ثقافات

كيف قرأ الأدباء السعوديون أحداث 11 سبتمبر 2001؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله السمطي من الرياض: كانت الصورة قاسية، فبعد انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك أشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، وإلى مشاركة خمسة عشر سعوديا في تفجير المركز حسب الرواية الأميركية. تحولت وسائل الإعلام الأميركية والغربية إلى قاض وجلاد معا، ووسعت دائرة الاتهام لتشمل المسلمين والإسلام قاطبة. كان الحدث مدويا، غير مجرى التاريخ الجديد بداية الألفية الثالثة، ولمّا ينته الأمر باحتلال أفغانستان والعراق من قبل القوات الأميركية وبعض أتباعها من الدول الأوروبية.
الصورة قاسية، فقد عادت مفاهيم الحرب الصليبية على بلاد الإسلام، مهما كانت المسميات الأخرى، فهي حرب استهدف فيها المسلمون والعرب في عقائدهم وتقاليدهم وتراثهم وديارهم.. هكذا هي الصورة، واستبيحت بلاد وأنظمة ولم يعد هناك ما يسمى بدول إسلامية ذات سيادة، فتحت ذريعة الإرهاب استحلت أراض وأجواء وموانئ ومدن وحدود، هكذا رأينا هذا الأمر في باكستان، في العراق في دول الخليج العربي، في الصومال، في اليمن، في أندونيسيا.. كانت الصورة ولا تزال قاسية ومؤلمة ومأسوية.
ولأن السعودية كانت مستهدفة من قبل الإعلام الأميركي والغربي، وشنت حملات إعلامية عدة ضدها، على الأخص، من بين بلدان العالم الإسلامي، فإن هذا ترك أثرا كبيرا في التحول السعودي صوب الإصلاح، وإعادة قراءة المناهج التعليمية والدينية، والاتجاه إلى الحوار الوطني الداخلي، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، وإغلاق بعض المؤسسات الخيرية التي ربما كانت أحد المصادر لتمويل بعض الجماعات المتطرفة، بيد أن الأثر الأكبر كان يتمثل في تقليص نفوذ الجماعات المتشددة، والشرطة الدينية، وإعطاء حقوق أوسع للمرأة السعودية، وإضفاء قدر من الحرية المسؤولة لوسائل الإعلام السعودية التي بدأت في مكاشفة الذات ونقدها وجلدها. وقرأت الحدث عبر مئات من المقالات التحليلية في صفحات الرأي في الصحف اليومية، ولم يكن الأدب بعيدا عن متابعة أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث تناوله الشعراء والروائيون والقاصون، كل على طريقته في الكتابة الإبداعية، ما بين تحويل الحدث إلى رمز، وبين تحويله إلى صورة تاريخية زمكانية تتأدلج فيها الأفكار والرؤى والتصورات، أو تحويله إلى قناع أو صورة مجازية لقراءة بعض القضايا الدينية والثقافية المعاصر، وسوف نقف هنا مع بعض النماذج لبيان كيفية قراءة هذا الحدث عبر الأدب السعودي.

