ثقافات

جديد قيس الزبيدي: "مونوغرافيات في تاريخ ونظرية صورة الفيلم"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عرض منير العبيدي من برلين: أصدر قيس الزبيدي كتابه الذي يحمل العنوان أعلاه ضمن سلسلة " الفن السابع " وهو من منشورات وزارة الثقافة ـ المؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية ـ دمشق 2010.
نستهل التعريف بالكتاب بما أورده المؤلف في الصفحة 43 في الفصل الثاني المعنون " الفيلم كفن تركيبي " من أن هذا الفن هو " الفن الوحيد الذي نشأ في ظروف الرأسمالية " ونورد أيضا ما أقتبسه الكاتب من سادول الذي كتب، إن هذا الفن " استطاع أن يولد تحت أعيننا بهذه السرعة العجيبة، لأنه لم ينشأ على أرض عذراء خالية من الثقافة، فقد استوعب وهضم العناصر المختلفة المأخوذة من كل فروع المعرفة الإنسانية وتجاربها، ولم ينشأ دونما حضارة وثقافة العصور القديمة ".
ارتبط هذا الفن بشكل وثيق بالصناعة ودوافع الربح مما شكل نقاط صدام بين المبدعين الحقيقيين من جهة والمنتجين من جهة أخرى. يورد الكتاب ما قاله أورسون ويلز مخرج الفلم الكبير "المواطن كين ": " لقد أضعت عشراتِ السنين من حياتي وأنا أناضل من أجل حقي في صنع الأشياء على طريقتي. وقاد ذلك أن المنتجين ذوي التفكير التجاري دمروا الشكل السردي لحكاياتي "، ثم يضيف: " بدأت من القمة ولم أجد بعدها سوى النزول".
يورد الكتاب أيضا مثال غرفث الذي يصفه بأنه قد أحدث "ثورة كاملة، تم فيها بشكل تدريجي تحطيم طرق البناء المسرحية واستخدام وسائل تعبيرية فيلمية خاصة"، إلا انه، هو الآخر، قد دخل في صراع مأساوي مع هوليوود حيث تنكر له منتجوها وأغلقوا في وجهه كل الأبواب فقضى نحبه منسيا في غرفة في احد فنادق هوليوود عام 1948.
و لكن علاقة المبدعين السيئة لم تنحصر بمؤسسات الإنتاج الفيلمي في العالم الرأسمالي فقط ، فالكاتب يورد لنا مثال باراجانوف السينمائي السوفييتي الشهير مخرج فلم " جياد النار" الذي سُمح له لأول مرة بمغادرة الاتحاد السوفييتي حين بلغ الرابعة والستين من العمر، حيث توجه إلى روتردام ضمن دعوة وُجّهت إليه كواحد من أفضل عشرين مخرجا في العالم.
"مَحَت السلطة خمسة عشر عاما من حياته وحرمته من انجاز أفلامه ولا توجد عقوبة جنائية لم تسجل ضده ولا خطيئة لم تلصق به".

فن السينما وخصائصه
ينطوي التعريف بالخصائص الخاصة بهذا الفن على أهمية خاصة بسبب الجدل حول مدى استقلالية فن السينما عن الفنون الأخرى وهل أن هذا الفن، حديثَ الولادة، هو مجرد جمع لعناصر من فنون أخرى وخصوصا الفوتوغراف ثم التشكيل والموسيقى.. الخ. ويفرد الكتاب فصولا خاصة عن علاقة السينما بالفنون الأخرى وعن الخصائص العامة المشتركة كما والخصائص الخاصة المنفردة لكل فن من الفنون، ويتتبع التطور التاريخي للسينما كفن وصناعة مشيرا إلى القفزات النوعية التي قاد إليها سينمائيون مشهورون يفرد لهم فصولا خاصة ويسلط الضوء على طبيعة التثوير الأسلوبي الذي قاموا به.
يتطرق الكتاب في فصل خاص للفيلم السوفييتي "المدرعة بوتيومكين" لإزنشتاين ويصف هذا الفلم بأنه " أسطوري". كما يخصص الكتاب عدة فصول للموجة الجديدة في السينما ويشير إلى مذهب " الكاميراـ قلم" لدى استروك. يقول المؤلف أن العديد من المنظرين الأوائل تحدث عن " لغة السينما" إلا أن مضمون "الكاميراـ قلم" لـ "أستروك" كان أكثرها دلالة وتحديدا".
سنجد أن من وصفه الكتاب بـ " الوجودي" اندريه بازان قد عمل على تطوير نظرية سينمائية استنتاجية قائمة على التطبيق والممارسة. فقد أسس بازان عام 1951 مجلة "دفاتر السينما" ويشير إلى أن هذه المجلة هي أكثر المجلات السينمائية أهمية وتأثيرا في التاريخ، فقد أصبحت خلال الخمسينات ومطلع الستينات "أشبه بمأوى للمثقفين النقاد، أمثال فرانسوا تروفو، جان لوك غودار، كلود شابرول ، أيريك رومر، جاك ريفيت وغيرهم ".
و في فصل معنون " الموجة الجديدة، سينما المؤلف" يشير إلى فرانسوا تروفو على انه أفضل من عبر عن المبدأ النظري الأساس، الذي حدد هوية مجلة "دفاتر السينما" في الخمسينات. ففي مقالته المتميزة " الاتجاه اليقيني للسينما الفرنسية " طور تروفو المصطلح النظري " سياسة المؤلف" الذي أصبح أشبه بالشعار الذي تجمع حوله النقاد الفرنسيون الشباب.
و يفرد الكاتب موقعا خاصا لغودار في فصل أسماه "غودار بين ماركس والكوكا كولا" ويشير بشكل خاص إلى فلمه "مذكر مؤنث" ويرى أن غودار "يبني في أفلامه محطاتٍ للهجوم على المونتاج التقليدي، منتهكا الأعرافَ والتقاليد، يهدم ويتهدم، يدمر ويتدمر".

المسرح في السينما
يكتب قيس الزبيدي أجمل فصول كتابه وأكثرها كثافة هنا، أي علاقة السينما بالمسرح. وبما أن المسرح هو الفن الأكثر عراقة وتجربة والأكثر قربا إليها، فلقد أصبحت السينما معنية، كما رأينا في طور نشوءها الأول، بالتخلص من تأثير المسرح والتأسيس للخطاب البصري والسردي الخاص بها انطلاقا من خصائصها هي. ولكن هذه جدلية العلاقة بينهما، قد استلزمت فيما بعد إيجاد مقاربات مع المسرح على أسس جديدة لا تقوم على التبعية وإنما على الاستقلال والثقة بالنفس، بعد عبور مرحلة التأسيس.
هذا الفصل هو جزء من فصول عديدة تناقش علاقة السينما بالفنون الأخرى، فبعد فصل "المسرح في السينما"، نجد " الشعر في السينما" ثم فصلا عن " اللوحة التشكيلية في السينما " يتبعها فصل عن " الفوتوغراف والفونوغراف في السينما" الذي سوف يتكرر بزوايا تناول مختلفة.
و في بحثه " السريالية في السينما" يشير الى دور الفنانين التشكيلين في صناعة الفلم بالتعاون مع مخرجين سينمائيين، مثل اشتراك سلفادور دالي مع لويس بونويل في اخراج الفيلم " كلب اندلسي" عام 1929. وفي فصل أسماه "السريالي والسياسي" يكتب الزبيدي: أن افضل من كتب تاريخ السينما السريالي في فيلمه الأول " الكلب الأندلسي"... هو ساحر السريالية لويس بونويل، وإن أفضل من كتب تاريخ السينما السياسي هو المخرج الإيطالي الكبير فرانشيسكو روزي بعدها ينتقل إلى فصل " الفلم السياسي".

السيناريو والسينما كتابةً
يشير إلى العلاقة بين الأدبي والسمع ـ بصري. ويذكر بأن السيناريو هو أساس الفلم ويعنى بالجانب البصري من السرد. " يشاهد المتفرج الفيلم بعين آلة التصوير".
إن الكتابة للسينما، كما يرى الكتاب، ذات خصائص خاصة تميزها عن عموم الكتابات الأخرى، يصفها بأنها عسيرة ولكنها قابلة للتعلم. لقد صدرت العديد من الكتب التي تُعنى بتعليم فن الكتابة للسينما وطرق كتابة السيناريو. ولكنه يقدم النصيحة التالية: " على من يريد أن يكتب السيناريو أن يقدر على كتابة بصرية ، ويفهم كيف تُرسم الشخصيات والأزمات الإنسانية بشكل مقنع".
يعرج الكتاب في فصل لاحق على بنية السرد، ويعتبرها مبدئيا قد تأسست منذ أرسطو، وإليه يعزو الفضل في التقسيم الكلاسيكي الذي لا يزال، من حيث الجوهر، قائما، أي احتواء بنية السرد على البداية والوسط والنهاية. ثم يعرض لمفاهيم معاصرة لبنية السرد منها مفهوم سيدفيلد وكيف أنه قد كرس هذه المبادئ للسينما وجعلها ذات إطار زمني على النحو التالي: الاستهلال 30 دقيقة، المجابهة 60 دقيقة ثم الحل ويتكون من 30 دقيقة، بما يشكل بمجموعها الطول التقليدي للفيلم. عدا ذلك يشير الكتاب إلى مجهود كتاب السينما للابتعاد عن السردية الأدبية المألوفة وتجريب سردية سينمائية خاصة.
و في فصل جعل عنوانه " الحكاية المغلقة" أقر، بادئ ذي بدء، بأن " تقاليد كتابة سينما اليوم تعود بأصولها إلى تقاليد درامية المسرح الإغريقي" (ص 97 ). إلا أن المؤلف يعالج التطورات التي أدت إلى إغناء وتطوير بنية الدراما القديمة ، فكانت " الحكاية المفتوحة " التي كانت عنوانا لفصل أشار فيه إلى أن "بنية الفصول الثلاثة لا تريد أن تعرف غنى الحياة واضطرابها وعبثيتها" ثم يضيف " هنا بوسعنا أن نشير إلى شكل بنية مختلفة، بنية غير درامية، بنية مفتوحة، كما هو الحال في مسرح بريشت الملحمي.

كيف تصنع أفلامك يا سيد هيتشكوك؟
كان النقاد الأمريكيون والأوربيون ينظرون إلى مضمون أفلامه البوليسية، بمعزل عن شكلها المبتكر. ولكنه كان يلقى التقدير العالي في مجلة " دفاتر السينما" التي أشارت إلى أن " هيتشكوك سينما والآخرون نفاية "، وحسب تروفو فإنه يفوق المخرجين جميعا، ووجده نقادٌ آخرون أعظم المبتكرين للأشكال في السينما. وفي فصل لاحق عنوانه " غودار يكتب عن غودار" سنقرأ إنه يرى في هيتشكوك: " الشاعرَ الملعون الوحيد الذي حقق نجاحا تجاريا واسعا بلا حدود وأمتلك حرية عمل أفلامه بدون تدخل من أحد".
و في فصل عن " السينما التدميرية" يعالج الكاتب التعقيد السيميائي للغة السينما التي تُعرض على جمهور شديد التفاوت في درجة استعداده. ويرى أن هذا يشكل إشكالا في الإيصال " سيما وأن السينما بطبيعتها فن جماهيري".
و لكنه يجاوب عن هذه الإشكالية بمهارة: "الفيلم عبارة عن بنية ذات مستويات متعددة، ينتظم كلٌ منها وفق درجة مختلفة من التعقيد، وبالتالي فإن المشاهدين الذين تتفاوت درجة استعدادهم، يلتقطون مستويات دلالية مختلفة".
و بالرغم من أن هذه الخاصية، أي استلام المشاهدين أو المتلقين مستويات دلالية مختلفة، يمكن أن نجدها في كافة أشكال الفنون والثقافة، فإنها في مجال السينما الأكثر انتشارا وبروزا بسبب شيوع الفلم وجماهيريته اكثر من أي فن آخر.
أسلوب المعالجة هذا، كما عموم المعالجات التي تَسِمُ الكتاب، تشير بوضوح إلى المنهج الجدلي الذي اعتمده الكاتب، عدا ما يمكن اعتباره إضافة ممكنة في ضرورة تطبيق المنهج نفسه في بحث العلاقة بين التماهي والتغريب ضمن إطار وحدة وصراع المتضادات.

إشباع حاجات الخيال في السينما
يعالج هذا الموضوع " أشكال الاستثمار الاقتصادي الرأسمالي للسلعة السينمائية " ص (157) ويرى ما يلي " وُضِع إنتاج الفيلم، تدريجيا، أمام مهمة إشباع حاجات الخيال الجماعي، التي ينتجها الحرمان الاجتماعي". ثم يضيف " ويبين علم الاجتماع، إنه كلما كبر حرمان الناس ومعاناتهم، أصبح، من الضروري إيجاد بدائل تحافظ، من جهة، على استقرار النظام الاجتماعي، وتعوض من جهة أخرى عن كل الحرمان الذي ينفيه النظام، ويحجب التناقضات التي تولده".
و لكننا سنلاحظ مع ذلك ان السينما قد لعبت دورا ثوريا في نقد مؤسسات السلطة، رأسمالية كانت أم اشتراكية، كما أن الأفلام التي حظيت بعداء السلطات لم تنحصر بالبلدان الرأسمالية، ويزخر الكتاب بأمثلة ريادية عديدة لم تحظ برضى السلطات، إن لم تستعديها. من الضروري ان نشير إلى أن مؤسسات الإنتاج الفيلمي الرأسمالية كانت معنية، كما أكد ماركس في معالجته لدوافع الإنتاج الرأسمالي عموما، بالربح قبل كل شيء.

خلاصة
بما أن السينما هي أكثر الفنون جماهيرية وأكثرها انتشارا على الإطلاق، حيث يشاهد الأفلامَ السينمائية مئاتُ الملايين من الناس على كوكبنا كل يوم، فإن هذا الكتاب لن يكون موضع اهتمام دارسي الفن السابع، ممن سيشكل هذا الإصدار بالنسبة لهم حدثا مهما مكثفا ويغطي فترة زمنية طويلة، بل سيكون كذلك موضعَ اهتمام القراء الذي يشكل الفلم جزءا من حياتهم اليومية، خصوصا أولئك الذين لا يرغبون في أن يشاهدوا الفلم مشاهدة عابرة فقط، إنما يتطلعون إلى التمتع بكامل أبعاده الإبداعية وجوانبه الريادية، فالكتاب يسلط الضوء على ما يمكن اعتباره طرق تذوق العمل السينمائي وإدراك "الخفايا" الفنية في صناعة الفلم ضمن فترة انجازه ودرجة تطور صناعته.

قيس الزبيدي
من مواليد بغداد/ العراق. كاتب سيناريو ومخرج ومصور ومونتير. ناقد وباحث في نظرية السينما. تخرج من معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ/ المانيا.نظم وشارك في دورات سينمائية عديدة في السيناريو والاخراج والمونتاج في تونس وفي مركز التدريب الاذاعي والتلفزيوني/ اتحاد الاذاعات العربية/ وفي الهيئة الملكية الادنية للافلام/ عمان.
عمل في استديو ديفا للافلام التسجيلية وفي المعهد العالي للسينما في المانيا في المونتاج والتصوير والاخراج.
اخرج وقام بمونتاج مجموعة من الأفلام والأفلام التسجيلية، وحازت أفلامه على جوائز في مهرجانات دمشق وفلسطين وقرطاج وفي مهرجانات دولية عديدة. منها مونتاج "اكليل الشوك" وثلاثية "رجال تحت الشمس" والحياة اليومية في قرية سورية, كما أخرج العديد من الأفلام عن الموضوع الفلسطيني منها:
- بعيدا عن الوطن 1969 الجائزة الفضية في مهرجان ليبزغ / المانيا.
- شهادة الاطفال الفلسطينيين في زمن الحرب 1972 الجائزة الذهبية في مهرجان فلسطين في بغداد.
- حصار مضاد 1977 الجائزة الرئيسية في مهرجان اوبرها وزن /المانيا.
- وطن الاسلاك الشائكة 1980 الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق.
- ملف مجزرة 1984
- اخرج أفلاما تجريبية وتسجيلية منها: "لزيارة"، "كابوس"، "ألوان"، "أكثر من جيران" وفيلما عن سعد الله ونوس. كتب واخرج الفيلم الروائي التجريبي الطويل " اليازرلي " عن قصة لحنا مينة.
نظم برامج خاصة عن السينما السورية في زوريخ وفي مهرجان لايبزغ الدولي وعن سينما الموضوع الفلسطيني في دمشق وزوريخ وروتردام والاسماعيلية.
عمل في لجان اختيار الافلام في مهرجانات لايبزغ واوبرهاوزن والقاهرة وشارك في عضوية التحكيم في مهرجانات عديدة في ليبزغ-القاهرة-باريس-فرايبرغ-دمشق.ابو ظبي. دلهي
صدر عن افلامه كتاب(( عاشق من فلسطين )) للناقد محسن ويفي, وذلك بمناسبة منحه جائزة التكريم الخاصة من قبل وزير الثقافة في مصر في مهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والقصيرة عام 1995.
اصدر الكتب التالية "مسرح التغيير" عن المسرحي الالماني برتولت بريشت. " بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني- نحو درامية جديدة "."فلسطين في السينما". "المرئي والمسموع في السينما" و"مونوغرافيات سينمائية" عن المؤسسة العامة للسينما في دمشق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف