاء في اجابة عن سؤال للناقد الياباني "يوشيو فوتاغاوا".. سيكون بالطبع امرا مثيرا للعاطفة، لو اني صممت مشروعا للعراق، لاني ولدت هناك.. واود ان اذكر لك امرا محددا، ففي السنة الماضية قدت سيارة بين بيروت ودمشق، ووددت ان اري بصورة خاصة المسجد بتمعن مرة آخرى. وقد كان ذلك مدهشاً ورائعا. عندما كنت طفلة بالعراق درست في مدرسة الراهبات، وكنت امر على مثل هذه المباني في طريقي الى المدرسة، وهذه المباني، الى جانب اهميتها الدينية، فهي فاتنة وجميلة بدواخلها الرائعة المدروسة. ان المسجد مبنى بترو وبجمالية. انه يستدعي بمظهره الفردوس، وهو لهذا رائع!. وكان امرا طريفا لي ان اجد علاقة بين هذه العوالم الجميلة والهندسة مع الجذور الرياضية للانشاء..." (14(GA, 99, P..
واضح من حديث المعمارة، انها تعيد اكتشاف عوالمها القديمة، تعيدها بالطبع في ضوء ثقافتها المعمارية الخاصة المشوبة بذائقتها الجمالية المتميزة. من هنا يمكن للمرء ان يتوقع بان ثمة اضافات "مستترة" تضفيها المصممة على مشاريعها العربية ذات اللغة المعمارية الفريدة التى عُرفت بها. وبواعث هذة الاضافات يظل بالطبع استحقاقات طبيعة المكان، الذي نشأت فيه المصممة. المكان الذي تتكلم عنه زهاء بعاطفة، وهو نفس المكان الذي نسعى وراء فحص إشكالياته مثلما نتطلع الى إظهار تأثيراته في التصاميم المخصصة الى البلدان العربية. ومرة آخرى، يتعين التذكير، بان مثل تلك التأثيرات سوف لن تنعكس بصورة مكشوفة او ملموسة في التصاميم المعدة من قبل مكتب المعمارة. ذلك لان عملها (اي عمل التأثيرات) سيخضع لعمليات التأويل وستكون متداخلة مع جوهر مقاربتها المعمارية، تداخلا عضويا، ما يجعل من الوهم توقع حضور مادي لها، او ايجاد انعكاس جلي لها في تكوينات المشاريع المقترحة. كما يجب ان لا يغرب عن البال طبيعة عملية Process انتاج العمل المعماري المعاصر، المنطوي دوما على اسلوب القرارات الجماعية المشتركة. نحن نتكلم، اذن، عن مناخ، مناخ تصميمي يتشكل من خصوصية المكان، الخصوصية القريبة من ذهنية المعمارة والتى لا تزال تشغل حيزا ما في ذاكرتها البصرية.
د. خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
مصادر الدراسة
1.خالد السلطاني، مئة عام من عمارة الحداثة، دمشق، 2009.
2.خالد السلطاني، نخلة غاودي، موقع ايلاف الالكتروني، 17 اغسطس 2008.
3.فاروق سلوم، زها حديد الفنتازيا اهم من العمارة، موقع الحوار المتمدن، 18 كانون 2، 2008.
4.صحيفة الشرق الاوسط، لقاء زها حديد، العدد 10740، 24 ابريل 2008.
5. Zaha Hadid; The Complete Works, Rizzoli, New York, 2009.
6Philip Jodidio, Hadid Complete Works 1979-2009, Taschen, Kouml;ln, 2009.
7Zaha Hadid Complete Works Texts and References, Thames amp; Hudson, London, 2004.
8World Architecture Masters, 2/ 2007, Sofia, Bulgaria.
9GA, Document, 99. Tokyo, Sept. 2007.
كاتب المقال: معمار وأكاديمي
التعليقات
فخر المعماريين
احمد البصري -المعمارية العراقية المبدعة هذا الابداع العراقي عندمالايخضع لهوى الديكتاتوريات
هذولة العراقيين
عراقية وافتخر -تحية الى المهندسة زها حديد اللي هي واحدة من بين الاف المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين وتحية الى العراق الغالي
التّميّز خصوصيّة حضاريّة
خيرة خلف الله -عندما نحفر في ذواتنا نعيش ذاك التميّز المشكل على غيرنا ولكنّه يضمن استمرارنا في الآخر
عجبا
احمد البصري -عجبا ياايلاف لم تنشروا تعليقا امتدحت به هذة المهندسة العراقية....لماذا
نفتخر بها
رعد محسن محمود -بسم اللهنحن العراقيين نفتخر بزها حديد لانها تمثل رمزا للعقول العراقيه المتطوره ونحن هنا فى مدينه شيكاغو فى امريكا نفتخر بالنصب الموجود فى الملينيم بارك فى مركز المدينه وهو نصب رائع من ابداعات زها حديد وما اكثر ابداعاتها فى لندن واوروبا
تحية
كوردستاني -تحية من كوردستان للمعمارية الكوردية زها حديد
أتمنى
شاكرين -زهاء حديد هي فخر للابداع, كم أتمنى ان ارى تصاميها منفذة في مدينتي بغداد تزيدها بهاءا و جمالا بدلا عن المتاريس التي تملأ الشوارع و البنايات المزينة بأثار الرصاص المتناثر و دخان السيارت المفخخة. شكرا للموضوع.
تحية حب
عاشقة بغداد -في احدى المرات استضافت الجمعيةالبريطانية للجغرافية المهندسة زهاء حديد لالقاء محاضرة عن العمارة وكان الجو حارا والقاعة ممتلئة للآخر بالجمهور , فوقفت زهاء على المنصة وحملت بيدها ورقةوبدأت بتحركيها امام وجهها على طريقة المروحة العراقية اليدوية وقالت باعتزاز : ان هذا الحر يذكرني بايام بغداد. فضجت القاعة بالتعليقات المرحة استحسانا لهذه المزحة الحلوة التي تؤكد اعتزاز هذه المبدعة ببغدادنا الاحب الى قلوبنا .
لاانها عراقبة عربية
امير -اين اقلام الاكراد المستعدة للشتم والعنصرية عدم مشاركتم بالتعليق يدل على عدم اهتماهم بالشان العراقى حينما يكون الموضوع حضاريا اما للتخريب فهم حاضرون كما يكرر مسعود وجلال ومن حولهم بتكرار كلمات بدون مناسبة عن الحرب الطائفبة والتى هم ليسوا معنين بهاحسب قولهم ؟؟يعنى نارهم تاكل حطبهم
انها كردية
لالوش -ياعزيزي زهاء حديد كردية عراقية من بغدادز
شرير
كردي عراقي -يمكن أنتة أسمك أمير بس باخلاقك غير أمير من تشتم الاكراد تاج راسك شئت ام ابيت الآكراد مثقفين ورجالات قيادة وعلم ولا هم اصحاب حق مثلك ومثل غيرك افتهمت يا ؟وأتعلم مرة ثانية من تعلق بموضوع لاتخرج عن اطار الموضوع والتعليقات هوة انتو مال حرية وتعبير راي دواكم صدام حسين الي جان مخليكم على التلفون الارضي هسة صارت نت وموبيل
معنى العراقيه
FARIS -انا لا أشعر بالفخر لان زهاء حديد من اصل عراقي كما لا أفتخر بالساسه الموجودين على الساحه العراقيه من حملة الجنسيه المزدوجه ولا يريدون ان يضحوا بالجنسيه الأجنبيه لنقص وخلل في وطنيتهم المواطن الحق هو من كان يقيم داخل الوطن ويخدمه كما يخدم الانسانيه جمعاء. زهاء حديد لا تستطيع التكلم باللغه العربيه وهذا اكبر دليل على عدم تعلقها بوطنها فلماذا افتخر بها؟ ليفتخر بها البلد الذي تقيم فيه وتحمل جنسيته وهناك من العمالقه ممن ابدعوا من داخل اوطانهم دون ان يتحولوا الى بلدان المهجر منهم الجواهري والبياتي والسياب ونجيب محفوظ وطه حسين والعقاد واطباء ومهندسين غيرهم وفنانين ايضا ليس منهم كاظم الساهر ولا شذى حسون وانما ام كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم كثير.