ريح الجنة:
العنوان الذي اصطفاه الكاتب والمفكر السعودي تركي الحمد لروايته التي وظف فيها بشكل مباشر أحداث 11 سبتمبر هو:" ريح الجنة":" ريح الجنة ( دار الساقي - بيروت 2005 ) وفيها تم الانتقال من الحقيقي إلى المتخيل، حيث تجلى في تجسيد تركي الحمد للشخصيات التي نفذت تفجيرات 11 سبتمبر، حيث حاول أن يعيد سردها تارة أخرى عبر المتخيل الروائي، بمعنى أن الفن الروائي نفسه يعتمد هذا التخييل، لأن الكاتب في التحليل الأخير يكتب رواية، أي عملا فنيا صرفا.. تركي الحمد أخذ الأسماء نفسها: محمد (عطا)، زياد (الجراح)، وليد، وائل، عبدالعزيز، أحمد، كما أن الإشارات إلى زعماء القاعدة بالأسماء نفسها: اسامة بن لادن، أيمن الظواهري، أبو حفص المصري، ثم زعيم طالبان: الملا عمر. هنا يتحول الحدث الروائي إلى حدث حقيقي لا متخيل، وهنا يواجه تركي الحمد مأزقه الأول: هل هذه رواية فنية، أم سرد يعتمد على ما نشر من معلومات في وسائل الإعلام عن بعض هذه الشخصيات المنفذة لتفجيرات 11 سبتمبر؟
الرواية بالتأكيد تعتمد على هذه المعلومات، والأكيد أيضا أنها استفادت بشكل مباشر منها في سرد السير الخاصة لهذه الشخصيات، لكن ما يضعنا حقيقة هنا في منطق ما هو روائي أمران: قصد الكتابة، وطريقة السرد، فالحمد قصد إلى كتابة رواية، على الرغم من أن الحدث والشخصيات كانا جاهزين، بيد أنه جعل للشخصيات الروائية هدفين: الأول فيزيقي: وهو تدمير برجي التجارة في نيويورك، والآخر ميتافيزيقي وهو " دخول الجنة ". هذان الهدفان كانا يخايلان أبطال الرواية من أولها لآخرها، وبالتالي أحدثا نوعا من التشويق، أو لنقل نوعا من أفق التوقع / اللاتوقع من لدن القارئ في الرواية، كذلك فإن طريقة السرد، وما فيها من عبارات تخييلية وأخرى وصفية، واستخدام آلية الاسترجاع: " الفلاش باك " بشكل كبير أحدثت هذا الأثر الذي حول الحقيقي إلى متخيل.
إن مأزق الرواية الحقيقي هو اعتمادها على حدث بارز ومعهود، واختيار الشخصيات والأحداث كما هي، وتحميل الرواية قدرا كبيرا من التوثيق والاقتباسات، وضعف النسق التخييلي للنص، وهي أمور جعلت الرواية نهاية الأمر مجرد رواية تسجيلية لا إبداعية، رواية توثيقية وثوقية، لا تنطوي على بنية روائية جدلية، بولوفونية، تقترح الأسئلة، وتعيد صياغة الحقيقي صياغة متخيلة، ودالة، وعميقة.

الإرهاب بوصفه صورة:

تحت هذا العنوان كتب الناقد الدكتور عبدالله الغذامي الفصل السابع من كتابه:" الثقافة التلفزيونية" (المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2004) واستهله بقراءة حدث 11 سبتمبر بوصفه صورة، حيث أوضح أن الحادي عشر من سبتمبر صار علامة ثقافية عالمية، وهو اليوم الذي أفاق فيه الناس على صورة طائرتين تخترقان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، واحدة تلو أخرى في تعاقب لا يزيد على عشرين دقيقة، كانت الصورة وهي تبث تلفزيونيا تحمل كل مقومات الإخراج السينمائي، وتضاهي أدق فنيات السينما، حتى في الإثارة وتحفيز الذهول وعدم التصديق... لقد كانت صورة ناسخة لكل ما سواها من صور، وبلغت قوتها النسخية أن ألغت كل ما سبقها وصارت المصدر التأويلي لكل ما بعدها، وهي بهذا صورة تترجم كل عناصر الهيمنة الثقافية والبصرية.
ويستمر الغذامي في قراءته الحدث مبينا طبيعة المواجهة بين القوة العظمى وقوة أخرى لا تملك من العظمة غير إرادة المواجهة، ولكي يتحقق إخراج صورة كونية لحدث أراد صانعوه أن يكون حدثا عالميا وخططوا لإخراجه وإنتاجه لكي يحققوا أعلى درجة من عالمية الصورة. الغذامي اعتبر الحدث بمثابة صورة مؤدلجة حملت بمصطلح:" الإرهاب" حيث جرت كتابة معنى خاص للإرهاب وجرت كتابة صياغة مختلفة في التعامل السياسي العالمي. وقد نتج من هذا أن الصورة المبثوثة لتهشم البرجين قد عملت فعلا على تهشيم قوانين التأويل في الثقافة البشرية، وأمام هذه الصورة نحن نقف في لحظة تغير حاسم ليس في علاقات أميركا مع العرب والمسلمين فحسب بل نقف على لحظة الحسم في تغيرات تمس الثقافة البشرية كلها.


بين رؤيتين:
وتستلهم آلاء الهذلول في روايتها:" الانتحار المأجور" بعض تبعات الحدث كما تناوله أحمد الدويحي في الجزء الثاني من روايته:" المكتوب مرة أخرى".
وفي روايته:" الإرهابي 20 " (دار المدى، دمشق، الطبعة الأأولى 2006) يتناول عبدالله ثابت الحدث من خلال شخصية زاهي الجبالي الذي كان سيصبح الإرهابي المحتمل رقم (20) بالإضافة إلى التسعة عشر إرهابيا الذين نفذوا الحدث، يقول عبدالله ثابت في الفصل الرابع والعشرين من روايته (الصفحات 177-182):" إذن فالتسعة عشر الذين فجعوا العالم في هذا اليوم من سبتمبر كان من المفترض أن أكون عشرينهم، لو أني بقيت معهم واستجبت لأولئك الذين كانوا يريدون أن يقنعوني بالرحيل لأفغانستان، ولكنت واحدا من الذين هدموا كل هذه الطوابق على رؤوس من بداخلها، ولكنت واحدا من الذين مزقوا المسافرين بداخل الطائرات التي اصطدمت بالبنايات الثلاث، ولكنت طرفا في جريمة من أكبر جرائم التاريخ بحق الإنسانية مهما كانت المسوغات السياسية أو الدينية أو غيرها".
وينقل ثابت غبطة بطله بأنه لم ينضم إلى هذه المجموعة التي دمرت البرجين، ثم يستثمر شكل المقالة في كتابة رؤيته للحدث على لسان بطل الرواية الذي استطاع الهروب بفكره ورؤيته من هذا الفكر المتطرف المتشدد الذي سوغ - عبر الولاء والبراء- فكرة" قتل الناس الذين لا علاقة لهم بأوساخ السياسات" وجعلته يتساءل:" هل يمكن أن يكون مبدأ القتل والغيلة حلا يعجب الله من أي طرف سواء كان فاعله مسلما أم يهوديا أم نصرانيا؟".
ويعلق عبدالله ثابت روائي ملخصا الرؤية العامة للحدث وأثره في الحياة السعودية والشعب السعودي حيث يقول:" لقد كان موقف السعوديين، شعبا وحكومة، موقفا محرجا فخمسة عشر من أبنائها يقضون مضجع العالم، ويوقدون حرب الدماء، وبات الإنسان السعودي، بعد أن كانت له معاملته الخاصة واحترامه الاستثنائي في كل بلد من بلدان العالم وبالأخص أميركا، بات مثيرا للشبهات ومتهما لمجرد أنه سعودي، بل ربما واجه بعض الإهانات.. أو الكثير منها. ووجهت الاتهامات الكثيرة للتعليم وللمتدينين ولأشياء كثيرة، وفعلت الدولة كل شيء بصدق لتثبت أنها ترفض ما حدث، وأنها ستستأصل شأفة كل من أوقد نارا للحرب والعداوة، ووضعت في اعتبارها الكثير من التعديلات التي بقيت مثارا للجدل بين الصراخ الديني الذي يرى في فعل الدولة هذا انبطاحا للغازين بثقافتهم وسياستهم أرضنا، وبين أولئك المستنيرين الذين يهتفون بضرورة أن نستيقظ قبل أن يوقظنا العالم بصفعة ربما تكلفنا الكثير من الدماء والأرواح".
ينقل ثابت هنا موقفين ما زالا مثار الشارع السعودي موقف مؤيد للحدث وتبعاته، وموقف رافض له يبغي الإصلاح والتنوير، وبين الموقفين مازالت الرؤية متأرجحة على الرغم مما أبداه البعض من تغير ونزوع نحو المراجعة، والاستتابة، والتسامح.
هكذا قرأ الأدباء السعوديون حدث 11 سبتمبر، ومع أن الحدث كان جللا، وفادحا ومأسويا، وأحدث تحولا كبيرا في إعادة قراءة التاريخ، إلا أن التغيير لم يكن كبيرا في الشرق الإسلامي، إذ لم يمس جوهر أدبيات هذا الشرق، لأن الشرق لم يواجه ذاته ويعيد قراءتها ومساءلتها، حيث انحنى الجميع أمام العاصفة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف