الحلقة الخامسة: يورجو يرتكب فعلا فاضحا... ولم تمض غير لحظات حتى وصل يورجو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رواية جديدة لاحمد ابراهيم الفقيه: ابنة بانايوتي
الحلقة الخامسة: يورجو يرتكب فعلا فاضحا
ولم تمض غير لحظات حتى وصل يورجو لاهث الانفاس الى الشعبة، يسأل عن الاومباشي جبران، وقبل ان ينتهي من سؤاله كان الاومباشي قد رآه واتجه اليه ليعرف سبب مجيئه، فقال ان والده وامه ارسلاه لاحضار اخته الى الوكالة، لانهما يريدانها ان تبقى لمساعدة امها في افراغ ما احتوته صناديق الكرتون التي جاءت من المدينة تحتوي سلعا لوضعها في الدكان، والتفت الاومباشي الى انجيليكا يستطلع رأيها، فشككت فيما يقوله اخوها غير مصدقة انه ينقل رسالة من ابيها وامها لانهما دائما يوافقان على خروجها الى الشعبة واختلاطها باهل النجع وهو وحده الذي يعارض، ولكن الاومباشي تذكر انه منذ لحظات كان ينظر الى الفتاة متمنيا لو انها بقيت مع اهلها لتعفيه من حرج وجودها مع ابنته في الشعبة، وتنقل ببصره بين الفتاة واخيها ليعرف من تراه يصدق منهما، وبدت له واضحة علامات الاسراف في شرب الخمر على يورجو، من خلال احمرار عينيه وما بقى من اثر في طريقة نطقة ورائحة الاوزو التي تخرج كلما فتح فمه بالكلام، ومع ذلك وجد نفسه هذه المرة ينحاز لموقف الاخ ضد الاخت، قائلا لانجيليكا بلهجة حانية ان تستجيب لما قاله اخاها وتذهب معه الى البيت، حتى لو كانت هذه رغبته وليست رغبة والديها، لكي تتاكد من ذلك بنفسها، وهنالك دائما يوم الغد، حيث تستطيع ان تعود لتستأنف رحلتها اليومية الى الشعاب، دون ان يبقى لشقيقها حق الاعتراض او الممانعة اذا تبث حقا انه يتصرف بوحي من فكره الخاص، وواصل مثل هذا الحديث معها حتى طابت نفسها ووافقت على مرافقة يورجو في طريق العودة الى الوكالة.
عاد الناس يحنون ظهورهم ويمدون ايديهم تحمل الاوتاد يستلون بها سيقان الحلفاء، وقد انسحب من وسطهم عنصر الاثارة، انجيليكا، بما اسهمت في تحريكه من حديث النميمة والشائعات بكل ما فيه من تسلية وتزجية للوقت، فقد عاد الوقت الى روتينه البطيء الثقيل الذي تآلفوا معه خلال مسيرة العمل، بكل ما ينتج عنه من ضجر وضيق، وهي مسيرة تواصلت مع اغلبهم ممن بدأوا مع بدأ الوكالة مدة تزيد عن عام كامل، دون ان يكون في ادراكهم وهم يرقبون انسحاب انجيليكا، وانسحاب ما تبعث به من احاسيس الاثارة في نفوسهم، ان هناك لحظات اكثر اثارة ستنجم عن هذا الانسحاب، اذ لم تنقض غير دقائق لا تزيد عن ربع ساعة، حتى انطلق الصراخ يتردد بقوة عبر الشعاب، صراخ امرأة ياتي من مكان ما قريبا من سفح الجبل عند بداية الصعود الى الشعبة، ويتواصل في الحاح ورعب، صادرا عن امرأة تطلب النجدة، مختلطا بتموجات الصدى التي تعطي الصراخ مزيدا من القوة وتضفي عليه شيئا من الرهبة والاحساس بالخطر والفجيعة، بحيث لا تترك مجالا امام كل الناس في الشعبة الا ان يتوقفوا عن التقاط الحلفاء، مندفعين باتجاه مصدر الصوت اسفل الجبل، وكانت المفاجأة التي لم يكن احد منهم يتوقعها او يتصور حدوثها، هي وجود انجيليكا تطلق الصراخ، مطروحة ارضا فوق كثيب من الرمال تحت شجرة رتم ذات ازهار صفراء، تحاول النفاذ من قبضة شقيقها يورجو الذي انطرح فوقها وقد مزق قميصها وتنورتها وحمالتي صدرها، ومازال يصارعها محاولا ان يمتطيها لاكمال اغتصابها، وقد ضعفت مقاومتها تحت تأثير لكماته وضرباته، مرغما اياها ان تستلم له، بعد ان افلح في الدخول بين فخذيها، وقد ظهر عري محاشمه ومحاشمها، فهرع اليه الرجال راكضين يرفعونه عنها، ويتعاونون على رفع جسمها الغائص في الرمال وقد نزع احد الرجال عباءته ورماها فوق جسمها العاري، وهي متهالكة تكاد لا تقوى على الوقوف الا انهم اوقفوها، ولا تقوى على المشي، الا انهم ساروا بها، وقد تعاون رجلان، احدهما الاومباشي جبران على اسنادها، حتى استطاعت ان تمضى وهي تجر قدميها بينهما تجهش بالبكاء، واستطاع يورجو ان ينتزع نفسه من وسط الرجال الذين امسكوا به، ومضى يعدو باتجاه الشعبة التي يشقها طريق السيارات، منطلقا عبره الى الطريق الرئيسي الذي يربط الصحراء بالعاصمة، ركض بعض الشباب خلفه، ثم تركوه بعد ان يئسوا من اللحاق به، وعادوا يلتحقون بالركب العائد بانجيليكا الى الوكالة دون ان يعبا احد من اهل النجع بالرجوع الى الشعبة لجلب ما جمعوه من كميات الحلفاء القليلة، مصطحبين انجيليكا الى بيت اهلها، وكانت اخبار ما حدث قد وصلت بطريقة من الطرق الى بانيوتي وزوجته فخرج الاتنان يركضان باتجاه الجمع الذي جاء يصحب انجيليكا، ويلاقيانه قبل مسافة من الوصول بها الى البيت، وارتمت الام فوق ابنتها تحتضنها، لحظة وصولها اليها، وتنفض التراب العالق بشعرها، وتنخرط مع ابنتها في البكاء، بينما وقف الوالد مصعوقا، ذاهلا لا يدري ما يقول، عاجزا عن القاء السؤال عما شاهده هؤلاء الناس الذين جاءوا يصحبون ابنته، فقد وصله من الاشارات ما يكفي لان يعرف بالفعل الاجرامي الفاضح المرعب الذي ارتكبه يورجو في حق اخته، كل ما كان يقوى على ترديده جملة واحدة، ظل يرددها المرة وراء الاخرى، دون ان يتعب من ترديدها، لانه احس بها تعيد له شيئا من التوازن والثبات اما هؤلاء الناس:
ــ سأقتله، سأقتل الولد الفاسد حال ان تقع عليه عيناي. نعم سأقتله، لا محالة ساقتله، قسما بالسيد المسيح سأقتله.
وبعد وصلة من البكاء استمرت بضع دقائق، تبادلت خلالها الام مع ابنتها ترديد الاهات الحرى وهما واقفتان، تحرك الركب وقد استلم الاب وزوجته مهمة اسناد ابنتهما، ومعاونتها على جر قدميها باتجاه البيت، حتى اوصلاها اليه، عندئد تفرق الناس عائدين الى بيوتهم، متخلين هذا اليوم عن العمل، وقد احسوا بان مقتضيات اللياقة تستدعي ان يتركوا بانايوتي وزوجته يختليان بابنتهما يواسيانها ويواسي احدهما الاخر، شاعرين جميعا بجسامة الفعل الذي حدث لهذه الاسرة الصغيرة، في موقع غربتها بين هذه الشعاب المعزولة عن العالم، البعيدة عن ارض الوطن والاهل.
حال دخولها البيت عاودت انجيليكا البكاء الهستيري، تنتفض وترتعش، غير قادرة على ان تتعاطى الا بالبكاء مع الام التي تسعى لمواساتها والتخفيف من الامها، تاخذها الى حضنها وتطرح اسئلة متوالية بغية الاطمئنان على حالتها دون ان تتلقى عنها ردا. جلست في البداية مع والديها في الصالون الموجود بردهة البيت، وعندما تفاقمت معها حالة البكاء والارتعاش، نهضت ودخلت مسرعة الى غرفتها وانكفأت على سريرها تواصل النشيج والانتفاض. استبقى بانايوتي زوجته قليلا عندما همت بان تلحق بابنتها، يريدها ان تمنح الفتاة لحظات للبقاء مع نفسها، علها تعود بعد ان تستنفذ طاقتها من البكاء، الى حالتها الطبيعية، لتستطيع ان تعرف منها على وجه التأكيد ان كان شقيقها قد اكمل فعلته المشينة معا، متمنيا على الله ان تكون ابنته ما تزال تحتفظ بعذريتها، والا يكون قد حدث ما تنتج عنه نطفة ملعونة، كان هذا مصدر قلقه الاساسي، كما ابلغ زوجته التي جلست معه برهة قصيرة، ثم لم تستطع صبرا، فلحقت بابنتها تحاول ان تتلقى منها ردا يجيب على تساؤل اولدها خاصة وان هناك دما نزف من جرح في فمها نتيجة لكماته لها محاولا اسكاتها فلم يعد متيسرا فرزه عن اي دم أخر يمكن ان ينتج عن فض بكارتها، الا ان الفتاة كانت ما تزال في حالة من التشنج والحدة والعصبية، فلم تفز منها الام باي جواب، وعندما تكلمت، لم تقل شيئا غير التعبير عن اشمئزازها من نفسها، ومن احساس بالتلوث شمل كل جسمها، وضيقها من حبات الرمل التي دخلت في ثقوب جسمها وتسللت بين طيات شعرها، ومدت يدها الى فوطة الحمام ودخلت مسرعة تضع جسمها تحت الدش تزيل ما لحق بها من ادران. ارادت امها ان تساعدها في حمامها، فصاحت انجيليكا تطلب منها ان تتركها في حالها، وانتهت تلك الساعة دون ان تفصح لامها عن حدود ما حصل لها، ودون ان تستطيع الام ان تعرف هذه الحدود من خلال معاينتها لها، لان الفتاة لم تكن تسمح لامها بالاقتراب منها للقيام بهذه المهمة سواء اثناء اخذها للدش او بعد ذلك وهي تستسلم للنوم وقد احكمت الغطاء حول جسمها.
ــ 10 ــ
فر يرجو متواريا خلف الجبال، ولم يعد، انقضى النهار وجاء الليل وانقضى دون ان يظهر له اثر، ودون ان تبدى عائلته أي نوع من القلق عليه او الخوف على المصير الذي ينتظره وهو يهرب مختفيا في الصحراءz، بما في ذلك امه، التي تجنبت ان ترى الناس، حيث ابقت بيتها مقفولا عليها وعلى ابنتها، تاركة الدكان للاب يقسم وقته بينه وبين الوكالة، ولم يكن صعبا ان يستعين بمن يحل محل ابنه الهارب في الوقوف على الميزان، وقد عاد الناس في اليوم التالي الى جمع الحلفاء، وهم يجدون موضوعا زاخرا بالاثارة يوحد احاديثهم، هو موضوع الاغتصاب الذي تعرضت له انجيليكا من قبل اخيها يورجو، باعتباره جريمة يصعب ان يجد لها الانسان مثيلا يحدث في مثل هذه المناطق، ويؤكد كبارهم ممن شهدوا الحروب وسمعوا عن اهوال وكوارث، انه لاول مرة في حياتهم تصادفهم جريمة من هذا النوع الفاحش، ويتساءلون وهم يجمعون على استنكارها كبارا وصغارا، عما اذا كان غياب مثل هذه الجريمة عن بيئاتهم البدوية، يرجع الى عمق الولاء للديانة المحمدية، التي تشكل لاتباعها رادعا من الوصول الى هذا الدرك الاسفل في الجرائم الاخلاقية والجنسية، اذ انهم لا يجدون تفسيرا لحدوث ما حدث الا في حقيقة ان ابطال هذه الفضيحة ينتمون الى دين آخر، مع اعترافهم ويقينهم ان الدين الاخر، وهو دين النصارى هذه المرة، لابد انه يستهجن ويستنكر ويستهول مثل هذه الجريمة التي تستباح فيها الحرمات وتسقط فيها الاخلاق الى حضيض الزنا بالمحارم، مهما بدا احيانا من وجود شيء من التسامح في العلاقات الاجتماعية بين النساء والرجال وقبول الاختلاط بين الجنسين اكثر مما يحدث لدى المسلمين، وليس ادل على استبشاع هذه الجريمة لدى اصحاب هذا الدين، موقف اسرة بانيوتي الرافض لسلوك الابن الى حد تمني الموت له والرغبة في قتله كما كان يردد الاب، وموقف الابن المجنون نفسه الذي لحقه الرعب من عاقبة ما فعل، فاعطى قدميه للريح، معرضا نفسه للموت تائها في الصحراء، هروبا من العقاب الذي ينتظره على يد اسرته. كان الحديث يدور همسا بين الناس في الشعبه، لسبب اول هو عامل الحياء، باعتباره حديثا يتعلق بعمل مخجل، لا يخاطب فيه الصغير كبيرا، ولا تخاطب به الانثى ذكرا، وكل فئة من الناس تدس رؤوسها في بعضها البعض وتتهامس به بين انفسها، والسبب الثاني في عدم المجاهرة والافصاح عما يقولون، يتعلق بعائلة يعرفونها هي عائلة بانايوتي، ويكرهون ان يكونوا سببا في اضافة مزيد من الالم والمعاناة لما تعانيه بسبب ما حدث. بل كبار اهل النجع كانوا يتدابرون في كيف يجدون سبيلا لرفع العناء عن بانايوتي وعائلته ويتابدلون حديثا يصب في هذا الغرض:
ــ لقد ابتلاه الله بهذا الولد المجنون، المدمن لشراب الاوزو، فماذا بامكان المسكين ان يفعل؟
قال ذلك الاومباشي جبران مخاطبا الحاج رضوان وهما يتناولان الشاي اثناء استراحة الغذاء تحت شجرة العرعار
ــ لقد هرب الولد، وقد تهرب البنت بعده، لانها ستجد صعوبة في مواجهة اهل النجع والتعامل معهم كما كانت تفعل قبل الكارثة.
ــ لا يستحق بانايوتي ما حدث له، ولا تستحق ذلك زوجته كاتيا
ــ و لا تستحقه الفتاة، فهي فتاة عاقلة، جميلة، موضع محبة وتدليل من امها وابيها.
ــ لوالدها من رجاحة العقل ما يؤهله لوجود طريقة يعالج بها الموقف.
ــ لا علاج ولا حل، الا بان يتدبر لها زوجا في التو واللحظة.
وهذا ما كان بانايوتي فعلا قد عقد عليه العزم، زوج لانجيليكا، وليكن اليوم قبل الغد، وعلى غير عادته وقف بانايوتي في الخلاء عند حافة الطريق الذي تسلكه الشاحنات الى الوكالة، ينتظر في قلق وترقب وصول الشاحنة، في لحظة توافقت مع عودة اهل النجع يحملون محصولهم اليومي من عملهم في الشعبة، وقد اطلق بعضهم السلام عليه، واقترب منه الاومباشي جبران يحييه ويسأله عما اذا كان هناك شيء يدفعه الى ترقب القادمين، فاجابه بانيوتي بان ما يقلقه هو ان الشاحنة تاخرت عن موعدها، فخرج يتغلب على القلق بالمشي بضع خطوات عبر المدخل الذي ستأتي منه سيارة الشحن عله يراها وهي تخرج من منعطف الشعبة، فمد الاومباشي ايضا بصره بذات الاتجاه الذي اشار اليه بانايوتي، وراى خلف رؤوس التلال التي تشكل مدخل الشعبة عمودا من غبار يثور في الاجواء فخمن انه ناتج عن عجلات السيارة، قبل ظهورها، وقال بشيء من الحماس يخاطب صاحبه اليوناني
ــ ابشر يا سيد بانايوتي، فالشاحنة ستظهر بعد قليل عبر المنعطف، فانظر جيدا وسترى انفها يسبقها خارجا من وراء تلك التلة.
ولم تمض غير بضع دقاق حتى ظهر انف السيارة تغطيه غلالة من الغبار بسبب الطريق الرملي الذي تمخره العجلات، وقبل ان يقفل الاومباشي راجعا لخيمته تاركا لابنه مهمة الانتهاء من وزن محصول الحلفاء واخذ الكوبون، راودته رغبة ان يقف على سر هذا القلق الذي اخرج بانايوتي الى الطريق يرقب الشاحنة، فلعلها تحمل اضيافا ينتظر قدومهم، فهو قلق وراءه سبب، لانها ليست اول مرة تتاخر فيها الشاحنة عن موعدها لبعض الوقت، وانتظر حتى وصلت الشاحنة، ووقفت في المكان الخاص بها، دون ان يهبط منها أي ضيوف ينتظرهم بانايوتي، فهو لم يكن ينتظر احدا غير الفونسو، لانه ما ان هبط حتى هرع اليه بانايوتي وسحبه بعيدا عن بقية رفاقه، يتحدث اليه على انفراد، ويطيل معه الوقوف والحديث، ولم يكن صعبا على الاومباشي جبران الذي عمل اثناء خدمته العسكرية في مهمات تجسسية، ان يتكهن بما يشغل بال بانايوتي، وما يمكن ان يريده من الفونسو، وما هي طبيعة الحديث الذي يدور بينهما، بل عاين اتجاه الريح واستدار عائدا الى خيمته في حركة التفاف يكون منها قريبا من الاثنين حيث يمكن ان ينقل له الريح مفردة يلتقطها من حديثهما لانه لن يكون قادرا على التصنت للحديث بكامله وكانت هذه الكلمة التي وصلت الى مسامعه لتكون مفتاحا لشفرة ما يتبادلانه من كلام هو اسم انجيليكا، واستمر في طريقه عائدا الى بيته، دون ان يخبر احدا بما رآه وما تكهن به، لكي يتوضأ ويذهب الى الجامع للمشاركة في صلاة المغرب. وعندما عاد ليلا الى المجلس الذي اصبح انعقاده بعد المغرب عند مدخل الادارة تقليديا يوميا، لم يسأله عما دار من حديث بينه وبين الفونسو، او عن اية تدابير ينوي اتخاذها ازاء محنة ابنته، فالموضوع مصدر حرج كبير للاب، خاصة اذا تم الحديث حوله في حضور شيوخ النجع المتحلقين حوله، كما تجنب ان يسأله عن ابنه وعما اذا سمع أي اخبار عما حدث له وهو يغيب في الصحراء، بعد ان ارتكب جريمته النكراء، كان يراه يجلس ثم ينهض من جديد، دون ان يستقر على حال، منشغلا باعادة توزيع العمل في المواقع التي شغرت، فقد تركت زوجته المتجر كما تركته ابنته وغابتا داخل البيت لا تغادرانه، غير المكان الذي شغر بهروب ابنه، وقد بدأ يستعين بعمال مؤقتين من شباب النجع، وكان بانايوتي قد رأى الاومباشي يرقبه وهو ينفرد بالفونسو عند وصوله ويتفاوض معه، وعرف انه يتحرج من سؤاله حول الموضوع، فتطوع بالاجابة قائلا له في حضور بقية رفاق السهرة
ـــ حمدا لله فقد وافق الفونسو، على ان يقوم بمهمة الاشراف على الميزان، ولن يعيقه عمله الجديد عن الاستمرار في عمله السابق فوق الرافعة.
ــ الفونسو سيكون عونا كبيرا لك، فهو صاحب خبرة في مثل هذه الاعمال وسيعتمد على نفسه دون انتظار مساعدة منك كما كان الحال مع يورجو.
ــ لا اريد ان اسمع اسمه، كنت اظن انني انجبت ولدا ولم اعرف انه خنزير وليس انسانا الا الان، لعنة الله عليه اينما ذهب، صدقوني انني كنت اهم ظهر امس بالذهاب الى مركز شرطة مزده لاشتكيه للرائد السردوك لينال عقابه تعذيبا وسجنا، ولكن امه الدرويشة منعتني من ذلك اشفاقا عليه.
يعرف الاومباشي جبران ان صديقه بانايوتي لم يبلغه بكل شيء، وان اشياء اخرى تم الاتفاق عليها اثناء تلك الوقفة الطويلة مع الفونسو لم يشأ الافصاح عنها، الا ان الطرف الثاني في الصفقة، بدأ فعلا يكشف عنها وهو الفونسو الذي ذهب صحبة بانايوتي الى بيته، ليفتح له باب البيت دون غيره ويبقى فيه بعضا من الوقت، ثم اقتضاه العمل ان يغادر الوكالة مع الشاحنة التي جاء فيها، ليجلب الاغراض التي يحتاجها للإقامة الدائمة وترتيب حياته على هذا الاساس، وفعلا، هذا ما حدث، فقد احضر في اليوم التالي ما يكفي من مواد البناء لبناء غرفة بمنافعها وردهة تتبعها، ملصقة ببيت بانايوتي، مصطحبا معه ثلاثة عمال باشروا في بناء البيت الصغير الجديد الذي سيكون مقرا لاقامته، وانتهزت السنيورة كاتيا وجود هؤلاء العمال فاستعانت بهم في بناء ركن في ردهة بيتها خصصته للعبادة وضعت به ايقونة العذراء وجدارية للمسيح وصليبا ومكانا للصلاة ليكون ركنا للعبادة من اجل ان تحل البركة ببيتها واسرتها ولكي تتقي ببركة اليسوع وامه العذراء الشرور وكيد الاعداء الذين يتربصون باسرتها الدوائر في هذه الارض الغريبة.
رشح من حديث الفونسو ان هذا البيت الصغير الذي يبنيه سيكون عش الزوجية الذي سيضمه مع عروسه انجيليكا، وقد بدا بانايوتي سعيدا وهو يشارك بهمة ونشاط في التخطيط والاعداد للبناء البيت، وبسرعة انتشر الخبر وازداد تأكيدا بما فعله بانايوتي عندما امر بذبح خروفين لاقامة وليمة من قصاع الارز والمكرونة لقاطني النجع، فيما بدا انه ترتيب وتهيئة لاخراج زوجته وابنته من عزلة البيت، واقامة احتفال صغير بمناسبة خطبة الفونسو لانجيليكا، وتم اعداد خيمة المقهى لتكون مكانا للاحتفال، وتم فرش البراح الذي امامها بالاكلمة والبطاطين والحصران لاستيعاب كل اهل النجع في قسمين قسم للرجال وقسم للنساء والاطفال، وبينهما اريكة جلس عليها الخطيب وخطيبته، وحلقة من الكراسي لجلوس اكابر اهل النجع، وكان بانايوتي حريصا على ان يكون حفل الخطوبة حفلا كبيرا صاخبا بزغاريد نساء البادية والمزمار البلدي يعزفه عاشور وهو ابرع من يعزف المقرونة من اهل النجع، جاء يحمل سمعته معه منذ ان كان في مزده يحيي افراح البلدة ومن حوله اعضاء فرقة الشوشان، وقدر ردد الحاضرون معه مقاطع الغناء التي كان يقولها، بعد ان يملأ قربته بانفاسه لتتسرب منها هذه الانفاس الى القصبتين المربوطتين الى بعضهما البعض بمادة صمغية لاصقة، وقد اعطى اقترانهما بهذا الشكل، الاسم الشعبي لهذا المزمار وهو " المقرونة "، فيستخدم عاشور هذه الاستراحة من النفخ، في اطلاق الاغاني التي يرددها خلفه الحاضرون من نساء ورجال:
غزالات جبل
اليوم ريت غزالات جبل
خذن قلبي كانك تسأل
التعليقات
نجع بانايوتي
عبدالرحمن -.. في انتظار القادم
نجع بانايوتي
عبدالرحمن -.. في انتظار القادم