"النخيل الجريح"سيمفونية سينمائية وطنية قائدها عبد اللطيف بن عمار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من خلال اللقطات السينمائية المفعمة بجمال الصورة لتي اتخذت من ألوان البحر والسماء مصدرا لها وكذا اللقطات المقربة والبعيدة التي تنوعت في أطرها، زواياها، أحجامها وكذا اللقطات الأرشيفية (الابيض والاسود)التي استخدمت بالفيلم تنقلت كاميرا عبد اللطيف بن عمار بكثير من الذكاء عبر الزمان والمكان من شتاء العام 1990 الى صائفة 1961 وهي تصر على التاكيد: ما أشبه هذا بذاك من خلال الاشارة والربط التقني السياسي الذكي وكذا الخلفية الصوتية للاحداث بين فضاعة ما حدث في بنزرت تلك الصائفة وما حدث في العراق العام 1991 دون إغفال الإشارة للعشرية السوداء التي عاشتها الجزائر من خلال العائلة الجزائرية المتكونة من صديقة "شامة" المرحة الحزينة "نبيلة" (ادت دورها الممثلة الجزائرية ريم تاكوشت)و زوجها الموسيقار "نورالدين" (ادى دوره الممثل الجزائري حسان كشاش) اللذان يعيشان في بيت قرب البحر لجأ لتونس خوفا من الإرهاب الذي كان ينخر جسد الجزائر انذاك وقدما يد المساعدة لشامة لكشف الحقيقة برغم جروحهما الوطنية والذاتية المتمثلة في عدم الانجاب وصعوبة المعيشة برغم كل هذا يستمتعون بالسماع للموسيقى التي كانت ملاذهم الروحي ومن أبهج لقطات الفيلم تلك التي صورت بهذا البيت الجميل. كما كانت هناك إشارة تاريخية لافتة وعابرة لهمجية الاستعمار الفرنسي التي مست الشعبين الجزائري والتونيسي من خلال أحداث ساقية سيدي يوسف العام 1957 وهي المنطقة التي كانت تنحدر منها "السيدة" ( أدت دورها الممثلة الجزائرية عايدة كشود) المرأة التي قالت عن نفسها انها من بقايا "ورثة كوليت" صديقة الهاشمي الفرنسية التي استقر في منزلها وكانت تعمل كخادمة لدى المناضل المخادع"الهاشمي عباس" وترعى الطفل الصغير الذي ارتبط كثيرا بشخصية "شاما" وهو الامر الذي كان يزعج ويحرج الهاشمي.
إصرار "شامة" على كشف الحقيقة جرها للبحث عن المسكوت عنه والقراءة بين اسطر التاريخ الرسمي الموجود بالكتب من خلال مقارنة ما تجده من صور بما تسمعه من شاهدات ممن تبقوا على قيد الحياة من حرب بنزرت خاصة اصدقاء والدها الذين حذروها من زيف "باس الهاشمي" وخلال مسيرة بحثها صادفت "شامة" شخصا يمتلك صورا لم يستخرجها بعد وموجودة في شريط محفوظ لتقرر تحميضها فتكتشف ان والدها كان صديقا حميما لهاشمي عباس لتتعقد الحبكة الدرامية بالفيلم وتدخل البطلة في صراع نفسي وشك مضحية بالحب الوحيد الذي صادفته من خلال الشاب"خليل" ابن احد رفقاء والدها(الممثل الجزائري العربي زكال) الذي
"شامة" بفضل اصرارها ومثابرتها اكتشفت الحقيقة التي واجهت بها " الهاشمي عباس " الذي تقاعس عن مساعدة والدها الجريح عندما لجأ لبيته في ليل صائفة العام 1961 للاحتماء من بطش قوات الاحتلال فقتل أمام باب بيت صديقه المثقف "الوطني" مدعيا في الكتب التي يكتبها ان الاوامرليلتها امرته بالعودة الى العاصمة لكن الحقيقة انه كان بالبيت وتقاعس عن نجدة صديقه كمال بن محمود الذي كان يكن له الكثير من الاعجاب والتقدير وكان من بين الذين حفزوه على مغادرة عائلته بتونس وابنته شامة كان عمرها اربع أشهر للمجيئ لمدينة بنزرت للدفاع عنها اين استشهد فيها الى جانب 2000 آخرين تحت شواهد مجهولة لينتهي الفيلم كما بدأ بمشهد القطار الذي استقلته "شامة" للمجيئ لبنزرت وهو يخرج من النفق الى حيث لا ندري على أنغام موسيقى فريد عوامر الرائعة وصوت المطربة التونيسية عايدة ولقطة الهاشمي عباس الوطني المزيف وهو على الكرسي المتحرك في اشارة واضحة للعقاب الذي يستحقه امثال هؤلاء.
اجمع الذين شاهدوا الفيلم أن تطورا لافتا حدث ويحدث في الكتابة السينمائية للمخرج عبد اللطيف بن عمار بالنظر لأعماله السينمائية الماضية وبالمقارنة على وجه الخصوص بأفلامه السابقة مثل"عزيزة" "نغم الناعورة" وان إصراره على الشراكة السينمائية بينه وبين الفنانين الجزائريين والمنتجة والمخرجة نادية شرابي نابع من منطلق ايمانه باهمية مثل هذه الخطوة السينمائية المغاربية بعيدا عن تغلل الانتاج الاجنبي في انتاجنا السينمائي الذي يتحكم لا محالة في طريقة اخرجنا لصورنا وأفلامنا. كما نوه كل من شاهد الفيلم بتميز الممثلين من البلدين مع ابقاء لهجة كل واحد منهم كما تالق البعض برغم تقلص حجم ظهورهم امام الكاميرا ويشكل خاص الممثل العربي زكال وعايدة كشود اما حسان كشاش فقد تمكن من الخروج ببراعة من عبائة المخرج الجزائري أحمد راشدي الذي قدم معه دوره الاخير بفيلمه مصطفى بن بولعيد أما ريم تاكوشت فهي تثبت في كل مرة انها مختلفة على المرة السابقة فالذي يشاهدها بفيلم "عائشات" لسعيد ولد خليفة أو "مسخرة "للياس سالم يدرك أنها تطورت من الناحية التمثيلية وأبرزت قدرة على تحريك مشاعر الفرح والحزن بالمتلقي. اما بقية الطاقم فقد نفذت كل ممثل الشخصية التي سطرها عبد اللطيف بن عمار ببراعته في تسيير الممثلين وتوجيههم ما أثمر هذا الفيلم"شارع النخيل الجريح" الذي سيكون كنخيل مدينة بنزرت علامة فارقة في المشهد السينمائي العربي بشكل عام والمغاربي بشكل خاص ووسام على صدر الشراكة السينمائية التونيسية الجزائرية.